أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نغم المسلماني - بقايا نقود














المزيد.....

بقايا نقود


نغم المسلماني

الحوار المتمدن-العدد: 5521 - 2017 / 5 / 15 - 17:09
المحور: الادب والفن
    


كما في كل مرة أخرج حاملة تقصيري وعجزي! فلم يكن بسيطاً كما ظننته بل مزيجا فنيا توشجت جزيئاته بمعاني الإيثار...
ذلك المنزل وتلك المرأة التي لم يغب طيف وجهها عن مخيلتي!!!
كيف جلست قربي بكل هدوء.. لم تنبس ببنت شفة ولم تظهر جزعاً او ندما، أمعنت النظر في عينيها مراراً وتكراراً؛ فلم أرى إلا بقايا ذرات ألم مصهورة بالرضا، وكأنها لا تحمل ما تهاوت الروح لثقله.
حاولت عند هذا المشهد أن اكسر قيود حيرتي.. فتجرأت وسألتها عن أحوالها؛ فلم تجبني الا بكلمة...
ـــ " الحمد لله ".
فأردفتُ منفعلة...
ـــ " أ لم تعارضيه؟ أ لم تمانعي التحاقه بالموت؟! ".
أجابتني بصوت قنوع انسجم مع صوت القرآن الذي ملأ فضاء منزلها...
ـــ " نعم؛ كنت أخشى عليه الموت.. لكنني لم أمانعه، هو زوجي ورفيق لحظات سعادتي وحزني، عشت معه (25) عاماً ".
قاطعت كلامها مستهجنة هذا الهدوء الذي يتملكها منذ دخولنا...
ـــ " إذاً.. أنى لكِ هذا السكون والرضا؟ أ لم تحبيه؟ أ لم تتألمي لفراقه؟ أم أنكِ لا تفتقدينه؟، أ لم......؟؟ "
صَمتُ حين رأيت دموعها امتزجت بنظرات العتاب، فلم أقصد إيذائها، وجل ما أردتهُ أن أفهم فقط، كيف لزوجة أن تزج زوجها للموت وهي قانعة راضية؟!.
وضعت يدي على كتفها؛ أربت عليه وأواسيها معتذرة، فتركتني جالسة أسيرة ندمي؛ ونهضت تطمئن على ولدها في الغرفة المجاورة قبل ذهابه الى المدرسة، ثم عادت ترحب بي بابتسامة طيبة، وهكذا دواليك كل بضع دقائق معللة أن لديه امتحان صعب اليوم!.
وفي أحدى المرات عادت تحمل شيئاً داكن اللون! تشد عليه بقوة كأنها تخشى فقدانه!
ـــ ترى ما أهمية ذلك السر القابع بين يديها؟ بهذه الكلمات تمتمت روحي، وما هي إلا لحظات معدودة حتى جلست تهدم أسوار حيرتي قائلة...
ـــ انظري.. هذا ما كان يحمله في جيبه عند استشهاده.
قالت ذلك، وهي توصيني أن أمسكه برفق قبل أن تفلت يدها!.
لم أكن أعرف أهمية ما استأمنتني عليه، فسابقت النظر لأفهم سر تعلقها بهذه الأوراق المهترئة والمتصبغة؛ فضلاً عن الثقب الذي توسطها، فإذا بها ورقة تحمل نص فتوى الجهاد المقدس وآية الكرسي وبعض نقود، تعفرت جميعها بدمائه!.
فتحتُ طياتها لأراها وأتشرف بحمل هذا الوسام العظيــــــــــــم، فكانت مرتبة الواحدة خلف الأخرى في جيبه عند استشهاده.
وبينما أنا أقلبها ببالغ الأهميـــــــــــــــــــة والحذر بعد أن نقلت الي عدوى الخوف على مكنوناتها، استرسلت بحديثها المسامر الذي خامره الفخر والزهو، لتخبرني بأن زوجها كان يحمل هذه الأشيــــــــــاء أينما حل وأرتحل، يحفظها في جيب قميصـــــــــــه ، فاخترقتها الرصاصة تباعاً، بدءاً بآية الكرسي ثم نص الفتوى وتوجيهات المرجعية وبهذه الوريقات النقدية؛ حتى وصلت الى قلبه النقي، ثم ومن دون وعيٍ منها أخذت أحداها من يدي لتسد رمق شوقها وتقول...
ـــ وأنا احتفظت بها لولدي " علي " كي تكون له وسام شرف وإرث مقدس من أبيه .
وأكملت كلامها بعد صمتٍ قصير لم يتجاوز بضع ثواني:
ـــ كان رافد رجلاً طيباً مترفعاً عن الأخطاء؛ باراً بوالدته التي لم تتقبل فكرة ابتعادها عنه حتى بعد زواجه فاختارته من بين أولادها الثلاثة لتسكن معه، " نعم... الفراق مؤلم؛ لكن الذلة والتخاذل أكثر إيلاماً ".. هذا ما تعلمته من رافد، نعم.. أشتاق دوماً لوجوده بيننا.. بيد أنني لست نادمة على عدم ممانعتي له، ولن أفكر بما فعلته بنا الأقدار، بل افكر بما سنفعله لنهزمها؛ ونقلب المعادلة من هزيمة نكراء الى عزةٍ غراء، لقد رجفت جفون الموت بجراحه وتخّلد عمله الحسن.. لذا عاهدتُ نفسي أن أكون مرآته وأحفظ وصيته ما حييت، سأكون كما أرادني دوماً ابنة بارة لوالدته وأماً حنونة لولده.
خرجتُ من منزلها حاملة أوراقي، أدون هزيمة ذهولي بحبر انتصاراتها، كأننـــــــــــــــــــــــي ولدت من جديـــــــــــــــــد! أو أفقت بعد غيبوبة طويلة! هكذا يجب أن نكون... ولو كنا كذلك لاعتلينا جبال الظفر بالصبر.



#نغم_المسلماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزل بلا روح
- شراكة من نوع خاص
- خلف العتمة
- كلمة واحدة لا تكفي
- طوق ذهبي
- اعترافات خفية


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نغم المسلماني - بقايا نقود