|
ميزانية حكومة السودان: نقد وتقييم
محمد علي جادين
الحوار المتمدن-العدد: 1450 - 2006 / 2 / 3 - 10:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
* تكتسب ميزانية 2006م اهمية خاصة، فهي اول ميزانية عامة للدولة بعد توقيـع اتفاقية السـلام الشامـل (9/1/2005م) مع الحركة الشعبية واتفاق القاهرة (18/7/2005م) مع التجمع الوطني وتكوين (حكومة الوحدة الوطنية) في اغسطس الماضي. وهي بذلك تمثل اول ميزانية في الفترة الانتقالية الممتدة حتى 2011م. والمفترض أن تمثل بداية لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل والاتفاقيات الاخرى المكملة لها ولتنفيذ خطة اوسلو (الجام) التي اعدتها البعثة المشتركة لتقدير احتياجات ما بعد السلام واجازها مؤتمر المانحين الذي انعقد في اوسلو في ابريل الماضي. فهل هي فعلاً كذلك ؟ هل هي بداية لإعادة بناء السودان على اسس جديدة ؟ هل تُعبِّر فعلاً عن الوضعية السياسية الجديدة التي دخلتها البلاد بعد اتفاقيات السلام ؟ ام انها تمثل امتداداً لميزانيات وسياسات حكومة الانقاذ في السنوات السابقة ؟ وما مدى تأثير كل ذلك في تطورات الفترة الانتقالية الجارية ؟
* مرجعيات الميزانية: اشار وزير المالية والاقتصاد الى أن الميزانية تستند الى ثلاثة اهداف وموجهات هي: 1/ برنامج الولاية الرئاسية الثانية. 2/ البرنامج الاقتصادي المتوسط المدى واستراتيجية مكافحة الفقر. 3/ اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي القومي... ولكن هذه الموجهات ترتبط ببرنامج وسياسات حكومة الانقاذ وليس لها أي علاقة بالوضعية السياسية الجديدة التي دشنتها اتفاقيات السلام. فبرنامج الولاية الرئاسية الثانية يرتبط بفترة سياسية سابقة كانت حكومة الانقاذ تنفرد فيها بالسيطرة على شئون البلاد وانتهت عملياً في 9 يوليو الماضي بتكوين مؤسسة الرئاسة وتعيين النائب الاول لرئيس الجمهورية من الحركة الشعبية. وكذلك البرنامج الاقتصادي متوسط المدى وبرنامج مكافحة الفقر. وبذلك لا تصلح كموجهات وأهداف لميزانية ترتبط بمرحلة ووضعية سياسية جديدة. صحيح أن الوزير اشار في موجهاته لاتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي، ولكن في اطار الموجهات المرتبطة بسياسات حكومة الانقاذ. وفي الوقت نفسه تجاهل عن عمد اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني ولم يشير الى الاتفاقيات المتوقعة مع الحركات الدارفورية وجبهة الشرق والقوى السياسية الاخرى. وتجاهل أيضاً الاشارة الى خطة اوسلو (الجام) التي اصبحت تشكل البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لاتفاقيات السلام المدعوم من قبل مؤتمر المانحين والقوى الدولية المهتمة بالازمة السودانية. وتجاهل هذه الاتفاقيات والخطة المشار اليها في اول ميزانية بعد البدء في تنفيذ اتفاقيات السلام يعني عملياً التهرب من الالتزام بها وبالتالي الاصرار على فرض برنامج وسياسات حكومة الانقاذ كأمر واقع. اذ ان الميزانية ليست مجرد ارقام ايرادات وانفاق حكومي، بل ترتبط بخطة اقتصادية/ اجتماعية محددة أياً كان شكلها. وفي هذه الحالة تشير الموجهات المذكورة الى أن ميزانية عام 2006 تمثل استمراراً لسياسات الانقاذ في السنوات السابقة. وهي سياسات مجربة واثبتت فشلها الفاضح. وسودان ما بعد السلام يحتاج الى سياسات جديدة ترتبط بخطة اسعافية سريعة تركز على المناطق المتأثرة بالحرب والحاجات الاساسية للسكان وخطة متوسطة المدى تعمل على اعادة اعمار وبناء البلاد بشكل عام والجنوب والمناطق الاكثر تخلفاً بشكل خاص. وهذا هو ما فعلته خطة اوسلو بإشراف البنك الدولي ومشاركة البعثة المشتركة المكونة من الحركة الشعبية وحكومة الانقاذ. وهي خطة لها سلبياتها في جوانب عديدة. ولهذا السبب هناك ضرورة لمراجعة هذه الخطة واعادة مناقشتها في مؤتمر اقتصادي قومي، شبيه بمؤتمر 