الشاعر ومكونات القصيدة الشعرية

صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:35
المحور: الادب والفن
    

يستند الشعر بشكل أساسي على حرفية اللغة وقواعدها وآلياتها ومن ثم تطويع مفرداتها وتوظيفها في بناء القصيدة الشعرية للتعبير المباشر أو غير المباشر عن حالة ما، تنتاب أحاسيس الشاعر وتثقل وجدانه فيعبر عنها بصياغة شعرية محكمة البناء اللغوي توجز مكونات وتداعيات حالته عبر خطاب شعري خالي من شوائب ومفردات اللغة السردية المتداولة.
هذا البناء الهندسي للغة الشعرية بالرغم من أهميته وموجباته غير قادر على بعث الروح في القصيدة، فتولد ميتة منذ ولادتها. ويأتي بعث الروح فيها من مكونات أخرى: الإحساس، الموسيقى، الموهبة، الخيال، الثقافة، والحس الإنساني.......وتلك المكونات من خاصة الشاعر وليس لها علاقة بقدرته على امتطاء ناصية اللغة وقواعدها.
الشعر المتقن في بنائه اللغوي والخالي من الإحساس العاطفي والإنساني، قد يعبر عن تقنية شعرية عالية لكنه يعكس ظاهرة تصحر ذات الشاعر من أية موهبة وحس إنساني. فتولد قصيدته ميتة بالرغم من قطعها كل أشواط الولادة!.
إن الشعر فن خاص يحتاج إلى اللغة والموهبة معا ودونهما تنقطع سُبل القصيدة الشعرية في كونها كائن حي يسهم مع الكائنات الفنية الحية الأخرى في رفد الحضارة الإنسانية، فالكائن الشعري يحتاج لهندسة البناء عبر اللغة ومن ثم يحتاج للروح المستمدة من الموهبة لبعث الحياة فيه.
يقول ((توفيق الحكيم))"الشعر فن إيجاز وإيحاء".
كما أن الشعر يحتاج لسعة خيال الشاعر في تطويع مفردات اللغة لتعكس تصوراته الخارجة عن منظومة العقل، فهي تنهل من اللاوعي مفرداتها لتعبر عن مكونات الذات وهواجسها الكونية. هذا التوظيف لسعة الخيال عبر انتقاء مفردات اللغة، يتطلب تحلي الشاعر بثقافة عالية قادرة على توظيفها للتعبير عن هواجسه وتصوراته التي تنهل من منظومة الروح إيحاءاتها ومفرداتها. وهي حالة من الجنون تنتاب الشاعر ليتواصل مع العالم الكوني عبر قناة تنساب من خلالها كل الآليات والتقنيات، وما يحتاجها لتطويع مفردات اللغة لخلق القصيدة الشعرية.
يعبر عنها ((توفيق الحكيم)) قائلاً:"إذا جن الإنسان دخل مستشفى المجانين، وإذا جنت الكلمات والمعاني دخلت قصر الشعر".
إن اللغة حين تفقد مقومات تطورها في الاكتساب والمزاوجة تموت. وبخلافه فإنها لغة حية، متطورة أبداً تسقط مفرداتها الجامدة لتستعين بمفردات سهلة الفهم ومتداولة الاستخدام لتعبر أكثر عن متطلبات الواقع المعاصر.
والشعر يعكس هذا التطور في مداه الزمني ليعبر عن حاجات ومتطلبات كل عصر، فالشعر الجاهلي انعكاس عن متطلبات عصره. وبالرغم من أهميته اللغوية والشعرية فإنه في الوقت الراهن يبدو أقل قبولاً واستساغة من الشعر الحر الذي يعكس مفردات لغوية سهلة الفهم والتداول، ومعبرة أكثر عن مشاكل وحاجات الواقع المعاصر.
ولايقتصر هذا التطور على المفردات الشعرية، وأنما على السلم الموسيقي للبناء الشعري ليتواءم مع حالة التطور في عالم الموسيقى الذي يعكس الذوق الموسيقي للجيل الجديد. وبغض النظر عن مستوى الإحساس بالموسيقى بين الأجيال، فإن الشعر الحديث يعكس الحالة المعاصرة من خلال التعاطي مع كل المكونات الهندسية والموسيقية (القديمة والحديثة) لبناء القصيدة الشعرية.
وموسيقى الشعر تعكس إحساس الشاعر ومستوى ذوقه في تطويع مفردات اللغة وإخضاعها للسلم الموسيقي ونغماته الذي يعكس حالة الذوق العام بصورة غير مباشرة ويبرز أكثر عند إلقاء القصيدة الشعرية التي تتراقص على نغمات وسلالم الموسيقى في بحور الشعر، ويختلف الإحساس بموسيقى الشعر باختلاف الأوساط الاجتماعية وتطورها الحضاري.
يعتقد ((توفيق الحكيم))"أن الشعر ليس تصويراً مباشراً للحياة، بل هو انعكاس الحياة على نفس الشاعر".
وهناك مكون أخر ينهل من مستوى ثقافة الشاعر وغالباً ما يوظف في القصيدة الشعرية لمنحها أبعاداً خاصة تستمد صورها من المورث والأساطير لتعبر عن وجدان المجتمع وأبعاده غير المنظورة والكامنة في اللاوعي الاجتماعي للتعبير عن حاجته الروحية ومتطلباته المعاصرة.

#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات