|
نور ساطع على قربان الفسح
حسيب شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 5516 - 2017 / 5 / 10 - 01:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نور ساطع على قربان الفسح ترجمة ب. حسيب شحادة جامعة هلسنكي
في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي كتبها الكاهن الأكبر سلوم بن عمران ( شالوم بن عمرام، ١٩٢٢٢٠٠٤، كاهن أعظم في السنوات ٢٠٠١٢٠٠٤، عضو في البرلمان الفلسطيني ١٩٩٦٢٠٠٤، معلّم، جزّار الطائفة، شمّاس) بالعبرية ونُشرت في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد١٢١٣١٢١٤، ٢٠ آذار ٢٠١٦، ص. ٢٥٢٦. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني. بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري فقط، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحررين، الشقيقين، بنياميم ويفت، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
”الآن، بينما أجلس هنا على جبل جريزيم، في بيت المرحوم راضي صدقة، رحمة الله عليه، لا أصدّق أنّه أُخذ منّا، وها قد مرّت سنة على موته المبكّر، ولا نستطيع التمتّع بجلساته، جلسات الإخوة، حيث استمتعنا كثيرًا بقصصه الرائعة عن شيوخنا وآبائنا. منهم من عاصرناهم وعاشرناهم، إلا أنّ القصص من فم راضي ذات رونق خاصّ. لا نستطيع أن نستعيد ونتذكّر تلك الأيّام البعيدة، التي فيها انتمينا كلانا إلى تلك المجموعة من الفتية، التي كانت تعكّر صفو راحة سبوت وأعياد آبائنا.
يحسّ القلب بالألم الشديد وبخاصّة عند اقتراب عيد الفسح، الذي كنّا ننتظره كلّ عام على أمل الجلوس يوميًّا، مع راضي والاستماع منه لما في جعبته من تجارب وحكايات. عيد الفسح يقترب حقًّا، وعمّا قريب سنسمع رنين الأجراس الصغيرة المعلّقة على رقاب الخراف المعدّة لقربان الفسح. إنّها تسير الهويْنا هنا وهناك، وتلحس عشبًا في اجترار لا نهاية له. هذا ينقلني إلى أيّام بعيدة، سنوات الأحداث وأعمال الشغب في كل أرجاء فلسطين في أواخر ثلاثينات القرن العشرين؛ حينها كان الاحتفال بعيد القربان في خانة شكّ كبير. عاش السامريون في خوف شديد، نصبوا كلّهم خيامهم على الجبل، استعدادًا لعيد الفسح الذي كان على الأبواب، إلا أنّه لا أحد كان متأكّدًا من إمكانية الاحتفال بعيد القربان. خفنا كثيرًا، خفنا من إشعال المَشْعلات لئلا يفسّر كعلامة تأييد لأحد الأطراف المنخرطة في الأحداث وأعمال الشعب، ولكن كما هي الحال دائمًا، وضعنا ثقتنا بالله، تبارك اسمه. أحد وجهاء المدينة، أكرم زعيتر، كان رئيس البلدية سنوات طويلة [١٩٠٩١٩٩٦، أديب وسياسي قومي ومعلم]، وأذكر أنّه توجّه ذات يوم لأبي عمران وقال له بقلق متعاطفًا معه: ”ماذا سيحلّ بكم هذه السنة، أيّها السامريون؟ ألا تظنّ أنّه ربّما لن يسمح لكم هذه السنة بالاحتفال بعيد قربانكم؟“ هزّ والدي رأسه بحزم قائلًا: ”ليكن ما يكون، على كلّ حال، سنقوم بفريضة الفسح“. بخوفي الشديد تعجّبت من جواب أبي. لم أدر من أين استمدّ ثقته الجمّة، كنت آونتها فتى، ولم أُعر الأمر أهمية كما فعل البالغون. بدا الأمر يسيرًا في عينيّ كفتى، ومع هذا، تسلّلت الخشية إلى القلب. ”ما مشكلتكم؟