نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)
الحوار المتمدن-العدد: 5545 - 2017 / 6 / 8 - 15:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هناك أناس يبحثون وينقبون, يقرءون ويطلعون, يحققون ويراجعون, يشرحون ويعلقون, يكتبون ويؤلفون, يوقفون أنفسهم على الدرس والبحث, يولعون بها, ويجدون فيهما لذة ومتعة لا يعدلهما متاعٍ آخر. ذلك همهم وتلك غايتهم, لا يرجون وراءها جزاءً ولا شكورا, وكأنما خلقوا ليعطوا, وسواء لديهم بعد هذا ما يأخذون, والأستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي واحد من هذا النفر القليل, قضى حياته في مجال الدرس والبحث, وحبب إليه تاريخ الأدب المسرحي منذُ الشباب الرطب, فعكف على دراستها, وأعد لذلك العدّة اللازمة.
في كل مرة لهُ انجازٌ جديد وفي مجال لا ولم يتطرق لهُ أي كاتب أو باحث, يتحفنا الدكتور بنتاجاته الأدبية والفنية, قِلّ من الكتاب أو الباحثين قد تطرق له, في مؤلفاته يسوح بنا في إسهامات أبناء الديانات والأثنيات والطوائف في مجال المسرح العراقي, كاشفاً لنا غرائبها, كالغطاس الماهر يجمع لؤلؤها وأحجارها ومحارها, فيرينا معدنها الثمين بعد أن يجليها من ما تراكم عليها من صدأ السنين ومخلفات النسيان ولآثارها وعجائبها, يبين لنا اهتمامات أبناء الأقليات الدينية في العراق في مجال الأدب والفن المسرحي ونوادر أسمائهم وأخبارهم, فقد عرفنا في الدكتور الربيعي النباهة وجميل التعبير, وحسن الخطاب, فجاءت مؤلفاته في محلها ودقتها بعد أن تناسىاها وأهملها االباحثين والمؤلفين والكتاب.
كتاباته ليست دراسة من النوع الكلاسيكي الممل, ولكنها شذرات جمعها خلال سنوات حياته الثقافية والأدبية من بطون الكتب والصحف, حيث أثمرت الآن, هذه الثمار من سلسلة دراسات أخرجها بمؤلفات ليبين فيها دور أبناء الطوائف اليهودية والمسيحية, وقد يزيدنا مستقبلاً ما لدور أبناء بقية الطوائف في الفن المسرحي وآدابه.
صدر قبل أيام للأستاذ الدكتور علي الربيعي كتابه الموسوم (أنور شاؤل وجهوده في المسرح العراقي), الكتاب يقع في (161) صفحة من الحجم الوزيري الصادر عن مؤسسة دار الصادق الثقافية في مدينة الحلة, والكتاب هو التاسع ضمن سلسلة مؤلفات الدكتور الربيعي, وقد صدر له سابقاً المؤلفات التالية (تاريخ المسرح في الحلة/ 2 مجلد 2005, الخيال في الفلسفة والأدب والمسرح/عمان 2011, المسرحيات المفقودة / عمان 2012, محمد مهدي البصير رائد المسرح التحريضي في العراق/القاهرة 2013 ,اسكندر زغبي الحلبي زجالاً ومسرحياً/ القاهرة 2014, مسرحيات نعوم فتح الله سحار المفقودة/ دراسة ونصوص/ بغداد 2015, المسرح المسيحي في العراق/ عمان 2016, وأخيراً أنور شاؤل وجهوده في المسرح العراقي/2017).
الكتاب الموسوم (أنور شاؤل وجهوده في المسرح العراقي) يعتبر من الكتب المهمة الصادرة في العراق, والتي أرشف فيها دور الأديب والشاعر والمحامي شاؤل وجهوده في المسرح العراقي, وقد حظي المؤلف الربيعي في مؤلفه هذا في مسرحية الراحل أنور شاؤل المترجمة عن الانكليزية (وليم تل) للمؤلف شريدان, فقد سلط الربيعي الضوء على هذه المسرحية بعد أن أقتفى أثرها حتى حصوله على النص الورقي كما يقول في ص9 (وعند تلقفي لهذا النص الورقي العتيق أنهيته قراءة, وهفا إليَّ هاجس أخذَ يلحُ عليَّ بأن أعيد نشره حتى يتسنى للقراء أن يطلعوا عليه ويقرؤوه, لذلك طفقت إلى هذا الكتاب ووعيته فيه, وزدت فوقه ما جمعته من إسهامات شاؤل في مرفأ المسرح من مقالات).
