|
حرية سليمان ورواية - أسود دانتيل--
سمير الأمير
الحوار المتمدن-العدد: 5554 - 2017 / 6 / 17 - 05:01
المحور:
الادب والفن
حرية سليمان ورواية " أسود دانتيل"" بقلم/ سمير الأمير
كما أن لكل راو رواية فإن لكل قارىء قراءة، وبهذا المعنى تتعدد إشكال الروايات بتعدد مبدعيها، وكذلك تتعدد القراءات المختلفة للرواية الواحدة و كما أنه لا يمكن حصر تلك الأشكال الروائية لأن لكل روائى طريقته وأيضا لأن لكل قارىء اهتماماته التى يبحث عنها فى قراءته، ومن ثم فالرواية هنا ليست ما يخطه الكاتب على البياض ولكنها ما يؤثر فى القارىء ويورطه بمعنى – التورط وليس ( الورطة) فالورطة هنا تخص الكاتب الذى يسعى لجذب أكبر عدد من القراء الذين يعيدون إبداع ما أبدعه فى مخيلتهم، وكلما كان الكاتب أكثر تسامحا مع موضوعه ومع شخوصه كلما أنتجت روايته عددا غير محدود من القراءات، التسامح هنا يتضمن بالتأكيد أن يترك الروائى تلك الشخصيات تنمو وتتصرف وتتحدث لغة طبقا لمنطق الحياة ولمنطقهم ،لا طبقا لذهنيته هو، ولقد كان "تشارلز ديكنز" بارعا فى هذا لدرجة أنه كان يكتب كلمات فى حوارات العمال تحتاج لقاموس خاص كونها تخص مهن بعينها أو بيئات شديدة المحلية، أكتب ذلك نتيجة لانتشار ذلك النوع من الروايات الذى يشبه القصص الخبرية الطويلة فى صفحات الحوادث أو قصص المآسى الإنسانية فى بريد الأهرام، فلم يعد لدينا أى طاقة لقراءة الرواية التى يسيطر كاتبها العليم على شرح كل حركة وكل همسة ببساطة لأنه هنا يحتكر الفعلين معا فعل الكتابة وفعل القراءة. هل تعنى المقدمة السابقة أن رواية "أسود دانتيل "- لحرية سليمان الصادرة عن دار "نون"- تقع فى هذا التصنيف ؟ أظن أن الإجابة بالنفى، فحتى الصفحة الخمسين لن يكون بمقدورك أن تطبق "قوانين الاحتمال" لفهم إلى أين تسير تلك الشخوص التى تتداعى عبر التدفق التلقائى"Spontaneous Overflow" لذاكرة الكاتبة فى ثنايا حديث حاضر، زمنه( الآن) لكنه يستدعى أزمنة كثيرة لكى تحتشد جميعا لإنتاج دلالات السرد، هكذا تجيئك أسماء مثل "رضوى" و"غيداء" و"خالد" و"عبد الرحمن" و"رهف" تلك الأسماء تلقيهم لك الكاتبة فى خضم السرد فتشعر بأنك مُستَفز وكأنما اقتحمك الغرباء ولكنها درجة الاستفزاز التى تؤهلك للقيام بتتبع مصائرهم فيما بعد وكذا تتبع السؤال الذى اعتدنا عليه " عن ماذا تروى لنا حرية سليمان؟" قطعا ليست هناك إجابة واحدة وهذا ما يجعل عملها قادرا على اصطياد قراءات كثيرة فالمنتميات للحركة النسائية" "feminists قد يجدون في الرواية عملا يتحدث عن قهر المرأة فى المجتمع الذكورى، يمكن الاستناد هنا لشخصية الأم التى يمارس عليها الأب سطوته، لأنه حتى فى أثناء فعل الجنس الحميمى لا يبدو على الإطلاق أن الأب / الزوج يشعر بوجود زوجته/ الأم، هذا الأب الذى يشترك مع ابنه على فى التلصص على الجارة والذى يبدو مراهقا فى سن الحكمة وكذلك فى علاقة جورية بالناشر الذى يصر على دس أنفه ويطلب تعديلات على الرواية لكى ينشرها وكأنه مخرج سينمائى، وطبعا لا تغيب دلالة أن رجلا هنا يلغى خيال امرأة، وأى قهر أكبر من أن يكتب هو نصه فى نصها وبيدها.