1986، تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية بما في ذلك القطاع الخاص السوداني والنقابات وتنظيمات المجتمع المدني. وبناءً على ذلك كان الافضل تأجيل اعداد ميزانية 2006 لمدة ثلاثة شهور مثلاً وذلك لحين تكوين المفوضيات، وخاصة مفوضية تخصيص ومراقبة الايرادات القومية (كونت بعد تقديم الميزانية ولم تشارك في اعدادها) بالاضافة الى استكمال مشاركة التجمع الوطني في مؤسسات الفترة الانتقالية وانتهاء مفاوضات ابوجا مع الحركات الدارفورية والمفاوضات مع جبهة الشرق وترتيب المؤتمر الاقتصادي القومي المشار اليه والاتفاق على تصور حول خطة اعادة اعمار وبناء السودان. واستعجال الحكومة لتقديم الميزانية قبل استكمال هذه الخطوات الضرورية يعني عملياً اصرار نخبة الانقاذ على فرض برنامجها الاقتصادي والاجتماعي كأمر واقع. وذلك في غياب مشاركة القوى السياسية الاخرى، بما في ذلك الحركة الشعبية التي اعلنت عدم مشاركتها في اعداد هذه الميزانية (تصريحات قياداتها في المجلس الوطني) واضافة لذلك، فإن الميزانية تستند الى افتراضات غير واقعية تقول بنمو الناتج المحلي الاجمالي بحوالي 10% في العام وهو افتراض لا يسنده الواقع. فالاحصائيات تشير الى تراجع قطاعات الانتاج الزراعي والصناعي وانتعاش قطاعات النشاط التجاري والطفيلي طوال السنوات السابقة. والقطاع الوحيد الذي يشهد نمواً واسعاً هو قطاع انتاج وتصدير البترول. وانعكس كل ذلك في اتساع قاعدة الفقر وارتفاع الاسعار وتفشي البطالة وتراجع موقف الصادرات واستمرار العجز في الميزان التجاري رغم تصاعد عائدات البترول في السنوات الاخيرة. وفي ظل هذه الحالة لا يمكن التسليم بمعدل نمو في الناتج المحلي الاجمالي يصل الى 10% بينما معدلات النمو في معظم بلدان العالم الثالث لا تتجاوز الـ3-4% فقط. والواقع ان نخبة الانقاذ وسياساتها لا علاقة لها اصلاً بقضايا الانتاج والتنمية، وانما تركز فقط على مصالح الفئات البيروقراطية والطفيلية المرتبطة بها من خلال السيطرة على جهاز الدولة. وهذا ما تعكسه ارقام ميزانية 2006 نفسها.
* الموقف الكلي: تحدث وزير المالية عن اهداف الميزانية واشار الى عدة اهداف شملت: المحافظة على سيادة البلاد ووحدتها، تنفيذ اتفاقية قسمة الثروة، ترشيد الانفاق الحكومي، معدل نمو عالي (10%)، توفير السيولة، خفض معدل التضخم...الخ ولكن هل تحقق الميزانية وسياساتها تلك الاهداف ؟ الواقع ان هذه الاهداف تكرر سنوياً عند تقديم كل ميزانية ولا جديد فيها. وما يجري في دارفور والشرق وما يشهده المركز من توترات سياسية بين شركاء الحكم وداخل المؤتمر الوطني والحركة ومع القوى السياسية الاخرى، كل ذلك لا يسمح بتحقيق تلك الاهداف. وسياسات الميزانية نفسها لا تساعد على ذلك. المهم ان الموارد الكلية للميزانية تقدر بحوالي 2.055 مليار دينار تفاصيلها في الجدول رقم (1) كما يلي: الجدول رقم (1) الايرادات الذاتية العامة 1.709.4 82% القروض والمنح الخارجية 0.167.8 8% مصادر تمويل محلي 0.178.0 10% اجمالي الموارد المتاحة 2.055.2 100%
ويبلغ اجمالي تقديرات الانفاق الحكومي حوالي 2.085.2 مليار دينار، اي انه يعادل 29% من اجمالي الناتج المحلي. وذلك يعني ان الحكومة تتصرف في حوالي ثلث الناتج المحلي تقريباً. وتفاصيل هذا الانفاق كما يلي: جدول رقم (2) الباب الاول (انفاق الحكومة الاتحادية) 1.288.0 61.8% الباب الثاني (تحويلات حكومة الجنوب) 319.4 15.3% الباب الثلاث (تحويلات حكومات الولايات الشمالية) 477.8 22.9% اجمالي الانفاق العام 2.085.2 100%
