|
في الحديث عن الروح ( 6-7-8)
سفيان الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 5561 - 2017 / 6 / 24 - 00:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في الحديث عن الروح 6 كنت قد أوردت تنبيها الى السياق الذي ينبغي أن يفهم داخله ما أنا بصدد سرده حول تجربتي الشخصية مع ما يصطلح عليه بالقوى غير المنظورة .وأواصل حينئذ الحديث مركزا هذه المرة على موضوع هو أيضا تناولته المؤلفات التي عنيت بالبحوث الروحانية وهو ما يسمى بالأجساد الاثيرية . وبصرف النظر عن التفاصيل التي لعلي ألمح لها من حين لآخر فقد عرفت التصوف العملي بغتة ويبدو أن شخصا بدافع الفضول أو التطفل على حياتي الشخصية أو الشفقة أو الغيرة على الاسلام أو محض الانانية أوقعني في هذا الشرك .وعلى أية حال وفي السنة التي وافقت احرازي على الاجازة في الحقوق منذ نحو عشرين سنة خلت دخلت على ما يسمى بالمقدم بالزاوية القادرية وكان الحضور حينئذ في ما يسمى بالحضرة وكان المكان مظلما نحو الساعة التاسعة مساء وترددت في الدخول بينما ذلك الشخص تسرب كما برق فبقيت بالخارج أكتفي بالسماع وكنت منفردا جالسا على كوم تراب وفجأة تقطع الحضرة ليتكلم المقدم بأن شخصا باقيا بالخارج لوحده على جنابة بامكانه الدخول .وكنت فعلا على جنابة ....فتظاهرت بعدم الاكتراث حتى لا تلاحقني الاعين على الظلام ...ثم لم البث أن حشرت نفسي في المجهول فبقيت هناك ثلاث سنين أو تزيد ....في الاثناء تفطنت الى اني صرت مريدا وهذا الذي هو مقدم يصبح لي شيخا لآخذ عنه الطريقة القادرية فأسلك فيها ريثما أكون من " العارفين بالله " وتفيض علي "الفتوحات الربانية " وانغمست في قراءة الورد القادري بانتظام ومواظبا على الحضرة وعلى قراءة سور مخصوصة على ماء المطر ولكني لم أتبخر وبقيت أسأل في غمرة التيه والضياع على ما كان يتخلله من سكينة طائشة ....ثم رويدا رويدا بدأت أتثاءب حين يشرع الحضور في البهجة بينما هم يتخمرون في الحضرة والمكان مظلم .....بيد أني كنت أتساءل كيف ولماذا وهم غمرتهم يشطحون ويصيحون ....اذ لم أكف عن تأمل مناداة بعضهم وليس كلهم لما يسمى بالاولياء الصالحين وكيف يتفقون في ثنايا الظلام على أسماء الاطياف في ذات اللحظة ....كان الشيخ مترفقا بي ويجيبني عما يبدو بالنسبة الى آخرين طيشا وفي اللغة الصوفية يعرف بقلة الادب مع الشيخ ....صارحته في لحظات صفاء بما يجيش في القلب وكنت أتحين لحظات يكون على انفراد .... كنت أسأله عن كل شيء فيجيب ....أسأله عن هذه الاطياف أو الاجساد الاثيرية وكيف يراها أشخاص دون آخرين وعلمت بالجلاء البصري دون أن أعرفه ...وسألته عن لحظات المشاهدة الصوفية وعلمت أنه يرى بجلاء بصري صورا على حائط أو حتى في الهواء قد تتعلق ببيوت أشخاص أو حالاتهم أو مستقبلهم علاوة على ما يراه في المنام وللأمانة كنت اتثبت أحيانا من صدق ما يدعيه دون أن ينالني ما ينال زملائي " في الصوفية يسمون "الفقراء" من الفجعة التي يستقيم بها الايمان الصوفي والذي غالبا ما يتسرب غدرا بالعقل ... لم تكن لي ولو مثقال ذرة مشكلة مع أحد وكما دخلت خرجت متخففا مما تثقل به الافواه والقلوب رغم ظاهر القول والفعل ....ورغم تلاحق وتتالي ما عاينته مما يسمى بالكرامات من شم للبخور جماعيا وشخصيا وأحيانا شم للمسك علاوة على الاعراض الجسمانية المتداولة بمناسبة تعاطي مثل هذه الوسائل الى الروح .... وذات ليلة كنت على انفراد مع الشيخ في تلك الزاوية فسألته راجيا الصراحة في الاجابة ما اذا كان يقبل لو أنه يترك ما هو عليه على بعض حسناته ويلتمس العلاج منه من الطب وفورا أجابني بأنه يقبل لولا أن الاطباء النفسانيين أنفسهم لعلهم يلجؤون اليه كلما تعسرت عليهم حالات علاج علاوة على انه التمس هو نفسه الطب بداية ليلوذ بالفرار مما باغته وهدد مصير اسرته في لقمة عيشها ليفشل الطب ويشرع في التصوف وعلاج المرضى ومتابعة المريدين وزيارة الاوياء الصالحين والنوم .... صفوة القول أني خرجت من هذه التجربة بما لا يرقى معرفيا حتى الى خفي حنين ...
