|
الثورة الإسبانية : مقدمة سريعة
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5575 - 2017 / 7 / 8 - 14:30
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في 19 يوليو تموز هذا العام تمر الذكرى السنوية ال 75 للثورة الإسبانية . حيث استبدلت الراسمالية و الدولة لفترة قصيرة بالتضامن بين البشر , و التعاون المتبادل و احترام الآخرين . أدار العمال و الفلاحون الذين كانوا متأثرين بقوة بالأفكار الأناركية , أداروا المجتمع بشكل جماعي و أصبحوا سادة مصيرهم , و قاموا بإدارة الصناعة و الزراعة . كان الجزء الأهم من الثورة هو النضال ضد محاولة الفاشيين الاستيلاء على إسبانيا . نتذكر اليوم الانتصارات الرائعة أو المآسي الكبرى للثورة الإسبانية و نحاول أن نتعلم من أخطاء رفاقنا . تتمتع الأفكار الأناركية و السينديكالية بجذور عميقة بين العمال و الفلاحين الإسبان . في عام 1911 تأسست فيدرالية نقابية ثورية جماهيرية هي الكونفيدرالية الوطنية للشغل * . حددت لنفسها هدفين : الأول مقاومة أصحاب العمل في نضالات جماهيرية في إطار الصراع اليومي , و الثاني القيام بالثورة الأناركية من خلال تنظيم العمال و الفقراء للاستيلاء على الأرض و المعامل و المناجم . قادت الكونفيدرالية الوطنية للشغل الكثير من النضالات الناجحة ضد أصحاب العمل و الحكومة . بحلول عام 1936 كانت قد أصبحت أكبر نقابة في إسبانيا تضم قرابة مليوني عضو . لكن الكونفيدرالية بقيت ديمقراطية على الدوام و على الرغم من جحمها الهائل لم يكن فيها أكثر من موظف واحد يحصل على مرتب . لم يقتصر الأناركيون في تنظيمهم على المعامل , بل نظموا أيضا مجموعة سياسية أناركية للعمل داخل النقابات ( الفيدرالية الأناركية الإيبيرية ) و نظموا حملات الامتناع عن دفع الإيجار في الأحياء الفقيرة . ضمت الكونفيدرالية أيضا الفلاحين و العمال الزراعيين و العاطلين عن العمل . حتى أنها أسست مدارس عمالية ! في يوليو تموز 1936 حاول الفاشيون بقيادة الجنرال فرانكو و بدعم من الأغنياء و الكنيسة , الاستيلاء على إسبانيا . الحكومة المنتخبة ( حكومة ائتلاف الجبهة الشعبية من أحزاب اليسار ) لم تكن قادرة و لا راغبة في مواجهة الفاشيين . حتى أنها حاولت التفاوض مع الفاشيين لتوصل إلى اتفاق بتعيين شخص من اليمين لرئاسة الحكومة . لماذا ؟ لأنهم كانوا يفضلون المساومة مع اليمين و حماية ثرواتهم و سلطتهم على تسليح العمال و الفقراء ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم . لحسن الحظ لم ينتظر العمال و الفلاحين الحكومة كي تتحرك . أعلنت الكونفيدرالية الوطنية للشغل إضرابا عاما و نظمت المقاومة المسلحة ضد المحاولة الانقلابية . و سارت بقية الاتحادات النقابية و أحزاب اليسار على منوال الكونفيدرالية . بهذا تمكن الناس من إيقاف تقدم الفاشيين في ثلثي إسبانيا . لكن سرعان ما أصبح واضحا لهؤلاء العمال و الفلاحين أن هذه لم تكن مجرد حرب ضد الفاشيين بل بداية للثورة ! كان تأثير الأفكار الأناركية قويا في كل مكان , أقيمت الميليشيات العمالية بشكل مستقل عن الدولة و استولى العمال على معاملهم و الفلاحون على الأرض . كانت هناك انتصارات كثيرة للثورة , رغم أنه لا يمكننا إلا أن نستعرض بعضها هنا فقط . كان من بينها الاستيلاء الجماعي على الأرض و المعامل . كان صغار الفلاحين و العمال يواجهون ظروفا حياتية قاسية في إسبانيا . كان الجوع و القمع جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية , لذلك كانت الأناركية قوية خاصة في الريف . أثناء الثورة أنشأ سبعة ملايين فلاح و عامل زراعي تعاونيات طوعية في المناطق الخارجة عن سيطرة الفاشيين . بعد هروب الإقطاعيين أقيمت جمعيات في القرى . إذا قرر الناس أن ينشئوا تعاونية كانت الأرض و الأدوات و الحيوانات توضع بالكامل تحت تصرف التعاونية بأسرها . شكلت مجموعات للاهتمام بمجالات العمل المختلفة و انتخبت لجنة لتنسق بين هذه الأعمال . عقدت كل تعاونية اجتماعات عامة منتظمة شارك فيها جميع