عماد الدين رائف
الحوار المتمدن-العدد: 5552 - 2017 / 6 / 15 - 23:07
المحور:
الادب والفن
من النادر أن تكون الأغنية بلا حدود. لا تحدّ الحروف كلماتها القليلة بل تتجاوزها إلى ما وراء كل المفاهيم، ويتحول لحنها جدولًا متدفقًا مع كل نوتة منه، فيفلت من الكمان لتتلقفه قيثارة الروح بترخيم مُطرب.
تتحول الأغنية إلى صرخة روح متألمة، إنها صرخة متناغمة لا يمكنها أن تصدر سوى عن امرأة ولا يمكن أن تغنّيها سوى امرأة. وهكذا كان مع قصيدة "مخصصة للمرأة"، سنة 1917، التي تتضمن عدد قليل من الشطور الشعرية للشاعرة المرهفة الأحاسيس الأنيقة المفردات مارينا تسفيتايفا (1892-1941)، التي تركت بصمة فريدة في أسفار الشعر الأوراسيّ.
تلك القصيدة انتظرت طويلًا لتتمازج مع روعة الحقل الصوتي للمغنّية الشعبية الجورجية - الروسية تمارا غفيرتسيتيلي (ولدت في تبليسي 1962)، وكما كلّ معاناة حقيقيّة تعزّ على الوصف، يراقص صوت تمارا الأوبرالي على عدة طبقات كلمات مارينا المؤلمة المتألمة الصادرة عن امرأة والمتوجّهة بها الى امرأة، وكأن كل آلام مارينا صبّت في تلك الكلمات.
ضجّت حياة مارينا بالتناقضات والنوائب، فهي منذ كانت في السابعة عشرة من عمرها حاكت ملامح عالمها الوجداني قصائد ارتقت إلى مصافّ نتاجات كبار شعراء عصرها. مارينا التي لم تستطع تقبّل الثورة البلشفيّة وصراعاتها، كانت تتغنّى بما اعتبرته مآثر الحرس الأبيض في قصائدها، رافقت زوجها في المهجر إثر الحرب الأهلية سنة 1922 لكنها قاست الأمرّين في الغربة. وكان الروس المهاجرون يعتبرونها تفتقر إلى ما يكفي من الانتماء إلى البيض وعدم العداء الكافي للحمر (البلاشفة). عادت إلى روسيا لا لأنها كانت تعاني من ألم الغربة بل لان اليأس كان قد تملّك منها. لكنها واجهت قسوة الاغتراب في الوطن، وعاشت المعاناة والعذاب حين اعتقلت المخابرات السوفياتية زوجها واختها وابنتها، ومنعت من نشر أشعارها.
أهداها الشاعر الكبير بوريس ليونيدوفيتش باسترناك (1890-1960) حبلًا لتربط حقيبتها حين وّدعها في محطة القطار الذاهب من موسكو إلى مدينة يالبوغا في تتارستان، مع بدء معارك الحرب الوطنية العظمى (1941-1945)، ولم يكن يتخيل أي دور سيلعبه ذاك الحبل، فبعد محاولاتها اليائسة للعمل ولو كنادلة في مطعم الكتّاب ورفض طلبها من قبل مثقفي السلطة، الذين اتهموها بأنها تعمل جاسوسة لصالح الألمان... لم تتحمل مارينا الإهانة لمشاعرها وانتحرت سنة 1941 بواسطة حبل باسترناك نفسه.
وكأن الأغنية التي كتبتها قبل لحظة شنقها لنفسها بأربع وعشرين سنة، والتي تحلّ مئويتها هذا العام، تلخّص معنى حبل المعاناة.. تقول مارينا عبر شفتي تمارا:
"الأسفارُ المطويّة لا تُغري المرأة
فمسرحُ فنِّ عشقها الأرضُ كلّها،
قلبُها الذي يرشحُ هيامًا أصدقُ ما في الوجود،
حين تهزّ المرأة مهدًا، فيه خطيئة آثمٍ ما.
يا من أنت بعيد في السماء،
شفتايَ تلمعانِ في الظلام، أناجيك
يا إلهي تجاوز، ولا تحاسب،
فأنت لم تكن يومًا،
امرأة على وجه الأرض".
صرخة امرأة - عيون الشعر الأوراسيّ المغنّى (8)
#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