أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار عبدالهادي ابراهيم - هيستيريا سادي .. قصة قصيرة














المزيد.....

هيستيريا سادي .. قصة قصيرة


منار عبدالهادي ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 5530 - 2017 / 5 / 24 - 01:13
المحور: الادب والفن
    


في بعض الاحيان لا يكون بمقدور المرء ان يواجه عالمه إلا بكيل من اللعنات والشتائم على واقعه المزري الذي رسمه القدر له . من الصعوبة بمكان ان تقف متفرجا امام الاذى الذي يلحق بك دون ان تفعل شيء ! . والأصعب من ذلك ان يكون ذلك الاذى من اقرب الناس وأحبهم اليك ؛ لا يتعمد الاذى فحسب , بل يتسلى به , ويتشوق حين يرى المك وصراخك الذي يتواشج مع قهقهاته , فيتناهى الى السامع صوت سيمفونية غريبة لا تصلح غير موسيقى تصويرية لأفلام الرعب . وأنت تأن تحت سياطه لا تملك ادنى وسيلة للدفاع عن نفسك فتضطر الى كيل الشتائم واللعنات على القدر .
هكذا فعلت سوزان وهي تخرج من منزلها وسط ذلك اليوم القائظ , مجعدة الشعر , كالحة الوجه , تنهمر الدموع من عينيها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة اختلطت بنحيبها . كانت ترتدي عباءتها بوضع مقلوب كما انتعلت صندل زوجها الكبير قياسا مع قدميها الصغيرتين اللتين غاصتا فيه .
في المقابل جلس كريم على كرسيه مقاطعا ذراعيه خلف رأسه وهو يحدق من خلال الشرفة المطلة على واجهة المنزل الى تلك المرأة صاحبة المنظر المزري .
لم يشعل سيجارته كما هو معتاد حينما يجلس في ذات المكان يحدق الى اشجار ونباتات الحديقة الامامية للمنزل , والى الارجوحة الملاصقة للجدار الامامي والتي كانت تتحرك بين الفينة والأخرى بفعل نسمات الهواء جيئة وذهابا وعلى نحو بطيء يبعث على الاسترخاء مصدرتا صريرا خفيف يكسر حاجز الهدوء . بل كان هذه المرة منتشي بشيء اكثر اغراءا من السيجارة والنظر الى ذلك المنظر المعتاد ؛ شيء كان يتوق اليه منذ امد بعيد لكن لم يستطع القيام به بسبب الخوف الذي كان ينتابه في كل مره يفكر بالقيام به . ظل محدقا الى تلك المرأة التي خرجت من منزله بملابسها المتسخة والوجه المتورم الذي اختلطت فيه الدموع مع العرق المتساقط من جبهتها جراء قيظ الظهيرة ، حتى ابتعدت عن ناظريه .
لقد وصلت نشوته لذروتها ذلك اليوم وبشكل يفوق المرات السابقة . لم يخرج الى عمله وكأنه اعطى لنفسه اجازة يستحضر فيها لشيء ما , شيء ينسيه ثرثرة زبائنه وازدحام الطرق والمواقف التي يواجهها سائقي التاكسي كل يوم . في الصباح وحينما قامت سوزان بإيقاظه لتأخره في نومه وهو شيء لم يعتد عليه سلفا . قطب حاجبيه ونظر اليها بشزر كما ينظر المفترس الى طريدته . في لحظة خاطفة وثب من سريره نحوها وصار يصرخ في وجهها مستخدما اكثر الكلمات ابتذالا وإهانة بحقها ؛ ماسكا اياها من شعرها بعنف , يشده كلما خف صراخها الذي يجابهه بضحكات وكأنه يمزح معها لا يقوم بتعنيفها . كان قد قضى الليلة الماضية ساهرا على مقاطع لأفلام تصور مشاهد تعنيف سادية مستخدمين فيها عدد من وسائل التعذيب كالسياط والحبال والحرق بالسيجارة والشمع المذاب ناهيك عن الصفع والركل والبصق وغيرها من الاشياء . كثيرا ما كان يستمتع بمشاهدة هكذا افلام وكانت تأتيه خيالات وهو يقوم بتعنيف اخرين مستمتعا بالألم الذي يصدر منهم .