لقد كتب الكثير من الكتاب والباحثين عن إسهامات ودور الأديب أنور شاؤل في الصحافة والأدب والمسرح, ودوره الإبداعي وجهوده في كتابة القصة, غير أنه لم يكتب عن دور شاؤل الرائد في مجال المسرح إطلاقاً إلا ما دونه الدكتور الربيعي في كتابه هذا, مع العلم أن جهود أنور شاؤل في الكتابة والترجمة للمسرح قد توقفت منذُ ثلاثينات القرن الماضي, لكن ما جمعه الدكتور الربيعي في كتابه هذا يعتبر منجزاً مهماً في هذا المجال الإبداعي التنويري, فقد عرف الراحل شاؤل بسخائه الأدبي والفكري الحداثوي التحريضي, وترجماته للمسرحيات كانت نوعية وفكرية, وما آمن به شاؤل من طروحات تقدمية.
الكتاب تضمن أربع فصول وملحق, الفصل الأول ضمَّ حياة الراحل أنور شاؤل, حيث ذكر الدكتور الربيعي نبذة عن حياة شاؤل وأصول عائلته الحلية, وجهوده الصحفية, حيث عمل الراحل في بداية شبابه محرراً في مجلة (المصباح) التي أصدرها صديقه المحامي سلمان شينا والصادرة في العاشر من نيسان عام 1924م, وكان شاؤل يكتب باسم مستعار (ابن السموأل), ثم يعقب الربيعي على دور وجهود شاؤل في القصة القصيرة الاجتماعية التي عالجت قضايا الواقع العراقي وقتذاك بصورة خاصة, ومن مجموعة شاؤل القصصية الأولى عام 1930 (الحصاد الأول), و الثانية (في زحام المدينة) عام 1955, كما له مجموعة قصصية مطبوعة ثالثة بعنوان (رجال وظلال).
يذكر الربيعي عن دور الراحل شاؤل وجهوده في مجال الشعر, حيث كتب الشعر مبكراً ففي ص24 قال : (وأخذ ينظمه على وفق بحور الشعر العربي, وله في ذلك ديوان شعري مطبوع بعنوان (همسات الزمن) بانت فيه إمكاناته في اللغة العربية وفي مجال نظم الشعر, ولعل قصيدته (الفلاح المنكوب) هي قمة إنتاجه الشعري كتبها في سنة 1939, وأعلن فيها عن تعاطفه الوطني مع أفقر شريحة في المجتمع العراقي).
أما جهود الراحل شاؤل في مجال الترجمة المسرحية فيقول الربيعي في كتابه ص26 : (تتكئ تجربة أنور شاؤل في الترجمة المسرحية على مرجعيات تقف ورائها, فبالإضافة إلى كونه يجيد اللغة الانكليزية والفرنسية وقرأ لآدابها, فهو كان مهووساً بالقصّ والدراما منذ صغره, وإنّ حسه الدرامي يمكن أن يرصده القارئ من خلال قراءة قصصه التي انمازت بصراعها وصورها وحراك أحداثها إلى الدرجة التي ليست في بناؤها لبوساً درامياً).
وقد كتب الراحل شاؤل عدة مسرحيات منها مسرحية (السموأل) التي قامت الجمعية الأدبية بتقديمها في بغداد سنة 1928م, ويذكر الدكتور الربيعي في ص26 أن الراحل شاؤل ترجم ثلاثة مسرحيات لم نعثر إلا على عناوين لثلاث مسرحيات انفرد بترجمتها (أولاهما, مسرحية (ربقة وإسحق) للكاتبة جوي دافلين)... والمسرحية الثانية هي مسرحية (موسى) للكاتب لورانس لانجار وترجمها شاؤل عن الانكليزية ونشرها في مجلة الحاصد بعددها السادس عشر الصادر في السادس من حزيران 1929, والمسرحية الثالثة هي (وليم تل) للشاعر الانكليزي (شريدان) ترجمها عن الانكليزية وطبعها في مطبعة الجمعية الخيرية ببغداد سنة 1931, وبذلك يعد شاؤل أول من ترجم هذه المسرحية وقدمها منشورة إلى القارئ العربي). كما قام شاؤل بنشر مشهدين منها في مجلة الحاصد : أولهما, مشهد من الفصل الأول نشر في العدد الحادي عشر الصادر في الثامن من تشرين الأول سنة 1931, والآخر نشر في العدد الثامن عشر الصادر في السادس والعشرين من الشهر نفسه.
