أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - الخباز














المزيد.....

الخباز


جمانة القروي

الحوار المتمدن-العدد: 5531 - 2017 / 5 / 25 - 02:55
المحور: الادب والفن
    


ما ان اشتعلت اعواد الحطب واخذت تتجمر تحت الصاج،* حتى وصلت امراة شابة بملامح جميلة،وجهها ناصع البياض،ذات شعر اسود مالت بعض خصلاته الى الاحمرار القاني من اثر الحناء. كانت ما تزال تلهث من تعب الطريق وهي تحمل طفليها الصغيرين، حيث اجلست احدهما على كتفها، والدموع تملأ عينيه وسال مخاطه من انفه، وتشبثت يداه الصغيرتان براسها، وركنت الاخر على صدرها واحتضنته بذراعها الايسر، طالبةً من الحرس ان يدلها على الطبيب، فاشار اليها بسبابته نحو الخباز الذي كانت يداه حتى الكوعين قد غطستا في الطحين وبقايا من عجين، وتكلل شعره التمري بذرات الدقيق المتطاير، فقد انهمك في فتح العجين على اللوح الخشبي المدور،وقد صب جل اهتمامه بالنار وبالعناية بها كي لايفسد الرغيف، دون ان يبالي بما حوله.
جالت تلك الام بنظرها في ذلك المكان الصخري الموحش، سيما في وقت القيلولة، ولما لم تجد سوى الخباز هناك، اعادت سؤالها عن الطبيب.
عندئذ رفع دكتور عادل* اليها عينيه برموشهما الطويلة لتلتقي بعينيها للحظات قبل ان يجيبها وهو يبتسم تلك الابتسامة التي لم تكن تفارق وجهه مهما كان حزيناً او متعباً " انا الطبيب"! فتحت عينيها وفمها على اتساعهما بذهول واستغراب ودون ان تنطق قفلت راجعة من حيث اتت، تهز راسها بامتعاض واستياء.
لم تمضِ فترة طويلة حتى عادت المراة، متجهة مباشرةً نحو الخباز، قائلة له بارتباك وتردد:" كيف يكون الطبيب خبازاً؟ كما ان هذا شأن النساء !". رفع راسه صوبها مع ابتسامة ودية، مؤكدا لها انه الطبيب.
بين الشك والريبة من صدق الخبار نكست راسها، مركزةً انتباهها على يديه، وهما تفتحان العجين بتلك العصا الرفيعة الملساء، وتحملاه برشاقة وخفة ليضعه بيد واحدة على سطح ذلك المعدن الساخن، وباليد الاخرى يفرشه ويرتبه بعناية كما لو انه مفرش ثمين لينضج بسهولة ويسر. اثناء ذلك يكون قد جهز عجينة اخرى لملاقاة النار، التي لم يكن يسهو عنها، يلقمها الحطب في الوقت الملائم، يقلب رغيف الخبز بخفة ودقة، ثم يرفعه ويطويه ويتركه جانباً بكل اتقان ومهارة، فيغامرها الظن بانه لايمكن ان يكون هذا الخباز طبيباً.
مكثت الام منتظرةً بصبر واناة ،إلا ان القلق بدأ يتسرب الى قلبها خوفا على طفليها، فكانت بين الفينة والاخرى تعرض عليه المساعدة او ان تقوم بانجاز البقية الباقية من العجين، اضافة الى انها لم تحتمل او تتقبل ان ترى رجلاً بل طبيباً يجلس امام الصاج ويخبز، فان الوقت يداهمها والشمس مالت الى الغروب، لكنه رفض عونها باصرار.
نفض الطبيب يديه وثيابه من الطحين العالق بهما، ماسحاً حبات العرق التي طفرت من جبينه بكم قميصه المتسخ، بعد ان انهى عمله، الذي لم يتمكن من تركه، فهناك مفرزة من رفاقه الذين ذهبوا في مهمة بين شعاب الجبال قاربت على الوصول.
جعل يفحص الطفلين بترو، وهو تارة يربت على راسيهما برافة وطيبة،وتارة اخرى يلاعبهما، بصوته الهادئ الذي يوحي دائما بالاطمئنان،حضّ الام على الهدوء فليس هناك ما تخشاه، ثم اعطاها الدواء وبعض النصائح التي يجب ان تلتزم بها للحفاظ عليهما، طالبا منها ان تعود اليه بعد ثلاثة ايام اذا لم يشفيا، ثم ودعها حتى معبر النهر الى قريتها وهو يحمل احد الطفلين.
في تلألؤ الصباح وزحف ظلال الاشجار على الصخور الرمادية القاسية، والتلال الكئيبة التي تحيط القاعدة*، جاء احد الفلاحين من الضفة الثانية للنهر، مبادراً الحرس النهاري بالسؤال عن الطبيب.وما ان استقبله د. عادل حتى اخرج له علبة مليئة بالعسل وقدمها له قائلا " انا والد الطفلين اللذين شفيتهما! ولكن، أحقاً كنت يومها تخبز يادكتور"؟







*الصاج : هو عبارة عن قطعة معدنية مقعرة تثبت على حجرين ليتم تلقيم الحطب تحتها وعندما تسخن يخبز العجين المعد عليها ليتحول الى رقائق من الخبز تشتهر به قرى كردستان.

*دكتور عادل .. اسمه الحقيقي غسان عاكف حمودي من مواليد مدينة عانة / الانبار عام 1954 ، اكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد وتخرج من كلية الطب عام 1978. عين طبيبا مقيما في مستشفى الديوانية، غادر العراق الى سوريا حزيران 1979.. تدرب في صفوف المقاومة الفلسطينية، ثم التحق بفصائل الانصار في تشرين الاول من نفس العام في قاطع بهدنان، وهو احد الاوائل الملتحقين في حركة الانصار .
استشهد في 1/ ايلول / 1983 في معركة بشت اشان الثانية مع رفيقيه نزار ناجي (ابو ليلى ) وجبار شهد (ملازم حسان ). كان الشهيد غسان قريبا جدا من والديه،لانه يقوم بكل المهمات التي يطلبانها منه دون تردد، كما كان منظماً في كل شئ ، هادئا يعمل بصمت ولا يتذمر. اثناء سنوات دراسته في كلية الطب كان ناشطا في صفوف الحزب واتحاد الطلبة، كما انه كان يتطوع لبيع جريدة طريق الشعب بمواقف الباصات والسيارات في باب المعظم.

*القاعدة : كانت مقر كوماته قاطع بهدنان















#جمانة_القروي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة بعنوان الكنز
- قصة قصيرة عناقيد العنب
- قمقم الذكريات
- الاقحوان الحزين
- شبح الغربة
- الضرس
- الغول الاحمق
- من لايعرف ماذا يريد ( رؤيا نقدية حول رواية سميرة المانع الاخ ...
- قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء
- قصة قصيرة - القرار..
- مبدعون عراقيون في المنافي ( 5 ) [ الدكتور رشيد الخيون ]
- الفنانة ناهدة الرماح - حب الناس هو النور لعيونها .. وبذاك تل ...
- السمفونية الأخيرة
- مبدعون عراقيون في المنافي الدكتور صلاح نيازي
- مبدعون عراقيون في المنافي ...الحلقة 2
- مبدعون عراقيون في المنافي
- زينب .. رائدة المسرح العراقي
- سنبقى نذكرك يا أرضا رويت بدمائنا وحبنا
- من زوايا الذاكرة ...القميص


المزيد.....




- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - الخباز