بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5557 - 2017 / 6 / 20 - 16:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صَادِقُ البُرْهَانِ عَلَىْ زَيْفِ فِرْيَةِ بَشَرِيَّةِ القُرْآنِ:
الإشكالية الثامنة لدى الكاتب سامي لبيب في مجموعته الثالثة من مشروعه الذي يتوهم فيه ببشرية وتناقض القرآن الكريم, عَدْواً بغير علم, ولا هدى, ولا كتاب منير,, جاءت هذه المرة بتساؤل تحت عنوان قال فيه: ((... يوم القيامة قريب أم بعيد ؟...)),, غير أنه "كالعادة" لم يستطع أن يثبت أي إدعاء له من عشرات الإدعاءات الهزلية شيئاً من ذلك التناقض المزعوم, الذي أصبح مهووساً به,, وقد تجرأ للحديث عن يوم القيامة الذي إختص الله نفسه بعلمه ولم ولن يُعلِمَ به أحد من خلقه,, ولكن هذا الكاتب جاء بإفك لم يسبقه إليه أحد من العالمين,,, فماذا قال من غرائب وعجائب,,, وماذا يريد من قوله هذا,, وكيف قهره الله على الحق المبين قهراً؟؟؟
قال في إشكاليته الفريدة هذه المرة: ((... ينذر محمد الكافرين فى زمنه عذابا "قريبا" ( إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) النبأ4. وفى آية أخرى ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) محمد 18. ولتلاحظ "جاء أشراطها " ...)).
واضح أنه لم ولا يعرف ما هي الساعة ولا ماهو يوم القيامة,, ظناً منه أن كلاهما أمر واحد,, فكشف عن داخله ومكنونه, ومفارقات هواجسه وظنونه.
ثم أراد أن يوجد لتلك الهواجس والظنون دليلاً من السنة ليوهم به العامة بأنه على حق وتبصُّر,, فجاد بإخفاقات العمر,, حيث قال: ((... ومن الأحاديث التى تعطيك دلالة قوية على قرب يوم القيامة فى زمن النبى. جاء فى صحيح البخارى – الادب ( حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن أنس أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة قائمة قال ويلك وما أعددت لها قال ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله قال إنك مع من أحببت فقلنا ونحن كذلك قال نعم ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني فقال إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة). أذن ماذا نسمى هذه التصريحات على لسان محمد وقد سبقه المسيح فى هذا الإعلان والتصور عن قرب يوم القيامة .. فهل نقول أنهم أخطأوا التقدير والحساب أم ماذا ؟! ...)). واضح أنه لم ولن يفهم معنى عبارة « إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة » التي قالها الرسول, فظن أنه يقصد بها "آخر عمر الكون".
أخيراً,, كما تعودنا منه دائماً,, يتقدم لنا ببعض الآيات والأحاديث التي أشكل عليه فهمها - وهذا أمر بديهي كما قلنا من قبل- ولأنه في حقيقة أمره متبدع لهذه الإشكالية في منهجيته التي يزين بها الباطل ليدحض به الحق المبين لتحقيق شيء من غايته العدوانية اليرضي نفسه ما إستطاع لذلك سبيلاً,,, فكان لا بد له من أن يزين هذا الباطل بقوله: ((... أتصور أن إدعاء الأنبياء بقرب يوم القيامة هى عملية ترهيب بكل معنى الكلمة بخلق جو من الرعب والفزع فى جموع البشر بغية إنسحاقهم وإنبطاحهم تحت نعال المشروع الدينى الأجتماعى , ولا يخلو الأمر من إستحضار روح ثقافة باسكال بمعنى إننا لن نخسر شيئا إذا صدقنا هذا النبي وتجاوبنا مع إطروحاته فلعل كلامه يكون صحيحاً ونواجه أهوال يوم القيامة حينئذ نكون جاهزين لمواجهة ويلات هذا اليوم, ولكننا سنخسر كثيرا إذا ضربنا بكلامه عرض الحائط وكان هناك مثل هذا اليوم. أتلمس العذر لأجدادنا الذين إنسحقوا وراء خرافة يوم القيامة فمازال أحفادهم ينسحقون وراء هذا الكلام القديم ويجددوا روح باسكال على الدوام ! ...)).
والغريب في أمر هذا الكاتب انه دائماً في خاتمة كل إشكالية له يكشف ورقه ويفضح ستره,, فهو دائماً لا يذكر قول نبي أو رسول بخير قط فتسقط عنه المصداقية, ويبرز داء الشنآن,, فيتأكد إصراره على توثيق عدوانه لله تعالى وملائكته, وكتبه, ورسله, وتكذيبه باليوم الآخر, دون برهان. أو لعل الله تعالى قد أضله لعلمه بمكنون نفسه التي تنضح حقداً وكراهية لكل حق وفضل له علاقة بخير الإنسانية والكون.
وكالعادة,, نحن في مواجهة جهل وكفر مركب مشوب بجهالة تنبئ عن نفسها ويعمل على تأكيده وتوثيقه صاحبه الذي سلطه الله على نفسه فجعله يرزح تحت وطأة ضلال مكتمل الأركان.
ولنتذكر أن هناك سمة أساسية مشتركة بين كل الذين يحاربون الله ورسوله ويمشون في الأرض فساداً وإفساداً, وهي أنهم يضيقون ذرعاً بالقيم الإنسانية والسلوك القويم والأخلاق, والحقائق الدامغة المؤكدة المبرهنة,, لأن كل ذلك يكشف لهم مدى بعدهم عن مواطن الإستقامة وإفتقارهم لمقوماتها ومقتضياتها, وصعوبة نولها وإدراكها, وبالتالي لن يجدوا لهم مخرجاً أو بديلاً - للهروب من الشعور بالضياع سوى عبر خداع أنفسهم بأنهم على حق,, حتى لا يلعنوها بعد أن وقفوا في مواجهة حقيقتها- سوى باللغو في الحق, وتزيين الباطل وإدعاء العلم والفضل والحضارة.
