|
الموصل،المعركة الانشطارية التي أريد لها ان لاتنتهي
حسين محمد العنگود
الحوار المتمدن-العدد: 5520 - 2017 / 5 / 14 - 23:13
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
رغم التصريح الذي اطلقه الرئيس الاميركي باراك اوباما بداية استيلاء تنظيم الدولة داعش على ثلث العراق في الثلث الاول من حزيران 2014 :ان هذه المعركة ستسمر ثلاث سنوات.الا ان المؤشرات جميعها لاتشير الى نهاية قريبة لهذه الكارثة التي تظافرت اسباب كثيرة لتطيل امدها الى زمن لايمكن التكهن به ابدا، انها معركة الموصل، البؤرة الاكثر توترا في العالم! والتي رغبت بان اطلق عليها اسم المعركة الانشطارية ، واعني بذلك امتلاكها القدرة على التاثير والتاثر، التاثير بكل اصقاع الكرة الارضية ،والتاثر بكل حمى تحدث في هذه الاصقاع ،وهي تنشطر تباعا لتوزع اعراض وبائها الذي اصيبت به على جميع الاماكن التي كانت فيما مضى تحفل بأمن وسلام رفيعين .لااتحدث عن صراع الحضارات، لكن هذا الموضوع تحديدا، ساركنه الى الرّف قريبا من متناول اليد، ولن اهمله أبدا، فاسباب كثيرة تغريني بتناوله لاحقا ،ربما في بحث اخر، ذلك اني امتلك قطافا دسما هذه المرة ،من تصريحات امراء الحروب المعاصرة من سادة العالم الجدد، على ضوء ماوصلنا من تراجم لوثائق مهمة تاخر نشرها تتناول صراعاتهم السرية داخل غرف القرارات الكبرى واعني الولع الديني في الحرب على الارهاب او اسطرة الحرب على الارهاب او الهوس الديني الذي استولى على بوش الابن وصاحبة طوني بلير في الأيام التي تلت حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 .
اقول :ليس الهوس الديني وحده، لكنّها الاخطاء الفادحة في المنهج السياسي العراقي الحديث، بعد فترة الاحتلال، و التي تظافرت لولادة التنظيمات المتطرفة الاكثر ضراوة على الاطلاق، في العراق نشأت الفكرة ،ومن العراق انتشر الوباء الى العالم باكمله، حتى تحولت ملعقة الطعام في وجبات المسافرين على متن الطائرات الى نصل جارح بيد اي مسافر يتظاهر بالوداعة في المقعد المقابل. لم يعرف العالم حدثا خلّف دويا كونيا هائلا - باستثناء حادثة برجا التجارة العالميين - مثل حدث الخبر العاجل الذي اعلن استيلاء تنظيم الدولة داعش ، على ثلث العراق في ليلة واحدة، الحدث الذي وضع التجربة الامريكية في العراق موضع الفشل، عبركل ماانفقته من انفس واموال ارهقت الخزين النفطي العراقي وبيت المال الامريكي على حد سواء،التحالف السري الخطير بين المنهج الخطأ والعنف ،الذي ساعد في حصول ماحصل ليلة التاسع من حزيران ،لتسارع وكالات الانباء العالمية لاهمال كل اخبارها والتفرغ للحدث الاهم ،كيان جديد يحتل جزءا من الكرة الارضية دون اعلان مسبق، وقد تحول عناصره فجأة من (الارهاب المقطر)1 الذي كان يسكب قطراته المخيفة بجرعات ضئيلة جدا على تخوم ارض الرافدين وبلاد الشام ليتحول بعد ذلك، كل شيء في هذا العالم تدريجيا الى طرد مفخخ. لقد شهدنا حدوث الحدث الذي كان لابد ان يحدث، بعد مرور سنوات كثيرة مترفة بالعنف اليومي التدريجي ،الذي لكثر تكراره اخذ شكل العادي، حتى لم يعد يشكل مقتل مجموعة مواطنين اثر انفجار عبوة ديناميت في حافلتهم ،اي اغراء لوسائل الاعلام المحلية فيما تنشغل باعلان تافه يتعلق بتصدر عطر جديد قائمة المبيعات في اسواق العالم. رغم يقيني الثابت، ان طروحاتي هذه لن تروق للكثيرين من اصحاب العقول المنقادة بالعواطف والمنافع الشخصية، وينطبق ذلك بوجه خاص على الفئة التي رغبت ان تكون بمثابة اذرع لاصحاب النفوذ بدافع الرغبة والرهبة الّذان يشكلهما على نحو خاص، ضيق الافق. الّا أنّ مايغريني بالكتابة، هو يقيني الخالص ، بأن هناك هاجسا استولى على عقول الناس، بالاخص في الآونة الاخيرة،يؤمنون عبره، بحتمية انه لابد ان تكون هناك طريقة افضل للتعامل مع الكارثة، وانه لابد من اكتشاف مسار مختلف، يتجه مباشرة الى الهدف ،غير هذا المسار الذي يراهنون على اخفاقه جميعا، دون ان يعلنوا ذلك .وبصدد هذا ،آمل ان اشير بدقة الى الاتجاه الصحيح، لاجل تجنب المزيد من الوجع اليومي، الذي خلفته الاخطاء المفزعة والباهضة التكلفة! كان لابد من قراءة واعية ،تتسم بالحكمة والهدوء، لأجل فهم الاسباب التي أدت الى هذا العصف الذي ارهق اذهان المحللين في شتى بقاع العالم، وكان لابد من اصغاء مجتمعي لنتائج قراءة تلك العقول،الا ان تآمرا خفيا ،حدث ويحدث يوميا بفعل الصراع القائم بين العقل والعاطفة، ادى الى رفض شامل، لكل فكرة من شأنها ان تقترب من الحوار المجدي، ولم يكن غير ذلك سوى اذعان جماعي للصدمات المتعاقبة عبر نشرات الاخبار
