|
التحدث مع حماس!
أوري أفنيري
الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:37
المحور:
القضية الفلسطينية
مثل ملاكمين أنهكهما التعب، يتقاتلان وليست لديهما القدرة على الانفصال عن بعضهما، هكذا يلتصق المجتمعان الإسرائيلي والفلسطيني أحدهما بالآخر.
الانتخابات الفلسطينية التي أجريت هذا الأسبوع، تأثرت بالانتخابات في إسرائيل. من يكون إيهود أولمرط؟ هل حقا طرأ تغيّر على حزب العمل؟ هل ستقام في إسرائيل حكومة توافق على الدخول في مفاوضات حقا؟ أي زعامة فلسطينية هي تلك القادرة على تحريرنا من وطأة الاحتلال؟
الانتخابات الإسرائيلية، التي ستعقد بعد شهرين بالضبط، ستتأثر بالانتخابات الفلسطينية. ما الذي يجب عمله حيال فوز حماس؟ هل ستجرى مفاوضات مع حكومة فلسطينية تضم، لا سمح الله، وزراء من حركة حماس؟
لا ينظر الفلسطينيون إلى الديموقراطية الإسرائيلية على أنها تجديد. لكن الديموقراطية الفلسطينية هي تجديد كبير في أعين الإسرائيليين.
صحيح أن مجرد إجراء الانتخابات لا يشهد، بالضرورة، على الديموقراطية. هناك أنواع كثيرة من الانتخابات.
كانت هناك انتخابات في الاتحاد السوفييتي. رووا في حينه أن ناخبا وصل إلى صندوق الاقتراع في موسكو، وتم هناك تسليمه مغلفا مغلقا. قالوا له أنه يتوجب عليه إدخاله في الصندوق، فقال "ماذا، ألا يحق لي أن أعرف لمن أدلي بصوتي؟" فأجابه الموظف جازما، "بالتأكيد لا!" وأضاف "الانتخابات في الاتحاد السوفييتي سرية!"
الوضع معاكس في الريف المصري الذي زرته قبل سنوات في يوم الانتخابات للرئاسة. ساد في القرية جو من الكرنفال. بهجة وفرح. كان كل شيء مكشوف ومفتوح في غرفة صندوق الاقتراع. وهل هناك ما يجدر إخفاؤه؟ رجال الشرطة طيبو القلب مساعدة السيدة المسنة في اختيار الورقة الصحيحة (مبارك) وإدخالها إلى الصندوق. لم يكن هناك مرشح آخر.
ولكن من زار، في الأسابيع الأخيرة، مناطق الضفة الغربية لم يكن بإمكانه أن يشك للحظة بأن ديموقراطية حقيقية تولد هنا الديموقراطية الحقيقية الأولى في العالم العربي. هذا صحيح، كانت هناك ظواهر من الفساد، فقد هددت فئات مسلحة، هنا وهناك، إلا أنها كانت ظوهر هامشية، انقضت عليها وسائل الإعلام كانقضاض القرصان على الغنيمة. كان التنافس حقيقيا، الأحزاب حقيقية، وتنافس السياسيون على السلطة والتأثير. كل مسطّح مستو، في كل مدينة وقرية، غُطي باللافتات الملونة. مكبرات الصوت التي تصم الآذان طلقت أغان وشعارات. والأهم من ذلك كله: وقف أمام الناخب خيار حقيقي، بين طرق مختلفة وواضحة الأمر غير المؤكد في إسرائيل.
ليس من السهل إدارة انتخابات تحت الاحتلال، بينما يقاتل المحتل أحد الأحزاب الرئيسية بشكل علني، يمنع المرشحين وحتى يقتلهم، يبقي في السجن زعماء مركزيين، يقيم الحواجز على كل الطرقات. وكما هو متوقع، عندما تتدخل آلية عسكرية صماء في الحياة السياسية، فستكون النتيجة عكس ما هو مأمول: التصريحات والخطوات الإسرائيلية التي نفذت ضد حماس، ساعدت بالأخص حماس ذاتها.
تحدثت مع أحد زعماء حركت فتح، حول نشاطات السلطات الإسرائيلية ضد حماس في القدس الشرقية المحتلة، التي منعت فيها الاجتماعات، ومنع المرشحون من إلقاء الخطابات وتم تمزيق اللافتات. سخر زعيم فتح وقال: "ماذا يعتقدون؟ أن مؤيدي حماس يحتاجون إلى الاجتماعات واللافتات ليعرفوا من يجدر بهم انتخابه؟ كل هذا أضاف لهم المزيد من الأصوات!" تثبت نتائج الانتخابات أنه كان على حق.
من أين أتى هذا الشوق إلى الحياة الديموقراطية لدى الجمهور الفلسطيني؟
هناك فرق بين الأجيال حول هذا الموضوع أيضا فرق هو إحدى الظواهر الأكثر بروزا في المجتمع الفلسطيني.