( "اليوم حين أفكر بحالي أجدني عرفت رجالا كثيرين، على كل لون، أغبياء، أذكياء، مثقفين، ومدعين، كل منهم أضاع عمرًا كبيرًا يطارد فكرة من نسجه؛ بل وأخذ على عاتقه مهمة نشرها وإقناع الآخرين بها، كل منهم استمات فى مطاردة حلمه الكاذب، أعترف أن جزءًا منى بالبداية كان مبهورًا بعوالمهم السحريةِ، حتى اكتشفت تشابها بينهم يصل حد التطابق") ، أظن أن المقطع السابق قد يدخلنا فيما أسماه الصديق الروائى محمد القصبى " استروجينية الكتابة" وكذا يمكن للمثقفين العضويين والمهتمين بالسياسة أن يجدوا فى الرواية قراءتهم الخاصة إذ أنه هناك في خلفية تلك المصائر الخاصة للشخصيات تقبع حادثة اغتيال السادات في ذكرى الانتصار العظيم و وكذا الإشارة إلى المظاهرات وقضية "خالد سعيد "وأيضا في شخصية "عبد الرحمن" و وهو أحد هؤلاء المثقفين اليساريين الذي يتحولون فيصبحون معادين لليسار بشكل خاص ومعادين لقيمة الإنسان بشكل عام فعبد الرحمن يصرح بعد أن تخلت عنه مبادئه أو تخلى هو عنها- حسب تعدد الأشكال التى يعبر عنها هذا النمط فى الحياة_ فى الأماكن والأزمنة المختلفة، يصرح عبد الرحمن قائلا" اللى معاه قرش يساوى قرش" وهو ما يؤكد تخليه التام عن يساريته أو ما يؤكد أن اختياراته كانت مهتزة منذ البداية، هذا بالإضافة إلى رغبته فى إعادة امتلاك" جورية" بعد أن تزوج من" غيداء" زواجا انتهازيا فضلا عن طبيعته المتسلطة التى تعتبر أن السنوات التى فرقته عن جورية لا تعنى شيئا حتى أن جورية تضطر لزجره قائلة" عبد الرحمن، إيه الداعي لكل ده ! أنا ما عملتش حاجة ثم إن مفيش بيننا اللي يخليك في الحالة دي، أنا حتى لسه مش محدده مشاعري تجاهك" وتدهشنا "حرية سليمان" بلحظة التنوير التى تعترى جورية حين تدرك أن هذا النوع من الرجال يقتل الأحلام ويوقف النمو ويكتم النفس واختصارا يقتل الحياة برمتها فتقول ""جورية" التى اكتشفت كمال كينونتها بعيدا عن الرجل:- "لم أفتقده بزحمة انشغالي ولم يعنني كثيرًا كونه غاضبًا، أصبحت لي مساحة أتجول فيها بأريحية مرتادة مخابئ مجرتي، كان اكتشافا مذهلا وانعتاقًا خياليًا، قررت أنه لو مضى أسبوع من دونه فالنتيجة مساحة من الهواء وليست من الخواء، " وهذا ما يتأكد فى رحلتها السردية عندما تساءل نفسها:- "ما الداعي لأن أقبل حياة بهذا التعنت، وقد أصبح نسخة كربونية من والدي وبأي حجة، أهو الحب.؟!