|
صراع الثيران الخليجي الى أين؟
احمد منصور القصير
الحوار المتمدن-العدد: 5538 - 2017 / 6 / 1 - 17:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في العديد من الدول الغربية هناك مسابقات تجري كل عام في اوقات معينة من السنة لامتاع الناس بصراع يكون بين انواع من الحيوانات لامتاع جماهير واسعه من الناس متشوقة لرؤية الصراع و الاحتراب الذي يحسون بانهم غير قادرين على القيام به فتكفيهم الحيوانات شر هذا القتال لاشباع رغباتهم. و من ابرز انواع هذه المسابقات ما يدعى بصراع الثيران الذي تشتهر به اسبانيا و ينتهي بموت محقق اما للثور المحاط بالسيوف او باصابة مميته للماتادور كانتقام من قرون الثور المغلوب على امره لكل الطعنات التي تحملها وسط صيحات الجماهير التي لا يثيرها الا الدم المسال من الطرفين.
بشكل مماثل لهذا الصراع... يشتد الصراع بين دول منطقة الخليج العربي طبقا لطموحات البروز بين الدول الخليجية و التي تتفاوت حسب الدولة و العائلة التي تحكم من اجل الانتشار على حساب الدول البقية رغم معرفة اغلب المتابعين للخريطة السياسية ان هذه الدول لا تملك من الامكانيات المادية او السياسية ما يؤهلها للقيام بأي دور يتعدى دور البقرة الحلوب التي تسقي بنفطها اللآيل للنضوب الدول العظمى التي تتحكم بمصير العالم. هذه التطلعات تتسبب بين الحين و الاخر بمنغصات للسياسة العامة التي رسمت لمنطقة الخليج من خلال بروز حالة امتعاض لدى عائلة مالكة باتجاه تصرفات و تطلعات افراد يرغبون البروز من عائلة مالكة اخرى.
صراع الثيران الخليجي ابتعد عنه منذ فترة بعيدة سلطنة عمان بقيادة السلطان قابوس ليحافظ على استقرار بلده. بقية البلدان مثل الامارات المتحدة و دولة قطر بقيت تتنافس بنسب متفاوتة على ريادة المنطقة من خلال اقترابها او ابتعادها عن سياسة المملكة العربية السعودية التي تبقي عباءتها ممدودة فوق رؤوس دول الخليج لاسباب عده ابرزها حجم المملكة التي تعتبر اكبر دول منطقة الخليج و اكثرها عددا للسكان بالاضافه لكون المملكة مقرا لقبلة المسلمين من كل انحاء العالم بوجود بيت الله الحرام الذي يتوجه اليه مليارات المسلمين يوميا للصلاة و كل عام للحج.
هذه الدول الخليجية سبق لها ان ادركت ضعفها تجاه جيرانها الاقوياء مثل العراق و ايران و اليمن و لذلك ارتأت قياداتها المبنية على الوراثة العائلية القبلية ان تتجمع من اجل البقاء في مواجهة حالات التطور السياسي و الثقافي التي سبقتها اليها دول الجوار بخطوات متسارعه. فكان ما يدعى بدرع الخليج و اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي و في كل هذه الخطوات كانت الريادة و القيادة بيد الاخت الكبرى المملكة العربية السعودية.
و من هنا لعبت سياسة المملكة عنصرا مهما جدا في رسم سياسة بقية دول مجلس التعاون الخليجي مع احتفاظ سلطنة عمان باستقلالية نسبية في القرارات المصيرية واهمها قضية الاشتراك في حلف دولي لاخراج القوات العراقية من الكويت في عام 1991و من بعدها الحلف الدولي لاسقاط نظام صدام عام 2003 و من بعدها المواقف المتتالية تجاه العراق و سوريا بشار الاسد في 2013 و قبلها المواقف تجاه نهضة الاقلية الشيعيه في البحرين و بعض مناطق المملكة السعودية و مطالبتهم بالمساواة و العدالة المجتمعية بالمقارنة مع السكان السنة في هذين البلدين.
عدى عن موقف السلطنة الايجابي و رفضها المشاركة في الحرب المفروضة على الشعب اليمني و الاغلبية الشيعية الحوثية المطالبة بالحرية و المساواة في بلد انهكه التخلف و التدخلات الخارجية في شؤونه. لذلك اصبح الخروج على طاعة المملكة السعودية اشبه بعقوق الابناء للوالدين و هو امر لا يسكت عنه من قبل العائلة المالكة السعودية. رغم ذلك كان هنالك محاولات من هذا البلد او ذلك للخروج من حلقة الطاعة العمياء لسياسة مملكة آل سعود. و اغلب هذه المحاولات جاءت من العائلة المالكة في امارة قطر و التي بدأت منذ الاعوام الاولى لثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي بمحاولات للخروج من ثوب جغرافية الحجم الضئيل للأمارة و من خلال التقارب الغير مسبوق مع الكيان الصهيوني المزروع في قلب فلسطين و بتناقض عجيب مع تقاربها الصادم مع الاخوان المسلمين في مصر و فلسطين و باقي دول العالم لتعلن تعارضا كبيرا في الايديولوجية العامة السائدة في دول الخليج التي تتسم باتباعها لمبدأ السلفية الوهابية.
امارة قطر وجدت حلاوة غير مسبوقة بهذه الخطوات فدول العالم بدأت الحديث عن هذه الامارة النفطية باهتمام و اصبحت قناة الجزيرة القطرية مثار اهتمام الاعلاميين و المتابعين من خلال تغلغلها في اغلب دول العالم و تحكمها بمصير اغلب دول العالم. قمة هذه النشوة تمثلت باسهام قناة الجزيرة و تنظيمات الاخوان المسلمين و اصابع دولية خفية في تغيير العديد من الانظمة في المحيط العربي بما يسمى الربيع العربي.
