|
رؤية حالكة السواد
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 5525 - 2017 / 5 / 19 - 18:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يعنيني إن جاءت أفكاري جميلة مريحة تجلب السعادة والأمل، أم بدت بغيضة فجة. كل ما يهمني أن تعينني قدراتي على أن أكون أكثر اقتراباً من حقائق الواقع الصلبة. توصيف حالة راهنة لا يكفي وحده للتنبوء بالمستقبل. يلزمنا رصد عدة لحظات سابقة، لنتعرف على الاتجاه المستقبلي. يخسر من يراهن منا على الزمن، أملاً في تطور شعوب الشرق الأوسط. فمسيرة المنطقة الحديثة كانت محاولات استيراد حداثة بواسطة حكام وصفوة مستغربة، وضغوط خارجية وحياتية. وكان الرد الشعبي عليها في عمومه هو ما بين جمود ومقاومة وتيارات ارتدادية، إلى أن وصلنا لحالة الانكفاء الحالية. يعني هذا أن الزمن لا يلعب مع فريق الحداثة، وأن سهم حركتنا يتجه للخلف. ما يسميه البعض إرهاباً، وأخرون صحوة إسلامية، هو فيما نرى تولي شعوب الشرق الأوسط الكبير الفعل لنفسها بنفسها. تلك الشعوب التي استكانت لستة قرون لحكم الخلافة الإسلامية العثمانية، رغم بؤس أحوالها المعيشية والحضارية. ثم بعد انهيار الخلافة، وجدت حكامها الوطنيين باختلاف نوعيات نظمهم السياسية، يذهبون بها مختارين أو مجبرين باتجاه هيكل دولة وطنية حديثة، وإن كان من الطبيعي مرحلياً أن تأتي نظمهم وأداؤهم حافلة بالقصور والتشوهات، وهو ما مرت به الشعوب القابلة للتطور، وأصلحت من أحوالها ونظمها بنفسها. لكن شعوبنا سلكت طريقاً آخر بعدما يأست من سير حكامها بها إلى حيث تريد، فكان أن أفرزت تلك النخبة، التي نسميها إرهابيين وظلاميين. لتحقق لها شكل الحكم والحياة، ليس فقط الذي تؤمن به عقائدياً، ولكن أيضاً الذي أثبت التاريخ ارتياحها إليه، وانصياعها له. وهو العيش في ظل هيمنة دولة دينية مقدسة، يستشعر الفرد فيها أنه منخرط في حالة ومسيرة قد خططها الإله ذاته، وليست من صنع بشر طواغيت، اغتصبوا لأنفسهم حق ودور الإله. نظرة بنورامية على مسيرة الحضارة المعاصرة، تطلعنا على أن التقدم الحضاري الهائل للعالم الغربي، أدى لوجود مسافة كبيرة بين شعوب الشرق والغرب، تحتاج لتداركها إلى قفزة إعجازية. وجدت شعوب الشرق الأقصى نهجاً لعبور هذه الهوة الحضارية، لتصبح كجناح للحضارة الغربية المعاصرة. فيما سقطت شعوب الشرق الأوسط الكبير، محكومة بهويتها وثقافتها، غير القابلة لتجاوز حد معين من التحضر، أو بالأحرى المضادة لمسيرة التحضر، التي تتطلب مرونة التغير والتجاوز المستمر للماضي. هنا في الشرق الأوسط الكبير شعوب موقفها من الحضارة أشبه بما يعرف في الكون بالمادة السوداء، التي تبتلع الحضارة وتسحقها في أعماقها المظلمة. ووفقاً لهذا التشبيه تكون موجات هجرة الشرق أوسطيين إلى العالم الغربي، بمثابة قذائف من المادة السوداء، تسقط على الكوكب الغربي، فتبتلع حضارته في ظلماتها. رغم انتماء البشر إلى أصل واحد، إلا أن ما حدث من تطور تباينت فيه الملامح البيولوجية التي تحملها الجينات، ترتب عليه فروقاً بين مختلف السلالات، نرى بعض ملامحها ظاهرياً، ونرى بعضاً في تنوع قدرات الوعي الإنساني والقدرات العقلية والسيكولوجية الشخصية. فالوحدة التشريحية بين كل أعراق الجنس البشري لا تعني التطابق التام بين الأعراق والأفراد. اختلاف معدلات الإفرازات الهرمونية بين عرق وآخر وفرد وآخر، يترتب عليه فروقاً شاسعة، ويؤسس بيولوجياً لفردانية الإنسان الفرد unique. وما جاءت به العولمة، هو ربط جميع الأجناس والشعوب بعضهم ببعض. بحيث لم يعد متيسراً لشعب وجنس معين، أن يستمر في اتجاه حضاري، مضاد لما يطيقه ما يحيط به من شعوب وأجناس. صارت الطيور التواقة والقادرة على التحليق، مشدودة لأسفل بأغلال تربطها بأحجار تنحو دوماً للسقوط. ربما تكون البشرية بصورة عامة قد وصلت الآن لقمة جبل الحضارة الذي تطيقه، وبدأت مسيرتها نحو النزول والسقوط. فالمعضلة الراهنة هي أنه ينبغي للحفاظ على الحضارة الإنسانية، اتباع أساليب مضادة للحضارة والإنسانية. وهذا يعني السقوط المحتوم، سواء سرنا في طريق الإنقاذ، أم استمر احجامنا الراهن.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلك الليبرالية اللعينة
-
مصر لن تموت
-
رزكار عقراوي وأنا
-
معاً لدوام التخلف
-
ماذا تريد النخبة من سيادة الرئيس؟
-
لماذا أصف البرادعي بالغباء
-
رأيت فيما يرى النائم
-
في ذكرى ثورة منكفئة
-
فوبيا د. محمد البرادعي
-
سفر التكوين
-
على هامش إعادة هيكلة الاقتصاد المصري
-
د. محمد البرادعي بين الحمرة والجمرة
-
مصر وصندوق النقد الدولي
-
بئس الليبرالي أنت يا هذا!!
-
من أجل الربيع المصري القادم
-
إني أختنق
-
التعثر في دنيا التابوهات
-
صهيونية إسرائيل
-
مصر وريادة السلام
-
مع مفهوم -أمن الدولة-
المزيد.....
-
قبّل السيسي رأسه في حفل المولد النبوي.. من هو الدكتور أحمد ع
...
-
مجندات إسرائيليات على حدود مصر بقيادة جنرال أمريكي
-
الكابينيت يضع -إعادة سكان الشمال- ضمن الأهداف الرسمية وهوكشت
...
-
-النظام البدائي للرسائل المشفرة يُبقي السنوار على قيد الحياة
...
-
الحكومة البرازيلية تطلب المساعدة الدولية لمكافحة الحرائق في
...
-
أسباب نزف اللثة
-
دب روسي يعانق مؤثرة سعودية شهيرة في إحدى غابات موسكو (فيديو)
...
-
-سقطت بالتقادم والجاني اعترف-.. جريمة قتل الوسيط الدولي برنا
...
-
جهاز الخدمة السرية الأمريكي يقول إن المشتبه به في محاولة اغت
...
-
أميركا تعتقل روسيًا بتهمة تهريب تقنيات مسيّرات
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|