بعد تناوله لطعام الفطور اخذ كريم يشاهد تلك الافلام من جديد وهو محاط بهالة من دخان سيجارته . اخرج قنينة صغيرة من الويسكي كان قد اشتراها في اليوم السابق فأخذ منها رشفة ثم الاخرى ثم اعادها الى مكانها بعد ان اذهب نصفها . جلس يحدق من الشرفة لبضعة من الوقت نادى بعدها سوزان لتأتيه بالماء . اغلق باب الشرفة كي لا يسمع من بالجوار ما سيجري ثم وثب كالوحش على زوجته التي وضعت زجاجة بلاستيكية من الماء على الطاولة القريبة منه محلقا يديه حول عنقها ؛ وبحركة خاطفة قام بطرحها ارضا وسحب عصا من الخيزران من فوق خزانة غرفة النوم , كان قد جلبها في وقت سابق تحسبا لهذا اليوم , واخذ يجلدها بها تارة ويصفعها تارة مطلقا ضحكات هستيرية وهي تصرخ وتتلوى تحت اقدامه من الالم . لم يعجبه ايقاع الالم فقرر ان يسكب عليها زجاجة الماء ثم يقوم بضربها وهي مبللة ليكون الايقاع مختلف . كل هذا كان تحت انظار ليلى التي اتت للتو من المدرسة وقد دفعها الخوف الى البكاء وإخفاء نفسها عمّا يحصل في احدى غرف المنزل .
سحب كريم ذراعيه من خلف رأسه واخذ يلعب بعصى الخيزران التي كان قد وضعها على فخذيه .
صاح بصوت خشن وقاس : ليلى .. اين الشاي ؟
- جلبته لك يا ابتِ .. لم اضع عليه السكر كما طلبت .
وضعت ليلى الشاي الذي اعدته بعد خروج والدتها من المنزل على الطاولة بيدين مرتعشتين بالقرب من حبوب مرض السكري الذي كان والدها يعاني منه . كانت تنتحب من هول ما رأت ولعدم علمها باللحظة التي خرجت بها والدتها والتي كانت سترافقها الى وجهتها دون ادنى شك .
- لماذا تبكين ؟
لم تنبس الفتاة التي دخلت ذلك اليوم عامها الثاني عشر ببنت شفة .
- لا بد ان والدتك ذهبت الى والدتها .. هل تريدين اللحاق بها ؟
قبل ان تجيب الفتاة سحبها كريم من يدها واخذ يضربها بعصى الخيزران كما فعل مع والدتها .
لم يبالي لصراخ ابنته التي سقطت تتلوى على الارض من شدة الالم بل استمر بالضرب على مؤخرتها حتى كادت ان تصل الى حد الاغماء . كان يضحك بصوت مرتفع كلما علا صوت صراخها .
ثم صاح بصوت يصطنع العطف :
- التحقي بوالدتك يا صغيرتي .
واخذ يضحك من جديد .
اتجهت الفتاة وهي تصرخ من شدة الالم باتجاه الطابق الاسفل ومنه الى منزل جدتها الذي يقع في الزقاق المجاور حيث ذهبت والدتها .
رمى الرجل العصى الى الارض واخذ يرتشف الشاي بنشوة وهدوء .
متعته تكمن في التعبير عن ساديته قدر المستطاع . ولم يجد غير زوجته وابنته الوحيدة للتعبير من خلالهم عن مرضه , فكان يكيل عليهم الشتائم كل يوم ولأتفه الاسباب فيشعره ذلك بالنشوة . لكن هذه النشوة بلغت حدها الاقصى هذه المرة , ذلك حين مارس الضرب وبشكل قاسٍ بحقهن . لم يكن يمنعه في السابق غير خوفه من شقيق زوجته الوحيد والذي كان يعمل ضابط في الجيش العراقي , فكان يخفي عنه تلك الميول قدر الامكان . اما اليوم فقد تبدد ذلك الخوف بعد ان تم تشييع جثة ذلك الضابط في الاسبوع الماضي والذي قُتل على يد تنظيم داعش في المعارك الجارية في حينها لتحرير مدينة الموصل .



#منار_عبدالهادي_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كرم .. شانغري-لا مورفيوس .. قصة قصيرة
- رحيل .. قصة قصيرة
- كن شجاعا .. قصة قصيرة
- قصة قصيرة بعنوان (استعادة)
- قصة قصيرة بعنوان (اشواك)
- اردوغان ... الغاية تبرر الوسيلة
- صدام حسين والمظاهرات الحالية
- داعش والمطالبين بالأنظمة الدينية سواء
- نزهه في معسكر مدني


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار عبدالهادي ابراهيم - هيستيريا سادي .. قصة قصيرة