|
قراءة في الأوراق الإنتخابية الإسرائيلية فوز حماس !
برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 1445 - 2006 / 1 / 29 - 12:36
المحور:
القضية الفلسطينية
فاجأ فوز حركة حماس، بهذه النسبة العالية، الحلبة السياسية الاسرائيلية، مما ادى الى اندلاع جدل حاد في الأجهزة الاستخباراتية الاسرائيلية، حسب ما افادت به وسائل اعلام اسرائيلية، حول كيف أن فوزا كهذا لم يكن متوقعا، إلا ان عامل المفاجأة الأكبر وقع على الاحزاب الاسرائيلية الكبرى التي تنافس على الحكم في اسرائيل، وخاصة على حزب "كديما" الذي تمنحه استطلاعات الرأي حتى قبل ثلاثة ايام مركز الصدارة من دون منافس، وحتى ان مجموع المقاعد المتوقعة له، اكثر من مجموع الحزبين التاريخيين المتنافسين على السلطة، "العمل" و"الليكود". وحين نقول استطلاعات الرأي حتى قبل ثلاثة ايام، فإن المقصود هنا انه الآن باتت جميع احتمالات التقلبات السياسية في اسرائيل مفتوحة من جديد، حتى الانتخابات الاسرائيلية في نهاية آذار (مارس) القادم، في اعقاب نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وهذا ما سيتضح في الاسابيع القادمة ويعتمد على عدة عوامل داخلية بالاساس، وخارجية أيضا. المتغير الأول الذي سنلمسه قريبا، هو تغيير في البرامج السياسية للأحزاب الاسرائيلية الكبرى، التي لم يعد بامكانها تجاهل وجود سلطة فلسطينية جديدة بقوى لم تشارك من قبل في الحكم، ولها أجندة سياسية مختلفة عن السلطة السابقة، فحين يعلن قادة اسرائيل وقادة الأحزاب رفضهم لمفاوضة حكومة فلسطينية ترأسها حركة حماس، فإن هذا يجب ان ينعكس في نص البرنامج السياسي الذي يتحدث عن مفاوضات حول الحل الدائم، وقد تركز الاحزاب الاسرائيلية أكثر على المخططات احادية الجانب، كما جرى في عملية اخلاء مستوطنات قطاع غزة. ولكن الأمر الأكثر تأثيرا سيكون في شكل الخطاب والجدل السياسي في اسرائيل على خلفية فوز حماس، وهذا ما سيحرج احزاب اليسار والوسط، وسيزيد من حدة الخطاب اليميني في اسرائيل بزعامة حزب "الليكود" وغيره. فهناك تأثير للتقارير الدورية التي ستصدر عن أجهزة الأمن الاسرائيلية، فإن طغى على الخطاب السياسي والتقارير الأمنية عامل التخويف والترهيب للمواطن الاسرائيلي، فإن هذا سيعيد كما هائلا من الاصوات الى احزاب اليمين، بعد ان دلّت آخر الاستطلاعات، قبل فوز حماس، الى انحسار قوة اليمين في اسرائيل لصالح الوسط واليسار. كذلك فإن ما سيُحرج قوى الوسط واليسار في اسرائيل هو اغلاق الابواب كلها امام قنوات تفاوضية وحوارية مع السلطة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، وهذا أيضا سيخدم احزاب اليمين التي ترفض اصلا كل اشكال المفاوضات. في يوم الخميس، يوم ظهور النتائج، لمسنا جيدا حالة التخبط في حزبي "كديما" بصفته حزب "الوسط" الأكبر، وحزب "العمل" بصفته حزب اليسار الصهيوني الأكبر، فخلافا للتقليد السياسي الاسرائيلي فقد صمت رئيس الحكومة بالوكالة أيهود اولمرت، ولم تصدر حكومته أي بيان، إلا في منتصف ليلة اليوم التالي للانتخابات، وأجمع المحللون الاسرائيليون على ان هذا التأخير في صدور الموقف انعكاس لعامل المفاجأة الكبير، والحيرة التي اصابت اولمرت ومجموعته، وهناك من اعتبر ان اولمرت حافظ حتى الآن على نهج لم يكن فيه أي خطأ، من منظور اسرائيلي، ولهذا فإنه لم يتسرع في اطلاق موقف يكون ملزما له لاحقا. أما في حزب "العمل"، فقد بدا التعلثم واضحا على قائده الجديد عمير بيرتس، فقد صرح صباح يوم الخميس برفضه المطلق لأي مفاوضات مع حركة حماس، ولكنه في ساعات المساء تراجع، واعلن انه سيراقب كيف ستتصرف حركة حماس مستقبلا، و"على أساس هذا النهج سنقرر كيف نتعامل"، كما قال بيرتس، وعلى ما يبدو فإن الأخير تسلم نتائج استطلاعات للرأي تفيد ان نصف الاسرائيليين يقبلون بمفاوضات مع حركة حماس في قيادة السلطة. إن الأمر الاساسي الذي سيسعى له اولمرت، من أجل الحفاظ على وضعيته الانتخابية هو ضمان مظلة دولية "دافئة" لاسرائيل، ليس فقط من قبل الولايات المتحدة وادارة جورج بوش، ولكن أيضا من الاسرة الدولية، ولهذا فإن البيان الحكومي