نعود،لم تكن كارثة الموصل وليدة التاسع من حزيران عام 2014 - تاريخ الأعلان عن استيلاء تنظيم الدولة داعش على مدينة الموصل كاملة على يد اربعة الاف من عناصره كما أعلن آنذاك - كما يتم تداوله في الخطابات ،فهذه المعلومة تتجافى مع الحقيقة التي كنا نشهدها يوميا ،في الواقع لم تتعافى الموصل منذ عام 2004 عندما نشأت اولى فصائل المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الامريكي التي تطورت فيما بعد لتنشطر الى فصائل اتخذت اشكالا دينية لسناا بصدد احصائها هنا ونكتفي بالاشارة الى تنظيم القاعدة الذي انضوت الكثير منها تحت خيمته، وتلاه فيما بعد تنظيم الدولة الاسلامية داعش الذي سحب البساط من تحت قادة القاعدة ليطمرها تدريجيا في رفوف النسيان ، وبقيت هذه المدينة العريقة العتيقة الناعمة ذات الثمانية الاف عام - اسسها الملك نينوس 6000 ق.م وحملت اسمه - تترنح تحت وطأة الجماعات المتصارعة على ارضها ،فالذي كان يحدث طيلة العشر سنوات المنصرمة اشبه بحرب طويلة الامد ارهقت المدينة وكبدتها مالايحصى من الدماء والاموال ،ولقد كان كل شيء يبدوا وكانه قد اعد سلفا لاجل الكارثة الاخيرة ولكي نعزز قولنا هذا لابد ان نقرأ تصريح السيد دونلدرامسفيلد وزير الدفاع ابان حقبة بوش حين قال عام 2005(ان التمرد في العراق قد يستمر اثني عشر عاما) فمالذي يجري!!! استفحلت المشكلة عندما اعاد المالكي وصحبه نسخة بريمر الفاشلة التي شكلت عاملا مهما في التمرد الذي اندلع بعد الاحتلال ،عبر استهداف كل مايعتقد وفقا للظنون ،انه ضد مشروعه المريب ، فالمالكي وصحبه لايرغبون بالصحو من صداعهم الثأري، وقد اصيبوا بفنتازيا الماركيز دو ساد المتمثلة في البحث عن ضحية لاتلين بحيث يمكن تعذيبها على الدوام ،(طريدة كونية )كما يصف يوليسيس في ترويلوس وكريسيدا عند شكبير،فالمشكلة في الضحية المتهالكة هي انها لاتسطيع ان تصبح شاهدا على تفوقك .وهكذا تم الشروع بتكديس حجة فوق حجة للنيل من الخصوم ،وهكذا استمر النزال السري غير المتكافؤ بين المتسلط الجديد والخصوم الافتراضيين طيلة فترة تولي المالكي رئاسة الحكومة والجيش والامن بيد واحدة مما ادى الى ايقاد اول فتيل لانتفاضة شعبية عارمة ابتدأت في خاصرة العراق الغربية قبل ان تتوزع على سائر المدن السنية تحديدا وكتفسير واضح وجلي جائت هذه الانتفاضات نتيجة سلسلة اجراءات تعسفية شديدة التعقيد ،تخللتها اعتقالات عشوائية ،واجتثاث ممنهج لمواطنين كان خطأهم الوحيد انهم كانوا افرادا في المؤسسات المدنية والعسكرية التي قام بول بريمر بحلّها كاجراء وقائي حسب تعبيره، هذاهو السبب الحقيقي لولادة الانتفاضات آنذاك، وليس كما يزعم المتشددون في الضفة الاخرى عبر اعلامهم الممنهج لرش الضباب على العيون، ولقد خلف هذا المنهج الخاطيء كل ماتلاه من كوارث حيث شهدنا نزعة الثأر تتأصل والنقمة تنمو ببطيء ،غير اننا حسبناها انقضت بزوال منظرها الاصلي المالكي وصحبه، لكننا اخطانا الحساب اذن ،بعد ان اكتشفنا انها لازالت تمكث بيننا ،مختفية برداء اخر في سلفه الذي لايقل عنه بغضا لكل شيء سالف، ماخلا وداعته التي تمنحه انطباعا ايجابيا ،على الاقل لدى الفئة التي تتاثر عاطفيا بجماليات الخطاب المتلفز. ان مجرد وسم المعارضين بالاعداء، يشكل دعوة شفافة لهم للانضمام الى ضفة الخصوم ، وهذا ماتم بالفعل !بعد ان تم قضم الحقوق والحريات على نحو منهجي تحت ذريعة الحرب على الارهاب ،وهذا مالتقطه الليبراليون مبكرا فعزّزوا دور التظاهر في ساحة التحرير، وقد تم ضربهم مرارا، لكن وثوب التيار الصدري الاكثر شراسة الى الساحة، حجّم من دور القمع الحكومي للتظاهرات.انّ وخم الفريسة الذي زكم انوف المراقبين، يذكرنا باحلك اللحظات التي قرأنا عنها ولم نشهدها سالفا ، وكم اشعر بالالم والاحباط الشديدين، وانا اتابع المتحدث باسم الحكومة وهو يصرح بكلام غير منضبط عن الابرياء في المدن التي قضمت من خارطة العراق بتواطؤ من حكومة العراق في معرض اتهامه لهم الحواضن ،كتبرير واطيء الكلفة للفشل الحكومي آنذاك ،لاتذكراؤلئك الذين سعوا في عهد المالكي الى تكثيف الحملات ضد المدنيين في نينوى تحديدا ، وافرطو باستعمال القوة ومارافقها من عمليات اختطاف وابتزاز بعد تجهيز التهم الكيدية الباطلة مما عزز معسكرات الخصوم بالكثير من اللذين كانوا مسالمين. من الخطأ ادانة هذه الانتفاضات ،ونعتها بصفات مناطقية او بعثية او ارهابية، او نعتها باسماء كثيرة اترفت قاموس البذائة العراقية الجديد ،بمفردات كانت لها القدرة على تنمية معسكر الخصوم بالمزيد من الافراد الذين شعروا باليأس والاحباط والرعب من الوعود المخيفة التي اطلقتها الحكومة عبر اعلام ممنهج ،تتوعدهم فيه بالويل والثبور حال تمكنها منهم. وان انطباعنا المبكر للوضع الحالي تؤكد لنا ان التهام هذا المفهوم عسيرا للغاية عند الاغلبية المصرة على الخراب الدائم ايضا ،ولكن الايحق لنا نقل التساول المقنع حول فيما اذا كان بالامكان النظر الى الانتفاضة التسعينية في جنوب العراق ضد السلطة انذاك بنفس وجهة النظر مثلا،تساؤل معقول جدا، فنفس التبريرات المطروحة لقيام فئات من الشعب بالتظاهر ضد السلطة بدافع المظلومية آنذاك ،تنطبق على هؤلاء من وجهة نظر المراقبين الذين يقفون في المنطقة الوسط لاجل رؤية الامور بشكل محايد وموضوعي ورصين ،ولو تطرقنا قليلا الى بعض الأراء التي تتهم الانتفاضة الاخيرة باستهداف الجنود، وهذا امر لازال معلقا في رفوف المحاكم للبت في دقته، فهناك ايضا حقائق موثقة تبثت مقتل اعدادا كبيرة من الجنود او رجال الحزب والامن على يد المنتفضين ابان الانتفاضة الجنوبية آنذاك و التي انبثقت ضد السلطة في تسعينيات القرن الماضي. لقد تطرقت لمايشبه هذا في مقال سابق، قلت فيه ان السلطة السابقة في العراق ،ناضلت وبشراسة لاقتلاع حزب الدعوة من العراق ،حتى صار مجرد ذكر هذا الاسم سيقضي على حياتك بسهولة، مما دفع الناس آنذاك للاعتقاد، ان هذا الحزب قد انقرض نهائيا بسبب حجم الضحايا الذين استهدفتهم السلطة انذاك ،الا ان كل هذه الاعتقادات قد خمدت في العام الاول لاحتلال العراق، عندما كاد العراق كله ان يتحول الى دعويّا وقد استولى حزب الدعوة على السلطة ومد اذرعه في اماكن بعيدة ايضا حتى صار يشاكس الحلم القومي، وعبر هذه الحصيلة المدهشة يمكننا القول ايضا ان محاولات المالكي لاعادة تدوير نفس الخطأ تجاه حزب البعث ، سيفضي الى نتائج خاسرة ايضا ،لانه وبكل بساطة لايمكن على الاطلاق اقتلاع اي تنظيم فكري، مهما كانت اساليب هذا الاقتلاع، الا ان المالكي لم يصغي، لانه ،وبكل بساطة ايضا ،لازال مصابا بصداعه الثأري، حتى حول خصومه الى ضفة المعارضة ،التي تطورت تدريجيا ،وحولت الكثير منهم الى منطق الوحوش، الذي خلف نتيجة اذهلت العالم عندما قام تنظيم داعش وباسلحة بدائية بقضم ثلث خارطة البلد. لقد كان المنتفضون محاصرون بين خبارين لاثالث لهما، اما الخضوع للنظام الجديد ،المعزز بمنطق السلطة الضاري الذي قرر اجتثاثهم من جميع مؤسسات الدولة، ورافقته ايضا مطاردات امنية دون اي تبرير، باستثناء انتمائهم للحقبة السالفة ،واما التلاشي نهائيا ،وقد غادر بعضهم البلد بحثا عن ملجأ آمن لعائلته ،فيما غادر ابعض الآخر الحياة نهائيا على اثر امراض مختلفة، تراكمت فجاة بسبب العوز والقلق والرعب والاحباط، الا ان تسلل التيارات الدينية المتطرفة الى العراق ،بفعل انعدام الامن والعدالة وهشاشة الدولة قد اضاف خيارا ثالثا لامس الكبرياء الجريح والكرامة المهددة للكثير من هؤلاء الناس اللذين لم يغادروا العراق، فتسلل البعض منهم خلاله الى هذه التيارات بفعل دوافع عديدة وبفعل النتائج المحبطة للخيارين الاوليين. لابد لي هنا ان اعود الى الاستاذ جان بودريار(ان ثقافة اضاعت قيمها، لاتستطيع الا ان تنتقم من قيم الثقافات الاخرى ،وحتى الحروب، تهدف اولا فيما وراء الاستراتيجيات السياسية أوالاقتصادية الى تطبيع الوحشية، وعلى ارغام الاراضي كلها على الخضوع، الهدف هو تقليص كل منطقة عاصية، واستعمار واستخدام كل الفضاءات البكر ،سواء في الفضاء الجغرافي اوفي العالم الذهني)2 هذا ماانتجه المالكي وصحبه ، وهذا الذي لازلنا ندور في فلكه، ونحن راضخين لمنطق النزوح والقتل اليومي، بلا اي امل - يلوح في الافق - يحدثنا عن عراق خال من الشواب ،وصالح للعيش بسلام. لست هنا بدافع التبرير للافعال التي اتخذت اشكالا متباينة من المسميات، ولست محرجا من هذا التبرير لو كنت ارغب بانتهاجه، لكني هنا ابين الاسباب التي تفضي الى الحلول الدائمة وقد سئمنا من تدوير الكوارث التي كبدتنا المزيد من الدماء والاموال ،فهل فهمتم مااقول!!!.
فكرة العنف الارهاب صناعة، متقنة، منسوجة بمهارة فائقة ،تتلخص اسبابها في النيل من الخصوم بشراسة بالغة ،لاسباب عدة ،لايمكن ابدا الاكتفاء باضفاء صفات وحشية على اتباعها، دون البحث بموضوعية عن الاسباب التي حولت هؤلاء الناس تدريجيا من الألفة الى التوحش، فجميع اللذين انتموا الى التنظيمات المتطرفة هم عصارة مجتمعات مختلفة ولم يهبطوا علينا من كوكب آخر، اليس كذلك! لايقتصر الامر على مجموعة من المنبوذين اجتماعيا، فقد نجد الكثير من هؤلاء قدحازوا على شهادات عليا ،وقد افاد كثير من معارفهم بحسن خلقهم وهدوئهم فيما مضى، فماتلك القوة السحرية التي سحبت من ارواحهم ؟واود هنا الاشارة الى تسائل الأستاذ (بودريار)3 عن السبب الذي يدفع اشخاصا لاينتمون الى دولة معينة الى المشاركة في العنف في دولة اخرى لاتجمعهم بها اية مشتركات؟ ونحن هنا نتسائل عن هذا السبب ايضا يحدونا الامل ان تشاركونا ايضا هذا التساءل الخطير. في روميو وجوليت ،يقول شكسبير: اذا فشل كل شيء فاني امتلك القدروة على الموت، فاذا بدا الجسد تافها بالقياس الى روائع الروح ،فان تجريد الاخرين من اجسادهم يظهر على انه اقل من جريمة، بمعنى انه كلما انخفضت قيمة العالم بالنسبة لك، فسيكون بأمكانك فرض ارادتك على العالم، فمن العسير القضاء على ميت مسبقا! لذلك( يستطيع المحرومون ان يموتوا باحساس أقل بالاسف بما انهم لايملكون سوى القليل كي يخسروه )كما يقول تيري ايجلتون في ارهابه المقدس4* ليس هناك حربا اخطر من الحرب التي يقاتلنا فيها الخصوم بموتهم، فهم يحملون حنينا سريا للتخلص من خطاياهم التي فهموا عبر ادبياتهم ان التخلص منها لايأتي الا عبر الاسراع بفناء الجسد، الا ان رواسب هذه الخطايا بدات فعلا بالذوبان لتعطي اكلها تدريجيا من خلال قدرتهم على صناعة خلفاء جدد كلما انقرض حشد من القدماء منهم ،قد يتسم هذا التحليل على شيء من الخطر، بالاخص، عندما تتركز رغبتنا باقتلاع الورم دون التمعن بالاسباب التي استفحل من خلالها هذا الورم ، نحتاج الى جرعة من هذا الخطر اذا اردنا فعلا التخلص من هذا الخراب الدائم، ايها الاخوة :نحتاج الى وعي مجردا من العواطف والحزن الصناعي، لنقنع انفسنا بان من يتفنن بتقطيع اضلاعه مع سبق الاصرار والترصد، لايابه كثيرا بخطابنا الاتهامي له ،لانه وبكل بساطة تجرد من دافع الخوف والخجل والرعب من الموت على ايدينا بعد ان امتلك قرار انهاء حياته بيده، لقد اغتصبوا أذن هذا الامتياز الالهي (سلب الروح )اي انهم يمارسون عملية تقطبع اضلاعهم بانفسهم ،و لم يكتفوا بذلك! بل انهم شرعوا يصادرون احقيتنا في ان نكون احرارا في معانقة موتنا بعد ان بعثهم حظنا العاثر ليدفعونا الى قبورنا بخفة. انهم ماعادوا يكتفون بتغيير المنهج الحاكم في العراق، والذي لابد من الاعترف انه حجر الاساس لبنيان العنف الذي شهد رضاعته هناك ،ليكمل دورة حياته في الاماكن التي ينتقيها لاحقا وفقا لمشيئته، بل ان مطالبه اخذت بالتسلق الى انتزاع عروش قادة العالم !