|
مهرجان السينما العالمي في روتردام، وأحلام محمد الدراجي
موفق الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 1447 - 2006 / 1 / 31 - 09:06
المحور:
الادب والفن
في يوم الجمعة 27 يناير كانون الثاني كنا قد أستمتعنا كثيراً بمشاهدة الفلم (أحلام) لمخرجه الشاب محمد الدراجي الذي أشترك بإنتاجه كل من العراق وبريطانيا وهولندا. تدور أحداث الفلم في بغداد بعد سقوط صدام، حول هروب معظم المرضى المصابين بصدمة عصبية كبيرة، بعد قصف المستشفى (السجن!) الكئيب الذي كانوا يرقدون فيه أثر قنبلة أميركية ليضيعوا بشوارع بغداد التي عمتها الفوضى والسرقات... (أحلام) وقد أختطفت عصابات صدام زوجها وحبيبها من حفل زفافهما، ليخربوا عرسها الذي طالما حلمت به مع حبيبها.. و(علي) الذي يحاول إنقاذ أعز أصدقائه من إصابة بعد قصف أمريكي عنيف في (ثعلب الصحراء) وهم في وحدتهم العسكرية على الحدود السورية، وهو المصاب أصلاً، فتأتي سيارة مخابرات في اليوم الثاني وبعد أن أعياه التعب والإصابة لتقلهم إلى السجن بعد أتهامهم بالهروب، لتحكم عليه (محكمة الثورة الكارتونية!) بقطع صيوان الأذن والسجن... كان الفلم رائع بحق، رائع بتصويره والأماكن التي أختيرت لتصوير مشاهد الفلم وأبقى المخرج على كل شيء كما هو، كالبيوت والشوارع التي تم التصوير بها، وذلك ما لم نعهده كثيراً في الأفلام العراقية السابقة على قلتها.. وهذا هو سحر نجاح الفلم على ما أعتقد. وقد أثرت بنا الكثير من المشاهد، وأظن بأن المخرج قد أبدع في ذلك المشهد الذي يصور على شاطئ دجلة عائلة تشرب الشاي، ويأتي بعض عصابات صدام من المخابرات أو الأمن ويختطفوا أحداً أمام عيون الناس، وفي وضح النهار..! لم أكن يوماً ناقداً سينمائياً ولكني رأيت الكاميرا تتحرك بتناسق كبير ورائع بين المشاهد، وبين الممثلين. لم ألحظ أي خطأ سوى في بعض المشاهد عندما تنتقل الكاميرا من مشهد إلى مشهد آخر في زمن آخر، فأن الشاشة تسودّ لثانية أظنها طويلة على المشاهد، لاسيما إن كانت بلا موسيقى... أما الموسيقى فقد أبدع بها الموسيقار نصير شمه، وقد أمتعنا بها فعلاً في كل مشاهد الفلم... وقد كان المخرج موفقاً في أختياره لأحد الجنود صاحب الصوت الجميل الرخيم، يغني أغانينا القديمة تلك التي لا تنسى أبداً، وتلك التي نرجع إليها كلما ضاقت بنا الدنيا، أو جمعنا حفل أو مناسبة! أما مشهد الباص الذي ينقل الجنود وبعض الضباط إلى وحداتهم فقد كان رائعاً بحق! لم يكن فيه أي نقص، ظهر على حقيقته تماماً بعجرفة وعنجهية الانضباط العسكري الفارغة. وأبدع الممثلون في هذا المشهد، وقد أنتبه المخرج على كل اللقطات الصغيرة التي لا تجد مثيلاً لهكذا أنتباهات سوى في روائع الأفلام الهوليودية، والتي غالباً ما تفوت المخرج العربي! يبقى فقط مشهد واحد، فقط هو الذي أحسست أن فيه نقصاً وربما كان على المخرج دراسته أكثر. ذلك هو مشهد الأغتصاب الذي كان في تصور المخرج كما حدثّنا بعد أنتهاء العرض بأنه مهم في الفلم ولا يريد أن يستغني عنه... لم يكن فعلاً للفلم أستغناء عن ذلك المشهد، فقد حاول المخرج أن يصور فداحة تلك الجريمة القذرة، لولا أن كاميرته كانت قد ركزت على قطرتين من الدماء بعد