جيل المسنين، وخاصة الزعماء الذين عادوا إلى البلاد مع ياسر عرفات، بعد اتفاقية أوسلو، لم يعيشوا ذات مرة في مجتمع ديموقراطي. عرفات ذاته، كان يتنقل في حياته بين الدكتاتوريات العربية المختلفة: مصر، الكويت، الأردن، تونس ولبنان أيضا، حيث كل إنسان فيها محبوس في إطار طائفي سلطوي, فهي بالتأكيد ليست مثالا لديموقراطية حقيقية. (كان عرفات يصغي باهتمام دائما عندما كنت أذكر أنه من الممكن في إسرائيل تغيير سياسة الحكومة عن طريق تغيير الرأي العام، ولكن لم يكل لدي انطباع بأنه قد آمن بذلك.) في نهاية الأمر وقفت نصب أعين الزعماء القدامى ديموقراطية محدودة الضمان كما في الأردن.
أما توجه الجيل الثاني فهو مختلف تماما. عشرات الآلاف من أبناء هذا الجيل قضوا سنوات طويلة في السجون الإسرائيلي. تعلموا فيها اللغة العبرية، استمعوا إلى الراديو الإسرائيلي وشاهدو التلفزيون الإسرائيلي. لقد رأوا كيفية عمل الديموقراطية الإسرائيلية. هذا هو النمط الذي يقف أمام أعينهم. (روى لي ذات مرة، صديقي سرحان سليمه، رئيس بلدية الرام، الذي قضى 12 سنة في السجن: "أكثر ما استمتعنا به هو النقاشات في الكنيست، حين كان جميعهم يصرخون على رئيس الحكومة. قارنا ذلك مع الوضع في البرلمانات العربية. قلنا لأنفسنا أننا نريد برلمانا كهذا.")
في إسرائيل تصدرت الانتخابات الفلسطينية، طيلة الأسبوع، قلب الاهتمام السياسي. إيهود أولمرط الذي يحاول استغلال مكانته كقائم بأعمال رئيس الحكومة ليقدم نفسه كزعيم أمني، فجمع من حوله المجموعة الاعتيادية من الجنرالات وأفراد الشاباك، الذين نظروا، كعادتهم، من خلال منظار البندقية وكشفوا عن عدم فهمهم المعتاد في الشؤون السياسية. أجريت نقاشات مطولة. ماذا نفعل إذا... كيف نتصرف عندما...
ما نتج من ذلك كله هو أن إسرائيل لن تجري مفاوضات مع حكومة فلسطينية تشارك حماس فيها. "لا يمكن مطالبتنا بإجراء مفاوضات مع جهة تدعو إلى القضاء على إسرائيل، وغيرها وغيرها".
هذه وصفة "غباء بصلصة البندورة". وفي هذه الحال: غباء بصلصة الدم.
على إسرائيل أن تجري مفاوضات مع الحكومة التي انتخبها الشعب الفلسطيني. كما هي الحال في كل النزاعات في العالم، لا يمكن اختيار زعامة الطرف الخصم أولا، لأن الخصم لن يقبل ذلك، وثانيا، لأن أي اتفاقية مع مثل هذه الزعامة لن تدوم.
كلما كانت الزعامة أوسع، كلما كان ذلك أفضل.. إذا تم التوصل إلى اتفاقية، فمن المهم أن تلتزم بها كافة شرائح الجمهور الفلسطيني. ويجب أن يشتمل ذلك على الحركات الأكثر تطرفا. لو لم تقرر حماس المشاركة في الانتخابات، كان يجب إجبارها على ذلك.
من هو على استعداد لإجراء مفاوضات مع إسرائيل، فإنه يعترف ضمنا بدولة إسرائيل. ومن هو غير مستعد لذلك، فلا مشكلة معه. الأمر هو أمر منطقي بسيط. ولكن الجنرالات ليسوا بروفسورات في علم المنطق.، وليسوا خبراء في المفاوضات والاتفاقيات.
لدى الطرف الفلسطيني: مجرد مشاركة حماس في الانتخابات التي ترتكز على اتفاقية أوسلو، تثبت بأن كل الآليات السياسية الفلسطينية قد تحركت باتجاه السلام. يبدو لأول وهلة أن فوز حماس هو بمثابة القضاء على احتمالات التوصل إلى السلام. غير أن النتيجة من شأنها أن تكون عكسية: اعتدال الحركة المتطرفة وضمان بأن أي اتفاقية يتم التوصل إليه ستكون اتفاقية قوية ودائمة.
لدى الطرف الإسرائيلي: تصدّع الليكود، إقامة حزب كديما والتغيير الحاصل في حزب العمل، يشهد على أن الحلبة السياسية الإسرائيلية قد تحركت بنفس الاتجاه العام. بإمكان هذا التحرك أن يكون كبيرا أو صغيرا ولكن الاتجاه واضح.
بعد أن يقيم الطرفان حكومتيهما فسيضطر كل من هما إلى التحدث مع الطرف الآخر.
#أوري_أفنيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واه حسرتاه، يتيم أنا
-
يا لهم من أصدقاء...
-
من يحتاج إلى جمل؟
-
عازف الناي من هملين
-
ابنة المارد
-
لعنة الآلهة
-
بيرتس ليس بيرس
-
أبو مازن والبط الأعرج
-
إلى أين عادت سميرة؟
-
سلام بدل سلامي
-
المنازلون
-
إجماع جديد
-
مسمار جحا
-
من قتل عرفات؟
-
بضربة قاضية أم بنحيب
-
المستوطنون الغاليون
-
هذا هو اليوم
-
مسيرة القمصان البرتقالية
-
ثلاثة في سرير واحد
-
نهاية عهد بوغي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|