هذا التحول المفاجي في منطقية التاريخ ،اذا كان هناك ثمة منطق في التاريخ، رافقته طفرات مدهشة ادت الى ظهور بعض النماذج التي ارتقت فجأة تحت سلطة الحظ ايضا من مناطق آسنة الى مراتب عليا كقيادات محلية شعبية لمقاتلة الارهاب، تتحكم بمصائر الملايين من الناس، ماساعد ايضا على استيقاظ العنف من غفوته متى واين ماشاء، لقد فلت العنف من قبضة العالم وصار يهيم على وجهه، مربكا اكثر المناطق امنا ،حتى تحول كل طرد بريدي الى حشوة ديناميت! لقد تظافرت اسباب عديدة لتحويل هذه الكائنات التي لم تهبط علينا من المجرّات ، الى حزمة اشرار، ولابد لنا اولا ان نتفحص مكامن الخطر منذ نشوءه -- اذا ماستثنينا تجربة افغانستان -- على اعتبار ان تنظيم داعش قد نشا في العراق، وليس في سوريا كما يعتقد السيد العبادي واخرين ،مع الاعتراف ان داعش هو انشطار من القاعدة التي يشاطرها المعتقد، وان كان اكثر شراسة منها،اذن كانت عملية انشطارهما في العراق، وقد كان العراق لعدة اسباب ارضا خصبة لنمو هذا التنظيم الفتّاك، اولها الاحتلال الامريكي له دون تأييد أممي،وثانيها غياب الرؤية والوعي السياسي لدى الحكومة التي شكلها بريمر بداية اعتلائه عرش البلد المحتل وثالثها الخمول الذي اصاب مؤسسات البلد بفعل هذه الهزّة الكونية التي حولته الى بلد ضامر ممتنع عن الشفاء والنمو، وذلك لغياب الرؤية والنضوج لدى اللذين يمتلكون القرار السياسي والامني بالاخص في العراق الذي لازالت تجربته فتية او بشكل اكثر دقة ضامر ويمتنع عن النمو،ويمكننا ملاحظة ذلك وهو يبدوا بجلاء عبر سلوك الحكومة العراقية واعضاء برلمانها اللذين صاروا مادة يومية للسخرية بالنسبة للاعلام المجتمعي على اقل تقدير التحالف الدولي ضد الارهاب في الوقت الذي شرع يعلو وقع الخف العسكري الامريكي على منطقة الشرق الادنى،اجتمع اقوياء العالم اخيرا للتوقيع على معاهدة يعلنون فيها بصوت واحد ابتداء حلقة ليس لها نهاية ،وفقا لمفهوم الهندسة نعتوها باسم الحرب على الارهاب، والهدف هو عدو غير مرئي تجمعهم هواجس عديدة اهمها حلول فرصة الانقضاض على الخصوم والمنافسين على حد سواء،تحت ذريعة الحرب على الارهاب، متفقين ضمنيا على استهداف كل شيء باستثناء الهدف الاصلي الذي اجتمعوا لاجله على اعتبار ان زواله سيمحوا معه كل تبرير لوجود هذا التحالف. ان هناك خلل مخيف يكمن في الهالة الاعلامية الفخمة للتحالف الدولي كما يسميه الاستاذ الاتحاد المقدس ضد الارهاب ،يتلخص هذا القلق العام في كمية الاحباط التي استولت على الراي العام بفعل هذه الحرب الشبحية العسيرة على المقارنة والوصف والفهم والتحليل ،مايعتبره بوديار (الحرب التي لاتجرأ حتى على اعلان هدفها الحقيقي )5اذ نتسائل ببالغ الدهشة والارتياب ، ان كنا بالفعل نحتاج الى هذه الكمية الكبيرة من الاساطيل العسكرية لقتال مجموعة منفلتة لطالما نعتناها (بالجرذان) كما يحلو للمتحدث باسم الجيش العراقي او الخارجين عن القانون ،والتي طالما تؤكد دوائر الاستخبارات الغربية على محدودية اعدادهم ايضا، وللاستاذ بودريار راي مشابه يدعم راينا هذا في كتابة يقول فيه( ان كافة الاستراتيجيات الامنية ليست الا امتدادا للارهاب والانتصار الحقيقي للارهاب يتمثل في انه استطاع ان يغرق الغرب كله في هوس امني اي في شكل مموه من الارهاب المستمر)6) ان اكثر اخفاقات العالم هو عدم التهيا للخطوة التالية او فهمها وان الاشارة الى نواقص ومثالب فكرة معينة سيكون قاصرا ويفتقد الى الجدوى ان لم يرافقه تقديم فكرة بديلة او حلول ناجعه لذلك نلاحظ تجنبا واضحا للااقتراب من الهداف امعنية تحديدا استئسادا سائدا على الافراد اللذين يفتقدون الى القدرة على الرد الا انه سيعزز من موقع اؤلئك الذين لايملكون سوى حس قليل بالتاريخ واستعداد اقل للاصغاء الى الشكاوي والمظالم التاريخيه، وانه مامن حلول اكيدة مرتقبة تلوح في الافق عبر هذه الحرب التي بدت واضحة انها اعدت سلفا لاسباب اخرى تقتنص كل ماحول الهدف المحدد دون ان تقترب منه هو تحديدا فامريكا المهووسة بانتقاء خصم غير مرئي او هدف للفتك بمن يضمرون النية لعدم تاايدها او للفتك بالخصوم المفترضون نقلت عدوى رغباتها المضمرة هذه الى حلفائها المحليون الذين بدأت تظهر اعراض هذا الوباء في سلوكياتهم اليومية امام مرأى الاعلام بشكل جلي والحال انه تفسير خاطيء للارهاب ان نعده امرا تدميريا بحتا فقط ونكتفي بذلك حتى نذهب جميعا الى فنائنا التدريجي.. لايحتاج المواطن العادي الى مرجعية ثقافية في السياسات الدولية لكي يكتشف عمليتي المد والجزر المرافقتين لمزاج التحالفات الدولية للحرب على الارهاب ،فبكل بساطة صار بامكان هذا المواطن العادي ان يكتشف التناحرات الحاصلة بين التحالفات العالمية باسم الحرب ضد الارهاب - التحالف الشرقي متمثلا بروسيا وايران والصين والتحالف الغربي متمثلا بالولايات المتحدة واوروبا وتركياوالبلدان العربية باستثناء سوريا - فيما ينتفع هذا الارهاب ويتغذى مباشرة من هذه التناحرات بشكل خفي عبر ألية تقويض الخصوم .