“ سأل أكرمُ أبي. شغل أبي، عمران، آنذاك سكرتير الطائفة، وأجاب ”لا نملك نورًا كافيًا لإقامة القربان، يبدو أنّ الشتاء لم ينته بعد، وما زالت الأمطار تنهمر بغزارة، ولذلك هناك خشية في أنّنا سنقيم قربان الفسح في ظلام دامس“. تعجّب أكرم زعيتر أيّما تعجّب من إجابة والدي، العالم كلّه كان مشغولًا بالأحداث [ثورة ١٩٣٦]، أمّا السامريون فشغلهم الشاغل كان: ّهل سيكون النور متوفّرًا في عيد قربانهم أم لا؟ ابتسم وقال لأبي: ”أيّها الكاهن، لا عليك، كلّ شيء سيكون على ما يرام، إنّي أعرفكم يا سامريون، حتّى ولو هطل الثلج، فإنّكم ستقيمون قربان الفسح كما ينبغي بالكامل“. أنتم خاصّون في إيمانكم، لا نظيرَ لكم في العالم كلّه، أنتم شعب قوي جدّا. بدأ أبي يشكّ في أقوال أكرم زعيتر، هل حقًّا نحن أقوياء لهذا الحدّ، يا ليت صدق، فلماذا إذن نشعر بأنّنا ضعاف لهذا الحدّ؟ حان يوم القربان، أنهى السامريون آخر تحضيراتهم وخبزوا المصّة؛ كان الجوّ عاصفًا، السماء متلبّدة بالغيوم السوداء الكثيفة، والظلام أخذ يرخي سدوله. قُبيل حلول المساء بساعة، بينما كنّا ماشين نحو خيمة الكاهن الأكبر، توفيق بن خضر (متصليح بن فنحاس)، لدعوته إلى مكان القربان، توقّفت فجأةً سيّارة أمام خيامنا، وفيها كان الوجيه رضوان النابلسي من بلدية نابلس. كانت سيّارة شحن كبيرة، أمر رضوان سائقها بالتوجّه بها إلى الوادي، [العُرضي] حيث مكان القربان. وقفت الشاحنة على الشارع من على مكان القربان وعليها رافعة كبيرة. ثبّت على الرافعة بأمر رضوان مصباح ضخم جدّا أضاء كلّ باحة مكان القربان.
وعندما سأله والدي: من الذي أرسلك؟ أجاب رضوان: لا أعرف شيئًا، إنّي لستُ مسؤولًا، إنّي أنفّذ فقط تعاليم رئيس البلدية، أكرم زعيتر [هنا وقبل ذلك كتب الاسم خطأ بالطاء وبدون الياء، زعطر] لا أكثر ولا أقلّ. نور ساطع كبير أضاء مكان قربان فسح العام ١٩٣٦. والدي، الكاهن عمران بن إسحق، رحمه الله، علم أنّه حتى بدون هذا الضوء، لا بدّ من القيام بقربان الفسح“.
#حسيب_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب عن كفرياسيف
-
اعتداء في عورتا
-
هل تعرف كيڤن جوني؟
-
لماذا الملاحظة هامّة جدّا؟
-
الكاهن الأكبر خضر (فنحاس) صاحب الأعجوبة
-
أعجوبة الفرن والخراف في عورتا
-
بسواش قشرة بصله، أحقا؟
-
الذكرى الواحدة والأربعون
-
من مشاكل السامريين
-
أصحاب البيت، ببساطة
-
عجائب عورتا
-
غياب المدقِّّق اللغوي لدى العرب، إلى متى؟
-
أعجوبة قربان الفسح التي لا نهاية لها
-
حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (د)
-
للثلج كلمات كثيرة في اللغة الفنلندية
-
كتاب عن عرعرة
-
أربع قصص عورتا
-
العربية في إسرائيل، ואללה
...
-
تأثيل شعبي للاسم ’’ياسر عرفات‘‘ ساعد في إقامة المُتحف السامر
...
-
جبعونيو عورتا
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|