|
كأنّه أبي-الفصل الثّالث-4-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 5569 - 2017 / 7 / 2 - 17:15
المحور:
الادب والفن
نستعمل مقياس الألم في الحبّ، والحياة، في الحزن، والفرح نقول: كم تألّمت من أجلك! كم كان ألمي كبيراً! عندما يرتجف داخلك معلناً ثورة الألم لا يمكن أن تعده بالنّعيم. قالوا لي: عش الحاضر، وضع يدك على حلمك. كلّ الكبار مشوا خلف أحلامهم. لا تصدّقوا هذا الكلام، قد يتسرّب الحلم، ليس كلّ من مشى وراء حلم اصطاده. كان لديّ حلم تسبّب بغيابي عن الحياة طويلاً. حلم بسيط جداً، قد تستغربون لو قلت لكم . حلمت أن يكون لي أب مثل باقي البشر. هذه المرأة كانت أبي تصفيق. تدخل امرأة عجوز -يبدو أننا أتينا إلى مسرح حرّ في الشّارع. هل تقتنعين بمسرح الشّارع يا ميّ؟ -ليس دائماً. دعنا نشاهد المسرحيّة. بعض ممثلي الشّارع يكونون أحياناً كالمتسولين، وهناك البعض يؤدّي بشكل جيّد هو في النّهاية مسرح. انظر إلى المرأة المسنة تتربّع وسط المسرح. الجميع يصمت. أنا لست ممثّلة . إنّني امرأة أنتظر أن أعيش بضع سنوات دون متاعب. ابنتي هند هي التي تحدّثت عن الألم. لكنّها ربما لا تعرفه. لا أحبّ الفضائح، لذا لن أتحدّث عن الاعتداء الجنسي الذي وقع عليّ عندما كنت في السّابعة. لا زلت أخشى أن يقوم ذلك الرجل من قبره ويفترسني. كان في السّتين. هو صديق أبي وقريب أمّي. لن أتحدّث لكم عن الدورة الشّهريّة أيضاً . هذه وحدها قصّة رعب لا تنتهي. حتى الآن أسأل نفسي كيف جرى ذلك. كانت رائحتي تنبعث، وأخجل، ولا أستطيع أن أدير نفسي. لن أتحدّث عن تفاصيل حياتي الجنسيّة مع زوجي كنت أرى نفسي خلالها مثل دابّة لم أتحدّث لكم عن رحيل زوجي إلى امرأة أخرى لديها مال. هو أتى من أسرة بلطجيّة ، وعاد إليها. أكثر ألمي أتى أنّني لم أتعوّد أن أغسل وجهي في الصّباح، ولا أمشّط شعري. عندما انتقلت إلى هذا المكان بدأت أفعل ذلك بتكاسل، ذاكرتني لا زالت تمثّل حالة من عدم النّظافة. قد لا تعرفون كم هو مؤلم أن تكون الحرارة تحت الصّفر، وعليكم أن تمشوا بضع دقائق في الجو الطبيعي إلى بيت الخلاء، ولا صنبور هناك، والماء في السّطل متجمّد. أحياناً تضطرّ أن تهرب من المكان ولا تدخله. لم أكن أعرف أنّ المياه الجارية هي نوع من الرفاه. لو وجد الماء الجاري والكهرباء لما كان عندي ألم. أحبّ الحياة، كما أحبّ الرّفاه. تصفيق مع وقوف. . . . -كيف استطاعت المرأة أن تذهلنا. لم تعد مسنّة. هي طائر يحلّق ألا ترينها كذلك يا ميّ؟ -أنظر إلى عينيّها، فأرى الصّدق، وإلى جلستها فأرى الانكسار. هي كما قالت. لديها أشياء أكبر بكثير. اسمع! تعالي يا هند. اجلسي قربي. أشعر معك بالأمان. هذه ابنتي هند. كانت أمّها من أجمل النساء، ومن أفضل البشر، لكنّها لم تحتمل. قتلت نفسها. لم يصلّوا عليها. اعتبرها الشّيخ كافرة، كان الدهن يذوب منها وتتفحم. ذهبت إلى عند الله مقمّرة والنّار لم تعد تؤثر فيها فقد اختبرتها. قالت أمّ زوجها: لو كانت شريفة لما قتلت نفسها، واختبأ أهلها خوفاً من العار. أم هند صديقتي. كانت تتلقى الإهانة والضرب من زوجها، وكلّما ذهبت إلى أهلها ترغب في قضاء يوم أعادوها. في مرّة أتت وشربت فنجان قهوة عندي. قالت أشعر أنّني سوف أموت. أتمنى أن ترعي هند. بعد ساعة أحرقت نفسها، ولم تنقذها أخت زوجها. انتظرت طويلاً قبل أن تستدعي أحداً يفتح الباب. قد تعتقدون أنها مبالغة. اسألوا أمهاتكم كم من النساء أحرقن أنفسهن. عندما تيأس المرأة من أهلها بأنّهم لن يقدّموا لها الحماية سوف تختار طريقاً آخر. ليس جميع النساء أحرقن أنفسهن. بعضهنّ قتل بجريمة قبلة أعطاها لشخص قال لها أحبّك، ثمّ أفشى السّر، فكان فحلاً، وكانت عديمة الشّرف، وبعضهم تمسّك بالعلل كي يستمرّ في قول الآه بسبب مرضه، لا أحد يستطيع لومك لو كنت مبتلي بعلّة شريطة أن لا تقرب إلى موضوع الوقوع تحت الظّلم. صوت ينطلق من بين الجمهور. أنت امرأة كاذبة. لم تتحدّثي إلا عن الرّجال، ونسيت