ويعني ذلك ان الميزانية تحقق عجزاً بحوالي 30 مليار دينار. واذا استبعدنا القروض والمنح الخارجية والتمويل الداخلي (الاستدانة من البنك المركزي) يصل العجز الكلي الى 376 مليار. والواقع ان ميزانيات الانقاذ ظلت تظهر عجزاً متواصلاً وكبيراً وظلت على الدوام تموله بالاستدانة من النظام المصرفي والقروض والمنح الخارجية. ويؤدي ذلك بالضرورة الى تزايد معدلات التضخم والى ارتفاع حجم المديونية الخارجية التي وصلت الى 25 مليار دولار يتحمل الاقتصاد الوطني عبء سداد اقساطها وارباحها سنوياً. ولكن ما هي تفاصيل ايرادات الدولة ؟ والى اي مجالات تتجه نفقاتها السنوية ؟
* تفاصيل الايرادات العامة: تتلخص ايرادات ميزانية 2006 في الجدول الاتي: جدول رقم (3) تفاصيل الايرادات الذاتية العامة 2006 البيـــــــــــــــــــــــــــــــــــان 2005م 2006م % % 1/ الايرادات الضريبية - الضرائب المباشرة - الضرائب غير المباشرة - الجمارك ورسوم الانتاج - الضريبة على القيمة المضافة 467.4 95.0 372.4 278.6 93.8 676.0 105.0 571.0 334.5 236.5 - 5.1% 27.8% - - 32.9% - - - - 2/ الايرادات غير الضريبية - الرسوم المصلحية - المؤسسات والشركات العامة - الاستثمارات الحكومية - اخرى - عائدات البترول 807.6 18.6 42.0 16.0 25.0 706.0 1.033.4 25.0 65.0 18.0 17.0 908.4 -
6.2%
44.0% 50.2% - - - - 3/ اجمالي الايرادات الذاتية 1.275.0 1.709.4 - - 4/ التمويل المتاح - قروض ومنح - تمويل داخلي 166.0 95.0 71.0 345.8 167.8 178.0 - - - 16.9% - - اجمالي الايرادات العامة (3+4) 1.441.0 2.055.2 - 100%
هذا الجدول يعكس، بشكل واضح، المصادر المختلفة للايرادات الحكومية في ميزانية 2006. وهي تشمل: عائدات البترول، الضرائب، مساهمة المؤسسات العامة والاستدانة الداخلية والخارجية: 1/ تشكل عائدات البترول 44% من اجمالي الايرادات. وهذا يشير الى انها بدأت تحتل المكانة الاولى في تمويل الخزينة العامة، كما كانت الضرائب في الفترات السابقة. وهي عائدات ربعية لا علاقة لها بهيكل الانتاج الوطني وترتبط بسلعة استخراجية غير قابلة للتجديد. والمشكلة ان هذه العائدات الكبيرة والمتزايدة تصرف في مجالات استهلاكية وليس في مجالات الانتاج والتنمية. واضافة لذلك ليس هناك اي معلومات حول حجمها الحقيقي. هل ما يظهر في الميزانية يمثل كل العائدات؟ ام ان بعضها يحفظ في حسابات اخرى؟ وما هو نصيب الحكومة الفعلي؟ وفوق كل ذلك ما هي شروط الاتفاقيات الموقعة مع شركات الانتاج؟ هذه الاسئلة وغيرها تحتاج الى اجابات واضحة. ولكن الميزانية لا تفصح في هذه الجوانب، رغم اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي، ولا تشير الي عائدات المعادن الاخرى (الذهب وغيره) وهي عائدات كبيرة بدات في تسسعينات القرن الماضي. 2/ الايرادات الضريبية لا تزال تشكل نسبة كبيرة وتصل الى 33% من اجمالي الايرادات. وتشكل الضرائب المباشرة (على ارباح التجار والمؤسسات التجارية) حوالي 5% فقط، بينما تشكل الضرائب غير المباشرة (الجمارك ورسوم الانتاج والقيمة المضافة) حوالي 29% اي ما يعادل 80% من اجمالي الايرادات الضريبية. وذلك يعني ان جماهير الشعب تتحمل العبء الاكبر في تمويل الخزينة العامة مقارنة بمساهمة الفئات المقتدرة. وتشير الارقام الى ارتفاع كبير في ايرادات الضرائب يصل الى 45% مقارنة بعام 2005م وهي زيادات تتركز في الجمارك ورسوم الانتاج وضريبة القيمة المضافة. ورغم ان الوزير قد اكد خلو الميزانية من اي زيادات في الضرائب الا ان الواقع يعكس غير ذلك. فالزيادات عادة تنظر بعد اجازة الميزانية كما حدث في العام الماضي (زيادة اسعار الكهرباء) وكما تشير معلومات نشرتها الصحف حول زيادة اسعار البترول قبيل تقديم الميزانية. وبجانب ذلك لاتشمل الميزانية كل الضرائب المفروضة على المواطنين. فهناك ضرائب متعددة ومتنوعة تفرضها الولايات وبعض الوزارت والمصالح الحكومية وتتحصلها دون ارانيك رسمية. ولذلك اصبح الناس يصفون حكومة الانقاذ بأنها حكومة جبايات. 