إلى السّلفي المدعو هيثم طلعت: وحي من جهة بلاد العرب أم أكاذيب من بلاد العرب؟

مالك بارودي

الحوار المتمدن-العدد: 5555 - 2017 / 6 / 18 - 11:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تنبني الدّعاية الإسلاميّة أساسًا على الكذب والخداع والتّدليس والتّزوير، وهذا ما يلمسه كلّ عاقلٍ يفتّش كلام الدّعاة والشّيوخ منذ عهد إبن قيّم الجوزيّة الكذّاب الذي كتب كتابًا لا رأس له ولا ذيل سمّاه "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنّصارى" (تحقيق عثمان جمعة ضميرية، مجمع الفقه الإسلامي، جدّة، دار عالم الفوائد للنّشر والتوزيع، 1429 هـ)... بل منذ عهد محمّد بن آمنة نفسه، الذي زعم أنّ إسمه مذكور في التّوراة والإنجيل وكان الأجدر به، لو كان صادقًا فعلًا، أن يحدّد لأصحابه بالتّفصيل في أيّ سفر من الأسفار وفي أيّ إصحاحٍ وفي أيّة آية، فتكون تلك حجّة دامغة تؤكّد صحّة نبوّته وتكسر كلّ شكوك المخالفين. أم أنّ الله نفسه - الذي يزعم أنّه "أوحى" إليه بالقرآن وأنّه "أوحى" لموسى وعيسى من قبله - لم يكن يعرفُ هو أيضًا أين بشّر بقدوم محمّد أو نسي ما قاله في التّوراة والإنجيل؟
.
على كلّ حال، لو كُتبت الإدّعاءات التي إخترعها المسلمون عن رسولهم وعن دينهم منذ أربعة عشر قرنًا لملأت مكتبة من أكبر المكتبات في العالم، فهذا عدنان إبراهيم يزعمُ أنّ "جورج برنارد شو" (السّاخر الذي لم يكن يحترمُ أحدًا) مدح رسول الإسلام في رواية نقلها عن الغوغائي الأعمى النّاهق عبد الحميد كشك بتصرّف... وهذا يُزيّف الحقائق العلميّة والإكتشافات ليُثبت أنّ محمّدا بن آمنة تنبّأ بها قبل ألف وأربعمائة عامٍ (وهو الذي لم يعرف حتّى إن كانت عائشة قد زنت مع صفوان بن المعطّل أم لا، فأضطر للإنتظار شهرًا كاملًا حتّى علم أنّها حاضت ووقتها تنفّس الصّعداء وزعم أنّ ربّه برّأها من تهمة الزّنا) أو يُحرّف معاني كلمات القرآن بحيث تتلاءم مع ما توصّل إليه الغرب الكافر من نظريّات... وهذا يُقلّب التّوراة والإنجيل (رغم أنّ معظم الشّيوخ يقولون بتحريف هذين الكتابين، متناقضين في ذلك مع قرآنهم نفسه) بحثًا عن كلمة يُحرّفون معناها أو آية يقتطعونها من سياقها لإثبات أكذوبة محمّد عن وجود نبوءة عنه.
.
وفي حقيقة الأمر، لا ألوم هؤلاء على ما يفعلونه، كما لا ألوم المدلّسين من أمثال مصطفى محمود وزغلول النّجّار وهارون يحي على هلوساتهم وخزعبلاتهم التي ينسبونها للعلم وعلى تحريفهم للقرآن ليتناسب مع العلم أو تزويرهم للحقائق العلمية لتتناسب مع القرآن، إنّما كلّ اللّوم على من يروّجون لهذه الخرافات من بعد مخترعيها وينشرونها في كلّ مكان وكأنّها حقائق دامغة، في حين أنّه في معظم الأحيان يكفي أن يكلّف الإنسانُ نفسه بعض العناء من خلال بحث صغير على الأنترنات أو في الكتب العلميّة أو حتّى في كتب التّفاسير وفي معاجم اللّغة العربيّة ليتأكّد من أنّ هؤلاء الذين يروّجون تلك الدّعاية عن الإعجاز العلمي في القرآن أو نبوءات الكتاب المقدّس عن محمّد بن آمنة لا علاقة لهم لا بالعلم ولا بالعقل، إنّما هم مجرّد جهلة يسترزقون من بيع الأوهام لشعوب لا تقرأ وتعيش حتّى يومنا هذا على نفس الخرافات التي كان يعيش عليها بدو جزيرة العرب منذ أربعة عشر قرنًا.
.
وعلى ذكر جزيرة العرب، نأتي إلى موضوع المقال. فقد وجدتُ منذُ مدّة مدلّسًا جديدًا، سلفيّ الهيئة، يُدعى "هيثم طلعت"، من خلال بعض المقاطع التي ينشرها على اليوتيوب، وهي مقاطع مسمومة ومقرفة في نفس الوقت، يسعى صاحبها لتكريس الخرافة على حساب العلم في سبيل إعلاء راية الإسلام وتسطيح العقول المسطّحة بطبيعتها. بطبيعة الحال، حقيقة الإسلام بشعة وبائسة ولا يمكن إلّا أن تثير الإشمئزاز والقرف والسّخرية في نفس المستمع والمشاهد والقارئ، لذلك لن تجد داعية واحدًا يعوّل على قول الحقائق كما هي، لأنّه قد يخسر معظم جمهوره الذي يمثّل مصدر رزقه... لذلك يحرّف الدّعاة والشّيوخ قرآنهم ويزوّرون أحاديثهم ويعتمدون على الضّعيف منها أكثر من الصّحيح ويعتمدون على المغالطات المنطقية بكثرة ويزيّنون الأحداث ويجمّلون الوقائع ويلعبون على مشاعر الجمهور، إلخ.
.
بحثتُ عن صاحبنا على الفيسبوك، فوجدتُ حسابهُ وسرعان ما تأكّدتُ من أنّه لا يملكُ من العلم مقدار ذرّة وكلّ علمه المزعوم مبني على التّخريف والتّزييف والتّدليس والتّلاعب بالألفاظ... والغريب أنّه يقدّم نفسه على أنّه "مهتمّ بالملف الإلحادي". هزُلَتْ، فعلًا... والأغرب أنّ متابعيه كثيرو العدد، وهذا دليلٌ واضحٌ على أنّ سوق الخرافة والأكاذيب رائجة في شرقنا الموبوء...
.
بطبيعة الحال، لن أتطرّق إلى كلّ الأكاذيب التي يروّجها صاحبنا مدّعي العلم هذا على صفحته، فذلك قد يتطلّب مجلّدات وبحوثًا مُضنية (ذلك أنّ إطلاق الإدّعاءات الفارغة أسهل من تفنيدها)، بل سأكتفي بالرّدّ على أحد منشوراته الأخيرة، وتحديدًا ما كان قد نشره بتاريخ 11 جوان 2017، حيث يقول:
.
"من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
ورد في سفر أشعياء إصحاح 21 عدد 13: "وحي من جهة بلاد العرب".
تتحدث هذه النبوءة عن شخص سيخرج في بلدة عربية تدعى "ددان" وسيهاجر إلى بلدة أخرى تدعى "تيماء" ويدعو الرب أهل تيماء أن يغيثوه.
لو ذهبنا إلى الخريطة الموجود في أول الكتاب المقدس خلف الغلاف مباشرةً والتي هي في الصورة، سنكتشف أن "ديدان" يطابق موقعها موقع مكة المكرمة تقريبًا، و"تيماء" يطابق موقعها موقع المدينة المنورة، بل إنه إلى اليوم تيماء هي أحد أعمال المدينة المنورة.
فمَن الذي يأمر الله أهل تيماء "المدينة" أن يغيثوه، بعد أن خرج مهاجرًا من "ديدان" غيره صلى الله عليه وسلم؟
ومن المدهش أن هذا النص لم يقف عند ذلك
بل يخبر أن مجد قيدار سيفنى بعد عامٍ من هذه الهجرة.
وقيدار باتفاق أهل الكتاب من ولد إسماعيل كما ورد في سفر التكوين إصحاح 25 عدد 13.
وذرية إسماعيل سكنوا قريش، ولم يمض عام على هجرته المباركة حتى قامت غزوة بدرٍ الكبرى، والتي سميت فرقانًا فرق الله فيه بين الحق والباطل وانهارت قريش!
فانهار مجد قيدار بعد سنة من هجرته صلى الله عليه وسلم.