أن كيدهنّ عظيم. المرأة هي من يتسبب بالظلم، وعليها أن تطيع زوجها. ضجيج. الجمهور يوقف الرّجل ويحمي المسرح اتركوه يستمع. أهلاً بك ابن بلادي. تذّكرني بالوطن. يشبهك كثيراً. . . . أنا وهند قطعنا شوطاً كبيراً في الحبّ، فكلّما كانت تهرب من زوجة أبيها كنت أخبئها، وأحكي لها القصص، وأخيراً أخرجتها زوجة أبيها في الواحدة ليلاً وأقفلت الباب، مدّ أبوها رأسه وقال لها. سوف تكونين مثل أمّك، وأغلق الباب. أتت لعندي وهي تضحك: هم من طردني. خلصت منهم . سوف أبقى عندك. الآن عرفت لماذا أعجبت تلك المرأة بأبي. هي شريرة مثله. هما من طيف الأشرار . عبرت مع هند الحدود. كان هناك متجر كبير أسرق منه كلّ ما نرغب في أكله. قالت لي هند. أليس حراماً أن تسرقي؟ أجبتها: نعم يا هند لو كنا نملك ثمن طعامنا فقط، لكن الموت من الجوع هو أكثر بشاعة من السّرقة. التقيت خلف الحدود بمجموعة خيرية. حضرت بعض اجتماعاتهم كي يمدّوا لنا يد العون. تحدّثوا عن أصولهم النبيلة، غنّوا في الاحتفال عن عراقتهم. ثمّ طلبوا منّي أن لا أحضر معهم إن لم أدفع اشتراكاً لهم وأغير مظهري البائس. هم يمثّلون الوطن، وعظمته. أقرأ عنهم كثيراً. قد يكون الأخ الذي شتمني هو من أتباعهم. . . . تقف هند: أيها الحضور الكريم :أتينا من بلاد بعيدة خائفين. في بلادنا هناك حركة تجهيل مبرمجة. كان الموت أسهل من الحياة . رأيت موجة تجهيل هنا أيضاً ، لكنّني التقيت بالمقابل بأصحاب القيم، والأحرار . أرغب في أسرة إنسانيّة. نحن لا نمثّل. كل الكلام الذي سمعتموه حقيقة، لكنّ لا قيمة له. أنّا وهذه المرأة التي كانت أبي نحتاج إلى عائلة، وربما بعضكم كذلك. نحتاج إلى مجتمع يتعاطف معنا. هل يمكننا تشكيل عائلة نتبادل معها أطراف الحديث في كلّ أسبوع مرّة؟ عائلة إنسانية ليس لها انتماءات حماسية، ولا قضايا تحتاج للقتل والضَرب. سوف أعطيكم ملخصاً عن حياتي بعد وصولي إلى الغرب مع أمّي. كنّا نمجّد تاريخنا ، وقدّم أحدهم نفسه لي كعظيم. نصحتني أمّي أن لا أتزوجه. كنت متأثّرة بموضوع أنّ الزّواج هو غسل للعار الاجتماعي، ورأيت أنّ الشّاب يقول أنّه مهذّب، فتزوجته. أقصد سمحت له أن يغتصبني ثم تزوجته خوفاً من الفضيحة فاغتصبني عدّة مرات قبل أن يقول لقريبته أنه سوف يتركني. كنت أنا المذنبة بحقّ نفسي. اعتقدت أنّ وجود رجل قربي يمنحني مكانة اجتماعية، فأذلّني في الاتّجاهات الأربعة. يمكنكم فهم طريقة تفكيري قبل أن أقرّر أن أصبح خارج التفكير الشّائع. ربما لم أكن لفظياً أقبل بالذّل، لكنّني قبلته لإرضاء المجتمع. كي لا يقولوا عنّي عانس، وقبلت أن يغتصبني زوجي كي لا يتركني. سوف أكون هنا غداً في نقاش حرّ تقوده امرأة ورجل. رشّحت أمّي لذلك، وأرغب منكم أن ترشّحوا رجلاً . أتدرون؟ لو كان هناك رجل ما ينتظر حبّي لرحلت إلى آخر العالم من أجله. كم هو ضروريّ وجود ذلك الجنس الخشن في حياتي! أحب صوته المفعم بالمودّة. ليس كلّ الرّجال أبي. التقيت بهم كثيراً هنا. يا لروعة بعضهم. يفهمون ألمي دون أن أنطق به. لو أحببتني سوف أحبّك أكثر. إلى اللقاء.
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمنة في ظلّ تعدّد الأئمّة
-
كأنّه أبي-الفصل الثّالث-3-
-
ماقبل جيل النّعم، وما بعده
-
كأنّه أبي-الفصل الثّالث-2-
-
رسالة امرأة في العيد
-
قصّة عيد يهرب من الفقراء
-
لماذا تتقلّد المرأة الأدوار الثّانويّة
-
كأنّه أبي. الفصل الثّالث. 1.
-
كأنّه أبي.الفصل الثّاني. 5.
-
كأنّه أبي . الفصل الثّاني .4.
-
هل تتكرّر أسطورة الأمازونيات
-
- من يأكل من مال السّلطان يحارب بسيفه-
-
أدمغتنا أمام المغسلة العربية، والإسلاميّة
-
لهم الله والوطن، ولنا عذاب القبر
-
كأنّه أبي. الفصل الثاني. 3.
-
من نصادق، ومن نعادي؟
-
كأنّه أبي. الفصل الثّاني-2-
-
بعض أمراضنا الخفيفة
-
هذا الشّرق- العظيم- يلزمه بعض التّواضع
-
كأنّّه أبي. الفصل الثاني-1-
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|