3/ في الجدول نلاحظ ضعف مساهمة مؤسسات القطاع العام والاستثمارات الحكومية (حوالي 5% فقط من اجمالي الايرادات) وهي مساهمة لا تتناسب مع حجم استثمارات هذه المؤسسات ولا مع دورها التاريخي في دعم الميزانية العامة حتى سبعينات القرن الماضي. وهذا الضعف يرجع بشكل رئيسي الى اهمال دولة الانقاذ لصيانة هذه المؤسسات واعادة تأهيلها الامر الذي ادى الى انهيار معظمها (مشروع الجزيرة، السكة حديد، مصانع النسيج وغيرها) ويرجع أيضاً الى سياسات خصخصة المؤسسات العامة، وخاصة المؤسسات الرابحة، لمصلحة الفئات الطفيلية المرتبطة بالنخبة الحاكمة. والامثلة في ذلك كثيرة. 4/ هناك أيضاً الاستدانة من البنك المركزي والسندات الحكومية. وهي مصدر تقليدي، حيث ظلت مديونية الحكومة لبنك السودان في تزايد مستمر دون ان تقوم بسدادها. وتشير المعلومات الى تراكم هذه المديونية حتى وصلت الى ارقام فلكية. وفي هذه الميزانية يتوقع ان تساهم هذه المصادر الداخلية بحوالي 178 مليار. وهو توجه خطير له تأثيره المباشر في زيادة معدلات التضخم وارتفاع الاسعار. وتشير المذكرة التفسيرية الى ان السندات والصكوك الحكومية ستساهم بحوالي 208 مليار دينار. وهو تقدير مبالغ فيه كما تؤكد ذلك الارقام الفعلية للميزانية السابقة. 5/ وتعتمد الميزانية أيضاً على القروض والمنح الخارجية بحوالي 168 مليار مقارنة بحوالي 95 مليار في العام الماضي. والمذكرة التفسيرية تشير الى ان تدفقات القروض والمنح الخارجية تصل الى 746 مليون دولار في عام 2006 منها 173 مليون لتمويل خطة اوسلو. وهي مبالغ ضخمة تعكس اهتمام المجتمع الدولي بالازمة السودانية. ولكن هذا الاهتمام يتطلب اهتماماً وطنياً مماثلاً وجدية من الحكومة في حل مشكلة دارفور والشرق وتنفيذ اتفاقيات السلام وتعبئة الفائض الاقتصادي لاعادة اعمار وبناء البلاد. ودون ذلك سوف لن تتحقق التدفقات المتوقعة. * اتجاهات الانفاق الحكومي: بعد هذا العرض لمصادر الايرادات الحكومية، علينا التعرف على مجالات الانفاق الحكومي. وفي هذا الجانب تشمل الميزانية ثلاثة ابواب. الاول يتضمن انفاق الحكومة الاتحادية بينما يشمل الثاني تحويلات حكومة الجنوب والثالث تحويلات الولايات الشمالية. ويمكن تلخيص اجمالي الانفاق الحكومي في الجدول التالي: جدول رقم (4) تقديرات الانفاق العام 2006 البيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان 2005م 2006م % الباب الاول: انفاق الحكومة الاتحادية - الفصل الاول - الاجور والمرتبات - مزايا التأمين والمعاشات 952.0 310.0 266.9 34.1 1.228.0 418.3 378.5 39.8 61.8% 20.1% - الفصل الثاني - تسيير الوزارات والوحدات الحكومية - البنود الممركزة - الدعم الاجتماعي العام 378.6 101.5 247.1 30.0 504.5 127.8 337.4 39.3 24.2% 6.1% 16.2% 1.9% الفصل الثالث: التنمية الاتحادية -272.4 365.2 17.5% الباب الثاني: انفاق حكومة الجنوب -274.2 319.0 15.3% الباب الثالث: انفاق حكومات الولايات الشمالية - الدعم الجاري - الدعم التنموي 224.8 185.8 39.0 477.8 336.2 141.6 22.9% 16.1% 6.8% اجمالي الانفاق العام 1.451.0 2.085.2 100%
هذه الارقام توضح اتجاهات الانفاق الحكومي العام وبالذات انفاق الحكومة الاتحادية. ويمكننا طرح الملاحظات الاتية: 1/ الارقام تعكس ان الحكومة الاتحادية لاتزال تستحوذ على معظم الانفاق الحكومي العام ما يعادل حوالي 60 من الانفاق الجاري وحوالي 62% من اجمالي الانفاق العام. وذلك مقابل 15.3% لحكومة الجنوب وحوالي 23% لحكومات الولايات الشمالية. وهذه الوضعية تثير سؤالاً مشروعاً عن اسباب تضخم انفاق الحكومة المركزية، لأنه لا يتناسب مع شروط الحكم الفيدرالي في الشمال ولا مع الحكم الذاتي الكامل في الجنوب ونقل معظم الخدمات والصلاحيات من المركز الى الاقاليم (الولايات) وهذا الوضع يتناقص أيضاً مع الاهداف والموجهات المعلنة في اتفاقيات مشاكوس/نيفاشا. فلماذا يتضخم انفاق الحكومة المركزية مقابل انفاق الجنوب والولايات الشمالية؟ واذا كان ضعف تحويلات حكومات الولايات الشمالية يرجع الى تبعيتها للحكومة المركزية (باعتبارها حكومة للشمال أيضاً) وبالتالي عدم رغبة الاخيرة في تحويل صلاحيات اوسع لهذه الولايات، فإن ذلك سوف يثير مشاكل واسعة ويدفع هذه الولايات الى المطالبة بحقوقها كاملة. والواقع ان سيطرة المركز هي التي ادت الى تفجر الاوضاع في الاقاليم المهمشة خاصة دارفور والشرق وجنوب كردفان والنيل الازرق. ومع ذلك، فقد شهدت تحويلات هذا العام زيادة كبيرة، وصلت الى 477 مليار مقارنة بتحويلاتها في العام الماضي (224 مليار) وذلك نتيجة للظروف الجديدة التي فرضتها اتفاقية السلام الشامل. اما تحويلات الجنوب، فإن ضعفها يرجع الى طريقة حساب عائدات البترول وعدم تحديد عائدات الضرائب المركزية في الاقليم. وهي تحويلات ضعيفة. وكل ذلك لا يبرر تركيز الانفاق الحكومي العام في المركز. ويبدو ان دوائر نافذة في نخبة الانقاذ لاتزال تصر على مقاومة اي تغيير جوهري في تركيبة الحكم القائمة. وتلك مشكلة سياسية يجب مواجهتها بقوة. 2/ يبلغ اجمالي الانفاق الجاري للحكومة الاتحادية حوالي 922 مليار دينار، تشمل مصروفات الفصل الاول (418 مليار) والفصل الثاني (504 مليار) اي ما يقارب الـ45% من اجمالي الانفاق العام. ويلاحظ ان الفصل الاول (المرتبات والاجور) وحدة يستحوذ على حوالي 45% من الانفاق الجاري. وهي نسبه عالية تعكس تضخم جهاز الدولة في المركز رغم انف اتفاقية السلام والحكم الفيدرالي. واذا وضعنا في الاعتبار ضعف مرتبات غالبية العاملين في الدولة، فإن معظم مصروفات هذا الفصل تستحوذ عليها الفئات العليا في جهاز الدولة، خاصة في اجهزة الادارة العامة والامن والدفاع، مقارنة بوزارات الخدمات الاجتماعية والاقتصادية، كما يعكسها الجدول التالي: جدول رقم (5) اجور ومرتبات بعض الوزارات (مليار دينار) قطاعات الادارة والامن والدفاع قطاعات الخدمات الاجتماعية الاجهزة السيادية 31.382 وزارة الصحة 12.600 الدفاع والامن والشرطة 260.574 القطاع الاجتماعي 1.906 رئاسة الجمهورية 17.672 الزراعة 6.000 رئاسة مجلس الوزراء 1.340 النقل والطرق 0.172 جهاز الامن الوطني 38.000 التعليم العالي 12.256 منظمة الشهيد 0.580 هيئة المياه 0.138 وزارة الخارجية 9.812 التربية والتعليم 1.161
هذا الجدول يعكس مفارقات صارخة بين مرتبات وزارات السيادة والامن والدفاع ووزارات الخدمات. ويكفي ان نشير الى ان الحد الادنى للاجور لا يزال في حدود 12.500 دينار (رفعته الميزانية الى 15.000) ووعد وزير المالية بزيادة الاجور والمرتبات والمعاشات نسبة 20% بدءاً من ابريل القادم. ووعد أيضاً باستيعاب 17 ألف من خريجي الجامعات. وكل ذلك يشير الى ان الميزانية لم تحقق اي مكاسب ملموسة لجماهير العاملين. فهي تتجاهل مشكلة المفصولين للصالح العام وما ورد في اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني حول هذه المشكلة ورد المظالم ودفع الضرر. وتتجاهل مشكلة العطالة المتفشية. وما ورد حول استيعاب الخريجين سوف تحتكره نخبة الانقاذ لاستيعاب انصارها كما ظل يحدث طوال السنوات السابقة. المهم ان معظم مصروفات الاجور والمرتبات تستحوذ عليها قطاعات الادارة والامن والدفاع. وهناك أيضاً مرتبات الجهاز السياسي والتنفيذي والحزب الحاكم. وهي مصروفات جارية لا علاقة لها بالانتاج والتنمية ولا بالخدمات التي نقلت للولايات. 3/ اعتمـادات الفصل الثاني تشكل اكبر بالوعات الانفاق الحكومي. فهي تمثل 55% من اجمالي الانفاق الجاري للحكومة الاتحادية، وتعادل اعتمادات التنمية الاتحادية تقريباً وتحويلات الولايات الشمالية جميعها وتفوق تحويلات حكومة الجنوب كما هو واضح في الجدول رقم (4) ويشمل هذا الفصل البنود الاتية:
تسيير الوزارات والوحدات الحكومية 127.8 25% البنود الممركزة في وزارة المالية 337.4 65% الدعم الاجتماعي العام 39.3 10% تسيير الوزارات والوحدات الحكومية يستحوذ على 25% من مصروفات هذا الفصل وتتركز مصروفاته في تسيير جهاز الدولة الاتحادي. وحتى في هذا الاطار يمكننا ملاحظة مفارقات صارخة بين مصروفات تسيير وزارات الادارة والامن والدفاع ووزارات الخدمات، كما في الجدول الاتي: جدول رقم (6) مصروفات تسيير بعض القطاعات قطاعـــــــات الادارة والامــــن والدفـــاع قطاعــــات الخدمــــات الاجتماعيــة الاجندة السيادية 14.507 وزارة الصحة 8.407 الدفاع والامن والشرطة 73.165 التعليم العالي 9.075 وزارة الاستثمار 0.558 العلوم والتقانة 3.954 جهاز الامن الوطني 6.000 التربية والتعليم 2.853
اما البنود الممركزة فإنها تستحوذ على 65% من مصروفات الفصل الثاني. وتشمل جميع احتياجات القيادات العليا في الخدمة العامة والكادر السياسي والتنفيذي في الدولة (سفر، ضيافة، مؤتمرات، وقود، بديل نقدي...الخ) ولذلك تجد اهتماماً كبيراً من الدولة مقارنة باحتياجات التنمية والخدمات. ومصروفات هذه البنود الممركزة تعادل تحويلات الولايات الشمالية جميعها وتفوق تحويلات حكومة الجنوب ونقترب من اجمالي مصروفات التنمية القومية. وكل ذلك يعكس مفارقة واضحة ويثير سؤالاً حول طبيعة هذه البنود ؟ ويمكن الاشارة الى بعض المفارقات في الجدول التالي:
جدول رقم (6) البنود الممركزة لبعض الوزارات
قطـــــــــــــاع الادارة العليـــــــــــا قطـــــاع الخدمـــــــــــــات وفود ومؤتمرات 6.000 دعم الكهرباء 19.260 ضيافة رسمية 5.500 الدعم الصحي 7.625 تذاكر سفر اجازة 1.000 مكافحة الافات القومية 1.900 احتياطي الطوارئ 70.000 خدمات الصادر 1.200 احلال العربات 3.100 خطة التدريب القومية 1.800 دعم الاذاعة والتلفزيون 6.000 احتياطي الامن الغذائي 13.000 صندوق دعم الطلاب 7.000 دعم الادوية المنقذة 4.915
هذه النماذج تكفي لمعرفة حقيقة هذه البنود الممركزة وما تتضمنه من مفارقات صارخة مقارنة بالدعم الاجتماعي العام. واضافة لكل ذلك فإن الميزانية لا تعكس كل الانفاق الحكومي. فهناك الصرف خارج الميزانية وعلى الحزب الحاكم وتبرعات المسئولين وتصديقاتهم المالية. 4/ هناك بالطبع تحويلات حكومة جنوب السودان، وهي مرتبطة باتفاقية قسمة الثروة والسلطة. وهناك تحويلات حكومات الولايات الشمالية وهي تحويلات للانفاق الجاري وليست للتنمية. وبذلك يبلغ اجمالي الانفاق العام الجاري حوالي 1.578 مليار اي حوالي 77% من اجمالي الايرادات العامة. وبالتالي لا يوفر سـوى القليـل للتنميـة القومية والولائية. فقد بلغت اعتمادات التنمية القومية 365 مليار (17% من اجمالي الانفاق العام) مقارنة باعتمادات الانفاق الجاري في الفصلين الاول والثاني. وفي الوقت نفسه بلغت اعتمادات التنمية الولائية في الولايات الشمالية حوالي 141.6 مليار دينار فقط. وهي اعتمادات ضعيفة لا تلبي احتياجات ولاية واحدة فقط. والميزانية لا تشير هنا لخطة اوسلو التي تركز على الجنوب والمناطق الثلاث. المهم كان المتوقع ان يؤدي ايقاف الحرب الاهلية في الجنوب الى تخفيض هائل في الانفاق الحكومي وتوفير فائض كبير للتنمية واعادة الاعمار. وكان المؤمل أيضاً ان نستخدم عائدات البترول في مجالات التنمية والانتاج. ولكن ذلك لم يحدث بحكم استمرار تصاعد الانفاق الجاري، خاصة في المركز. والواقع ان هذا التوجه يرتبط بسياسات الانقاذ وبرنامجها الاقتصادي المستند الى سياسات التحرير والخصخصة والتمكين منذ عام 1989. ومع بداية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل والدعم الدولي الواسع لاعادة الاعمار والبناء (خطة اوسلو) تحتاج البلاد الى سياسات جديدة تتلاءم مع هذه المرحلة الجديدة التي دشنتها اتفاقيات السلام واتفاق القاهرة والاتفاقيات المتوقعة الاخرى. ولكن الميزانية تجاهلت كل ذلك وعملت على تكريس سياسات الانقاذ وبرنامجها الاقتصادي والاجتماعي.