الذي صدر في ساعة متأخرة من يوم الخميس، أكد على أن اسرائيل ستواصل التنسيق مع الولايات المتحدة والاسرة الدولية، في كيفية التعامل مع التطورات الحاصلة على الساحة الفلسطينية. إن الكرة الآن، كما هي دائما، موجودة في الملعب الاسرائيلي، وفقط لديه، كونه أصل المشكلة والقضية، باحتلاله الاراضي الفلسطينية، فهو الذي بدأ بالاحتلال وهو الذي عليه ان ينهيه، وحتى الهدوء الأمني النسبي فإنه بيد اسرائيل وحدها، فإن قررت العودة للتصعيد فهي تعرف الوسائل السريعة لإثارة الفصائل والمجموعات المسلحة. إلا أن التصعيد الأمني من جهة اسرائيل سيكون في هذه المرحلة مرهونا باعتبارات انتخابية سياسية، فأي تصعيد عسكري حالي قد تعرف اسرائيل كيف تبدأ به، ولكنها لا تستطيع معرفة كيفية تطوره، وهذا لن يخدم حزب "كديما" المسيطر على الحكومة في هذه المرحلة، كونه سيعزز خطاب اليمين الاسرائيلي الزاعم ان اخلاء مستوطنات قطاع غزة هو الذي قاد الى فوز حركة حماس. وتتوقع جهات أمنية اسرائيلية عليا، والى جانبها بعض المحللين العسكريين في اسرائيل ان فوز حماس، حتى قبل معرفة فوزها بالأكثرية المطلقة، سيجعل الحركة تعيد حساباتها الأمنية، "وتشعر بمسؤولية أكبر تجاه الجمهور الفلسطيني الذي يسعى أيضا لتأمين احتياجاته اليومية"، حسب ما جاء في أحد التقارير، وهذا ما يدفعها الى الاستمرار في اجواء التهدئة، ويعتقد بعض المحللين الاسرائيليين، ان اجواء التهدئة هي من الاسباب التي ساهمت في فوز حركة حماس. في المحصلة؛ فإن الحملة الانتخابية الاسرائيلية تفتح صفحة جديدة الآن، ولم تكن أي حملة انتخابية في اسرائيل من قبل، قد واجهها هذا الكم من المفاجآت، بدءا من انشقاق اريئيل شارون عن الحزب الذي أسسه، ليشكل حزبا جديدا، مرورا بسقوطه على فراش المرض، الذي لن يقوم منه الى الحلبة السياسية، على الاقل، ثم نتائج الانتخابات الفلسطينية التي باغتت الجميع، ولكن المفاجآت لن تنتهي، وقد تأتي أيضا من الساحة الفلسطينية، فالانتخابات الاسرائيلية ستجري بعد شهرين من الآن، وخلال هذه الفترة من المفترض ان تتشكل الحكومة الفلسطينية وتبدأ بممارسة نشاطها، والخطاب الصادر من هناك سيعكس نفسه أيضا على الساحة الاسرائيلية. إن اسرائيل لم تقف محايدة في هذه الانتخابات، وهذه اشارة يجب الوقوف عندها، فعناق الدببة الذي عانقته، بمنتهى الخبث، لكل الخصوم السياسيين لحركة حماس، ساهم هو أيضا في صنع النتيجة، وإذ تدعي اسرائيل اليوم ان الأجندة السياسية لحركة حماس ترفض مفاوضات مع اسرائيل، وان الشعب الفلسطيني اختار هذه الأجندة، فإن هذا الشعب رافق المفاوضات منذ أكثر من 12 عاما، واسرائيل نفسها هي التي صدّت جميع الأبواب، ودبت اليأس من العملية السياسية.
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في حلبة أصوات العلمانيين والأصوات العائمة اسدال الستارة عن ش
...
-
الليكود والعمل: استبعاد الجنرالات وقلة الشرقيين
-
العامل الطائفي اليهودي والإنتخابات الإسرائيلية
-
حول الأجندة السياسية ليهود أولمرت
-
موسم- تفشي مظاهر الفساد.. الانتخابات الاسرائيلية: مال واعلام
...
-
حالة قلاقل جديدة غياب شارون لا يغيب برنامجه السياسي
-
رصيد كديما كان مبنيا على شخص شارون بعد 47 يوما على تأسيسسه:
...
-
اصوات قرقعة طبول الحرب التي لم تهدأ منذ 58 عاما عقلية الحرب
...
-
نتنياهو ورث الليكود كما سلّمه لشارون
-
فوز نتنياهو في الليكود يعزز مكانة شارون
-
انتخابات على الطراز الشاروني
-
تراجع حزب العمل استطلاعيا امام عملية نتانيا والأزمة القيادية
-
شارون بحاجة لأكثر من حزبين يشاركانه الحكم ليقيم حكومة ثابتة
-
سنشهد تقلبات في نتائج الاستطلاعات اسرائيل مقبلة على بعثرة خا
...
-
ملاحظات اولية على انشقاق شارون
-
فوز بيرتس لا يعكس تحولا اجتماعيا في اسرائيل
-
عمير بيرتس بين عفريت الطائفية وعفريت بيرس ملاحظات سريعة على
...
-
من قتل رابين ولماذا؟
-
ابنهما يجب ان يعيش الاحتلال قتل أحمد فأصبح أكثر
-
ماذا تريدون مني، هأنا انسحبت من قطاع غزة شارون وأزماته المفت
...
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|