بما ان القول السائد يشدد على ان الحفاظ على القمة اصعب من الوصول اليها، هنا اصبحت قطر تواجه المصاعب تلو المصاعب للحفاظ على هذه المنجزات العظيمة بالنسبة لها لكن واقع الحال اثبت ان قطر ليست الدولة الوحيدة التي تفكر في هذا العالم. بزوغ شمس الاخوان المسلمين المدعومين من قطر و صراعهم مع السلفيين المدعومين من السعودية جلب الى السطح صراعا خفيا دام سنوات و ربما يستمر لسنين طوال.
السعودية باذرعها الممتدة يمينا و شمالا في جيوب المتنفذين في العالم عرفت انه بامكانها تشذيب الاظافر القطرية التي طالت و عرفت كذلك انها وصلت الى درجة خطيرة من قرب انتهاء مدة صلاحيتها بعد القرار الاميركي الذي حملها مسؤولية الاعتداء الارهابي الذي استهدف برج التجارة العالمي في اميركا و راح ضحيته الالاف من القتلى و الجرحى عدى عن جرح كبرياء الولايات المتحدة التي تتشدق ببعدها عن براثن الارهاب الاسلاموي السلفي.
في هذا الوقت بالذات كان لابد من خطوة استباقية للتعامل مع كل هذه المخاطر التي تدهم نفوذ المملكة السعودية و ما ساعدها في اتخاذ هذه الخطوات وصول التاجر دونالد ترامب الى سدة الحكم في اميركا مستفيدة من القول السائد "ان المال اذا تحدث فان العقل يخرس الى حين نفاد المال".
بناء على هذا المذهب الاقتصادي- السياسي عقدت المملكة السعودية اكبر صفقة تسليح لا تعني و لا تسمن من جوع مع الولايات المتحدة الامريكية مع اتفاقية تضمن فبها مدة نفاذ جديدة لنظام الحكم الملكي السعودي بحماية امريكية صرفة. الصفقة وصلت الى حدود 350 مليار دولار امريكي فيما يخص الاسلحة و بحدود 100 مليار دولار امريكي تصرف لتقوية الاقتصاد المصري و تخليص ام الدنيا من الازمة الاقتصادية الخانقة التي تحدق بها اضافة الى اطلاق يد المصريين للخلاص من تهديد الاخوان المسلمين المتمركزين في صحراء سيناء و الحدود مع ليبيا عدى عن صفقة اخرى تقارب 150- 180 مليار دولار امريكي تصرف في العراق لغرض تقليص النفوذ الايراني المضطرد بالعراق و انهاء هيبة الحشد الشعبي.
هذه الصفقة متعددة الاهداف تعيد المملكة السعودية بسلفيتها لصدارة المشهد العربي و تعيد قطر و اخوانها المسلمين الى الخطوط الخلفية اذا لم ترسلها خارج الملعب مع المتفرجين باعتبارها الخاسر الاكبر. قطر لم تجلس مكتوفة الايدي بل بدأت بمحاولة فك الخناق عنها بمكالمة هاتفية بين الشيخ تميم بن حمد مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في نفس الوقت الذي كال فيه الزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي الاتهامات للسعودية واصفا حكامها بأنهم على موعد مع “السقوط الحتمي”.
هذه الخطوة تثبت ان قطر ستمضي في تحديها لسيوف السعودية و الامارات و بقية دول الخليج التي تحيط بها من كل جهة بنية اسقاط الماتادور السعودي بقرونها التي تكبر يوما بعد يوم. الهجمة القطرية المرتدة لم تتوقف عند هذا الحد بل رفضت الوساطة الكويتية لانهاء الازمة الخليجية و كذلك ادارت وجهها الى اللوم الاماراتي الذي جاء على لسان وزير خارجيتها بتغريداته الواضحة التي تخطط لاعادة ترتيب اوراق الملف الخليجي.
صراع الثيران الخليجي سيستمر الى حين لان الصراع لا يقتصر على السعودية و قطر او قطر و الامارات بل تمتد ساحة الصراع الى الوحدة المحتملة بين اراء سوريا و العراق و اقتراب الطرفين من الهوى الايراني السائد قبلهما في لبنان. هذا الصراع لا يمكن التنبؤ بنتيجته حاله حال أي صراع في حلبة ثيران وسط مدريد قد ينتهي بمقتل الثور الهائج او مصرع الماتادور غير مأسوف عليه.
#احمد_منصور_القصير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرئيس المصري يتلقى دعوة لحضور احتفالات الذكرى الثمانين للنص
...
-
روبيو: علينا أن نمارس مزيدا من الضغط على إيران
-
روبيو: وكالة USAID تقوض عمل الحكومة الأمريكية
-
طلاب من جامعة كولومبيا يقاضون الإدارة بعد إيقافهم بسبب مظاهر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
-
مصر.. تفاصيل حكم ببراءة نجل الداعية الشهير محمد حسان في قضية
...
-
خبير عسكري: القوات الأوكرانية تعاني من مشكلة على خط الجبهة و
...
-
روبيو: الولايات المتحدة تدرس فرض إجراءات إضافية ضد الصين
-
فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي سيرد على واشنطن بشكل صارم في
...
-
فيتالي نعومكين: أجد صعوبة في تصديق أن إسرائيل ستتخلى عن ممار
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|