أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شادية الأتاسي - ليلة الحصاد














المزيد.....

ليلة الحصاد


شادية الأتاسي

الحوار المتمدن-العدد: 5527 - 2017 / 5 / 21 - 12:43
المحور: سيرة ذاتية
    


يبدو أن هذه الليلة ستكون طويلة ، ربما حتى الفجر وربما أكثر
مياه بحيرة ليمان ، المتماوجة برخاوة ، تلألأت بالنور ، تحت وهج الاضواء الآتية من الجانبين، مدينة ايفيان الفرنسية ، ولوزان السويسرية !
في حين تزينت الأزقة الضيقة للمدينة القديمة ، بمجد ماضي تعبر أنفاسه دائما الزمان وتصل المكان ولا تبرحه ، ربما تعبر تلك الجميلة الزمن ، تفتح باب الماضي ، وتطل من نافذة ذلك البيت المعتق بقرميده العتيق ، وتلوح بيدها ممتنة لمشهدنا ثم تغيب ،تاركة لنا أنفاس من عمّر وبنى وذرف الدموع ، لتبقى تلك الهنيهات الغابرة مزروعة في ذاكرة تلك الأرصفة والزوايا وكل الأمكنة ، وفي تربة أصص زنابق الربيع التي مازالت شتلاتها المتوارثة ، تتباهي بألوانها البديعة على إفريز الشبابيك

هذا المساء الجميل ، هو عيد حصاد الكروم ، / وما أكثر الأعياد هنا / كرومهم الخضراء تمتد على مدى البصر ، تكاد تسمع صوت هسيسها في صمت الليل ،وخشخشة أوراقها عند المغيب ، وهي تتغنج للريح ، وتتغاوى للشمس ، متخمة بالعناقيد الطازجة الملونة ، تتراءى على منحدرات الجبال، وعلى تخوم البحيرة الزرقاء ، وفي الأكواخ القرميدية الاسطورية ، /تشعر وكأن جنيه الكروم تعيش بداخلها محاطة بالأسرار / ، تكدس العنب الطازج في الكهوف الرطبة .. تلتهمه المعاصر وتسيل ألوانه لذة للناظرين

يساريون ويمينيون ، أغنياء وفقراء وغرباء وملونين ، سياسيون ودجالين ، يخلعون هويتهم عند باب المساء .. ويذوبون بين الجميع
يغنون ويرقصون ،يتحابون ويثملون ،حتى الفجر
يعيشون حياتهم كحقيقة لا يمكن المساس بها ، وضجيج الآخرين مهما علا ، لا يمكن له أن يطغى على صوت قلبهم الحقيقي
أحرار من عقد الذنب ،من التابوهات ، كل التابوهات لا تعنيهم ، أمام لحظة حقيقية تعني ذاتهم الحقيقية

وفي ليلي الطويل هذا ، أطل على مشهد لا أنتمي إليه ، ألملم فوضى ما تبعثر من أفكار ، اجتهد لأضع القلق حيث يجب أن يكون ، والشغف تركته في الانتظار ، وجرح القلب أودعته القطار الأخير
وأفكر ،كيف لي أنا القادمة من هناك، أن أجعل من مسائي هذا محتملا ، بل وجميلا كما هو حال الجميع
كيف لي أن أتعلم كيف أنتمي لهذا المكان الجميل
كيف لي أن أكون حرة من كل عقد الذنب التي رضعتها مع حليب أمي حتى الشبع
وكيف لي أن أنسى ، وتلك التفاصيل الصغيرة للأشياء، تتمطى في دهاليز الذاكرة ، أتشربك بها كلما حاولت أن أدير ظهري ، لتلك /الجينات/ اللعينة ، التي تتعربش بتأن على جدار القلب والروح ، وتأبى أن تبرحه

وكيف لي أن أسلم نفسي لهذا الإغواء الجميل ، وأذهب معه بكامل إرادتي إلى حيث يتقاطع وجع القلب مع طقس تلك الأغنية ، /التي يتآوه بها ذلك المغني الأسود مبحوح الصوت والقلب/. في هذا المكان وفي هذه المدينة الصغيرة ، المحشورة بين الجبل والغابة والبحيرة

انا القادمة من هناك ،من كومة الأحزان ، وهناك تعني بوضوح ، مشهدا مريعا لدراما عبثية ، الجميع فيها يفقد براءته ، والجميع فيها يرتدي قناع دراكولا ، تحاول أن تلتقط عبثا الحقيقة بما يليق بفظاعة الدمار والموت المجاني ، الذي يهيمن على المشهد الدرامي ، وفي كل المرات تفشل ، في الولوج إلى عمق تلك الملحمة المتشابكة الخيوط ، يبدو أن لاحل اليوم ، تلك هي الحقيقة الوحيدة التي يمكن رؤيتها.

وحتى ذلك الوقت
ستبقى عيوننا ترقب بلهفة القطارات التي ستعود كل مساء ، دوننا
وأن كرومنا وزيتنا و قمحنا ،ستبقى مشرعة أبوابها ، للانتظار
وكل مواعيدنا المشتهاة ،ستبقى ، مجرد مواعيد



#شادية_الأتاسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود
- خربشات
- صديقتي كريستين
- لاتشكرني كثيرا
- سورية عبر السنين ، مقال مترجم
- نساء من سورية
- عيد حب مغمس باليأس
- ترجمة ،دير مار موسى
- في أعالي الجبال
- حكايتنا
- أحن الى هذه الوجوه
- في انتظار الربيع
- نحن الحالمون بالديمقراطية
- مابيننا أجمل
- حديث الغربة
- نحو حياة افتراضية حارة
- إيقاع المدينة
- حين يهطل المطر في باريس
- غربة
- حلم


المزيد.....




- كيف سيغيّر مقتل يحيى السنوار مسار الحرب؟.. الجنرال باتريوس ي ...
- ترحّمت على يحيى السنوار.. شيخة قطرية تثير تفاعلا بمنشور
- صورة يُزعم أنها لجثة يحيى السنوار.. CNN تحلل لقطة متداولة وه ...
- استشهد بما فعلته أمريكا بالفلوجة والرمادي وبعقوبة.. باتريوس ...
- قائد القيادة المركزية الأمريكية يهنئ الجيش الإسرائيلي بالقضا ...
- سوء الأحوال الجوية يؤخر عودة مركبة Crew Dragon إلى الأرض
- رماة يتألقون في عرض -يابوسامي- ضمن مهرجان الخريف بمعبد نيكو ...
- الحرب بيومها الـ378: مهندس -طوفان الأقصى- يودع ساحة المعركة ...
- الأزمة الإنسانية تشتدّ... المنظمات المحلية طوق نجاة السوداني ...
- علماء يرسمون خارطة للجدل البشري قد تساعد في معالجة الندوب


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شادية الأتاسي - ليلة الحصاد