أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ضياء شاحب/ قصة














المزيد.....

ضياء شاحب/ قصة


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 5565 - 2017 / 6 / 28 - 13:47
المحور: الادب والفن
    


من طرف الستارة يتسلل ضياء شاحب، فركت عينيها، وحينما لاحظت أنه غير موجود بالقرب منها، أقلعت عن فكرة النوم من جديد. غادرت السرير، أزاحت الستارة قليلاً: الطرقات خالية والنهار لم يبدأ بعد، وغلالة الفجر تحيل العالم إلى مساحة من الغموض.
فتحت باب الغرفة، رأته ممدداً في الصالة كعادته منذ ليالٍ، من حوله كومة الصحف، وفي متناول يده المذياع. إنه يترقب أولى الإذاعات في قلق ولهفة. رمى في اتجاهها نظرة، حمّلها شحنة من عدم الاكتراث كي يقطع عليها سؤالاً ثقيلاً: ألم تنم بعد؟ فعلت ذلك في بداية الأمر عدة مرات، ثم كفّت عنه حينما انتبهت إلى أنه لا معنى لهذا السؤال.
اتجهت إلى المطبخ، فتحت صنبور المياه، سمعت فحيح الهواء، كادت تيأس لولا أن الماء اندلق من الصنبور بعد لحظة انتظار، ارتاحت نفسها، فالماء منقطع منذ أيام. هل تزفّ إليه البشرى؟ تراجعت، إذ ما قيمة ذلك؟ فهو لن يكترث، ثم إنه بالتأكيد سمع صوت الماء.
لم يأبه بالأمر، هو يعرف أن تلك واحدة من مباهجها الصغيرة، دائماً تقول: البيت بلا ماء كالمزبلة. نهض على عجل وانتقل نحو الشرفة حتى لا تفاجئه بكلام عابر، هاله الصمت الذي يخيم على العالم، حدّق لحظات في نوافذ البيوت المجاورة، فلم ير سوى ستائر رمادية تنسدل على توقعات مبهمة.
عاد إلى الداخل، سمع تلاطم الماء في أوعية الحديد، فأدرك أنها صعدت إلى سطح البيت، وعادت تقول إن الماء لن يصل إلى الخزان. اقترب موعد الأخبار، ازداد توتره، تمنى لو ينقطع الماء حتى لا ينغّص عليه متعة الإصغاء، تلفت حوله، تنحنح معبراً عن تذمره، أغلقت باب المطبخ، فكأنما قرأت مزاجه، اطمأنت نفسه قليلاً، قال المذيع: هدوء حذر يسود محاور القتال بعد اشتباكات عنيفة دامت تسع عشرة ساعة.
شقّت الباب في حذر، ووقفت على مقربة منه، حدّق فيها منتشياً، كاد يقول لها إنهم ما زالوا صامدين. لكنه آثر الصمت، فلا بدّ من أنها استنتجت ذلك دون أن يخبرها به.
بدأت جفونه ترتخي، تمدّد على الكنبة، شعر بخدر لذيذ يسري في أطرافه كالمدمن بعد أن يتناول وجبة المخدر، إنه مدمن إذاعات، أبهجه التشبيه وهو يتجه نحو مملكة النوم، ثم فكّر لحظة: ترى هل يحدث ذلك صدفة، حيث لا يفعل شيئاً سوى الاستماع إلى الإذاعات؟ كاد السؤال أن يطرد سلطان النوم من عينيه، غير أن صوت المذيع أنقذه، فاختلطت الصور في وعيه، ثم غاب في إغفاءة طويلة.
واصل المذيع والمرأة تصغي إليه: اعتصمت نساء المدينة في المسجد احتجاجاً على قطع الماء والكهرباء. فطنت فجأة إلى أنها نسيت صنبور المياه مفتوحاً على الوعاء، فلا بد من أنه امتلأ والماء يفيض على جوانبه الآن. سارعت إلى المطبخ، حدقت في الصنبور مندهشة، رأته صامتاً لا تنزّ منه نقطة ماء، حدّقت في الوعاء، فإذا به لم يمتلىء، حركت مفتاح الصنبور يميناً وشمالاً، فأيقنت أن الماء انقطع من جديد، شعرت بالأسى، وأشفقت على المدينة المحاصرة التي تبعد عن بيتها مئات الأميال، واعتقدت أن هذا الذي يجري هنا لا يحدث صدفة، فاستبدت بها الوساوس، واتجهت نحو الصالة، تأملت وجه زوجها: إنه ينام الآن في طمأنينة قد تمتد بضع ساعات. أحضرت غطاء دثرته به، ثم أغلقت المذياع، وسارت نحو الشرفة، وقفت فيها لحظة، ارتاعت للصمت الذي ما زال يملأ الأرجاء، ثم جلست تتخيل الناس في المدينة التي يلفّها الحصار منذ شهرين.
فجأة رن جرس الباب، وجدت ثلاثة من جاراتها يتأهبن للذهاب إلى المسجد للاعتصام فيه مع حشد من النساء، تلبستها الحيرة بعض الوقت، هل توقظ زوجها لتخبره أنها ستذهب معهن؟ حينما رأت العجلة مرتسمة على وجوههن، غادرت البيت دون إبطاء، وقدّرت أنه سينهض من نومه بعد ساعات بحثاً عن نشرة أخبار أخرى.
غير أن الزوج لم ينهض من نومه أبداً، عادت زوجته إلى البيت بعد انتهاء الاعتصام، عجبت من استغراقه في النوم حتى هذه الساعة، حينما هزّته من كتفه لتوقظه، أدركت كل شيء. صرخت في ذهول وهي تعتقد أن هذا الأمر لم يحدث صدفة على أية حال.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا مكان للقطة/ قصة
- مارتا التي تشبه العصفورة/ قصة
- خوف متبادل/ قصة
- في الغابة ومعنا الطفل/ قصة
- عادات أسرية/ قصة
- رحيل متكرر/ قصة
- امرأة من بلادي/ قصة
- تحت الشمس/ قصة
- قلب الأم/ قصة قصيرة جدًّا
- استقبال/ قصة قصيرة جدًّا
- كنبة قديمة/ قصة قصيرة جدًّا
- سوق اللحامين/ قصة قصيرة جدًّا
- فراق/ قصة قصيرة جدًّا
- عناق/ قصة قصيرة جدا
- حلم/ قصة قصيرة جدًّا
- سائل فاتر/ قصة قصيرة جدًّا
- اشتباه/ قصة قصيرة جدًّا
- هي المدينة/ قصة قصيرة جدًّا
- رغبة/ قصة قصيرة جدًّا
- نشرة الأخبار/ قصة قصيرة جدًّا


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ضياء شاحب/ قصة