أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - هانسغروهي














المزيد.....

هانسغروهي


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5544 - 2017 / 6 / 7 - 13:57
المحور: الادب والفن
    


كان زوجها السيد عصفور يمتلك مطعماً شهيراً، سمّاه مقصف العصافير، كل من عاش في تلك المدينة البحرية يعرفه ويشهد بالمذاق الطيب لمأكولاته ومشروباته، وكانت زوجته تعمل في إحدى مُسْتشفَيَات المدينة الجديدة بصفة عاملة تنظيف، كان لسانها وخفة يدها هما ما يميزانها، كانت تسرق كل ما يقع في طريقها دون أن يتمكَّن أي ممن شم رائحة سرقاتها من إثبات التهمة عليها، مضت الأسابيع وبدأت النواقص بالظهور، بدءاً من المواد الطبية والأدوية مروراً بالمرايا في دورات المياه وانتهاءً بمقابض الأبواب وأقفالها…

ذات يوم قرَّر المدير التقني للمُسْتشفَى استثمار زيارة وزير الصحة للمُسْتشفَيَات بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للثورة المجيدة، كتبَ تقريراً بشأن المفقودات المتتالية دون التمكُّن من السيطرة على الأمر، وصرَّح في التقرير حول شكوكه بالسيدة عصفور عاملة التنظيف. في يوم الاحتفال المحدَّد وصل السيد الوزير نَقَّار الخشب بكامل هيبته التي تعلَّم اِرتِداءها، وفي الوقت النظامي لاِنصراف العمال من الباب الخلفي كما العادة كان الوزير يقف للسيدة عصفور بالمِرْصاد، كل من مرّ بجواره حيّاه باحترامٍ كبير.
آخيراً وصلت المُتَّهَمة بلباسها المتواضع الأنيق وحقيبتها الجلدية الواسعة، حيّته قائلة: بارك الله بمجيئكم إلينا يا سيادة الوزير، كل عام وقائد الوطن وثورتنا وحضرتكم بألف خير.

سألها أحد مرافقي الوزير بحذرٍ ولطفٍ: هل تتفضلين با سيدة عصفور بفتح حقيبتك؟
أجابته بثقةٍ: بالتأكيد أفتحها لكم، أفهمكم جيداً، كلنا فدى القائد والوطن، لقد سبق أن حكى لي زوجي عن تحضيرات لعمليات تهريب أسلحة وتخطيط لاغتيالات وتفجيرات وأعمال شغب.

فتحت الحقيبة، فتحت جيوبها الداخلية، باعدت بيديها بين جوانبها لتفسح المجال للفضوليين بإمعان النظر، نظر المرافقون إلى محتوياتها، جَحَظَتْ عيونهم، نظر المدير التقني إلى وجه سيادة الوزير نظرة انتصارٍ في معركة، أدخل النَّقَّارُ رأسه في الحقيبة وكأنَّه يرغب بشم الرائحة الغريبة لحقيبةٍ أنثوية غامضة، مدَّ يده وأمسك بها، كانت ملساء، مُتقَنة الصنع، باردة، رطبة قليلاً، تناول من جيب سترته نظارته الثانية، وضعها على عينيه بينما أصابع يده اليسرى تحتضنها وتداعب ملمسها بشوقٍ، قرَّبها من أنفه ثم من عينيه وقرأ الأحرف الأجنبية المحفورة عليها: هانسغروهي!

نظر النَّقَّارُ إلى وجه عصفور بعبوسٍ وصرخ بها: ما الذي تفعله هذه الحنفية الثمينة في حقيبتك؟ أليست من ممتلكات المُستَشفى؟
شدَّ المدير التقني ربطة عنقه بفرحٍ ممزوجٍ برغبة الانتقام.
أجابت السيدة عصفور: بالتأكيد، لكنها تنقط منذ شهر يا دكتور، تزعجني في فترة استراحتي، تعذبني بصوتها، الماء يتسرب منها قَطْرَةً قَطْرَةً، في الوقت الذي لا نجد فيه الماء الكافي للشرب في بيوتنا، الماء ثروة وطنية يا دكتور، لقد أخبرت ورشة الصيانة مرتين لإصلاحها، وهم أجابوا أنَّهم لم يتلقوا من المدير الموافقة على طلب الإصلاح بعد...
قاطعها الوزير: ولماذا فككتها وسرقتها إذنْ؟

أجابته: الله وكيلك لم أسرقها، مَعَاذَ الله أَنْ أسرق شيئاً، الحالة مستورة والحمد لله، كل ما في الأمر هو أنني تكلمت بالموضوع مع زوجي، وهو وعدني بدوره أن يقوم أحد عماله بإصلاحها كرمى للمُستَشفى الذي لحم أكتافنا من خيرها، ثم إعادتها إلى مكانها.
نظر الوزير نظرة تهديدٍ إلى وجه المدير الذي بدأ بالتعرق وظهرت عليه معالم الاضطراب، ثم حدَّق بوجه السيدة الطيب الصادق وقال: بِاسْمِي كوزير وبِاسْمِ وزارتي أتقدّم لحضرتك بأسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان لقلبك النقي ولخدماتك للمُستَشفى وخوفك على أثاثها. ثم أمر المدير بصَرْف مكافأة تشجيعيّة للعاملة على أمانتها.

أشرقت عينا السيدة، شكرته ثم دعته بِاسْمِ زوجها لزيارة مطعهم المشهور، وتمنت له كما عادتها مع كل شخصٍ قائلة: فليحالفك الحظ والتوفيق، كما يحالفنا، في كل مكانٍ تكون فيه وفي كل جهةٍ تدير إليها وجهك.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفلة مُنَوَّعَات
- اِسْتِنْفار في مدينة حلب
- الحَكِيّ بسركم يا جماعة
- فاصولياء يابسة
- حوار ودّي
- مِنَ الرَّفْشِ إلى العَرْشِ
- الهارب حسّان
- اعتقال الفصول الأربعة
- الرَّفْش ولا العَرْش
- الشاورما تجعلك أجمل!
- قَالُواْ حَرِّقُوه
- بيض أومليت
- جمعة الكهرباء
- شخصيات يهودية مهمة -1-
- تأثير الفراشة
- حصة رسم وأشغال
- برج بابل
- الهارب المُضاعَف
- خربطة
- همينغوي جبل الجليد


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - هانسغروهي