في الحديث عن الروح 7 متابعة لما نشرت حول تجربتي الصوفية أواصل فأقول : حملت من الطريقة القادرية سؤالا ملحا أين هذا الشيخ الذي يعرفني بالله ؟ ...كانت كلمات الشيخ القادري الذي أخذت عنه "الورد القادري" محبطة ولكن حثتني على مزيد السير قدما في هذا الذي أنا فيه ولست أدري لا كيف أخرج منه حين أروم الخروج ولا كيف ألجه حين يستبد بي ما يبدو رغبة في الاقامة ....قال لي الشيخ القادري لعلي لست شيخك فابحث حينئذ عن شيخك .... ومنذ ذلك الحين كنت أمر مر الكرام على الكرامات رغبة في التبرع بكرامتي لأفوز بكرامة الرب .فلكم كان التصوف مغريا بالنسبة الي اذ يشتغل على ما يسمى بكسر النفس .حتى أني اعترضت ذات ليلة بمناسبة حضرة صوفية رجلا كان يشتغل على هذا الذي اقوله فيزاول ترتيب الاحذية وكل الاعمال الوضيعة ينقض عليها ليفوز بها قبل غيره ولكم تمنيت أن يكون هذا بالذات شيخي ولكني اكتشفت أنه لا يعدو أن يكون رجلا فاضلا .... تقلبت بين عديد الزوايا والطرق الصوفية فلم أظفر بشيء ذي بال لألوذ بكنف الخمارة أتفكر في الكرامات وفيما يهتك الكرامة البشرية مجانا بينما الله يستحيل أو يكاد ( يتبع )
في الحديث عن الروح 8 وعلى ما اكتنف تجربتي في التصوف في تونس من فشل ومما يشاكل اضاعة الوقت فهي على أية حال فتحت لي في صمت أفقا لم يخطر على البال اذ بفضل هذه التجربة تحررت من الاسلام الشكلاني الذي ودعته يوم 17 جانفي 1994 على الساعة السادسة مساء وأديت بالمنسبة صلاة وداع لالاه الاسلام من ركعتين معلقا اسلامي العملي حتى أجل غير مسمى .وبفضل هذه التجربة أيضا أوليت لقراءاتي حول التصوف النظري لبن عربي وجلال الدين الرومي وقبلهما الغزالي وعبد القادر الجيلاني ما يليق من الجدية بعد أن كنت تلميذا مجتهدا في دراسة سيد قطب ومحمد قطب وفتحي يكن ومن والاهم من "الصحابة والتابعين" للفكر الاخواني في تونس ...الذين فيما بعد تحولوا عن هذا الفكر الى أفكار مالك بن نبي وكان راشد الغنوشي يقود نفسيا جيشا كنت أحد جنوده على حساب قوتي وقوت أمي وخبز الحياة ....اذ الاسلام السياسي خطر محدق بالاسلام لعله يفوق خطر العلمانية المتطرفة ...ويبدو أن هاجسي الفلسفي تكفل بما يلزم في الفكر لتعاضده حالتي الروحانية التي كنت أسايرها على غموضها علاوة على ما ترسب من حشود من الآلام بغرض التصفية الممنهجة في هؤلاء الذين قيل لي أنهم أسرتي على استثناءات ولعل هذا كان فرصة اقتنصها ذاك الرجل الذي جاءني ليقطع لهوي بين الاطفال في وقار الاخ الاكبر ليحشرني في حركة النهضة في غفلة مني اذ بالكاد قد بلغت الحلم ....حتى اذا ما حلت بتونس ما يوصف بالثورة تصرف حيالي على نحو لعله يليق بذلك الوشم الذي كان مرسوما على كتفه فلما سألته عنه تغمرني تلقائية الاطفال تفادى الاجابة وأحالني على آية من القرآن " لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم " وواصل وضوءه للصلاة بينما أنا قد دخلت في صمت ثلاثين سنة ... وبفضل تجربتي في التصوف انفتحت على أديان منافسة للاسلام على الانسان في المعابد بينما كنت أجاهد الجهاد الاكبر للبحث فيما يصلح أن يكون جوهرا متحملا على عاتقي قساوة قلوب المندفعين الى الجهاد الاصغر على غرار الصخر من المتدينين المسلمين وتعصب من عداهم من متدينين ... ولا يفوتني اذ أختتم حديثي عن تجربتي في التصوف التي تقلبت فيها بين الطريقة القادرية والميدانية والاسماعيلية والتيجانية والقاسمية والبرهانية وطرق أخرى لم أعد أذكرها دون أن أشير الى الملاحظات التالية 1/ بوضوح التصوف حاليا يعيش مأزقا يبدو لي من وجهة نظري الشخصية لا حل له على الاقل في الوقت الراهن ويتمثل هذا المأزق في الشيخ أو ما يسمونه بشيخ الزمان وغيرها من التسميات البهلوانية التي تورث في القلوب تشويقا بينما هو في حقيقته زيف مهما احتشدت للبرهنة عليه من الادلة الحسية على ما يصطلح عليه من الكرامات ...