ان مشاعر السخط والاستياء، التي خلفتها القرارات غير الرشيدة للحكومات المتعاقبة في العراق، كانت كفيلة بانعاش معسكرات التطرف بالمزيد من المقاتلين الجدد ،يضاف الى ذلك نمط الخطاب الموبوء المشبع بالكراهية والوعود بالثأر والانتقام ،حيث ان نموذج واحد من خطاب مشحون بالكراهية واحتقار الاخر، كان كفيلا بحقن ارواح الكثير من الفتيان المحبطين بجرعة من النقمة ،تعادل شحنة ديناميت كاملة. نحن هنا لانبرر تفشي الورم، لكننا نشير ،ونحن واثقون من قدرتنا على تحديد مخاطر الاستهانة بهذا الخطر ،لثقتنا الكاملة ان كل اشارة لاتتجه الى الاسباب تحديدا تبدد المقاصد ، وتشتت الانتباه ،ان تمكن اي ارهابي من الافلات سيحول كل مواطن الى ارهابي وكل شحنة امنة الى عبوة ديناميت، وهذا هو الفعل الارهابي الجديد الذي يتحدانا جميعا ،اي انهم لم يتوقفوا ابدا في منطقة التوحش التي انشئناها لهم ،بل هم يسايروننا حتى في معرفة تقدم التقنيات، وقد اضافوا الى سجلاتهم نصرا مجانيا عبر استثمار سلوكياتنا في مكافحة ارهابهم يتلخص في خلط الاوراق وشحنها بالنقمة والثأرات ،عبر عملية مقننة، جرى اعتناقها بكل حماس، بالاخص، من لدن اؤلئك الذين يمتلكون سجلا حافلا من العفونه، وقد صاروا بين ليلة وضحاها امراء حرب محليون ،يقومون بجذب فئة من المجتمع تؤيد اوهام ورغبات بعض العاملين على مكافحة الارهاب ، هو اسلوب تم العمل به كثيرا في المرحلة الاخيرة وبشكل واسع وخطير ،مستغلين عواطف الناس اللذين تكبدوا ارواحا وممتلكات على ايدي التنظيمات المتطرفة، يتلخص هذا الاسلوب في سلوكيات كثيرة ابتدات بنسف منازل اقرباء المجرمين ،او اختطافهم عند نقاط العبور الحكوميه تحت ذرائع شتى لاتمتثل للقانون ، وهذا يصب ايضا لصالح فكرة ان احد الوجوه المهمة لنصر الارهابيين هوان كل الاخطاء والحماقات المتركبة تتظافر لصالحهم. ان هذه الاسايب المتنوعه، والغير مدروسة بعناية لمكافحة الارهاب، لم ولن تفرز سوى نتائج عكسية مخيفة، تأتي متوافقة تماما لرغبة التنظيمات المتطرفة التي تعمل عبر منظومة اعلامية لايستهان بقدراتها ،على حشر الناس في مكان يميلون فيه اكثر الى الجهة التي تمكث فيها تلك الجماعات ،بخليط من الرغبة التي تنضجها فكرة النقمة بفعل الخيبة من تاخر وتردد وتخبط العالم، ونمط النقمة الذي تؤججه دائما مشاعر الغضب والاذلال وعمليات القمع والعقاب الجماعي التي انتهجهتا السلطة العراقية تحديدا، والرهبة من سطوة تلك التنظيمات التي تمد اذرعها في الخفاء والعلن مما يمنحها امكانية المراوغة والسرعة في النيل من هدفها بسرعة تفوق قدرة جميع المؤسسات الامنية العالمية ،وذلك لانها تمتهن حرب العصابات وتنفيذ العمليات المنفردة دون حاجة المنفذ الى الاسلحة المكشوفة ،ولابد من الاشارة الى ان اخر نهج اخترعته التنظيمات المتطرفة هو الاسلوب الذي رغبنا ان ندعوه بالفتى الانيق، ويتلخص هذا الاسلوب بغرس المنفذ وسط العامة بعد ارتداءه بعض الاردية التي تعطي الناظر انطباعا بسفاهة صاحبها او انفلاته من الجدر الاجتماعية او على اقل تقدير فقدانه لاية ميول دينية تدعوا للريبة وهو يبلغ هدفه المحدد دون جهد يذكر، ولقد احرز هذا النمط الاخير تقدما ملحوظا لصالح الجماعات الارهابية بعد ان احدث ارباكا في الستراتيجيات الامنية للشرطة والجيش بالاخص في دول العالم المتقدم .