* العلاقات الخارجية: في السنوات الاخيرة قامت الحكومة بتطبيع علاقاتها مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بعد انقطاع استمر سنوات عديدة. وذلك استناداً الى برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي بدأ في عام 1996. وشمل التطبيع الصناديق والمؤسسات المالية الدولية والاقليمية الاخرى. وكان لهذه الخطوات تأثيرها البارز في تدفق المنح والقروض الخارجية وخاصة بعد التوقيع على اتفاقيات نيفاشا. ففي عام 2005 تم توقيع اتفاقيات تمويل وصلت الى 1.225 مليون دولار. ومقابل ذلك قامت الحكومة بسداد مبالغ مقدرة للدائنين والمؤسسات المالية الدولية وصلت الى حوالي 359 مليون دولار في عام 2005م بينما وصلت سحوبات المنح والغروض الى 228 مليون فقط. وهذا يعني ان المديونية الخارجية (حوالي 25 مليار دولار) تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد الوطني الامر الذي يتطلب بذل جهود سياسية متواصلة لاعفاء هذه المديونية وبعد توقيع اتفاقيات السلام تزايد الاهتمام الدولي بالازمة السودانية لتحقيق السلام واعادة الاعمار والبناء. وفي هذا الاطار جاءت خطة اوسلو وتعهد المانحين بتمويل جزء كبير من مشاريعها. وفي ميزانية 2006 يتوقع ان تصل تدفقات المنح والقروض الى حوالي 746 مليون دولار بما في ذلك 173 مليون في اطار التزامات خطة اوسلو. وبجانب ذلك تتسارع خطوات الدولة للانضمام لمنظمة التجارة الدولية وتعزيز مواقعها في التكتلات الاقتصادية الاقليمية (منظمة الكوميسا والمنطقة العربية الحرة) والمهم هنا محاصرة سلبيات هذه التكتلات وتعظيم ايجابياتها والعمل على الاستفادة القصوى من عائدات البترول والاهتمام الدولي المتزايد بالازمة السودانية. وذلك من خلال تحقيق السلام الشامل في كل بقاع السودان وانتهاج سياسات جادة لتعبئة الفائض الاقتصادي واعادة الاعمار والتنمية.
* خلاصة: هذا العرض يشير الى ان ميزانية 2006 تعمل على تكريس سياسات الانقاذ السابقة وبرنامجها الاقتصادي الجاري تنفيذه منذ 1989. وهي لذلك لا تتناسب مع الوضعية السياسية التي دشنتها اتفاقيات السلام. فهي تعتمد على ايرادات ضخمة من عائدات البترول والتدفقات المالية الخارجية، ولكنها تستخدمها، بشكل اساسي، في انفاق جاري لا علاقة له باعادة الاعمار والتنمية. وهذا يتناقض مع توجهات اتفاقيات السلام وخطة اوسلو. ويتناقض أيضاً مع ما تطرحه الميزانية نفسها من شعارات حول التنمية واعادة الاعمار والسلام. ومع كل ذلك هناك صعوبات كبيرة تعترض تحقيق اهدافها المعلنة في مصادر الايرادات ومجالات الانفاق. فهناك أولاً تأثيرات التطورات الدولية والاقليمية على الوضع الاقتصادي العام في البلاد. وذلك من خلال توقعات استمرار ارتفاع اسعار البترول العالمية واحتمالات تدني عائدات الصادرات السودانية، نتيجة لتقلبات السوق العالمية وسلبيات انضمام السودان للتكتلات الاقتصادية الاقليمية ومنظمة التجارة العالمية وسوف يؤدي ذلك الى تزايد الاعتماد على عائدات البترول لمواجهة الصرف الحكومي الجاري. وهناك أيضاً اعتماد خطة اوسلو على التمويل الخارجي ولكن تجارب فلسطين وافغانستان والعراق تشير الى ان وعود المانحين لا تتحقق بشكل كامل وسريع، خاصة في ظل المناخ السياسي السائد في البلاد. ونتيجة لكل ذلك ستواجه الميزانية بضغوط متزايدة للبحث عن مصادر ايرادات اضافية او العمل على اجراء تخفيضات واسعة في الانفاق الحكومي العام. وبجانب ذلك هناك عوامل داخلية عديدة تعمل على زيادة الانفاق الحكومي الجاري خاصة في مجالات الادارة والامن والدفاع. ويشمل ذلك اعادة هيكلة الحكم الاتحادي وبناء جهاز الدولة في الجنوب والولايات الشمالية. وذلك بالاضافة الى استمرار الحرب الجارية في دارفور والتوترات الامنية في الشرق وما يتطلبه كل ذلك من انفاق واسع. فقد ادى اتساع العمليات العسكرية في دارفور خلال عام 2005 الى تحويل مبالغ ضخمة من الصندوق الخاص بخطة اوسلو لمواجهة الاحتياجات الانسانية هناك، حسب تصريحات الممثل الاقليمي للبنك الدولي (الصحافة 9/12) وهناك أيضاً الضغوط المتوقعة من النقابات وجماهير الشعب لتحسين شروط المعيشة بعد نهاية الحرب في