إكمال عملية الأغتصاب، وقد بدت لنا وكأن الجريمة الكبرى هنا هي بفض بكارة تلك الضحية، وليست هي بأرتكاب أولئك المجرمين تلك العملية القذرة، عملية الأغتصاب الجماعي لفتاة بريئة، كانت هي أولاً ضحية ظلم الطغاة الحاكمين، ثم ضحية القصف الأمريكي، لتصبح ضحية الفوضى التي أجتاحت عموم العراق بعد سقوط الصنم... قال أحد الأصدقاء العراقيين بأن هذا الفلم موجه أصلاً للجمهور العراقي قبل أن يكون موجهاً للجمهور الأوربي! وأتساءل لماذا على الجمهور العراقي أن يكون دائماً ضحية الأعلام؟ لم لا يكون عليه أن يعي بأن المرأة أو الفتاة المعتدى عليها هي الضحية، وعلينا أن نطالب بالقصاص من أولئك المجرمين؟ لم لا ندعو بأعلى أصواتنا أن تلك الفتاة وغيرها هي ضحية وعلينا أن ندافع عن حقوقها كإنسانة أولاً، ونساعدها في تجاوز تلك الصدمة لترجع إلى حياتها الطبيعية ثانية؟ ولا أن نحاسبها على جرم لم ترتكبه، أو نحكم عليها بغسل العار الذي لم تجلبه هي بنفسها، بل أولئك المجرمون؟ كم من ضحية وقعت فريسة لأولئك الأشرار خلال هذه السنوات العجاف التي يمر بها الشعب، لترجع لبيتها لتواجه تهمة أخرى غالباً ما يكون عقابها هو الموت!؟ وكم من ضحية أفترسها أولئك الوحوش وتركوها لتهرب من واقعها ومن أهلها ومن قساوة المجتمع!؟ ولكن لنرجع إلى الفلم الذي انتهى بأمل كبير، وبقاء (أحلامنا) على قيد الحياة وعثور أهلها عليها بعد ضياعها. أي ببارقة أمل لحياة أفضل للعراق والعراقيين... كان الفلم رائعاً، وقد تم تصويره بظروف كانت هي الأسوأ لكل سينمائي. وقد تعرض كادر الفلم لأكثر من مرة للأختطاف من قبل جنسيات (متعددة!) ولكنه أبى إلا أن يباشر تصوير الفلم ويعمل على إنهاء تصوير مشاهده رغم كل القساوة التي رأوها هناك! نشد على أيدي البطل محمد الدراجي ونصافحه بحرارة، ونهنئه كثيراً على نجاح الفلم، فقد سمعت من الفتيات اللاتي كن يقفن بباب صالة العرض ليجمعن بطاقات التصويت على الفلم من قبل الجمهور الذي كان رائعاً، بأن كل البطاقات كانت تعطي درجة 5 أو 4 للفلم، أي ممتاز أو جيد جداً... تحية إلى كل الكادر الذي ساهم بإنجاح الفلم ليظهر بتألقه الذي رأيناه، وتحية إلى أولئك الممثلين الذين كانوا هواة، يمثلون لأول مرة، وأولهم أحلام وعلي. وتحية إلى كبار الممثلين بهجت الجبوري وطالب الفراتي الذي وافاه الأجل بعد الانتهاء من تصوير الفلم. وأدعو كل العراقيين المقيمين في هولندا الذين فاتهم مشاهدة الفلم إلى اغتنام فرصة عرضه مرة أخرى على قاعة 5 (سيناراما Cinerama) في ويستبلاك 18 في روتردام الساعة 19:45 في يوم الجمعة 3 شباط فبراير.
#موفق_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أصوات منكرة!؟ قصة قصيرة
-
اللجوء إلى الوطن
-
اللجوء إلى الوطن 4
-
اللجوء إلى الوطن 3
-
اللجوء إلى الوطن 2
-
خـــط الهـــاتـف - قصة قصيرة
-
المحكمة الجنائية العراقية وسجون (مونوبولي) التابعة لها
-
فتــوى تحرّم الفســـاد الأداري!
-
ماذا لو قال العراقيون لا للدستور العراقي؟
-
الفرق بين منظمة إيـتـا الإنفصالية وبين هيئة علماء المسلمين
-
من سينصف الطوائف الصغيرة في العراق؟
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|