وقد ضم الفصل الثاني من الكتاب المقالات المسرحية للراحل أنور شاؤل حيث بوب الربيعي في كتابه مقالات شاؤل الصحفية في مجال المسرح وفق المصدر والعدد والتاريخ, وكانت حصيلة ذلك أربع مقالات صحفية نشرت جميعها في مجلة الحاصد التي كان يحررها شاؤل, أما الفصل الثالث فقد تضمن نص مسرحية موسى الذي ترجمه شاؤل للمؤلف لورنس لانجر ونبذة عن حياته, وقد بين الكاتب الربيعي أسباب اختيار شاؤل لهذه المسرحية وترجمتها, إذ قال في ص57 : (ما أغرى شاؤل على القيام بهذه المهمة, فاسم المسرحية ... تفصح عن توجه الكاتب لانجر في أن يستلف قصة دينية تاريخية من أعماق الزمن ويحاجج فيها الواقع المعيشي ويحاكمه).
أما الفصل الرابع من الكتاب فقد تضمن مسرحية (وليم تل) للمؤلف ريتشارد برنسلي شريدان, وهو كاتب مسرحي وسياسي ايرلندي, ولد في دبلن سنة 1751م وقد ترجم الراحل شاؤل هذه المسرحية إلى العربية لأهميتها في ذلك الوقت. كما تضمن الكتاب مجموعة من الصور النادرة ونصوص لمقالات شاؤل الصحفية في مجال المسرح. الكتاب يعد من الكتب المهمة لتراجم أعلام يهود العراق في وقتنا الحالي, ذات طباعة جيدة خالية من الأخطاء.
دأب الدكتور علي الربيعي في مجال تخصصه (تاريخ الأدب المسرحي), فأخرج لنا هذه الروائع من تلك التراكمات الموزعة في الصحف وبطون الكتب, من خلال المحاورة والمحادثة والزيارة والمطالعة, فهي سياحة في عالم الفن المسرحي والاستنتاج والدراسة والبحث بعيداً عن الطرائق القديمة في الدراسات لعالم المسرح والأدب والفنون من خلال استقرائه وبحثه في نسب الفن المسرحي لأبناء الديانات والمكونات العراقية وريادتهم في هذا المجال, فمواضيع بحثه مهمة وتحتاج إلى الكثير من الدروس والتحليل والاستقراء.
الدكتور علي الربيعي من خلال مؤلفاته في مجال تاريخ أدب المسرح قد أصاب كبد الحقيقة وحاجة المكتبة العراقية والعربية لمثل هذه الدراسات لقامات وأعلام ساهموا في هذا المجال وهذا النوع من الفن, فهو الكاتب المنتج والمتتبع للمعرفة والمبتكر لكل جديد, فقد عشق الربيعي الكتابة والصحافة وأدب الفن المسرحي منذ نعومة أظفاره.
أقول للدكتور علي الربيعي : لقد كنت صائب الرأي في اختيارك لمواضيع وعناوين مؤلفك هذا وما سبقه, كنت موقداً ومتوقداً في مؤلفاتك, تضيء للجيل الجديد دربه سابق الطرف لا تجاري, وكائنٍ صلتَ صولة الأبطال في كل حلبة, فقد عرفتك عن قرب هادئ الطبع, جمَّ الظرف, ذا ألفة وصادق صحبة, لكَ فكر قد أخلص لقلمك, مخلصاً للأصدقاء والأحبة, تستقي الرفق والرقة واللطف والهوى والمحبة.
#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)
Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