الوظائف المحلية للحرب على الارهاب بعض الوظائف المحليه في الحرب على الارهاب، خفيه ومراوغة، يتجلى هدفها بشكل واضح، عبر تشتيت الانتباه عن المظالم التي سببت الارهاب، اضافة الى تشتيت الانتباه عن الانتهاكات التي تنتهجها الكثير من الفصائل الشعبية المنضوية تحت خيمة الجيش بمسميات متعددة ،يتزعمها قادة محليون، اغلبهم مرفوضون اجتماعيا ، وليس هناك ارضا خصبة لنموهم مثل فكرة مكافحة الارهاب، لانها الوحيدة القادرة على تكميم الافواه ،واسكات الخصوم ،عبر التخويف العمومي المستمر، ولابد ان نعي دائما ان العنف الموجه ضد المدنيين يعيق بالضرورة الجهود المبذولة لكسب الناس وعواطفهم لمكافحة الارهاب، وبشكل اكثر دقة: انه يتحف معسكرات الخصوم بالمزيد من المقاتلين اللذين يتسللون من بين ظهرانينا بشكل تدريجي بفعل سلوكياتنا الممنهجة والتي لاتجد لها اي رادع للاسف الشديد،
منحت الحرب على الارهاب ،ترخيصا لممارسة القمع الداخلي ،والافتتان بتعذيب او اخضاع الخصوم،كما ان وسم المعارضين بتهمة الارهاب ،تتيح ممارسة يسمح للحكومات القمعية بفعلها النيل من خصومهم السياسيين،ويستفاد من تمديد الصراع لاجل كبت حرية الكلام وقمع النقابات والقوى الديمقراطيه ثمّة خطا فادح ،يولد يوميا اخطاءا فادحة كثيرة، في الحروب الدائرة الان بين التنظيمات المتطرفة والعالم باكمله، ممثلا بشكل اكثر تركيزا في اكثر مناطق العالم خصوبة لنمو التطرف، سوريا والعراق ،لاعتبارات كثيرة، اهمها التغيير السياسي في العراق ،والذي اعقبه غياب الرشد في بناء الدولة الجديدة بعد انهيار كل المنظومات المؤسساتية والمجتمعية تدريجيا . وفي سوريا، التي لايختلف الامر كثيرا فيها بوجود خصومة بين الشعب والسلطة غذتها النعرات الطائفية التي نشأت في العراق، اقول: في هذه الحرب الشرسة التي تستنزف الاطراف المتحاربة بشكل يومي ،هناك غباب واضح للحلول النهائية بسبب حزمة اسباب، يسرني هنا الاشارة اليها بدقة، يدفعني الى ذلك غياب شامل في التحليل الموضوعي للاسباب التي تخلف الكوارث والانشغال فقط بالتسميات والتصنيفات ،فيما تستمر التنظيمات المتطرفة بقضم الانسان يوميا في شتى بقاع الكرة الارضية. في كتابه (روح الارهاب) ،يتطرق الفيلسوف الفرنسي جان بودريارالى صياغة الروائية الهندية ارونداتي روا التي تفترض فيها فكرة التحالف السري بين العنف والنظام القائم، أي ان كل عنف معاد هو في النهاية شريك متواطيء مع النظام القائم، وقد اخترعت لذلك التحالف مصطلحا ملفتا اطلقت عليه (التوأم الشيطاني للنظام)، الا ان الاستاذ بودريار لايرضى بالتوقف عند هذا الحد من الافتراض ، بل يذهب الى ماهو اعمق من ذلك وهو يعطي انطباعا عميقا معاكسا للآلية التي افترضتها ارونداتي دون ان يخدش روح الفكرة الأصل ليقول: (بدلا من فرضية تواطؤ موضوعي للأرهاب مع النظام القائم ،يجب افتراض فرضية معاكسة تماما ، فرضية تواطؤ داخلي عميق لهذه القوة التي تنتصب ضدها من الخارج، فرضية عدم استقرار وعجز داخليين ،يمضيان بمعنى ما للقاء التقويض العنيف للفعل الارهابي) ويؤكد (بدون فرضية هذا التحالف السري ،هذا الاستعداد المسبق المتواطيء، لن نفهم شيئا في الارهاب ،وفي استحالة القضاء عليه)7)*
للأسف الشديد ان القوة العازمة على اخضاع العماء تعشقه هي ذاتها في الخفاء، فهناك دائما قرابة سرية بين مايؤسس الدولة ومايحاصرها، وان احد اعراض هذا المرض هو ايهام الذات بسلك طرق ابادة الخصم بعماء مطلق، دون التمعن بالاسباب التي انتجت هذه السلوكيات الفضة لهذا الخصم. فباسم رغبة بأمن مطلق ، تدمر المدن، ويحرق المدنيون الذين لاذب لهم ، وتقطع اعضائهم، وتصبح اجيال باكملها مترعة بالحقد والضغينة ، وبكل تأكيد فان من الصعب تكييف ارهاب كهذا من دون تلطيفه، (كان يضفي اليه طابع سام) كما يقول فرويد. بدأ التلطيف هذا عبر الحملات الاعلامية المكثفة التي رافقت نشوء الجماعات المسلحة المحلية لمكافحة الارهاب من تكوينات عشائرية استثمر لانجاحها ضخ كمية كبيرة من المآسي التي خلفها داعش لاجل كسب تأييد شعبي تم بالفعل لكنه سرعان ماخمد بعد ان اكتشف الشعب المؤيد نفسه ان معظم هذه العصابات تدفعها مصالح وثأرات شخصية ومنافع (تم توثيق جرائم تهريب اسلحة ومواد غذائية يتزعمها قادة عشائريون تابعون للحكومة يتاجرون مع داعش)مما ولد شعورا بالغضب والاستياء، بفعل الدعم الخيالي الذي قدمته قوات الامريكيه الى زعماء محليين لايحظوا باي قبول اجتماعي ، الامر الذي افرز ظهور امراء على قدر كبير من التنافر، يضمرون لبعضهم كراهية وحسدا يتعلق بكمية الارباح المقبوضة عبر فرض الضرائب في الطرق الداخلية والخارجية والاسواق، وهذه بالطبع ،احدى الفرص التي اتاحت للارهاب ان ينمو ،لم يكن هذا الامر جديدا في طقوس الحروب المريبة في العالم ،فقد حدث مثله في حالة امير الحرب في نانغهار الذي عمل مع الامريكان في تورا بورا وتخصص رجاله في اعتقال الناس بذريعة انهم من مؤيدي طالبان ثم تعذيبهم الى ان تقبل عائلاتهم دفع فدية ماليه لانقاذهم من جميع اطياف واثنيات الشعب العراقي، يبرز تذمر