وهذا بالطبع أمر سهل المنال لأنه مختلق وليس له وجود في الأساس, ومن ثم لن يكلفهم جهداً في برهنته ما دامت هناك آلية إسمها "الجدل والمغالطات والبهتان", إذ يكفي أحدهم أن ينفي وجود الحق المبين "مطلقاً" ثم يعود فيحاربه أينما وُجد ليخلق لنفسه كياناً يعلم يقيناً أنه كان وهمياً سرابياً وحطاماً لا يُبتغى,, فما أسهلها من عبارة ترفع قائلها في نظر نفسه ووهمها (من وهدة الذل والسفه التي هو فيها, إلى وهم العلم بالكل وحضارة الصفوة), إذ يكفيه أن يقول (لا إله .... والخالق هو الطبيعة ..... والإنسان أصله قرد), هذا كل شئ.
كثيراً ما نقرأ في القرآن الكريم وما صح من الكتب السماوية السابقة عن الحياة من بعد البرزخ وهي الحياة الآخرة التي يكذب بها المكذبون الضالون الذين ضلوا عن تعريفها وخلطوا ما بين "آخر يوم في الحياة الدنيا", الذي يعرف "بالساعة", وأول يوم في الحياة الآخرة, الذي يعرف "بيوم القيامة",, فإذا كانت الكلمتان تشيران إلى اليوم الآخر حيث الحساب, فهل هما كلمتان مترادفات - كما يظن هؤلاء - أم أن لكل منهما قيمة بيانية تختلف عن القيمة البيانية الأخرى؟؟؟
فإن كان ذلك كذلك, فهل إعجاز القرآن الكريم كان دقيقاً في التفريق ما بين الكامل الشامل ما بين "الساعة" و "يوم القيامة" أم كان هناك تناقض إقتنصه هذا الكاتب فأدركه فصار يبتز به غيره ليرضي وهمه؟؟؟ ..... فإن كان الأمر كذلك, فكيف يكون وما دليله عليه, لأن هذا يعتبر محور إشكاليته وتوهانه وتخبطه,,.
في البدء,, وقبل أن نفند إشكاليات الكاتب المبررة هذه, لا بد من أن نستمع إلى القرآن الكريم أولاً بتدبر آياته البينات عن يوم القيامة الذي خاض فيه هذا المحارب لربه الذي خلقه من سلاسلة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين,,, حتى يكتشف هو نفسه أنه ينظر من غَيَابَةِ جُبِّهِ إلى قمة الشَّاهِقِ. فنقول في ذلك وبالله التوفيق:
أولاً: الله تعالى في كتابه الكريم - وكتبه السماوية الأخرى - قد أشار إلى يوم القيامة الذي هو خارج إطار الحياة الدنيا, وإلى الساعة, التي هي آخر عهد المخلوقات بالحياة الدنيا, واليوم الآخر, وهو يوم الحساب, ,,, الخ, فماذا أراد الله بإخبار خلقه بكل مسمى من كل هذا التنوع؟؟ على أية حال فلنبدأ "أولاً" بمتابعة ورود كلمة "الساعة" في عدد من الآيات والسور التي جاءت فيها لنقف على دلالتها في القرآن الكريم, قبل أن نتدبر الآيات التي جاءت بها عبارة "يوم القيامة",, حتى نفهم معاً أصل وحقيقة إشكالية الكاتب التي تحدثنا عنها كثيراً, وسنؤكد عليها مرات ومرات أخرى في مسيرتنا لحرق الأوراقه التالفة أمام القراء بإذن الله وبكتابه المهيمن على الدين كله,, فيما يلي:
وردت كلمة "الساعة" في القرآن الكريم عشرات المرات وفي عدد من السور التي سنتدبر بعضها هنا لنعرف مدلولاتها ومقاصدها,,, فنقول.
1. قال الله تعالى في سورة طه: (إِنَّ « السَّاعَةَ آتِيَةٌ » - أَكَادُ أُخْفِيهَا - لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى 15). فها قد أكد الله تعالى « إتيان الساعة » ولكنه لم يحدد لها تاريخ معين أو فترة معينة, ثم بين بعد ذلك الغاية من هذا الإعلام بقوله صراحة « أَكَادُ أُخْفِيهَا », والسبب هو شحذ الهمم للعمل بتقوى الله إستعداداً لها.
إذاً,, المطلوب فقط هو الإيمان بحتمية إتيانها - على الناس وهُمْ لا يزالون على قيد الحياة وذلك يكون في أواخر عهدهم بها قبل فيضان النفس من أجسادهم - وأن هناك جَزَاءٌ على كل عمل قامت به كل نفس,, وبين أن في هذا الإخفاء ضمانٌ لهيمنة وفاعلية الرقابة الذاتية التي أسسها الله لدى المؤمنين لتراقب وتقيم كل نفس مؤمنة أعمالها وتصرفاتها, وذلك لتفادي إجتراح المظالم والإعتداءات والإبتعاد عنها, ومعالجة الأخطاء والذنوب بالإستغفار بعد رد المظالم لأهلها قبل قيام الساعة الخاصة أو الكبرى, ثم تجنب التجافي والتباغض والتدابر بين الناس, وليعلم الإنسان أنْ لَّيس هناك عائد يفيد الله شيئاً, إذ الفائدة تعود أولاً وأخيراً للإنسان,, كل الإنسان.
2. وفي سورة الحج, أمر الله الناس بإلتزام التقوى وحذرهم من هول زلزلة الساعة, قال في ذلك: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ - « إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ » 1), ثم أكد لهم انها آتية لا ريب فيها وأعطاهم نماذج حية وكاملة لتأكيد هذا الإتيان, وسيكون ذلك في آخر الزمان عندها يفنى كُلُّ البشر ولا يبقى على الأرض منهم أحياء, حيث وستكون هناك زلزلة لا تبقي من الأرض والكون شئ. قال تعالى في ذلك: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ - « لَّا رَيْبَ فِيهَا » - وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ 7).
ثم, ضَمَّن وصفها حقائق أخرى إستنكر فيها كفر الكافرين ومريتهم منها دون أن يكون لهم برهان على إنكارهم لها, وأكد انهم سيستمرون في هذا الإنكار حتى تأتيهم "بغتةً", أو قد يسبقها بعذاب يوم عقيم يُنزله بمستحقيها من المكذبين الضالين المضلين في الدنيا وهو (العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر), قال: (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ - « حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً » « أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ » 55). فالذين كفروا ليس هم فقط في زمن الرسول محمد أو في الأزمان الغابرة,, ولكن شتملهم كل كافر اليوم وغداً,,, وحتى قيام الساعة, سيظلون في مرية منه.
فالإنسان ما بينه وبين الساعة هو إنقضاء أجله بموته, ومعلوم أنَّ فُجاءة الموت - لكل نفس - متوقعةٌ في كل لحظة من عمره؟؟؟ ..... فعندما تحتضر النفس تكون في مواجهة الساعة "بالنسبة لها" لأنها تلك ستكون آخر عهدها بالحياة الدنيا, إذ أن الزمن يتوقف مع الموت حتى النفخ في السور "يوم القيامة" حيث الحساب.
أما قوله تعالى (« أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ »), فقد عرف الإنسان نماذج كثيرة في تاريخ البشرية ممثلة في عاد وثمود وأصحاب الأيكة, وقوم تبع, وقوم لوط وآل فرعون وأصحاب الجنة,,,, الخ, فما الضمان لعدم حدوثه مرة أخرى ومرات عقاباً للفاسدين المفسدين من مشركي قوم محمد الخاتم وغيرهم؟؟؟ ... علماً بأنه حتى الآن وغدأً لم تنقطع الأعاصير المدمرة والزلازل والبراكين والأمراض الفتاكة والكوارث عن الأرض قط, ولعل في هذا تذكرة, ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
3. وفي سورة الكهف, أشار الله إلى الفتية الذين ناموا في كهفهم, فأراد الله أن يُعرِّف الناس سرَّهم وقصتهم وليعلموا هم أنفسهم أن البعث الذي وعدهم الله به حق, وأن الساعة لا ريب فيها فهي آتية وقد رأو بأنفسهم ذلك, فرغم أنهم قد لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وإزدادوا تسعاً إلَّا أنهم لم يشعروا بطول هذه المدة وظنوا أنهم قد لبثو في كهفهم يوماً أو بعض يوم, فعند اللحظة التي ناموا فيها قد إنقطعوا عن الحياة فكانت بمثابة "الساعة" لهم التي تأتي للإنسان بموته, أو "بهلاكه", أو بهلاك الكون كله "في اليوم الآخر", كما كان إستيقاظهم من ذلك النوم بمثابة "البعث" بعد الموت "يوم القيامة".
قال تعالى فيهم: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ - « وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا » إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا 21),, فأهل الكهف يمثلون حدث نموذجي عملي لعودة أناس للحياة بعد وفاة طويلة لأكثر من ثلاثة قرون, فمعلوم أن الإنسان يستحيل أن يبقى في نومه ثلاث أسابيع فيبقى حياً, يقول الله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ - « حِينَ مَوْتِهَا » « وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا » - فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » 42).
وقال أيضاً, عن ذلك الكافر الجاحد الذي ضرب الله به مثلاً وكيف كان يحاور مؤمناً متيقناً, وقد تفضل الله عليه بأن جعل له جنتين مثمرتين غنيتين, فوصف الله حوارهما لرسوله الخاتم ليضربه - بدوره - مثلاً لقومه, بقوله له: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ « جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ » مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا 32).
لم تكونا جنتين عاديتين, بل كانتا متميزتين بنعم كثيرة, قال عنها: (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا « وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا » « وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا » 33), ليس ذلك فحسب,, بل كان لذلك المالك الجاحد ثمر منهما, فبدلاً من أن يشكر الله عليها, آثر الكفر والغرور والكبر والتعالي على صاحبه.
وصف الله تعالى, حاله التعس وظلمه لنفسه, قال: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ « أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا » « وَأَعَزُّ نَفَرًا » 34), فظلم بذلك نفسه, وأغضب عليه ربه الذي أكرمه ونعَّمه, ثم إشتد عليه الكبر والجحود فكفر بالمنعم وباليوم الآخر,, قال تعالى في ذلك: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ « وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ » قَالَ - « مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا » 35).
ولم يقف عند هذا الحد من الكفر, بل واصل في إيقاقه لنفسه, قال: (« وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً » « وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا » 36), فكان الرد عليه فوري وحاسم قال تعالى عنه: (« وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ » - فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا « وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا » - « وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا » 42). ها هو ذا قد رأى الساعة قد قامت بالفعل بالنسبة لجنته, وهي تمثل هنا آخر عهد لها بالوجود كجنة بعد أن أصبحت خاوية على عروشها.
وفي سورة غافر, قال تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ 59), أين الأولين؟ ..... وأين سنكون نحن عندما يأتي الآخرون؟؟؟, فالذي فارق الحياة فقد جاءت ساعته, وعندما يقضي الله على كل شئ في الدنيا والكون تكون قد جاءت الساعة الكبرى, وهي آخر ساعة للكون بِجِنِّهِ, وإنسه, وحيوانه, وجماده.. الخ.
4. وفي سورة القمر, قال تعالى, مشيراً إلى آية كونية حدثت وهي إنشقاق القمر, قال فيه: (« اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ » وَانشَقَّ الْقَمَرُ 1), وقال عن المكذبين المنكرين للبعث: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ « وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ » 46),, وقد أدركوا الساعة جميعهم ونحن من بعدهم مُدرِكون.
