|
ماذا لو غرقت قطر؟
ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين
(Nagih Al-obaid)
الحوار المتمدن-العدد: 5542 - 2017 / 6 / 5 - 15:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ماذا لو غرقت قطر؟
كيف ستكون نشرة أخبار قناة الجزيرة فيما لو اندلعت موجة تسونامي عارمة في الخليج وابتلعت شبه جزيرة قطر؟ هذا السؤال الافتراضي والخيالي كنت أطرحه على نفسي بعد عام 2003 عندما كانت الجزيرة تغطي كل شاردة وواردة في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين شريطة أن تكون سلبية. حينها كنت أجيب على هذا السؤال بالقول بأن الجزيرة ستبدأ نشرة أخبارها بنبأ عن تفجير في العراق وتُفصّل في دلالاته وتربطه بالمقاومة العراقية الشريفة ضد الغزو الأمريكي وتتجاهل ضحايا التفجير من المدنيين وبعدها وفي الموقع الثاني من النشرة يأتي خبر غرق قطر. هذا ما حدث اليوم بالضبط عندما صحا العالم على إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها بإمارة قطر في خطوة غير مسبوقة تنذر بتفاقم صراع خطير في المنطقة . لكن هذا الخبر لم يستحق بنظر الجزيرة أن يأتي في مقدمة نشرة أخبارها وإنما فضلت البدء بتغطية مفصلة عن تسريبات لرسائل سفير الإمارات في واشنطن نشرها موقع هاف بوست شريك موقع هافينغتون بوست الأمريكي الذي قررت السعودية ومصر حجبه مؤخرا في إطار الحرب الإعلامية المستعرة مع الدوحة. وطال قرار الحجب أيضا قناة الجزيرة ووسائل إعلام أخرى ممولة من قطر بتهمة دعم الإرهاب. لم تجد الجزيرة في قرار الدول الأربعة سببا كافيا لقطع برامجها فورا والبدء ببث مباشر يستمر لساعات طويلة رغم أنها تفعل ذلك في مناسبات أقل أهمية طالما أن ذلك يساهم في زعزعة استقرار بعض الدول التي لا تحظى برضا الإسلاميين الذين يتحكمون بسياسة الجزيرة الإعلامية. بل وبدأت القناة برنامجها اليومي "الجزيرة هذا الصباح" الذي تضمن فقرات عن خصوصيات رمضان في تركيا وعن إحدى الوجبات المفضلة في شهر "الصيام" وغيرها من الأخبار "الخفيفة". وحتى عندما تتناول الجزيرة خبر قطع العلاقات فإنها تحافظ بطريقة ملفتة للنظر على "حياديتها" النادرة وتكتفي بنقل الموقف الرسمي دون اللجوء للتحليلات الشهيرة التي تجعل من الحبة قبة عندما يتعلق الأمر بقضية تافهة أو مفتعلة في العراق وسوريا ومصر، وتجنبت الحديث بالتفصيل عن تداعيات القرار وتأثيراته السلبية على حياة المواطن القطري واقتصاد البلاد، وماذا يعني ترحيل القطرين من تلك البلدان ومنع الطائرات القطرية من التحليق في أجوائها وإغلاق المنافذ البرية؟ في المقابل طبلت وزمرت قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز وهو تواصل تغطيتها الخاصة المباشرة بهدف الدعاية لقرار ممويلها. وبدت هذه القنوات وكأنها مستعدة منذ فترة طويلة لهذه اللحظة لكي ترد الصاع صاعين للغريمة والمنافسة الشرسة الجزيرة ومن يقف وراءها. مذيعو الجزيرة المعروفون بـ"جرأتهم" في تغطية الأحداث في بلدان أخرى بدوا وكأنهم بلعوا لسانهم السليط وظهروا مرتبكين وفي موقف ضعيف وهم يبذلون قصاري جهدهم لتصوير الأمر وكأنه مؤامرة ضد قطر ويحاولون التهوين من التطورات الأخيرة التي كان لها بالتأكيد وقع الصاقعة على الدوحة وذراعها الإعلامي. وبدلا من استضافة مسؤولين وخبراء قطريين باعتبارهم معنيين مباشرة بالقرار وقادرين على تحليل دلالاته، فضل مقدمو النشرة الحديث مع ضيوف من دول أخرى ومنها الكويت الذين أكدوا من جديد على متانة "الأخوة" الخليجية. الصراع السعودي-القطري وكذلك الخلافات الإمارتية-القطرية وبين الدوحة والقاهرة ليست جديدة وبدأت تتفاقم منذ الضجة التي أثارتها تصريحات نُسبت لأمير قطر وشككت في الموقف ضد إيران وحلفائها. لكن الخطوات الأخيرة تمثل منعطفا خطيرا يضع قطر في فوهة المدفع وسيجبرها لا محالة على مراجعة مواقفها. ولا يستبعد أن تحصل تطورات غير متوقعة في سياق الصراع القديم بين آل سعود وآل تميم. ومن الملفت للنظر أن التصعيد مع قطر بدأ بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية والتي تم فيها كما يبدو تبادل شيكين على بياض. الأول استلمه ترامب على شكل عقود بقيمة 480 مليار دولار والثاني حصلت عليها الرياض على شكل موافقة ضمنية لكي تتصرف باعتبارها شرطي المنطقة لا يتحمل أي اعتراض ويطالب الجميع بالسمع والطاعة. وفيما كانت الأنظار في البداية متجهة إلى إيران باعتبارها العدو المشترك، اصبحت فجأة قطر تنافسها لتبوأ هذا المركز. سيشمت كثيرون بقطر، ولكن الدوحة تتحمل بالفعل قسطا كبيرا من المسؤولية فيما يحدث. وربما ينطبق عليها المثل العربي "على نفسها جنت براقش" لأنها كانت تنبح على الأصدقاء والأعداء على حد سواء وتحاول إضرام النيران في المنطقة متصورة أنه ستبقى بمنجى من ألسنة اللهب، ولكن النيران توشك الآن أن تحاصرها في عقر دارها. لقد تصورت قطر الصغيرة خلال العقدين الماضين أنها قادرة أن تصبح قوة إقليمية بفضل موارد النفط والغاز وامبراطورية الجزيرة الإعلامية، لكنها انتهت كضفدع ينفخ أوداجه للظهور ضخما ومخيفا أمام الآخرين. ويبدو أن الوقت قد حان لكي تعود إلى حجمها الطبيعي. من المرجح أن يترك الصراع الخليجي الحاد بصماته على أداء الجزيرة، ولكن من المؤكد أن القناة الأوسع نفوذا في المنطقة قدمت في 5 / 6/ 2017 درسا جديدا بليغا في بؤس الصحافة.
د. ناجح العبيدي 5 / 6 / 2017
#ناجح_العبيدي (هاشتاغ)
Nagih_Al-obaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آمال الأوبك تتحطم على منصات النفط الصخري!
-
قطرتتلقى درسا بليغا في الأخبار الملفقة!
-
أغلى يوم في التاريخ!
-
طريق الحرير مزروع بالألغام!
-
عملات صعبة وحلول ’’سهلة’’!
-
الاقتصاد السياسي للعنف
-
لماذا يفوز الإسلام السياسي في العراق؟
-
تشظي المشهد السياسي العراقي: المشكلة والحل!
-
ماركس ’’العملاق’’ وماركس ’’الشاب’’
-
’’حرب الأرحام’’ تمتد إلى أوروبا!
-
تركيا وأوروبا: توتر عابر أم نُذر مواجهة جديدة؟
-
التيار الصدري ولعبة الحسابات الخفية!
-
أردوغان يُكشر عن ’’أنيابه’’!
-
اطلبوا الإصلاح ولو في مصر!
-
ترامب: معركة شرسة مع الإعلام!
-
انقلاب شباط: الثورة تُنجب حفاري قبرها!
-
مدافع ترامب الرقمية!
-
سور ترامب ‘‘العظيم‘‘!
-
ترامب: إعلان الحرب على العولمة!
-
الألمان ‘‘الكسالى‘‘ واليونانيون ‘‘المُجدون‘‘!
المزيد.....
-
-متى لم يكن مشرفا؟-.. أمير سعودي يثير تفاعلا بشأن موقف بلاده
...
-
صحيفة ألمانية: ترامب سيسلم -أم القنابل- لإسرائيل
-
قاضٍ يوقف مؤقتاً خطة ترامب لتقليص موظفي الحكومة الأمريكية
-
لماذا يستعمل الموظفون الذكاء الاصطناعي في مكاتبهم في الخفاء؟
...
-
من هم الأكثر عرضة للنوبات القلبية؟
-
اختفاء طائرة ركاب فوق ألاسكا
-
إدارة ترامب تلغي وحدة -مكافحة التدخل الأجنبي- في الانتخابات
...
-
لا تصدقوا ما يقوله ترامب عن غزة
-
اكتشاف تأثير التأمل على مركز العواطف في الدماغ
-
اليد الحمراء.. منظمة سرية دموية رعتها المخابرات الفرنسية بعل
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|