يومي لايستثنى منه غير الابواق التي فضلت الانتفاع ومقاسمة السياسيين دنانيرهم المسروقة من اموال الشعب وميزانية الحكومه، وهؤلاء يتسسلون في مفاصل الاعلام الحكومي والجامعات ومؤسسات الفن ايضا، وهذا ليس شيء نادر، فهو سلوك موروث تم انتهاجه مع كل السلطات في جميع انحاء العالم ويرافق غالبا السلطات الشمولية. في كوردستان، التي لاشيء يدفع مواطنيها للتذمر من المركز بعد ان تحولت الى منتجع عالمي شبه مستقل ،يقصده الناس للامن والراحة والاستجمام ،هناك تذمر علني يصل الى حد السخرية من سلوك الحكومة العراقية لايتعلق الا بسمعتها الملطخة بالوحل والتي دفعت المواطن الكوردي للتفكير بالدولة المستقلة لاعتبار ان الاقليم يحظى باحترام دولي عكس المركز الذي يحفل بسجل مؤسف في بيانات الفساد الاممية . وفي جنوب العراق ،الذي يعتقد الكثير انه يعيش تحت خيمة السلطة التي استولى عليها ابناءه بعد حرمان طويل ،هناك تذمر واضح من سلوك الحكومة العراقية بشكل عام ورفض واضح يبدوا عبر المظاهرات التي تحفل بها مدن الجنوب بشكل دائم. في الوسط ،والمناطق المحسوبة على السلطة السابقة قصدا اوجهلا ،هناك تذمرعلني شامل، لايستثنى منه الا فئتين قليلتي العدد ،احداهما تضم اللذين يشعرون انهم مستهدفون من قبل المؤسسات الامنية لاعتبارت الولاء السابق ،وهي مرغمة على الصمت رهبة. والثانية راكبو الموجات الذين رشحهم المالكي كاذرع يستطيع من خلالها ان يخرب دكاكين خصومه وهي راضية رغبة. ان السلطة العراقيه تضمر مآرب خفية تحت ذريعة التحرير، اهمها تعزيز مشروعها القديم عبر تحديد معايير الحياة العقائدية وليس السياسيه في الموصل ،وهنا يكمن الخطر، وهذا يعزز طبعا رؤيتنا لغياب الامل بكل حلول حتى وان احرزنا انتصارات عسكرية متلاحقة، على اعتبار ان هذا النصر العسكري مهما كان حجمه فلن يعيد الوضع الى ماكان عليه ليلة حزيران على اقل تقدير، وحتى لو عاد الى مايشبه تلك الحقبة فهو لم يكن مثاليا ابدا، بل كان هشا ورخوا، والدليل هو التحول الذي طرا على المدينة في ساعة واحدة اثر انسحاب الجيش بكل اساطيله مخلفا مدينة بلاقانون. ان اي حلول تنأى عن الحل الشفاف الاصيل، سترغمنا الى تكرار الدينامية المالوفة التي سيغرق فيها الجميع ،وكل طروحاتنا التي نستهلكها في مؤتمرات تزعم مناقشة الحلول المستقبيلية ،هي طروحات بائسة تلامس السطح الخارجي للقضيه دون سبر اغوارها، وتستمر قدرة هؤلاء الغامضين على تكبيدنا مثل هذه الهزيمة ذات الحجم الكارثي ، وتستمر حصيلة الموت الصامت بازدياد بفعل التآمر الدولي والمحلي المبطن، مما لايدعو اي مجال للشك ان هذه الازمة الانسانية قد تخلف في الامد القريب ازمة مخيفة في السلوك المجتمعي المستهدف لن تنجو منه المجتمعات البعيدة نسبيا عن متناول الارهاب.
ماينبغي انقاذه من الحطام السوال الاهم ، بعد ان نحر اعزائنا تحت الشمس ،هل نحتاج فعلا الى هدر خمسة عشر دقيقة من كل ساعة اخبار على مدار اليوم لاقناع انفسنا بان داعش قد اجرمت بحقنا! انه لخطأ فادح ومؤسف أن نشغل انفسنا بهذا الهراء فيما ننحدر تدريجيا باتجاه الزوال التدريجي دون ان نقنع انفسنا مرة واحدة ان الحرب النفسية لايمكن الاشتغال بها دائما وبالاخص عندما علمنا بفعل متابعتنا اليومية لسلوك الخصوم الازليين انهم قد تخلوا عن نعمة الحواس الثلاثة اي انهم لايسمعون ولايبصرون ولايتكلمون الا بما يتناسب مع منهجهم ،هم فقط ينساقون وراء قوى غيبية تم حقنها بها عبر مؤسسات وافراد طيلة سنوات كثيرة ،واضح مااقول اننا مسؤولون جميعا عن كل رصاصة تطلق في هذا الكون،واننا نشجب بشدة كل رصاصة تقتنص اي كائن في العالم ، لكننا نرفض جميعا الاعتراف بذلك عندما تنطلق الرصاصة من الجهة التي ننتمي اليها ،بشكل اكثر دقة اننا نحاول ان لانعترف ابدا ببديهية يتم تدولها بغزارة، وهي ان مايعمله العدو قد عملناه نحن ايضا فيما مضى ولايختلف الأمر الا في تسمية الهدف الذي نسعى اليه ،حيث ندعوا مانقوم به ثورة، فيما ندعو مايفعله خصومنا بنفس الصيغة والادوات ارهابا، والكارثة الاخطر والاهم ان هذا الاخر ايضا يضفي صفاتا حميدة على سلوكياته ،على الاقل في اذهان اتباعه، ويدعم ذلك بنصوص، هذا يعني ان العنف الذي يجري تداوله يصب باكمله في نطاق المنفعة والهدف مهما كان نبل او سفالة هذا الهدف ،اذن هناك هدف !بالضبط هذا ماأردت الاشارة اليه بدقة،وهذا مايجب ان نوجه انظارنا اليه جميعا، فاذا اردنا اطفاء شعلة الشر من الفتيل ،علينا الاتجاه مباشرة الى هذا الهدف ومغادرة الانشغال بالتسميات والتصنيفات،هل مفهوم ماأقول! كان بامكاننا، ان نعد انفسنا بكشف الغمام الذي يحاصرنا ، فقط لو اعترفنا مبكرا باخطائنا واهمالنا للحلول التي لم تكن تكلفنا الا الهبوط من عروشنا قليلا والاصغاء الى الناس في الميادين العامة، الا ان هذا الوعد لم يعد ممكنا الان ،بعد انفرط العقد باكمله، وانفت الشر من معاقله، ولم يعد بوسع اكبر قوة في العالم ان تعد مواطنيها بالامن الدائم . اساليب كثيرة كان بامكاننا استثمارها لأجل أعادة بعض الناس الى رشدهم ،قبل ان يستفحل الورم في مفاصلهم ،لو اننا فقط ،اصغينا لمشاكلهم ،او الاسياب التي دعتهم يمرقون من المجتمع باتجاه الجماعات المسلحة قبل ان نضطر الى انتزاع اعترافاتهم بال ايهام بالغرق (مثلا).