5. لاريب في أن تكذيب الكافرين المكذبين لإتيان الساعة ليس أمراً جديداً تفرد به الكاتب, ولكن قد كذب به الأولون من الأمم الهالكة وغيرها,, غير أن التحدي في أنهم قد فشلوا جميعهم وجمعهم في تبرير هذا التكذيب المفترى, بل ولم يأت أحد منهم ببرهان يؤكد به إنكاره لمجيئها,, خاصة في ظل أشراطها المتواصل والمستمر أمام العين والخاطر بدون إنقطاع,, فكل الأنبياء والرسل واجهوا هذا الإنكار والتكذيب, حتى خاتمهم وإمامهم محمد الأمين قد تعرض لأسئلة المكذبين وغيرهم, قال تعالى له في ذلك:
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا...)؟ ..... سؤال غريب, وما أدراك بها إبتداءاً؟
1. رد على السائلين عنها: (... قُلْ « إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي » ...), الذي إختص نفسه بها دون سواه, أما أنا,,, فما المسئول عنها بأعلم من السائل,
2. وبالرغم من أنها ثقلت في السماوات والأرض,, إلَّا انه: (... « لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ » - ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...), فلا جدوى من هذه الأسئلة,
3. الذي يهمكم من أمرها هو أنها: (... « لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً » ...), وأنتم في لهو وصخب وغفلة. إذاً أنَّى لك أن تجيب على سؤالهم هذا؟.
قال الله تعالى له: (... يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ « إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ » وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 187), فالنبي الخاتم ومن قبله الأنبياء والمرسلين جميعهم لا علم لأحد منهم بالساعة إلَّا بالقدر الذي أعلمهم به الله عن "أشراطها", وقد بين الله غايته من ذلك سبحانه,,, المهم انها تأتيهم بغتة سواءاً أكانت بالموت أو بإنقضاء أجل الجيل، أو بإنقضاء أجل الدنيا بكاملها إستعداداً ليوم بعث مَنْ في القبور "يوم القيامة" لمواجهة ألحياة الآخرة حيث الحساب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
وعن ذلك قال تعالى في سورة النازعات: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا 42), ولكن, ما أدراك أنت أو غيرك بالساعة؟, لذا قال له: (فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا 43)؟, وأنى لك هذا؟.. إعلم انه: (إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا 44), وليس لك شأن بها, وليس ذلك ضمن مهمتك التي أرسلت من أجلها: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا 45) فقط, فلا تشغل بالك بالمكذبين بها لأن إنكارهم لها لن يغير حقيقتها أو يؤخر أو يلغي إتيانها ومباغتتها لهم وستكون آخر عهدهم بالوجود كله: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا - « لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا » 46).
وفي سورة الأحزاب, قال الله لرسوله الكريم: ( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ - « إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ » وَمَا يُدْرِيكَ « لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا » 63), فالنبي لا يدري متى تقوم الساعة, كل علمه أن الله قال له وما يدريك عنها, وأنا لم أخبرك بشئ,, فإن لم أفعل أنا,, فَمَنْ؟؟؟ على أية حال "لعلها" تكون قريباً وهذا يكفي عظة للمؤمنين بها وبربهم, وهذه هي الغاية من ذكرها والتذكرة بها.
وأنظر هنا إلى تحديد الله تعالى لعدد من الغيبيات - بجانب علم الساعة - وقد أكد سبحانه ألَّا ولن يعلمها إلَّا الله وحده لا شريك له, وفي ذلك تحدٍ مفتوح ليس للجن والإنس وعلمائهم الموهومين فحسب, بل لكل الخلق, قال عنه في سورة فصلت:
1. (« إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ » ...), فلا أحد سيعلم به غيره سبحانه وتعالى,
2. (... « وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا » ...), فلن يستطيع أحد أن يجزم أو يحدد متى ولا كيف ستخرج الثمرة من أكمامها, وقد إختص الله نفسه بعلمها,
3. (... « وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ » ...), فلا حمل ولا وضوع لمخلوق قط إلَّا بعلم الله وحده ..... قال عن نفسه سبحانه "وما نحن بمسبوقين".
4. (... « وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ » 47), وهو يوم القيامة.
وقال الله تعالى عن تفرده بعلم الغيبيات كلها, في سورة لقمان:
1. (إِنَّ اللَّهَ - « عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ » ...),
2. (... « وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ » ...),
3. (... « وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ » ...),
4. (... « وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا » ...),
5. (... « وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ » ...),
(... إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 34).
وقال في سورة الزخرف: (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا « وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ » « وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » 85).
6. وهو سبحانه في سورة الروم - مؤكداً على المجرمين إبلاسهم عند قيام الساعة, قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ - « يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ » 12), وأكد ذلك أكثر بقوله: ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ - « يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ » 14). ثم عن سرعة مباغتة المجرمين بقيام الساعة أنهم لن يدركوا طول الفترة الزمنية التي مرت عليهم من حياتهم - قبل قيامها - مهما طال أمدها,, قال تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ « يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ » - كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ 55).
7. وفي سورة الزخرف, قال تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ « إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ » 66).
وكذلك قال في سورة محمد: (فَهَلْ يَنظُرُونَ - « إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً » - فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا « فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ » 18)؟؟؟.
8. وفي سورة سبأ, رد الله على إنكار الكافرين بِقَسَمٍ مغلَّظ فيه تحدٍ لهم ولمن جاء بعدهم, قال فيه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ - « قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ » - عَالِمِ الْغَيْبِ « لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ » 3).