والآن لنقرأ النص كاملاً من أشعياء إصحاح 21: "13 وحي من جهة بلاد العرب: في الوعر في بلاد العرب تبيتين، يا قوافل الددانيين. 14 هاتوا ماء لملاقاة العطشان، يا سكان أرض تيماء. وافوا الهارب بخبزه.
15 فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب. 16 فإنه هكذا قال لي السيد: في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار، 17 وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم".
وربما كان هذا النص هو الذي جعل راهب عمورية يؤكد لسلمان الفارسي أن نبي آخر الزمان سيكون في بلاد العرب، حين قال له: "قد أظلك زمان نبي، هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل". رواه أحمد
ومن العجيب أن سفر أشعياء بعد قليل يخبر تحديدًا أن سكان مكة وسكان سالع –جبل المدينة المعروف إلى اليوم- سيُنشدون فرحًا بالنبي القادم، يقول سفر أشعياء إصحاح 42 عدد1: "هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سرت به نفسي. وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم... 11 لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا"."
.
مثلما قلت سابقا، كلّ ما يقوله هؤلاء المفلسون مبنيّ أساسًا على التّلاعب بالألفاظ ومعانيها وعلى المغالطات. أمّا ملاحظاتنا على المنشور فهي كما يلي:
.
أوّلًا، هناك فرق بين أن نقول "سيأتي صديقنا من جهة أمريكا" وأن نقول "سيأتي من أمريكا". في العبارة الثّانية تحديدٌ لبلد بعينه، فصديقنا سيأتي من أمريكا وليس من مكانٍ آخر. وهذا التّحديد تفتقده العبارة الأولى، حيث أنّها حدّدت جهة بأكملها. فأنا الآن في تونس وصديقنا سيأتي من جهة أمريكا: قد يأتي من أمريكا في حدّ ذاتها، وقد يأتي من الجزائر أو من المغرب، بما أنّهما جغرافيّا موجودتان غرب تونس، في إتّجاه أمريكا. إذن، المغالطة الأولى التي قدّمها هيثم طلعت تتعلّق بخلطٍ مقصودٍ وبتقديم معنىً لا يتوافقُ إلّا جزئيّا مع العبارة المذكورة والإيهام بأنّه هو المعنى الصّحيح والوحيد. "وحي من جهة بلاد العرب" لا تعني بالضّرورة أنّ هذا الوحي آتٍ من بلاد العرب، فهناك إحتمالات أخرى وقد يكون المقصود به منها أنّه سيأتي من بلادٍ موجودة في نفس إتّجاه بلاد العرب، وقد تكون أقرب منها أو أبعد منها.
.
ثانيًا، يقول هيثم طلعت في إدّعائه: "لو ذهبنا إلى الخريطة الموجودة في أول الكتاب المقدس خلف الغلاف مباشرةً والتي هي في الصورة، سنكتشف أن "ديدان" يطابق موقعها موقع مكة المكرمة تقريبًا، و"تيماء" يطابق موقعها موقع المدينة المنورة، بل إنه إلى اليوم تيماء هي أحد أعمال المدينة المنورة." بطبيعة الحال، هذا كذبٌ... لكن "عالمنا السّلفيّ الجهبذ" عوّل على أمرين إثنين لتمرير أكذوبته. عوّل في مرحلة أولى على الخريطة التي نشرها والمأخوذة من الكتاب المقدّس لأنّه حدُودها تقف عند "ديدان" ولا تُظهر ما في جنوب هذه المنطقة. وعوّل في مرحلة ثانية على جهلِ متابعيه وأتباعه وتعوّدهم على إبتلاع كلّ الخرافات ما دامت تصبّ في صالح الإسلام دون بحثٍ أو تمحيصٍ، بل حتّى دون شكٍّ في صحّتها. ولو بحث القرّاء عن خرائط الشّرق في العهد القديم لوجدوا خرائط تبيّن لهم أنّ ما ذهب إليه هيثم طلعت ليس إلَّا تزويرًا وتلفيقًا وكذبًا صريحًا وسافرًا. فكيف تكون ديدان هي مكّة المكرّمة (أعجبتني كلمة "تقريبًا" التي كتبها في سياق أكذوبته) وكيف تكون تيماء هي المدينة المنوّرة، في حين أنّ مكّة والمدينة توجدان بعيدًا في الجنوب فلو إستعملنا موقع خرائط "قوقل" وحسبنا المسافة بين تيماء والمدينة المنوّرة لوجدنا أنّها تقدّر بـ 424 كيلومترًا، أمّا المسافة التي تفصل بين تيماء ومكّة فتقدّر بـ 865 كيلومترًا. فكيف يكون هذا التّطابق الذي يتحدّث عنه هيثم طلعت؟ كيف تُصبحُ مئات الكيلومترات صِفْرًا، يا أمّة "إقرأ" التي لا تقرأ وتبتلع الأكاذيب كما يبتلع رمل الصّحراء المياه؟
.