رفضت بشكل قاطع فنعتني بالغبية، شبهني بتمثالٍ باردٍ وأقسم أن القدر سيحيلني لركام يذروه الزمن"، فهل هذا هو "عبد الرحمن الذى وصفته " جورية" فى بداية روايتها كما يلى:-، كان ثوريًّا ممتلئا بالشعارات، متخما بالسياسة حتى ظننت أنه يتنفسها" كان يجلجل كمناضل، وكانت الجدران تتنصت، تكلم مزهوًا عن تهديدات تصله برسائل الجوال وعبر الإميل، ولم يلق بالا لها، لُمْنَاه ولما لم يحدث شيء اعتقدنا الأمر مزحة سخيفة، لكنني اكتشفت أن ببلادنا كل شيء مباح ومتاح، ببلادنا لا سؤال يأتي بإجابة، ببلادنا لا إجابات من الأصل" ثم فى لحظة إشراق وعى تكتب الروائية على لسان البطلة:- لن أبرر أي شيء، توقفت عن فعل ذلك منذ زمن، واكتشفت أن الاستغناء يغنيك عن التبرير، اتجهت لغرفتي لأكتشف أنه قد ضاع من ذاكرتي نصّ الكلمات التى ثبتني بها، رفضت استعادته بيني وبين نفسي، كل ما تبقى هو محض انطباع رخيص، وكأننى كنت أسلم عمري للوهم فيمنحنى السراب، مؤكد أوجعني كوني مجرد رقم بذاكرة جوال." فى المقابل ستكتشف البطلة دفء العلاقة بين سعيد وابنته مريم وستكتشف أيضا أن القهر سلطان الوجود فى بلادنا ولا يمكن اختصاره فى قهر الرجل للمرأة فالسلطة تمارس انتهاك أجساد الناس علانية وبمنتهى القسوة،( " كان الضابط النوبتجي يجلس مسترخيا وبفمه سيجارة مضطرب دخانها، اصطف أمامه خمسة أشخاص، ولم يكن" كريم" بينهم، أدركت أنهم حصيلة كمين ليلة الأمس، من السهل أن تتوقع ما عانوه طيلة الساعات الماضية، كان أقلهم بشاعة تحيط عينه اليمنى كدمة زرقاء أخفتها تماما، بالمقدمة شاب أسمر") "حرية سليمان" نقلتنا ببراعة مدهشة من الخاص للعام ومن النصوص الصغيرة للنص الأشمل والأكبر وهى سمة من سمات الأعمال الكبرى التى تتجاوز النص الروائى إلى نص الحياة ذاته وهو ما أعتقد أنه شرط ضرورى لكى تحيا النصوص بغض النظر عن كونها سردية أو شعرية أو مسرحية، وقد نجحت الروائية " حرية سليمان فى ذلك إلى حد كبير مستخدمة تناصات وإشارات ل" ليدى كينى روجرز" و" ديكنز" و " ماركيز" وهو ما يشى بثقافتها وجدية علاقتها بالحياة وبالفن بشكل عام.
#سمير_الأمير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداعا عم سيد ندا أقدم عمال النسيج فى مصر
-
الطالع لوش النشيد
-
الثورة والواقع والقصيدة
-
فاروق شوشه
-
الأدب بين الانعزال والمشاركة المجتمعية
-
الذئبة الحمراء.... كيف ننظر إلى -الداخلية- و منظومة العدل
-
الأدب الشعبى وبناء الشخصية
-
بياض ساخن
-
شعر العامية فى المنصورة - فصاحة التمرد-
-
اغتيال النائب العام
-
سيدة المطار وسيد القرار
-
استشهاد شيماء الصباغ ( الاغتيال المادى والمعنوى للمناضلين من
...
-
ليس تعليقا على الحكم ولكن على آراء القاضى
-
آه يا وطن الأركان الأزلية
-
ليس دفاعا عن الأحزاب ( الكرتونية) ولكن بحثا عن الحقيقة
-
الشباب والمشاركة السياسية
-
اليسار وانتخابات الرئاسة
-
الانتخابات الرئاسية .... خنادق القتل المعنوى على الهوية
-
آمال عبد الباقى
-
رسالة السكرتير العام لجمعية الإخوة الإسلامية
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|