أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (34)















المزيد.....

ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (34)


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5526 - 2017 / 5 / 20 - 12:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بالتوازي مع عمله في المسرح الملحمي، الذي كان يخشى بريخت أن يتحول الى مسرح طهي (اي المسرح الذي لا يخلق جو الاغتراب الملازم للتساؤل والتشكيك الدرامي, وبالتالي فانه يصبح مسرحا رجعيا او محافظا في احسن الاحوال), طور بريخت نوعا جديدا من المسرح الذي سماه "التعلم باللعب". وكان تأثير الفيلسوف كورش هنا واضحا على هذا النوع من المسرح, وكما لاحظ الكاتب السياسي والمنظر والمؤلف الموسيقي النمساوي هانز ايسلر (Hanns Eisler (1, ان هذا النوع من المسرح كان بمثابة ندوات سياسية. ووصفه بريخت بأنه "اجتماع سياسي جماعي" يشارك فيه الجمهور بنشاط. ويرى المرء في هذا النموذج رفضا لمفهوم حزب النخبة البيروقراطية حيث يقوم النظريون والموظفون بإصدار التوجيهات والسيطرة على أنشطة الجماهير. في هذه المسرحيات، سيتم اكتشاف العقيدة والممارسة الصحيحة وتنفيذها من خلال الممارسة الجماعية التشاركية وليس من خلال التلاعب الهرمي والهيمنة؛ أي أن مسرحيات التعلم كانت تعمل كما كان كورش قد تصور عمل مجالس العمال.

لقد تم تصميم "مسرحيات التعلم" من قبل بريخت كنموذج ل "مسرح المستقبل". وهي تجسد مبادئ جمالياته السياسية، التي من شأنها أن تخلق نوعا جديدا من الثقافة التشاركية التي من شأنها أن تعزز الثورة. رأى بريخت الآن الدرامات الملحمية على النقيض من مسرحيات التعلم: الاولى مهادنة والثانية ثورية.

واعتبر بريخت مسرحية "حياة غاليليو" (2) من الناحية الفنية خطوة كبيرة إلى الوراء", وذلك لان كتابتها كانت ضمن ظروف الإنتاج في المنفى ثم لاحقا بسبب الظروف السائدة في السنوات الأولى من جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وهكذا كانت مسرحيات التعلم هي مسرحيات بريخت الاكثر صراحة ومحاولته الأكثر راديكالية لتسييس الفن.

في كتابه "نظرية التربية" لمستقبل اشتراكي، جادل بريخت بأن مجرد المتعة التي يكتسبها المتفرج في المسرح ضارة لانها تكرس الافكار والاوضاع الاجتماعية السائدة. فيجب أن يحاول المسرح الاشتراكي أن يكون مفيدا للدولة وأن يربط الأفراد بالقيم الاشتراكية المناسبة. كانت مسرحيات التعلم متفوقة على المسرح الملحمي، من وجهة نظر بريخت، لأنها كانت أكثر فعالية من الناحية التربوية، سواء بالنسبة للمنتجين الفنيين أو للجمهور الذين كانوا مشاركين بطريقة أكثر مباشرة ومبتكرة في التجربة الجمالية. وكان على الجهات الفاعلة والجمهور التمييز بين السلوك الاجتماعي المناسب social والسلوك الاجتماعي غير المناسب ascocial عن طريق تقليد طرق التصرف والتفكير والتحدث والارتباط. وفي إطار مسرحية واحدة، كثيرا ما تبادل الممثلون الأدوار بحيث يمكنهم مواجهة حالات محددة من وجهات نظر مختلفة.

على سبيل المثال، تواجه مسرحية "التدابير المتخذة" (3) الجمهور بألأسألة الأساسية للثورة, كالعنف, الانضباط، هيكل الحزب، العلاقة مع الجماهير، العدالة الثورية، وهلم جرا. في مخطط الثورة يُجبر الثوريون على التضحية برفيق لتحقيق أهداف الثورة ويٌخضع للانضباط. ليس هناك "عقيدة صحيحة" منصوص عليها؛ على الممثلين تقديم مشهد ومناقشته مع الجمهور. في الواقع، تثير المسرحية نقاشا حادا بين أعضاء الجمهور - ستالينيين، تروتكسيين, اعضاء اليسار الجديد، الليبراليين، والمتشددين ضد الشيوعيين - حول السياسة والأخلاق.

أراد بريخت الاستفادة من هذا المسرح لتحقيق مشاركة الجمهور وتوفير التربية السياسية. وعلى غرار نموذج كورش لمجالس العمال، لا يوجد أي تسلسل هرمي في إنتاج مسرحيات التعلم؛ بل يجب أن تكون هناك مشاركة ديمقراطية في الإنتاج المشترك. وعلاوة على ذلك، يتم تشجيع الجمهور على اقتراح الإجراءات التي كان ينبغي اتخاذها والمشاركة ايضا كأعضاء في جوقة. وكما هو الحال مع نموذج كورش في الاشتراكية الديمقراطية، يجب على الشعب أن يضع مبادئ الممارسة الثورية، والاستراتيجية، والتكتيكات، وليس نخبة النظراء أو البيروقراطيين في الحزب. وكذلك، فإن مهمة الفنان الثوري هنا هي ليس جعل عقيدة الحزب مستساغة لسهولة الاستيعاب، ولكن لتشجيع الفكر الثوري والنقد. ومن الواضح أن هذا الموقف يشكل خطرا على موظفي الحزب البيروقراطي، ولذا عارضوا باستمرار اعمال بريخت.