ثالثًا، لا أعرف من أين يأتي هؤلاء المدلّسون بكلّ هذه الصّفاقة والوقاحة وهم يكذبون على النّاس... وأوضحُ مثال نجده هنا في المرور بسلاسة وإنسيابيّة كالثعبان من أكذوبة إلى أخرى. فها هو هيثم طلعت، بعد تزوير الجغرافيا يتعامل مع أكذوبته كما لو أنّها أصبحت من المسلّمات فيتساءل: "فمَن الذي يأمر الله أهل تيماء "المدينة" أن يغيثوه، بعد أن خرج مهاجرًا من "ديدان" غيره صلى الله عليه وسلم؟". هل رأيتم صفاقة أكبر من هذه؟ هل هذا الحديث يستند إلى منطق العلم والبحث العلمي؟ ثمّ أدخل في الحكاية "قيدار" التي أصبحت بسرعة البرق، وفي كلمات معدودات، الإسم الأصلي لـ"قريش". وكالعادة، "عالمنا السّلفي الجهبذ" لا يحتاج إلى أدلّة ولا إلى شرحٍ وتفسير... هي هكذا... وفي اللحظة الموالية، تُصبح الإدّعاءات العارية من الأدلّة مسلّمات تُبنى عليها أكاذيبٌ أخرى، وهكذا دواليك...
.
رابعًا، لفتت نظري القفزة العملاقة التي قام بها هيثم طلعت من الإصحاح 21 العدد 17 إلى الإصحاح 42 العدد 1 ثمّ العدد 11، وهو ينتقي ما يمكن أن يساعده في الضّحك على ذقون متابعيه وأتباعه ويترك ما لا ينفعُ في ترسيخ أكاذيبه... وكم ضحكتُ وأنا أقرأ ما في هذا الإصحاح الأخير. أمّا سببُ ضحكي فيتمثّلُ في ما يلي: كما قرأتم، يعتبرُ أنّ النبوءة عن رسول الإسلام مازالت متواصلة حتّى الإصحاح 42. وفي هذا الإصحاح، من المفترض أن يكون هذا الشّخص المشار إليه بلفظ "عبدي"، حسب الأكذوبة التي يريد الكاتب ترسيخها، هو محمّد بن آمنة، وإلّا فلا معنى للإستشهاد بهذا العدد أصلًا. إذن، بما أنّ الأمر كذلك، فلا بدّ أن يكون محمّد بن آمنة هو المعني في كلّ مرّة نقرأ فيها هذا اللّفظ في هذا الإصحاح. المضحك في الأمر أنّ هذا اللّفظ ذُكر في مكانٍ ثانٍ، في العدد 19، حيث نقرأ: "مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي الَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ الرَّبِّ؟" ويواصلُ في العدد 20: "نَاظِرٌ كَثِيرًا وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ." فهل هذا الحديثُ عن محمّد بن آمنة؟ هل كان محمّدٌ أعمى وأصمّ؟ بطبيعة الحال، بما أنّنا سلّمنا بأنّ العطشان الذي سيعطيه سكّان أرض تيماء الماء هو محمّد وبما أنّنا سلّمنا بأنّه هو الهارب من أمام السّيوف، إلخ، وبما أنّنا سلّمنا بأنّه هو المقصود بالقول "هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ"، فمنطقيًّا هو المقصود أيضا بالعبد الأعمى والأصمّ، خاصّة أنّ العدد 19 يحتوي على لفظٍ واضح الدّلالة لو إستعمله هيثم طلعت لأعطى لمنشوره الكثير من المصداقيّة: أقصد لفظ "رسولي الذي أرسله"... ألا يزعم المسلمون أنّ محمّدًا رسولٌ من عند الله؟ فأيّ لفظٍ أوضحُ من هذا الذي ورد في العدد 19؟ ولماذا لم يستعملهُ هيثم طلعت كدليل لإثباتِ نبوّة رسوله؟ أم أنّه أحسّ بأنّ بقيّة الألفاظ المذكورة في هذا العدد لا تنطبقُ على محمّد بن آمنة، بل قد تُفهمُ على أنّها إزدراء برسول الإسلام، وفي كلّ الحالات ستُسقطُ كلّ أكاذيب المدلّس السّلفي في الماء...؟ هل من إجابة؟
.