أعضاؤها . لم يفرض الانتساب إلى التعاونية على أحد , و منح كل من اختار القاء خارج التعاونية ما يكفيهم من أرض لكنهم منعوا من تشغيل أحد لزراعتها . اختار معظم هؤلاء فيما بعد الانتساب إلى التعاونية عندما رأوا مدى نجاحها . ألهمت الأناركية أيضا تحولات هائلة في الصناعة . استولى العمال على مصانعهم و أداروا الإنتاج بأنفسهم مباشرة و لصالح العمال و الفلاحين الإسبان . تعطي منظومة الترام في برشلونة مثالا مشرقا عن درجة تحسن الأمور عندما تدار تحت سيطرة العمال المباشرة . في 24 يوليو تموز 1936 اجتمعت طواقم الترام و قرروا إدارة منظومة الترام بأنفسهم . في خمسة أيام أصبح هناك 700 ترام في الخدمة مقابل 600 في السابق . تمت المساواة بين الأجور و تحسنت ظروف العمل و منحت رعاية صحية مجانية لكل العمال . استفاد الجميع من وضع الترامات تحت سيطرة العمال المباشرة . خفضت أجرة الترام و زاد عدد الركاب خمسين مليونا . و استخدم الدخل الفائض لتحسين خدمات المواصلات و إنتاج السلاح للدفاع عن الثورة . مع اختفاء حافز الربح الرأسمالي أصبحت السلامة أكثر أهمية بكثير و انخفض عدد الحوادث . في مراحل الثورة الأولى كانت القوات المسلحة للدولة في حالة انهيار , و في غيابها نظمت النقابات و الأحزاب اليسارية مقاومة العمال و الفلاحين في ميليشيات . كان هناك أكثر من 150 ألف متطوع مستعد للقتال إذا دعت الحاجة . كان معظمهم أعضاءا في الكونفيدرالية الوطنية للشغل . تم انتخاب كل الضباط من قبل الجنود أو المقاتلين و لم تكن لهم أية امتيازات من أي نوع . أظهرت الثورة أن العمال و الفلاحين و الفقراء قادرين على خلق عالم جديد دون سادة أو حكومة . و أظهرت أن الأفكار و الأساليب الأناركية ( مثل بناء النقابات أو الاتحادات الثورية ) يمكن أن تنجح في الواقع . لكن على الرغم من كل ذلك هزمت الثورة . بحلول عام 1939 انتصر الفاشيون في الحرب الأهلية و سحقوا الطبقة العاملة و الفلاحين و أقاموا ديكتاتورية وحشية . كيف حدث هذا ؟ هزمت الثورة جزئيا بسبب قوة الفاشيين . تلقى الفاشيون دعم الأغنياء و إيطاليا الفاشية و ألمانيا النازية . لكن الكونفيدرالية الوطنية للشغل ارتكبت أخطاءا أيضا . كانت تهدف إلى تحقيق أوسع وحدة في مواجهة الفاشيين و انضمت إلى ائتلاف الجبهة الشعبية الذي ضم أحزابا مشاركة في الحكومة و قوى مؤيدة لرأس المال . أدى هذا إلى تقديم الكونفيدرالية الوطنية للشغل لتنازلات كبيرة من برنامجها الثوري . و منح هذا حكومة الجبهة الشعبية الفرصة لإضعاف التعاونيات الأناركية و الميليشيات العمالية و القضاء عليها فيما بعد , و لعب الحزب الشيوعي الدور الرئيسي في هذه الهجمات بأوامر من روسيا الستالينية . على الرغم من ذلك أثبت الأناركيون أن أفكارهم التي كانت تبدو جيدة على صفحات الكتب كانت أفضل عندما طبقت بالفعل على أرض الواقع .
* National Confederation of Labour
نقلا عن https://www.wsm.ie/c/spanish-revolution-quick-introduction-anarchism
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا أزال أناركيا ؟
-
لماذا لا يوجد حل قومي للمسألة الكردية
-
عشيقة لينين - الثورة قبل الحب : إينيسا أرماند
-
الثورة الروسية المضادة - غريغوري بيتروفيتش ماكسيموف
-
ملاحظات على ملاحظات ياسين الحاج صالح إلى إسلاميين حسني النية
-
حدث ذات يوم
-
ترامب و الإسلاميون و أطياف الثورة السورية
-
القيامة الآن , أو نهاية العالم
-
نصوص سوريالية
-
الشهيدان
-
السعيد
-
المرأة العربية : جسد مهدد , إنسان مسجون – ماجدة سلمان
-
اعتقال هيربيرتو باديلا و بلقيس كوزا مالي
-
كان سان : الثورة البروليتارية الثقافية العظمى
-
مسألة التكتيكات – إيريكو مالاتيستا
-
الماركيز دي ساد و التنوير
-
حفيد غيفارا الأناركي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
-
التوليتارية و الأدب – جورج أورويل
-
هل يمكننا تغيير العالم من دون الاستيلاء على السلطة ؟ جون هول
...
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|