أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - كلكامش نبيل - الأيديوجيات الشمولية – خطر محدق وخوف مبرر















المزيد.....

الأيديوجيات الشمولية – خطر محدق وخوف مبرر


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5541 - 2017 / 6 / 4 - 23:32
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


هناك الكثير لنقوله عن الواقع الذي يعيشه العالم اليوم، لكننا نُحجِم عن قول أغلب ما نريد قوله بصراحة لأسباب عديدة أولها الخوف من أن نُتهم بالعنصرية، وثانيهما مراعاة مشاعر كل أولئك الطيبين من المؤمنين بأيديولوجيات شمولية بالوراثة والذين يشعرون بالإساءة اذا ما نطقنا بالحقيقة. لكن، سكوتنا النابع من الخوف والرغبة في عدم جرح مشاعر أحدهم يعد تواطئاً مع استمرار الرعب والموت اللذان يجتاحان العالم ولذلك يجب أن نتكلم من أجلنا ومن أجل المغيبين ومن أجل عالم أكثر سلماً.

بداية، الأيديولوجيات الشمولية هي تلك التي لا تؤمن بالحدود السياسية للبلدان وتؤمن بالتوسع وفرض نفسها بالقوة على الشعوب من دون احترام للاختلافات الثقافية الموجودة هناك، وهذا ما يجعلها تختلف عن العولمة التي تهتم بالدرجة الأساس بنقل أسس قيمية – ثقافية واقتصادية وسياسية – لتتزاوج مع الثقافات المحلية ولا تلغيها بشكل كامل. طبعاً، لا يمكننا هنا تجاهل دور العولمة في نشأة التطرف والقيم المحافظة من جديد كردات فعل من الشعوب الأضعف التي تشعر بالتهديد الثقافي، الأمر الذي ساهم في انعاش أصولويات مرعبة تهدد السلم الدولي اليوم.

ما يواجهه العالم اليوم يتمثل في خطر أيديولوجيا اسلامية شمولية تسعى للتوسع وهي تستغل قضايا متعددة للترويج لهدفها السري والمعلن في الوقت ذاته، والبعض ممّن يحاول تبرير المشكلة على أنها ناتجة عن الظلم أو الفقر أو الجهل لا يساعد في الواقع إلا في السكوت عن هذه الجرائم الانسانية. في الواقع، تعتنق هذه الجماعات الارهابية أيديولوجيا شمولية تسعى لاقامة دولة اسلامية على نمط قديم يخالف وينتهك كل حقوق الانسان والمدنية الحديثة وهي تستغل في الواقع حجج كثيرة للترويج لنفسها وسط جماعات سكانية لها أفكار أساسية مشتركة – نقصد بذلك بوضوح مجتمعات اسلامية في المهجر أو أقليات اسلامية في دول غير مسلمة أو مجتمعات اسلامية في دول ذات أغلبية مسلمة تحكمها انظمة شبه علمانية أو أنظمة تنتمي لطوائف أخرى. تستغل هذه الجماعات حجج كاذبة – وبمساعدة الاعلام عن قصد أو لا – لتبني لنفسها شعبية كبيرة قبل أن تصبح القوة الأكثر فتكاً بهذه المجتمعات نفسها قبل غيرها.