لكن، لنفترض أنّ كلّ ما قاله هيثم طلعت في منشوره صحيح... حسنًا، سلّمنا بأنّها نبوءة عن قدوم محمّد بن آمنة من بلاد العرب رسولًا ونبيّا. فما الذي يترتّب عن ذلك؟
.
إذا كان موضوع هذا العدد من سفر أشعياء هو نبوءة عن محمّد بن آمنة، فمن المفروض أن تكون كلّ آية تبدأ بلفظ "وحي من جهة" هي أيضًا نبوءة. والورطة التي وضع فيها هيثم طلعت نفسه تكمن في أنّه لم ير بقيّة المكتوب في سفر أشعياء، أو هو غضّ الطّرف عنه لأنّه لا يحتاجه أصلًا... فذلك العدد الذي إعتمد عليه، ولسوء حظّ المدلّس هيثم طلعت، قد سبقته أعداد أخرى إستعمل كاتبها نفس اللّفظ "وحي من جهة"، وأتت بعده أعداد أخرى بنفس الصّيغة. والمنطق يقول: بما أنّ كلّ المقاطع متشابهة في بداياتها "وحي من جهة"، وبما أنّنا فهمنا أنّ العبارة "وحي من جهة بلاد العرب" يتحدّث عن محمّد بن آمنة، فيجب أن نفهم أيضًا أنّ كلّ المقاطع الأخرى والمشابهة لهذا المقطع المذكور تتحدّث هي أيضا عن نبوءات أنبياء ورسل آخرين. فهل بقية المقاطع كما ذكرنا؟ هل تتكلّم عن قدوم أنبياء من جهات ومناطق أخرى؟ وهل يقبلُ هيثم طلعت هذا الكلام؟ أم أنّه سيختلق تعلّات وتبريرات أخرى لنفي ما ذكرنا والتّأكيد على ما ذكره هو، وإن خالف بذلك أبسط قواعد المنطق في التّعامل مع اللّغة والنّصوص؟
.
في أشعياء 13 : 1 نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ"، وبمنطق وفهم هيثم طلعت نفهم من ذلك أنّ هناك نبيّا أو رسولًا سيأتي من بابل. فما إسم هذا النّبي أو الرّسول، يا هيثم طلعت؟ وفي أشعياء 15 : 1، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مُوآبَ: إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ عَارُ مُوآبَ وَهَلَكَتْ. إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ قِيرُ مُوآبَ وَهَلَكَتْ." هل هناك نبيّ أو رسولٌ سيطلع من موآب؟ وفي أشعياء 17 : 1، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ." فهل هناك نبيّ أو رسول من دمشق؟ وفي أشعياء 19 : 1، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا." فهل أتى أو سيأتي رسول أو نبيّ من مصر؟ وفي أشعياء 21 : 1، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَرِّيَّةِ الْبَحْرِ: كَزَوَابعَ فِي الْجَنُوبِ عَاصِفَةٍ، يَأْتِي مِنَ الْبَرِّيَّةِ مِنْ أَرْضٍ مَخُوفَةٍ." فهل هناك نبيذ أو رسول أتى أو سيأتي من برّيّة البحر؟ وفي أشعياء 21 : 11، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ: صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟»" فهل هناك رسول أو نبيّ من سعير؟ وفي أشعياء 22 : 1، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ وَادِي الرُّؤْيَا: فَمَا لَكِ أَنَّكِ صَعِدْتِ جَمِيعًا عَلَى السُّطُوحِ"، فهل أتى أو سيأتي رسول أو نبيّ من وادي الرّؤيا؟ وفي أشعياء 23 : 1، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ صُورَ: وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، لأَنَّهَا خَرِبَتْ حَتَّى لَيْسَ بَيْتٌ حَتَّى لَيْسَ مَدْخَلٌ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ أُعْلِنَ لَهُمْ." فهل أتى رسول أو نبيّ من ترشيش؟ وأخيرًا، في أشعياء 30 : 6، نقرأ: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَهَائِمِ الْجَنُوبِ: فِي أَرْضِ شِدَّةٍ وَضِيقَةٍ، مِنْهَا اللَّبْوَةُ وَالأَسَدُ، الأَفْعَى وَالثُّعْبَانُ السَّامُّ الطَّيَّارُ، يَحْمِلُونَ عَلَى أَكْتَافِ الْحَمِيرِ ثَرْوَتَهُمْ، وَعَلَى أَسْنِمَةِ الْجِمَالِ كُنُوزَهُمْ، إِلَى شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُ." فهل هناك رسول أو نبيّ من جهة بهائم الجنوب؟
.