كانت لدينا فرصا كثيرة لرأب الصدع الذي خلفته في المجتع اخطاءا كارثية سلكها السياسيون ولازالوا، خذ مثلا حقبة المالكي الاكثر سوءا والتي تعد البذرة الاولى لنمو التطرف في العراق قبل ان ينتشر في عموم المنطقة والعالم،لقد فرط الرجل بفرصة تاريخية عظيمة في السنوات الاولى من تسنمه السلطة عندما سئم الناس من النزاعات وهيئوا انفسهم لحقبة التصالح مع الحقبة الجديدة، لكنه لم يلفح في استثمارها ولاندري ان كان السبب حلقة مستشاريه ام قيود حزبه ام انه صداعه الثأري المترسب في ذاكرته منذ سنين المعارضة الاولى ولقدتكبد البلد كل شيء جرّاء هذا الخطأ الفادح ،كل شيئ بحق ! من الصعب، التفكير بامكانية تغيير جذري كهذا، في هذا الواقع السياسي المؤسف في العراق، دون التحدث بجرأة عالية عن مواضع الخطأ ،لااتحدث هنا منطلقا من وجهة نظر عقدية اوفردية ابدا، فقد فرضت علي شروط البحث العلمي الموضوعي الجلوس في الارض الحرام ،وفقا للمفهوم الحربي العسكري، لاجل تمكين العين من قياس كمية الخراب بدقة اكثر! قد يبدوا هذا الامر عسير الهضم للوهلة الاولى، لكن غياب الحلول ،وانقراضنا اليومي، كل ذلك يجبرنا على الاصغاء ،على الاقل :من وجهة نظر الضمير تجاه اولادنا الذين خلفنا لهم حقبا مظلمة مليئة بالثأرات ،فهل نحن مستعدين لمقاومة فيروس اخر، وقد امتلات اجسادنا المرنة بالرضوض اثر ماتعرضنا له من عنف ممنهج على ايدي الاخرين وايدينا ! لقد ارهقتنا الانتصارات البيروسيه ،اي الانتصارات التي تنتزع بثمن باهض جدا ،اضف الى ذلك تلك البرامج الحكومية البائسة التي تتحدث عن المصالحة الوطنية ،اضافة الى طقوس استنزاف المال العام و المتمثلة باقامة مؤتمرات واهنه تتحدث عن حلول واهنة لاستئصال الارهاب يقوم عليها اشخاص مقربين من السلطة ، بعيدة جدا عن التطرق الى الاسباب التي فاقمت من حدة العنف ويدعى الى هذه المؤتمرات غالبا افرادا متطوعين في منظمات مجتمعية او افرادا يسعون للظهور في المحافل بغض النظر عن اهداف هذه المحافل. لابد ان نصطف الى جهة مكيافيللي ،في اعتقاده الرصين، ان الحالمين يسببون ضررا اكثر مما يسبونه من خير، يكمن الضرر والخطر،في ان احقية استعمال القوة وشرعنتها لمساندة القانون، اختطفت من لدن فصائل تضم عناصر تمتلك سجلات حافلة في الاجرام، تستخدمه في معارك يومية تستهلك الجميع.لقد اختارت هذه العناصر ساحة معركتها جيدا، لانه كانت تعرف من خلال سيرة التاريخ، ان من يمتلك القوة، هو الذي سيرسم خارطة المستقبل، بغض النظر عن قرارات مجلس الامن والامم المتحده. الهمّ الاول، هو ازاحة الدخان عن طريق اؤلئك الذين استهوتهم الافعال الثأرية المنفلتة، وقد صار كل شيء محاط بالفوضى مع غياب القانون ،وانشغال الجميع بالجميع. اننا نراوح عند العتبة الحرجة ولايعوزنا سوى خطوات جريئة للتسسل من بوابة السلام باتجاه عالم يتمتع بشكل كاف من الامن يكفي للعيش بوئام بين مختلف الاثنيات والقوميات والاطياف ،فهل نحن مستعدين بالفعل للقيام بهذه الخطوات لااظن ذلك تدفعني للياس كمية الخراب اليومي الذي تتبناه الاكثرية الجاهلة مستثمرة شبكات التواصل لتفريغ اوبئتها الخاصة واثامها المترسبة، تكمن العلّة في اصرارنا على تجنب الاصغاء الى كل مامن شانه ان يتطرق للحلول فيما يخص الارهاب الذي احاط بنا جميعا دون تمييزولم يعد من المفيد معرفة مااذا كانت نوايانا الخفية لمقارعة الارهاب صحيحة او مزيفّة. لقد شهد العراقيون مرارة التجربة السالفة ،واظن ان العراقيين قد فقدوا المزاج الذي يؤهلهم ليشهدوا تجربة معادة شبيهة بالنسخة التالفة الاولى ، ولكي نرسو بامان عند الضفة المضمونة عمليا وعلميا نقول بصوت عال العدالة هي الواقي الوحيد من الارهاب لانها السبيل الوحيد الذي نستطيع من خلاله ان نسحب بكل بساطة ويسر كلّ التبريرات الترسبة في راس الذي يفكر ان يشتري الوعود الجميلة مقابل ملكية الشهيق الحر. المفيد الوحيد معرفة اننا جميعا المنظر والمحارب والاعلامي والمتفرج من الان فصاعدا نفتقد الى اليقين العام بكل مانفعل ومانرغب ان نصير اليه بعد ان ننجز فعلنا المقدس هذا الا اننا نختلف في النقطة الاخطر والاهم فالاغلبية المسيطرة منا وعلينا تجهل تماما اننا ننحدر وبشكل تدريجي ومرن باتجاه مصب الزوال العام. المصادر ـــــــــــــــــــ - انظر - جان بودريان،روح الارهاب،ترجمة بدر الدين عمر زكي،الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهره،2010[i] -المصدر نفسه [2] ،جان بودريار،منظر ثقافي وفيلسوف، ومحلل سياسي، وعالم اجتماع فرنسي 1929 -2007 Jean Baudrillard [3] انظر،تيري ايجلتون،الارهاب المقدس،ترجمة أسامه أسبر،بدايات للنشر والطباعة والتوزيع،سوريا،2007[4] المصد الاول نفسه [5] المصدر الاول نفسه [6] المصدر الاول نفسه [7]
#حسين_محمد_العنگود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|