بداية، لنفند الحجج التي يسوقها التبريريون The Apologists للارهاب. يقول هؤلاء الحالمون أن العنف ناتج عن الظلم، لكن مهلاً، ماذا عن الجرائم النازية ضد اليهود والغجر والشيوعيين والبولنديين وذوي الاعاقة والمثليين؟ هل رد أحدٌ من هؤلاء على تلك الفظائع بتفجير نفسه؟ وماذا عن ضحايا الابادة الأرمنية ومجازر سيفو ضد الكلدو-آشوريين والسريان واليونانيين في مطلع القرن الماضي، هل قام أحدهم بتفجير سوق أو مدرسة يتواجد فيها الأبرياء بهدف الانتقام؟ كلا، لم يحصل شيء من هذا لأن الأيديولوجيا التي تتبناها هذه الشعوب مختلفة عمّا نواجهه اليوم. كان هناك ظلم في كمبوديا أيام الخمير الحمر، وظلم بشع، لكن من تعرض لذلك الظلم لم يفجر في دول كثيرة حول العالم بهدف الانتقام. هل ما يتكملون عنه من ظلم يفوق تلك المجازر التي أودت بحياة الملايين من البشر في الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ بالطبع لا. وفي الوقت نفسه، لو افترضنا جدلاً أن هناك من تعرض للظلم في العراق وسوريا، فما هو دخل إيغوري من الصين أو شيشاني من روسيا، أو ألماني اعتنق الاسلام مؤخراً للمجيء وتفجير نفسه في بلدين شرق أوسطيين لا يمتان له بصلة. الاجابة عن ذلك واضحة، كل هذا من الآثار الخطيرة لهذه الايديولوجيا الشمولية العابرة للحدود. اما الذريعة الثانية فهي الفقر، لكن ملاحظات دقيقة تثبت أن بن لادن والظواهري وغيرهما كانا من الأثرياء، بل ان من شنوا الهجوم على الكافيه في دكا كانوا من الطبقة الثرية والمتعلمة في بنغلاديش، وهذا يفند الحجة الثالثة – الجهل – أيضاً، لأن الكثير من قيادات داعش في الموصل من الأطباء وأحدهم طبيب جراح قام بتفجير نفسه على القوات العراقية، والظواهري نفسه طبيب وبن لادن مهندس. المشكلة في جوهرها مشكلة أيديولوجية، لا علاقة لها بالظلم ولا الجهل ولا الفقر، بل ان الطائفية نفسها مبرر غير ممكن أيضاً، فاذا كانت هذه هي ذريعتهم في العراق وسوريا، فما هي حجتهم في ليبيا – البلد المؤلف من ديانة واحدة وطائفة واحدة، أو في مصر حيث لا يشكل الأقباط أي تهديد بخصوص السلطة والطمع في الاستيلاء عليها، ويحكم البلد من قبل الأكثرية المسلمة. في الواقع، كل هذه الحجج ساذجة وهدفهم اقامة خرافتهم الاسطورية التي ساهمت مناهج التعليم في المنطقة في تلميعها والترويج لها بسبب التحالف غير الواقعي بين القومية العربية والاسلام.

المشكلة يا سادتي في أيديولوجيا شمولية لا تؤمن بالتعايش ولا تحترم الآخر. في حوار لي مع شاب متعلم من بغداد على شبكة التواصل الاجتماعي، قلتُ له أننا نحب الجميع بغض النظر عن الانتماء الديني أو العرقي، فقال لي، "لكن المسلم يكرهك، خذها مني!". سألته ان كان هو يكرهني، فقال بعد صمت بأنه "يكره الكفر". نحن نواجه مشكلة بسبب فكر يحكم على الآخر ويدينه، ولا يرى منه الا معتقده ويعتبر صلته الوحيدة بالآخر مرتبطة بمدى تشابهه مع فكره والتعايش بالنسبة له أن يخضع الآخر لقيمه هو ويلتزم الصمت ويمارس فكره في الخفاء. المشكلة يا سادتي في أيديولوجيا تبرر "الغزو" لنشرها وتسمي ذلك "فتوحات"، المشكلة في أيديولوجيا تعتبر كل مختلف "كافر" وكل نقاش لأفكارها بصورة موضوعية "هجوماً واساءة". والمشكلة الأكبر أن المعتدل – الذي يرفض هذه الأفكار – لا يمكنه انكارها ولا يمتلك الشجاعة للمطالبة بالتغيير. نحن نواجه شعوباً ترفض داعش لكنها تتبنى فكرها في لا وعيها، لأنها تريد فرض طقوسها على الفضاء العام وتعتبر الاعتراض على ذلك غير جائز، وتعتبر اللادينية أخطر من داعش، وتعتقد أن ليس من حق الأقليات الحديث عن الشأن العام، لكنهم في الغرب يطالبون بحقوقهم كاملة ويتحولون فجأة لمواطنين ليبراليين يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان و"الأقليات"، نعم سادتي، إنهم من دعاة حقوق "الأقليات" هناك.