إذن، فالمطلوب من هيثم طلعت، الذي يدّعي العلم ويزعمُ أنّه وجد ما لم يجدهُ رسوله نفسه، أن يبيّن لنا أسماء كلّ هؤلاء الأنبياء و (أو) الرّسل وإلى أيّ قومٍ بُعِثَ كلّ منهم ومتى كان ذلك (لكن هناك إحتمالات كبيرة لا ينكرها إلّا "جاحدٌ" و"في قلبه مرضٌ" أنّ بعض هؤلاء الأنبياء والرّسل لم يأتِ بعدُ وبالتّالي تبطلُ خرافة أنّ رسول الإسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين، بمعنى آخرهم) وأن يحدّثنا عن التّعاليم التي أتوا بها والمعجزات التي قاموا بها ويُعطينا قائمة في الكتب التي "أنزلت" عليهم وأين توجد هذه الكتب وأن يحدّثنا عن سيرة كلّ واحد منهم... أليس تقديم الأدلّة والبراهين أحد أهمّ ركائز العلم، بل أحد ثوابت العلم الأخلاقيّة؟ فليلتزم به إن كان فعلًا عالمًا وكان يصدّق ما أتى به من تخاريف. ونحنُ في إنتظاره.
.
مع تحيّات مالك بارودي، مهتمّ بملف الخرافات الدّينيّة وخاصّة الإسلاميّة منها.
.


--------------
الهوامش:
1.. كتاب "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنّصارى" لإبن قيّم الجوزية، للتّحميل:
http://waqfeya.com/book.php?bid=1779
2.. حساب هيثم طلعت على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/haitham.srour12
3.. رابط المنشور المتعلّق بما ورد في "سفر أشعياء" على صفحة هيثم طلعت:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=809596605874605&set=a.161511664016439.1073741825.100004728193998&type=3&theater
4.. صورة المنشور المتعلّق بما ورد في "سفر أشعياء" على صفحة هيثم طلعت (في صورة حذف المنشور الأصلي):
https://m.facebook.com/malekbaroudix/photos/pcb.635326469994103/635326003327483/?type=3&source=48
5.. سفر أشعياء على موقع "إنجيل":
http://www.injeel.com/Read.aspx?vn=1,3&t=1&b=23&svn=1&btp=1&stp=1&tx=%e6%cd%ed+%e3%e4+%cc%e5%c9
6.. نتيجة البحث عن عبارة "وحي من جهة" في الكتاب المقدّس:
http://www.injeel.com/Search.aspx?svn=1&btp=1&stp=1&tx=%u0648%u062D%u064A%20%u0645%u0646%20%u062C%u0647%u0629&vn=1,3
7.. خريطة تبيّن مواقع ”تيماء“ و”ديدان“ في مقابل ”المدينة“ و”مكّة“:
https://m.facebook.com/malekbaroudix/photos/a.551027798423971.1073741830.345630438963709/635326066660810/?type=3&source=54
8.. المسافة بين ”تيماء“ و”المدينة المنوّرة“ على Google Maps:
https://m.facebook.com/malekbaroudix/photos/a.551027798423971.1073741830.345630438963709/635325996660817/?type=3&source=54
9.. المسافة بين ”تيماء“ و”مكّة“ على Google Maps:
https://m.facebook.com/malekbaroudix/photos/a.551027798423971.1073741830.345630438963709/635326006660816/?type=3&source=54
10.. مدوّنات الكاتب مالك بارودي:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
11.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
https://archive.org/details/Islamic_myths
12.. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/malekbaroudix

#مالك_بارودي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات