|
حينما تكون السجون مرآة لوجوه الانظمة العربية
رضي السمّاك
الحوار المتمدن-العدد: 5547 - 2017 / 6 / 10 - 00:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مما لا شك فيه إن أوضاع وظروف السجون لهي خير مرآة أمينة صادقة لوجوه أنظمة العالم قاطبة من حيث القبح الجمال ، وللأسف لا توجد منظمة دولية تتبنى قياس مؤشرات لتحديد أفضل سجون العالم واقذرها لتصدر قائمة سنوية مثلها في ذلك مثل قائمة الفساد وحرية الصحافة وغيرها ، وبحيث تُدرج فيها الدول غير المتعاونة مع المنظمة المعنية حسب درجة عدم تعاونها للكشف عن سجونها في ذيل السجون الاقذر . لطالما قرأ العرب منبهرين بأوضاع سجون الدول الغربية من حيث النظافة ومحتوياتها من آثاث ومزايا عديدة يتمتع بها السجناء السياسيين والجنائيين على حد سواء ، وكم شاهدنا العديد من صور ومقاطع الفيديو والافلام الوثائقية لنماذج من تلك السجون ، وبخاصة التي يوجد بعضها في الدول الاسكندنافية المعروفة بتصدرها دول العالم في مجالات عديدة من حقوق الإنسان والديمقراطية والرفاه والسعادة ، حتى شبه العرب المنبهرون زنازن تلك الدول الغربية بغرف الفنادق ذات الخمس نجوم ، وغني عن القول ان مبعث هذا الانبهار لمقارنتهم إياها بواقع الحال في سجون الانظمة الدكتاتورية والشمولية العربية الأشبه بالمسالخ البشرية ، ليس لاكتظاظها بالنزلاء فحسب ، بل ولانعدام أي مقومات وشروط الإقامة فيها للحيوانات فما بالك بالبشر ، حيث تتفنن سلطات تلك الانظمة العربية بجعلها نموذجاً لتحطيم وسحق روحية الإنسان السجين إلى أقصى حدود البشاعة الأغرب من الخيال ، إن فيما يتعلق بانعدام نظافتها ، وتفاقم حجم اعداد نٰزلائها ثلاثة أضعاف الطاقة الاستيعابية أو أزيد ، وإن في تفنن السجانين العرب بممارسة كل اشكال فنون التعذيب النفسية والتطفيشية بحق السجناء بما في ذلك الضرب المبرح لاتفه الذرائع والأسباب ، دع عنك صنوف التعذيب التي تلقوها قِبلاً في مكاتب وغرف التعذيب التحقيقية قبل إحالة الدعوى إلى "القضاء " ، وإن في انعدام نظافة المرافق العامة وتعمد جعل مجاريها على الدوام طافحة لتحطيم وتقزيز نفسية السجين كلما اضطر لقضاء حاجته فيها ، وإما بالنظر أيضاً لنوعية الوجبات المقدمة التي تعف نفسية الحيوان عن أكلها فما بالك بالبشر وهي التي لاتخلو في أغلب الأحيان من الحشرات وأشهرها الصراصير ، وصولاً إلى طول قائمة الممنوعات من الحاجيات التي يرغب السجين في ادخالها اليه من أهله كالاقلام والدفاتر والكتب المختلفة والمأكولات المنزلية ، وكذلك مصادرة حق السجين في ان يواصل تعليمه في أي مرحلة دراسية وبضمنها الدراسات العليا كالماجستير والدكتوراه . وباختصار شديد فإن هذه الاوضاع المزرية التي هي عليها سجون الانظمة الدكتاتورية العربية تعكس عقلية السلطات العربية لجعلها مراكز تعذيب وانتقام شامل من السجناء والمعتقلين السياسيين ولا سيما سجناء الرأي منهم ، ولذلك لا غرابة إذا ما خرج العديد منهم بعد انقضاء مُدد محكومياتهم إما مرضى مُحبطون أو مرضى مصابون بعاهات أو بأي أمراض اخرى . وبالرغم مما عانته اوروبا من حروب خطيرة مُدمرة بأحدث الأسلحة على امتداد قرنين كانت أخطرها الحربان العالميتان الأولى والثانية وراح ضحية لها عشرات ملايين البشر غير الخسائر الهائلة في العمران وعلى الأخص العديد من المباني التراثية والمواقع الأثرية وكنوز من التراث الثقافي الا ان العجب يتملكك حينما تزور أي دولة اوروبية فترى عدداً غير قليل من المتاحف والمواقع الاثرية والمباني التراثية والتاريخية بقيت سليمة لم يطلها أي دمار أو تخريب على عكس الحروب الاهلية والاقليمية الدائرة حالياً في منطقتنا العربية التي لاتبقي ولاتذر بكل مافي التعبير من معنى فيتم تدمير كل مراكز الآثار والتراث الفريدة من نوعها في قيمتها الانسانية الحضارية العالمية كما جرى ويجري في عدد من البلدان العربية المبتلاة بمثل تلك الحروب وبخاصة في العراق وسوريا واليمن . ولنقارن سجوننا العربية ببعض السجون الغربية التي بعضها سجون قديمة تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر حتى في معمارها الفريد ، وعلى سبيل المثال سبق لوزير العدل الايطالي ان أعلن في مايو / ايار من العام الماضي بأن بلاده تعتزم بيع سحون تاريخية تضم ما يربو على 3000 سجين في روما وميلانو ونابولي وهي تقع ليس في اقاصي ومجاهل الصحراء كما هو الحال في بلداننا العربية بل في مواقع فريدة في قلب العاصمة روما كسجن " ريجينا كويلي " الذي يقع على نهر التيبر في حي تراستيفيري السياحي الشهير في روما . أكثر من ذلك وما هو مدعاة للدهشة حقاً ان هذه السجون -كما يصرح وزير العدل نفسه - ورغم قِدمها ، يمكن تحويلها إلى فنادق أو مساكن خاصة . أما سبب بيعها فيعود لرغبة الحكومة الايطالية في توظيف عوائدها لبناء سجون عصرية أكبر وأحدث على حد تعبير وزير العدل الإيطالي نفسه .
#رضي_السمّاك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في أسباب انتصارات - داعش - وهزيمة مصر يونيو 1967
-
منهجية التشكيل الوزاري في البلدان العربية
المزيد.....
-
العثور على جثة بتجويف عجلة طائرة تابعة لـ-يونايتد-.. وغموض ي
...
-
سوريا.. -كمين- نصبته قوات سابقة للأسد يقتل 14 فردا في الأمن
...
-
رئيس مجلس الشيوخ بكازاخستان يكّذب المزاعم حول تعرض الطائرة ا
...
-
حملة غير مسبوقة لقوات أمن السلطة داخل مخيم جنين في الضفة الغ
...
-
السلطة السورية الجديدة تحرق مليون حبة كبتاغون في مستودع تابع
...
-
من قتل المدنيين في ولاية الجزيرة السودانية؟ بي بي سي تقصي ال
...
-
صحف عالمية: السودان حرب -منسية- وملايين يعانون في صمت
-
بايدن وترامب يبعثان رسائل متباينة بمناسبة عيد الميلاد
-
علاقات موسكو مع دول العالم ومواقفها من القضايا الدولية.. أبر
...
-
-فايننشال تايمز-: بكين أطلقت حملة وطنية لتشجيع الإنجاب
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|