|
رحلة البحث عن الملح
مولاي جلول فضيل
الحوار المتمدن-العدد: 5553 - 2017 / 6 / 16 - 09:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
رحلة البحث عن الملح عادة ألفناها في توات منذ القدم: كلما كان يقترب عيد الأضحى المبارك إلاوتقترب تلك العادة الحميدة التي انقرضت حاليا ً والتي اعتدناها في قصور توات بولاية أدرار الجزائرية قديماً ، وخاصة في قصر تيلولين على سبيل المثال لا الحصر، فتجد كل شاب طواق للذهاب لجلب الملح من مسافة بعيدة في اتجاه سبخات توات وهذا بعد اجتياز سلسلة من كثبان الرمل أو ما يسمى بعروق الرمل ، كان لا يذهب للملح الا الشاب الذي يرى في نفسه القدرة على مواجهة الصعاب والصبر، قبل يومين من العيد او ثلاث يخرج الشباب باكراً مع طلوع الفجر وكلهم عزيمة وإصرار على تأدية المهمة والظفر بأحجار الملح وتأمين منها مايكفي البيت لمئونة عام ، فكانت الملح قديما تجارة مربحة ولا يضاهيها إلا الذهب ، نظراً لندرتها وعدم تواجدها في كل مكان ومن جهة أخرى لضرورتها لأنه لاطعم لشيء بدونها ، وكل طعام أو طبخة قدر بدونها ناقصة ، وقد اقترنت الملح بكل شيء جميل واصبحت مضرب الأمثال فيقال للشخص أنت مالح فهذا يعني انه يتمتع بشيء من الجمال أو يتميز بصفات حميدة وروح طيبة مريحة ، وإذ أفتقد الملح قيل عنه إنه مسَّوس أي يفتقد للملح وبالتالي لا طعم له ولابشاشة وجه و لا حسن فعل. قبل الذهاب إلى الملح تجد الشاب متضارب مابين العزم على الذهاب للملح و الخوف من التيهان والعطش في صحراء قاحلة موحشة ورياح هوجاء قد تعصف في أي حين وغبار بيضاء قد تحجب الرؤية وتعمي البصر ، وبين دعاء الوالدين لابنائهم بالنجاة والتضرع لله من أجل ان يعودوا سالمين غانمين ، وتحت صياح الديوك وآذانهم يكون الشاب قد أنطلق في مسيرة العام سيراً على الأقدام أو ركوب الحمار في بيداء لامنجد فيها يجدي سوى إرادة الله والتوكل عليه، إضافة الى قساوة الطبيعة وبعد المسافة يبقى الرهان ايضا على نوع الحمار فهناك الحمار المهذب وهناك الحمار الهجَّاري الذي الف الهجران الحقار الذي يغدر بصاحبه في منتصف الطريق ويشبعه ركلاً وصكاً ، وقلَّ ما يوصل الحمل او غرارة الملح بسلام (جرارة الملح)، وأذكر أنه كانت لدينا حمارة كافرة تزندق كثيراً صعبة الترويض والراجل من يستطيع ان يحوم بجانبها أو يقربها ، وهناك الحمار الذي كان يهرب في منتصف الطريق أثناء الرحلة ويترك صاحبه الشاب يبكي ويندب لهروبه ، فالحمار كان حينها بمثابة السيارة وشيء غالي في الدار، و إذا فرط الإبن في الحمار سيتعرض من قبل والديه لوابل من الكلام الذي هو أشد من الضرب ، فالوالدين رغم حنيتهم إلا انهم كانوا يتميزون بالصعوبة والخشونة في المعاملة فإذا مس الحمار أو أصابه مكروه يعني بمثابة المساس بسيارة البيت ، فقليل من كان يملك الحمار ، والحمار كان غالياً لقلة الشيء " فقلة الشيء ترشي " وإعارته كانت مشروطة بتحديد الوقت وضمان التغذية الجيدة للحمار من مأكل وشراب وبعد نهاية العمل تأمين له عشائه من أغصان القمح اليابسة أو ما يسمى في المنطقة بـ " لبرومي " ووكذا التمر اليابس . بين هذا وذاك تستمر رحلة البحث عن الملح والشاب كله إصرار على أداء المهمة من أجل إثبات الذات والقدرة على تحدي الصعاب ، وهو يركب حماره يسد عطشه من قربة ماء معلقة بالحمار أو دلو او اناء مغلف بشبكة حلفاء ، يغطي رأسه بشاش أو قبعة مصنوعة من سعف النخيل وهو يسير في طريقه الموحشة لا يدري ماذا ينتظره قد يصادفه ذئب في الصباح الباكر و توخذه شوكة قِرط جريدة نخل قديمة مدفونة بالارض قد تصادفه حية او عقرب كما قد تخدشه حجرة وهو يمر عبر السبخة المالحة وإذا مست الملح الجرح زاد ألاماً ، بينما الولد الشاب في حكم الاقدار باحثاً عن أحجار الملح تجد والدته في البيت تدعوا وتنتظره بكل شغف . وهو يسير يحاول أن يخفف من طول الطريق بالقراءة احياناً والدعاء أحياناً أخرى ومرات مواويل على وزني لالي لالي ياما لالي، أو دندنة على وزن داني داني ، حتى يصل حقول الملح بعد جهد جهيد في قطع احجار الملح وملأ غرارته يكون قد باشر طريق العودة مستدلاً على الطريق بآثار أقدامه أثناء قدومه للملح ، ومع حلول الظلام من اليوم الموالي قد يكون وصل مشارف القصر أو القرية وكله غبطة وسرور يتوق لملاقات أهله فتستقبله أمه بزغرودة حانية وطبق من التمر أو الثمر المدقوق أو ما يسمى بالسفوف وقدح لبن للقضاء على جوعه أثناء رحلة البحث عن الملح ، من نجح في رحلة البحث عن الملح وجاء محمل به كأنه نجح في رحلة البحث عن الذهب ، فتجارة الملح كانت تجارة رائجة ومربحة وتتم مقايضة الملح بكل الحاجيات الأخرى فالملح كانت بمثابة النقود قديماً . . . بقلم الكاتب السيد : مولاي جلول فضيل
#مولاي_جلول_فضيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاحتفال براس السنة او ما يسمى بالناير
-
السفوف
-
همزة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل
-
الطنجية
-
العرس أو الزفاف عادات وتقاليد
-
مكانة المرأة وعيد المرأة
-
وصف لبيوت توات
-
قصر تيلولين الشرفاء (الجزائر ولاية أدرار)
-
حلالة الباب (فاتحة الباب أو مقدمته)
-
الفقَّارة
-
امثال وحكم من إقليم توات أدرار الجزائرية
-
العُرفَات
-
رقصة سارة
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|