هذه الأيديولوجيات الشمولية تعتبر الأرض ملكاً لها، ويحلم من يتبناها في التوسع ويريد فرض دولة ثيوقراطية على الجميع بالسيف – أو المفخخات – ولا حضارة لديها سوى القتل والتوسع، لأنها تحارب الفن والموسيقى وانجازها ليس إلا الخراب والهدم. لقد شاهدنا ما أصاب سوريا والعراق من خراب – وخسرنا مدناً عظيمة مثل النمرود "كلخو" ودور شروكين ومتحف الموصل والحقت اضرار كبيرة بمدينة الحضر في العراق ومواقع سورية عديدة أهمها تدمر ولم تنجُ من وحشيتهم لا الآثار الآشورية ولا المسيحية ولا الاسلامية الصوفية ولا غيرها، عندما نتعامل مع فكر كهذا، يحق لنا بالتأكيد الخوف على باريس ولندن وبرلين، الخوف على متاحفها وحضارتها – وحضارتنا المحفوظة هناك – من الاندثار اذا ما تكاثرت أعداد هؤلاء، كما تكاثروا من قبل في منطقتنا ليصيبها التصحر والموت. نحن اليوم نواجه نسخة راديكالية – أصولية في الواقع – تحارب حتى النسخ الأكثر لطافة التي نشأت مع بداية فرض الاسلام على الشرق الأوسط، النسخ الناتجة عن تزاوج بين الاسلام والثقافات الأصلية القديمة الأكثر ثراءً. هذه النسخة الأصولية هي الأكثر خطراً لأنها تريد فرض نفسها على الجميع فلا تعترف لا بأسماء ولا ملابس شعبية ولا موسيقى ولا تراث قومي، انها نسخة يجب على الجميع محاربتها والقضاء عليها قبل أن نصبح من الماضي وتندثر الحضارة الانسانية بالكامل.

اذا كانت هذه هي مواصفات الايديولوجيا التي نتحدث عنها، فان الخوف منها مبرر، بل وموقف واعي وعقلاني، أما الاستمرار في الانكار وترديد عبارات ببغائية من قبيل "لا تمثل ولا يمثلون"، فلن تجلب لنا حلولاً على الاطلاق. هذه المحاولات تشبه أسطورة طمر النعامة لرأسها في الرمال – وهي لا تفعل ذلك في الحقيقة. لكن، في كل الحالات لا تكونوا كالنعامة، فهي لا تطمر رأسها بل تطلق ساقيها للريح هرباً من الخطر. الناس اليوم يقومون بفعلي النعامة – الأسطوري والحقيقي – لكن أياً منا لم يختر المواجهة الفكرية للقضاء على هذا السرطان الفتاك عبر كشف فظائعهم وتغيير المناهج الدراسية وتبني سياسات الانفتاح الاجتماعي والبدء بنقد التاريخ وتفسيرات المؤسسة الدينية الرسمية ونشر العقل النقدي ومبادئ حقوق الانسان والعدالة والمواطنة.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتهاء عصر المراة الدمية - قراءة في مسرحية بيت الدمية لهنريك ...
- حوار الأمس واليوم - قراءة في كتاب -محاورات برتراند راسل-
- قصص لا تستحق النشر – تجربة لدعم شباب الكتاب العراقيين
- متى نموت؟ - قصيدة
- تمجيد الابداع والوفاء للأرض - قراءة في الكتاب الأول من -هكذا ...
- الأحلام وعلم النفس - قراءة في كتاب -تفسير الأحلام- لسيغموند ...
- بلاد النهرين ومصر القديمة: سمات الإستقرار والإبداع في حضارتي ...
- لمحات عن العراق في القرن السابع عشر – قراءة في رحلة تافرنييه ...
- أحوال أديرة المشرق - قراءة في كتاب -الديارات- لأبي الفرج الأ ...
- العراق عام 1797 في عيون الرحالة البريطاني جاكسون - قراءة في ...
- آراء في وقت الفراغ والديمقراطية والتكاثر السكاني – قراءة في ...
- عشق في ظروف غير مواتية – قراءة في رواية -ملك أفغانستان لم يز ...
- تساؤلات في الوجود، الحب، والإنتماء – قراءة في رواية -فالس ال ...
- شتات يأبى التشتت – قراءة في رواية -شتات نينوى- للروائية العر ...
- ثنائية الموت والرعب - قراءة في المجموعة القصصة -معرض الجثث- ...
- نبوءة عرّاف كلخو - قصة قصيرة
- غموض ذاتٍ عدمية - قراءة في رواية -الغريب- للكاتب الفرنسي ألب ...
- مجتمعاتنا العمياء - قراءة في رواية العمى للكاتب البرتغالي جو ...
- صراعات الذات واللاهوت – قراءة في رواية عزازيل للكاتب المصري ...
- وداع نينوى – الأمّة والتاريخ – وسط صمت العالم


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - كلكامش نبيل - الأيديوجيات الشمولية – خطر محدق وخوف مبرر