وشتان بين تأملات بن عربي والحلاج والرومي وهؤلاء الذين يوصفون بالشيوخ ... وهذا لا ينفي أنك أحيانا تقع على رجال على قدر من الاخلاق والادب الملفت للانتباه ولكن ما ابعدهم عن الشيخ ...في أحسن حالاتهم هم رجال فاضلون يليق بهم الاحترام أخلاقيا 2/ التصوف وقع توظيفه سياسيا على نحو أفرغ من مضمونه مليا ...ولو أني أنوء بنفسي عن أن أستفيض في هذا الباب ... 3/ أقصى ما ينتظر من هذا التصوف العملي الراهن هو راحة نفسية أو ما يشاكل السكينة ولكن أحيانا تبدو مؤقتة أوطائشة وقد تعقبها هستيريا وتعرية ستر وأحيانا تؤول بمرور الوقت الى ما يفضح حقيقة الامر اذ لا يلبث المريد السالك وبعد فترة على درب ما يوصف في المعجم الصوفي بالوصول بعد أن تفيض عليه ما يصطلح عليه بالفتوحات الربانية أن يخرج عن طاعة شيخه ويدعي ما يسمى بالسر ثم لاحقا يجمع من حوله اتباعا من داخل الزاوية التي اليها كان ينتمي وينفرد بزاوية لخاصة نفسه كما لو أن شيئا لم يكن فاذا الشيخ الذي كان بالامس يقبل قدمه ومستعدا لما هو اعظم مما هو لعله من جنس المخجلات يصير لا يزيد شأنه عن شيخ تبرك بينما يسرب الى اتباعه انه شيخ الوصول أو شيخ الزمان ...ولا يزال المتصوفة شيبا وشبابا في الوطن العربي والاسلامي وهم بعشرات الملايين يبحثون عن شيخ الزمان أو ينتظرونه في كل مكان وزمان ولا يكلون ولا يملون ويحدوهم نفس التفاؤل الذي لدى السنة والشيعة على اختلاف بظهور المهدي المنتظر ...
#سفيان_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الحديث عن الروح
-
الوثوقية والمخدرات
-
عن الالحاد أتحدث
-
في تونس لماذا لا يعود -الاحتلال- الفرنسي ؟؟؟؟
-
كلمات متقاطعة -2-
-
قيمة العدل وقيمة الحب
-
حاجة الانسانية الى محاكاة الطيور
-
ببساطة مؤلمة أيضا
-
ببساطة مؤلمة
-
حالة تأملية
-
أحكام -النون الساكنة- في الكتمان
-
كلمات متقاطعة
-
خواطر حول الايمان بالله في مطلق الايمان والعدالة الاجتماعية
-
الاسلام السياسي في تونس على محلك التجربة وعلى ضوء سيرة ذاتية
-
-الاسلام المعتدل-
-
الاسلام السياسي
المزيد.....
-
-لقد خرجنا عن السيطرة هنا-: تسجيل صوتي يكشف آخر اتصال قبل سق
...
-
بوزنيقة: الأفرقاء الليبيون يعودون مجدّدا إلى المغرب بحثا عن
...
-
تونس: قيس سعيّد يحذر من -عدوّ- يستهدف المنطقة بأسرها
-
المنطقة المغاربية: هل اللّغة العربية مهدّدة؟
-
تحليل لـCNN: لماذا تستمر القوى الأجنبية في استهداف سوريا بعد
...
-
انهيار تاريخي للريال الإيراني مقابل الدولار وسط توتر إقليمي
...
-
تسرب نفطي في البحر الأسود يتسبب في نفوق مئات الطيور البحرية
...
-
-اتفاق أبوزنيقة-.. النواب والدولة في ليبيا يتعهدان بإجراء ال
...
-
-لوسوار-: بلجيكا غير قادرة على تسليم طائرات إف-16 الموعودة إ
...
-
باريس تعلن عن مؤتمر دولي بشأن سوريا -مع الشركاء العرب والأتر
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|