9. ولكن بالمقابل, هناك عقلاء مؤمنون, يعلمون يقيناً أن الساعة آتية لا ريب وفيها, وأن الله يبعث من في القبور,, قال الله تعالى عنهم في سورة الأنبياء "مادحاً": (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ « وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ » 49), فهؤلاء فقط هم المعنيون بذكر الساعة وذلك ليزدادوا صلاحاً مع صلاحهم ويكثروا عملهم إصلاحاً وفلاحاً, أما الكافرون فلا يهم أمرهم شيئاً إن صدَّقوا بها أم كذبوا لأنهم قد بلغوا غاية اليأس والقنوط من الرحمة.
10. الآن أنظر إلى الإبيان النوعي هذا الذي جاء في سورة النحل, قال الله فيه عن نفسه: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - « وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ » - إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 77).
وقال في سورة الجاثية مؤكداً جازماً: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ « يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُون »َ 27), وهذا هو المهم, وليس المهم تاريخ قيامها إن كان ذلك في وجودك أو في وجود غيرك من بعدك, المهم أن إحتضارك يعني أنك في مواجهة الساعة وما بين موتك والساعة فاصل وهمي كخط الأفق.
11. ثم هنا في سورة غافر إخبار مخيف - عن العذاب ألمستمر للمكذبين بصفة عامة, وآل فرعون بصفة خاصة, قبل قيام الساعة - حتى بعد موتهم,, قال فيه: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ « أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ » 46).
12. وفي سورة الأنعام, قال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ « حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً » - قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا « وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ » أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ 31),, وأمر نبيه الكريم بأن يقول للمكذبين: "لو أن الله قد أتاكم بعذاب منه أو أتتكم الساعة بأهوالها بغتة,,, فإستغثتم, من يمكنكم أن تدعوه ليصرفه عنكم غير الله" إن صدقتم في الرد على هذا السؤال المباشر؟؟؟, قال له: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ « أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ؟» 40).
13. وفي سورة يوسف, قال: (أَفَأَمِنُوا - « أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ » « أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً » - وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ 107).
14. وفي سورة الحجر, قال: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ - « وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ » - فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ 85), أترك أمرهم ومحاسبتهم ليوم الحساب أما الآن فأصفح عنهم, إذ لا فائدة ترجى منهم, فلا تحمل همهم ولا تشغل بالك بهم.
15. وفي سورة الشورى, قال: (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ ح م« بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ » وَمَا يُدْرِيكَ ع س ق« لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ » 17),, وهذه الآية الكريمة تتضمن الآيتين المحكمتين (حم 1), (عسق 2), فاتحة هذه السورة الكريمة,, ثم قال عن الساعة إنه: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا « الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا » وَالَّذِينَ آمَنُوا « مُشْفِقُونَ مِنْهَا » - وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ - « أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ » 18).
16. وقال تعالى عن الإنسان الجاحد في سورة فصلت: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي « وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً » - وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى - فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا « وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ » 50).
17. وفي سورة الجاثية, قال: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ « وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا » قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ 32), وهذا بالضبط ما قاله الكاتب ويقوله كل الضالين المكذبين أمثاله.
18. وفي سورة مريم, قال تعالى: ( قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ - « إِمَّا الْعَذَابَ » « وَإِمَّا السَّاعَةَ » - فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا 75).
19. وفي سورة الفرقان قال (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ « وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا » 11).
من كل الآيات التي تحدثت عن الساعة, أشارت إلى أخر عهد الإنسان بالحياة الدنيا, واللحظات الأخيرة التي سيواجهها قبل هذا الخروج الذي سيكون بأحدى الحالات الأساسية التالية:
1. لحظة الإحتضار التي يليها الموت بإنقضاء الأجل في الدنيا, (ساعة خاصة), أو إنقضاء الجيل بتمام المائة عام (ساعة حتمية),
2. لحظات الهلاك والعذاب التي تسبق الإستئصال كقوم نوح, وقوم لوط, وقوم صالح,,,
3. قيام الساعة الكبرى التي سينتهي فيها كل شيء وكل حياة ووجود عندها يفنى كل شيء ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
ولكن ماذا قال الله تعالى في كتابه العزيز عن "يوم القيامة"؟:
وهل يوم القيامة هو الساعة؟؟
وما هو اليوم الآخر؟؟؟
للرد على هذه الأسئلة فلابد من تدبر بعض الآيات التي جاء فيها ذكر "يوم القيامة" أولاً فيما يلي:
1. قال الله تعالى في سورة الزمر: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ « أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ » 60)؟؟؟, واضح هنا أن يوم القيامة لا علاقة له بالحياة الدنيا, فهو يعني الحياة الآخرة, بعد النشور,
2. فأنظر هنا إلى قول الله عنه في سورة النحل: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ « يُخْزِيهِمْ » وَيَقُولُ - « أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ » - قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ « إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ » 27), ولا يكون ذلك إلَّا في الحياة الآخرة حيث الحساب.
3. وفي سورة هود يقول الله تعالى عن فرعون وقومه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ 96), (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ « وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ » 97), كيف سيكون حاله يومئذ؟, قال: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ « فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ » وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ 98).
4. وقال في سورة مريم عن النصارى الكافرين يوم القيامة: (وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا 92), فهم كاذبون في إدعائهم: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ « إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا » 93), بما في ذلك المسيح ومريم وكل الخلق, فقال: (لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا 94), فإنهم لن يأتوه جماعةً بل: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا 95).
5. وفي سورة المؤمنون قال,, (ثُمَّ إِنَّكُمْ « يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ » 16).
6. وفي سورة الزمر, قال: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ « عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ » 31).
7. وفي سورة القيامة,, قال: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ 1), .... إلى قوله: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ 6).
8. وقال في سورة النحل عن الضالين الذين يضلون غيرهم, كما يفعل الكاتب ومن معه الآن: (لِيَحْمِلُوا - « أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ » « وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ » - أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ 25).
9. وفي سورة الأنبياء, قال: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ - فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا « وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ » - أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ 47).
10. وفي سورة الحج, قال: (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ - « يَوْمَ الْقِيَامَةِ » - فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 69).
11. وفي سورة الفرقان, قال واصفاً عباده المخلصين: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا « وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا » 63),,, إلى أن قال عنهم: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ « وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا » 69), فوصف الأثام التي سيلقاها من يفعل تلك المحرمات التي نزه الله عباد الرحمن عنها, قال: (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ - « يَوْمَ الْقِيَامَةِ » - وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا 69).... هذا غيض من فيض يصعب ذكره كله هنا.
بالطبع لا تزال هناك عشرات الآيات في عدد من السورة التي تتحدث عن "يوم القيامة" وكلها بدون إستثناء تتحدث عن الحياة الآخرة التي تبدأ بالنشور من القبور, وذلك يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات. ذلك يوم تشرق الأرض بنور ربها.
إذاً "الساعة" هي أخر عهد الإنسان بالحياة الدنيا, ويوم القيامة هو أول عهد الإنسان بالحياة الآخرة,, أما حياة البرزخ فهي فاصل وهمي ليس له بعد زمني كخط الأفق, حيث يظهر عنده إنطباق السماء على الأرض, فلا هو بسماء ولا هو بأرض. كذلك البرزخ, لا هو جزء من الحياة الدنيا, ولا هو جزء من الحياة الآخرة.
إذاً, كيف يدعي هذا الكاتب أن النبي في أحاديثه أشار إلى إتيان يوم القيامة في عهده, وقد أكدت كل الآيات التي وردت بكتاب الله تعالى وعشرات الأحاديث النبوية الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا علم له ولا لغير بالساعة لأن الله قد إختص الله بعلمها نفسه دون سواه. على أية حال فيما يلي عدد من الأحاديث التي تؤكد هذه الحقائق التي لم تدر بخلد أو فكر أو تصور الكاتب أبداً.
في البدء نقول إن كلمة "الساعة" في القرآن والحديث لها مفهومين إثنين, هما:
أولاً: الساعة العامة (الكبرى): وهي ساعة أنقضاء أجل الدنيا بكاملها, حيث لا يبقى إلَّا وجه ربك الأعلى ذو الجلال والإكرام.
ثانياً: ساعة خاصة تقوم بصورة مستمرة ومتكررة على مدى الزمن, وهي نوعان, هما:
1. ساعة المحتضر الذي بلغت نفسه التراق, فهو حينئذ يكون قد أدرك ساعته حيث ستكون آخر عهده بالحياة الدنيا. ودليل ذلك حديث زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: (يقولون: القيامة القيامة، وإنما قيامة المرء موته).
وأيضاً في رواية سفيان بن أبي قيس قال: (شهدت جنازة فيها علقمة، فلمَّا دُفن قال: أما هذا؛ فقد قامت قيامته), إذ القيامة تأتي بعد "الساعة", فالأمر بالنسبة للمتوفى سيان إن كانت "الساعة الكبرى "العامة" أو كانت ساعته أو ساعة جيله, لأنه في جميع الحالات قد إنتهى عهده بالحياة الدنيا ولم يبق بينه وبين يوم القيامة زمن.
2. وأفراد الجيل الواحد الذين بلغوا المائة عام, فإنهم حينئذ لن يبقى منهم أحد على قيد الحياة لأنهم كلهم سيكون قد فارق الحياة, بعد أن أدرك ساعته.
والدليل على ذلك, ما روي عن أنس رضي الله عنه, قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة - وكان من أقراني - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنْ أُخِّرَ هَذَا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ). وكان ذلك رداً على من سأله عن قيام الساعة. واضح أن رد النبي مقصود به "الساعة الخاصة بالجيل".
فما دام أن ساعة الجيل تأتي عند بلوغه الهرم عند بلوغ 100 سنة, وأن غلام المغيرة كان أصغر الحاضرين مع النبي آنذات, فلا شك في أن جيل الحاضرين سينقضي عند كمال المائة, ما عدا ذلك الغلام الذي سيكون عمره دون المائة, فصدق الرسول بقوله عن الغلام: (إِنْ أُخِّرَ هَذَا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يذكِّر الناس بأنه أذا أتت مائة سنة على الفرد من الجيل لا يبقى على قيد الحياة ممن كان في ساعته أحد. ويؤكد ذلك أكثر حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضى الله عنهما، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا، لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ). لأنهم حينئذ تكون قد أتت ساعتهم.
وعن أنس بن مالك، قال: كان أجرأ الناس على مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب. أتاه أعرابي فقال: يا رسول الله متى تقوم الساعة؟ فلم يجبه شيئا حتى أتى المسجد فصلّى فأخَفَّ الصلاة ثم أقبل على الأعرابي فقال: (« أين السائل عن الساعة »؟ ـ ومرّ سعد الدوسي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنْ يُعَمَّرَ هَذَا حَتَّىْ يَأكُلَ عُمُرِهِ لَاْ يَبْقَىْ مِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ »).
وفي حديث عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَعْرَابِ جُفَاةً، يَأْتُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَسْأَلُونَهُ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ فَيَقُولُ: (إِنْ يَعِشْ هَذَا لاَ يُدْرِكْهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ)، قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي مَوْتَهُمْ.
وعن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله فقال: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: « لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا », « وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ », « وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا », « وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ », « وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ »).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : (والَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ لَا تَفْنَىْ هَذِهِ الأمَّةِ حَتَّىْ يَقُوْمَ الرَّجُلُ إلَىْ المَرْأةِ فَيَفْتَرِشُهَا فِيْ الطَّرِيْقِ، فَيَكُوْنُ خِيَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُوْلُ لَوْ وَاْرَيْتَهَا وَرَاءَ هَذَاْ الْحَائِطِ).
وعن ابن عباس رضي الله عنه, قال,, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (« خَمْسٌ بِخَمْسٍ »، قيل: يارسول الله، وما خمس بخمس؟ قال: 1« مَاْ نَقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، 2« وَمَاْ حَكَمُوْا بِغَيْرِ مَاْ أنْزَل اللهُ إلَّا فَشَاْ فِيْهِم الفَقْر »َ، 3« وَمَاْ ظَهَرَتِ الفَاحِشَةُ فِيْهِم إلَّا فَشَاْ فِيْهِم المَوْتُ »، 4« وَلَاْ طَفَّفُوْا الكَيْلَ إلَّا مُنِعُوْا النَّبَاتَ وَأُخِذُوْا بالسِّنِيْنَ »، 5« وَلَاْ مَنَعُوْا الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُم المَطَرَ» (.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (« لَاْ تَقَوْمُ السَّاعَةُ حَتَّىْ تَأخُذَ أُمَّتِيْ بِأخْذِ القُرُوْنِ قَبْلَهَاْ شِبْرَاً بِشِبْرٍ وَذِرَاعَاً بِذِرَاعٍ », فقيل يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: « وَمَنِ النَّاسُ إلَّاْ أُوْلَئِكَ »)؟.
وعن عبد الرَّحْمَنِ، عن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: («لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبّ المَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ - لاَ أَرَبَ لِي بِهِ - وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي البُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا "»).
وعن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة,, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: («لَاْ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّىْ يَكْثُرَ الهَرْجُ », قالوا وما الهرج يا رسول الله؟, قال: « القَتْلُ القَتْل »).
وعن اقتراب الساعة حيث تُرفعُ الأشرارُ ويُوضع الأخيار,, الذي سماها النبي صلى الله عليه وسلم بالسنوات الخدَّاعات فقال عنها: (« سَيأتي على النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ » - قيل وما الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قال: « الرجلُ التَّافِهُ ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ ».(
وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَاْ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّىْ يَكُوْنَ أسْعَدُ النَّاسَ بالدُّنْيَا لُكَعٌ بنُ لُكَعٍ).
وعنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (« مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ تُرْفَعَ الْأَشْرَارُ، وَيُوضَعَ الْأَخْيَارُ، وَيُقَبَّحَ الْقَوْلُ، وَيُحْبَسَنَّ الْعَمَلُ، وَيُقْرَأُ فِي الْقَوْمِ الْمَثْنَاةُ » - قُلْتُ: وَمَا الْمَثْنَاةُ؟ - قَالَ: « مَا كُتِبَ سِوَى كِتَابِ اللَّهِ »).
حدثنا عبد الله بن عمر، عن سعد بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونُ الشَّهْرُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَضَرْمَةِ السَّعْفَةِ فِي النَّارِ).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنْهُ؟: (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ ).
و أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّىْ يَتَبَاهَىْ النَّاسُ فِيْ المَسَاجِدِ).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر, لا يُرى عليه أثر السفر, ولا يعرفه منا أحد, حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فأسند ركبتيه إلى ركبتيه, ووضع كفيه على فخذيه,, وقال: يا محمد, أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (« الإسْلَامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لَّا إلَهَ إلَّا اللهَ وأنَّ محمداً رَسُوْلُ اللهِ, وتُقِيْمَ الصَّلَاةَ , وتُؤتِيَ الزَّكَاةَ , وتَصُوْمَ رَمَضَانَ , وتَحُجَّ البَيْتَ إنْ اسْتَطَعْتَ إليْهِ سَبِيْلاً » - قال: صدقتَ,, قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه - قال: فأخبرني عن الإيمان؟, قال: « أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ ومَلَائِكَتِهِ وِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليَوْمَ الآخِرَ, وتُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ » - قال: صدقت - قال فأخبرني عن الإحسان؟ - قال: « أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ, فَإنْ لَّمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ » - قال: فأخبرني عن الساعة؟ - قال: «« مَاْ المَسْئُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ »» - قال: فأخبرني عن أمارتها؟ - قال: « أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتهَا, وأنْ تَرَىْ الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رُعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِيْ البُنْيَانِ » - قال: ثم انطلق - فلبِثتُ ملِيَّا, ثم قال لي: « يَاْ عُمَرُ, أتَدْرِيْ مَنِ السَّائِلُ؟ ») - قلتُ: الله ورسوله أعلم - قال: « فَإنَّهُ جِبْرِيْلُ أتَاكُمْ يُعَلِّمَكُمْ دِيْنَكُمْ »).
ثالثاً:,, وبعد هذه السياحة في رحاب تدبر آيات الله البينات عن الساعة ويوم القيامة, ثم إستعراضنا لبعض الأحاديث النبوية الصحيحة عن الساعة وأشراطها وعلاماتها,,, آن لنا أن نفند إدعاءات وإشكاليات الكاتب التي نراه قد كشف بها ما كان الأجدر به والأجدى له أن يبقيه مستوراً بداخله حتى لا يأتيه بأعراض جانبية غير محببة له ولا في حقه.
(أ): لم يوفق الكاتب في قوله: ((... ينذر محمد الكافرين « فى زمنه » عذابا "قريبا" ...)), ومن الأدلة على جهله بلغة البيان هو إستشهاده بقوله تعالى في سورة النبأ: (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ « عَذَابًا قَرِيبًا » « يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ » وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا 40), فهل ترك الله العذاب القريب - في هذه الآية - "مطلقاً, مبهماً دون تحديد"؟ لدرجة تجعل منهه قرينة للكاتب تبرر ظنه أن هذا العذاب الموعود سيكون في زمن النبي؟
إن كان ذلك وارداً,, فما دور عبارة « يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ » فيها؟ هل فهم منها أن هذا اليوم سيكون في الدنيا سواءاً أكان في زمن النبي أو بعده بقرون وقرون وقرون,,,؟؟؟
ثم كيف بلغ الكاتب هذه الآية الكريمة وقد مر على آيتين قبلها قبل أن يبلغها, وهما كافيتين لإزالة هذا اللبس وهذه الإشكالية المعرفية بلغة الضاد وعلم البيان التي أوقع نفسه فيها, وهما قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا 38), ألا تكفي هذه الآية لتدله على أن اليوم المشار إليه ليس في الحياة الدنيا, بل في الآخرة؟؟؟ ..... وعلى فرض انه قد تاه وغفل عن مدلول وبيان هذه الآية وعميت عليه, إذاً, كيف إستطاع أن يتجاوز الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا 39), فما هو ذلك اليوم الحق في مفهومه؟؟؟ ..... وحتى لو وافقناه جدلاً انه تاه عنهما مغبوناً, ولم تسع مداركه هذا البيان والإبيان البائن,,, أليست عبارة «... يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا » وحدها كافية ليتفادى بها هذا المأذق الفاضح الذي أوقع نفسه فيه؟؟؟
(ب): الأدهى وأمر وأغرب من ذلك أنه لم يفهم الآية التي إستشهد بها من سورة محمد, فقال: ((... وفى آية أخرى ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) محمد 18. ولتلاحظ "جاء أشراطها " ...)).
أليس الخلط والتخبط هنا واضحان لديه لعدم تفريقه ما بين "الساعة" و "يوم القيامة",, أو لعله قد نسي عنوان إشكاليته الذي قال فيه ((... يوم القيامة قريب أم بعيد ؟...)), فكيف إذاً خلط هذه بتلك؟؟؟,
نقول له, إن الله في قوله: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ 18), لم يذكر شيئاً عن "يوم القيامة", كما توهمت, فالساعة أمر دنيوي وبديهي أن يجئ أشراطها في أي وقت ولحظة,, أما يوم القيامة أمر أخروي ليس له أشراط, وانما متوقف على نفخ الملك إسرافيل في السور فيأتون أفواجاً بعد خروجهم من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون.
(ج): ثم جاء هذا الكاتب بأحاديث أيضاً لم يفهمها فزاد طينه بِلَّة وتوجهه, فمثلاً قوله هنا: ((... ومن الأحاديث التى تعطيك دلالة قوية على قرب يوم القيامة فى زمن النبى...))... نلاحظ في هذا المقطع أن هناك سقطات كثيرة نذكر منها ما يلي:
1. إن الحديث الذي ذكره وإدعى انه يقصد به "قرب يوم القيامة" غير صحيح, إذ البدوي الذي أتى النبي لم يسأله عن يوم القيامة,, بل سأله عن "الساعة", فقال نصاً: (... يا رسول الله متى الساعة قائمة ...). فلا تخلط الأوراق أيها الكاتب.
2. وبالنسبة لسوء فهمك لقول النبي في العبارة: (... فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني فقال إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة ...), فهذا تنبؤ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك الغلام إذا هرم ببلوغه آخر عمره سيدرك قيام الساعة بالنسبة للموجودين الذين يكبروه سناً, وأيضاً لم يشر من قريب أو بعيد إلى "يوم القيامة" فمن أين جئت بهذا التخريف يا هذا؟؟؟
3. العبارة بكاملها لم تذكر شيئاً عن "يوم القيامة", وبالتالي فإذا كانت هناك أخطاء جسيمة ومنهجية فإنها ستكون لديك أنت لعجزك عن فهم النصوص العربية ولضعف لديك في فقه لغة الضاد وملكة البيان والإبيان لا غير.
(د): للأسف, فإن كل تصوراتك وأفكارك غاية في الضعف وبعيدة عن المنطق والموضوعية, وذلك أمر طبيعي للإشكالات المعرفية والمنهجية لديك التي تحدثنا عنها كثيراً والتي نراك تعاني منها كثيراً أيها الكاتب, لذا قد أدخلتك في إحراجات جوهرية مخزية,, فمثلاً قولك: ((... أتصور أن إدعاء الأنبياء بقرب يوم القيامة هى عملية ترهيب بكل معنى الكلمة بخلق جو من الرعب والفزع فى جموع البشر بغية إنسحاقهم بلا بلا بلا...)), وهذا قول ليس له سند ولا دليل.
1. فالأنبياء لا يدَّعون ولا يختلقون ولا يجتهدون,, بل هم ممنهجون بمناهج ربانية منضبطة, بدليل أن لكل منهم أدلته وبراهينه ومعجزاته الكافية لتأكيد صحة قوله وفعله,, أما المدعي هو الذي يخوض في غيره ولا يملك دليل ولا برهان ولا كتاب منير, وغالباً ما يكون داءه في هذا هو الجهل والغرور والسفة وفساد الطوية الإبليسية.
2. لم يذكر الكاتب نصاً واحداً جاء فيه ذكر "يوم القيامة" صراحةً,, فكل الحديث يدور حول "الساعة" لا غير. ولكنه لا ولن يستطيع التفريق بين هذا وذاك وتلك,,, فما ذنب القرآن والسنة في ذلك... عليه أن يعكف على نفسه ويصلح من حالها - إن إستطاع لذلك سبيلاً - بدلاً من أن يدخل أنفه في ما لا يطيقه أو يتعالى لهامته ويطمح لبلوغه.
أما العبارات الفجة القبيحة, التي أطلقها الكاتب, مثل: "الإنبطاح", و "تحت النعال",, والمشروع الديني,,, بلا بلا بلا... فهذه ألفاظ بشعة,, تلزم صاحبها لأنه أحق بها ولا توجد لها مواقع من الإعراب لدينا, لذا سنكتفي بهذا القدر حيث رددنا البضاعة لأصحابها فهم أحق بها وأهلها.
تحية طيبة للقراء والقارءات الكريمات,
بشاراه أحمد عرمان.
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