واجهت مسرحيات التعلم الجمهور بحالات مثل التضحية بالنفس لصالح الجمهور كما هو الحال في مسرحية (الرحلة فوق المحيط, 4), و (كانتاتا بادن بادن, 5)، أو وضع الشخص نفسه بشكل مميز فوق الآخرين، كما هو الحال في مسرحية (شظايا فاتزر,6) وكثيرا ما تكون هناك نماذج متناقضة من الخدمة أو الاستغلال كما هو الحال في مسرحية (الاستثناء القاعدة,7), والموافقة الاجتماعية أو الرفض كما هو الحال في مسرحية (من قال نعم ومن قال لا, 8)، او ممارسة ثورية فعالة أو غير فعالة كما في مسرحية (التدابير المتخذة, 3). ودعا بريخت الممارسة المتمثلة في إشراك المنتجين والجمهور ب"علم التربية الكبرى" التي من شأنها أن تحّول الجهات الفاعلة / الجمهور إلى رجال دولة وفلاسفة. في حين أن "التربية الأقل شأنا" في المسرح الملحمي هي مجرد "دمقرطة المسرح في فترة ما قبل الثورة"، و"علم التربية الكبرى" يحوّل تماما دور المنتجين و"يلغي نظام المؤدين والمشاهدين".

وقد اعتزم بريخت ان يكون مسرحه التعليمي ان يستخدم في المدارس والمصانع، أو من قبل المجموعات السياسية. ويمكن للجهات الفاعلة او الجمهور ان ترتجل وتغيير المسرحيات كما فعل بريخت نفسه عند العمل على المسرحيات مع العديد من المجموعات المختلفة. وهكذا، ففي مفهوم بريخت لعلم التربية التحرري والمسرح الثوري، فإن مسرحيات التعلم ليست معنية بالدعوة إلى مذاهب محددة، او تقديم درس سهل الاستهلاك، أو العمل كدعاية. بدلا من ذلك، المسرحيات هي إشراك جمهور صغير في عملية التعلم.

واعتبر بريخت مسرحه التعليمي بمثابة مجموعة من "التجارب الاجتماعية"، و"تمارين الحركات" أو "جمباز عقلي" للديالكتيكيين. واعتقد بريخت ايضا ان مسرحيات التعلم سوف تحدث ثورة راديكالية في آليات المسرح. وبالتالي لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها أعمال ثانوية كما اقترح العديد من النقاد؛ بدلا من ذلك، ينبغي أن ينظر إليها على أنها أمثلة مهمة لمفهوم بريخت للمسرح السياسي. وقد عاد بريخت في الواقع إلى المسرح الملحمي مع ظهور الفاشية وظروف المنفى، لأن مسرحيات التعلم كانت قابلة للحياة فقط في سياقات كانت فيها مجموعات سياسية يمكن أن تؤديها وجمهور يمكن أن يربطها بالممارسة الثورية. في سنواته الأخيرة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية، وجه بريخت انتباهه مرة أخرى إلى مسرح التعلم واقترح أن مسرحية (التدابير المتخذة ,3) ينبغي أن تعتبر نموذجا للمسرح الثوري في المستقبل.
يتبع
--------------
مصادر ذات صلة
1. Hanns Eisler
http://www.bach-cantatas.com/Lib/Eisler-Hanns.htm
2. The Life of Galileo
Bertolt Brecht
http://www.arvindguptatoys.com/arvindgupta/lifeofgalileo.pdf
3. The
Measures Taken
http://www.socialiststories.com/liberate/The%20Measures%20Taken%20-%20Brecht.pdf
4. The Flight Over the Ocean
https://books.google.at/books?id=KrUH8vuCWKsC&pg=PA106&lpg=PA106&dq=flight+over+the+ocean+brecht&source=bl&ots=LAOAcRjMmV&sig=LiwtKXajvl6YpCph3-gHUEcRTVs&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwiD_bzDn_3TAhWFiywKHUoNB8oQ6AEILzAC#v=onepage&q=flight%20over%20the%20ocean%20brecht&f=false
5. The Baden-Baden Cantata
https://books.google.at/books?id=KrUH8vuCWKsC&pg=PA301&lpg=PA301&dq=The+Baden-Baden+Cantata+brecht&source=bl&ots=LAOAcRjNjX&sig=XIpj8dfXSJLSLZ6ttz9wD4LRLjA&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwiUor_ln_3TAhWEDiwKHV3mC7sQ6AEIMjAB#v=onepage&q=The%20Baden-Baden%20Cantata%20brecht&f=false
6. Fatzer: Downfall of an Egoist
„Der Untergang des Egoisten Johann Fatzer“ von Bertolt Brecht
http://der-neue-merker.eu/stuttgartschauspiel-nord-der-untergang-des-egoisten-johann-fatzer-von-berthold-brecht
7. The Exception and the Rule
http://www.dramaonlinelibrary.com/plays/the-exception-and-the-rule-iid-133287
8. He Who Says Yes, He Who Says No, Brecht
http://andreas-merz-raykov.de/index.php/english/he-who-says-yes-he-who-says-no/



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (33)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (32)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (31)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (30)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (29)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (28)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (27)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (26)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (25)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (24)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (23)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (22)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (21)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (20)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (19)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (18)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (17)
- انفلاب 63 وسلام عادل: مازخية-سادية وفاشية!
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (16)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (15)


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (34)