الجنوب وضغوط الولايات الشمالية لتوسيع صلاحياتها وامكانياتها لتتناسب مع شروط الحكم الفيدرالي الحقيقي مقارنة بما يتمتع به الاقليم الجنوبي. والمفاوضات الجارية مع حركات دارفور وجبهة الشرق تمثل بداية هذه الضغوط بكل ما يحمل ذلك من احتمالات العودة لنظام الاقاليم الشمالية المعروفة. وهناك أيضاً مستلزمات تنفيذ اتفاقية السلام الشامل واتفاق القاهرة والاتفاقيات المتوقعة الاخرى وما يطرحه كل ذلك من تحديات على المستوى الاتحادي ومستوى الجنوب والولايات الشمالية. ويتطلب ذلك اعادة بناء جهاز الدولة وتوسيع نشاطها في المجال الاقتصادي، ودعم وتأهيل القطاع الخاص المحلي وتمكينه من القيام بدوره في عملية اعادة الاعمار والبناء جنباً لجنب مع القطاع الخاص الاجنبي. وكل ذلك يرتبط بقدرة (حكومة الوحدة الوطنية) بشكل عام ونخبة الانقاذ المسيطرة، بشكل خاص، على اجراء تغييرات جوهرية في سياساتها وبرنامجها الاقتصادي الاجتماعي بما يتلاءم مع مقتضيات الوضعية السياسية الجديدة والاستفادة القصوى من عائدات البترول المتزايدة واتساع الاهتمام الدولي بإعادة اعمار وبناء البلاد. والمدخل الى ذلك يتمثل في تعبئة الفائض الاقتصادي وتوجيهه نحو التنمية واعادة الاعمار. وفي هذا المجال يمكن الاستفادة من المحور الاقتصادي في اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني بشكل كبير. واضافة لذلك يمكن البحث عن مصادر حقيقية للايرادات الحكومية يتمثل اهمها في الضرائب المباشرة على المصارف والشركات والاعمال الكبيرة، وفي ارباح مؤسسات القطاع العام بعد العمل على اعادة تأهيلها ومراجعة عمليات الخصخصة التي تمت خلال السنوات السابقة دون اي اسس اقتصادية. وهناك أيضاً ضرورة المحافظة على حرمة المال العام ومحاربة الفساد واسترداد الاموال العامة المنهوبة. وهذا يتطلب تكوين مفوضية لمكافحة الفساد بعد أن اصبح السودان يتصدر بلدان العالم في هذا المجال. وذلك مع الالتزام بالميزانية العامة وعدم السماح بالخروج عليها في كل الاحوال. وفي الجانب الاخر هناك امكانيات واسعة لتحقيق الانفاق الحكومي العام. ويشمل ذلك ضرورة الاسراع بحل مشكلة دارفور والشرق حلاً عادلاً والاسراع بخطوات التحول الديمقراطي لانه لا تنمية حقيقية دون ديمقراطية حقيقية كما اثبتت ذلك تجاربنا مع الانظمة العسكرية الديكتاتورية. ويشمل التخفيض تقليص حجم الاجهزة السيادية وتقليص حجم الحكومة الاتحادية ليتناسب مع مهامها الفعلية في نظام فيدرالي. وذلك بالاضافة الى العودة لنظام الاقاليم الكبيرة في الشمال. وفي هذا الاطار يحتاج سودان ما بعد السلام الى خطة اسعافية سريعة تركز على الجنوب والمناطق المتأثرة بالحرب والحاجات الاساسية للسكان، وخطة متوسطة المدى تعمل على اعادة اعمار وبناء السودان ككل بشكل عام والجنوب والاقاليم الاكثر تخلفاً بشكل خاص. وذلك من خلال مؤتمر اقتصادي قومي شبيه بمؤتمر 1986 بعد الانتفاضة، لمراجعة خطة اوسلو واعادة صياغتها، بمشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية بما في ذلك النقابات والقطاع الخاص المحلي وتنظيمات المجتع المدني، وصولاً الى تصور مشترك حول اولويات ما بعد السلام واعادة بناء سودان ديمقراطي موحد. ومن خلال ذلك وحده يمكن الاستفادة القصوى من عائدات البترول والاهتمام الدولي المتزايد باستقرار وتنمية البلاد. ويبدو ان الفرصة التي تتيحها هذه الامكانيات الان هي فرصة نادرة لا تتكرر، وربما تكون الاخيرة، فأما ان نستغلها لاعادة اعمار البلاد وتنميتها وتعزيز وحدتها وأما ان تتبدد لمصلحة فئات بيروقراطية وطفيلية شرهة لا علاقة لها بقضايا التنمية والانتاج. وهذا هو التحدي المطروح امام (حكومة الوحدة الوطنية) وأمام كافة القوى السياسية والاجتماعية وخاصة قوى الديمقراطية والتقدم بما في ذلك الحركة الشعبية وقوى الاطراف المهمشة ودوائر محددة داخل المؤتمر الوطني ونخبة الانقاذ المسيطرة.
#محمد_علي_جادين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدايةالمرحلةالانتقالية في السودان
-
اعادة نظر في استراتيجية المعارضه السودانيه: دعوة للنقاش
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|