أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث عبد الكريم الربيعي - عازف البيانو....موسيقى من قلب المأساة















المزيد.....

عازف البيانو....موسيقى من قلب المأساة


ليث عبد الكريم الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28 - 03:55
المحور: الادب والفن
    


يعد المخرج (رومان بولانسكي) أحد ابرز أعمدة السينما العالمية في وقتنا الحاضر، ويعتبر أحد ركائز السينمائيين الذين انطلقوا بعد بداية الستينات، وهو اليوم يقف شامخا بين أبرز المخرجين العالميين.
ولد بولانسكي في باريس مِنْ أبوين من يهود بولندا، في 18أب/ أغسطس 1933، وبعد حياة قاسية وصعبة في باريس، عادت عائلته إلى كراكوف في بولندا، ولم يتجاوز عمره الثلاث سنوات. في عامه السابع، شَهدَ بولانسكي النازيون يَقتحمون كراكوف حيث تقطن عائلته. لاحقا أصبحَ يتهرب من كراكوف إلى غيتو. هناك بولانسكي كان يَتسلّلُ إلى قاعات السينماِ. في السنة التالية، اخُذ والداه للاعتقال في معسكر نازي، حيث أمّه الحامل تسُمّمتْ بالغاز بعد فترة قليلة من وصولهمِ. هذه الأحداثِ المُرعِبةِ جمعها فيما بعد المخرج ستيفن سبيلبيرج في فيلمه (قائمةِ شيندلر-1993). أثناء الإعداد الطويلِ لسيناريو الفيلمِ، إقتربَ سبيلبيرج كثيرا من بولانسكي على ما يقال في عِدّة مناسبات حول إخراج الفيلمِ. على أية حال، خلص بولانسكي مَع عِدّة أصدقاء وأقرباء من يهود كراكوف مِنْ المخيماتِ.
كَبْر في بولندا التي مزّقتها الحرب، ووَجدَ بولانسكي الشاب عزاءه في السينما وفي العَمَل بالدراماِ الإذاعيةِ، وفي المسرح، ولاحقا في الأفلامِ. فالتحق لمدة خمس سنوات بمدرسة لودز للسينما، فقدم وهو طالب فيلمه الأول (رجلان وخزانة-1958)، وفازَ عنه بخمس جوائزَ دوليةَ. وفي 1962 أخرج َ فيلمَه الكاملَ الأولَ( السكينُ في الماء)ِ. الذي أستقبل بشكل سيئ مِن قِبل المسؤولين الحكوميينِ البولنديينِ وبَعْض النقّادِ المحليينِ، الفيلم أحدث ضجّة في الغربِ، ومُنِحَ جائزةَ النقّادَ في مهرجان فينيسيا السينمائي، وفاز بترشيحَ جائزة الأكاديمية كأفضل فلمِ أجنبيِ.
مسيرة بولانسكي في السينما مرت بفعل عوامل كثيرة اغلبها تتعلق بالسياسة أو بفضائحه الجنسية بعدة تعرجات نبعت أصلا من اختلاف توجهاته الفكرية التي طالما تغيرت انسجاما مع الظروف الموضوعية التي يعاصرها في كل بلد يقطنه، فأفلامه الأولى من (رجلان وخزانة- 1958) مرورا بفيلم (عندما تسقط الملائكة-1959) و(السكين في الماء-1961) إلى فيلم (النصابون اللطفاء-1964) تجنح نحو الواقعية الغارقة في البيئة الاجتماعية المولدة لأفلامه, إذ نجد العنف الجنسي بكل أشكاله, العنف الفكري والأخلاقي, الجريمة بأبشع صورها, الخوف والرعب, الاختناق في الزمان والمكان. ثم إنتقلَ بولانسكي إلى العمل في إنجلترا فقدم ثلاثة أفلام هي: (النفور-1965) و(الطريق المسدود-1966) و(رقصة مصاصي الدماء-1967)، وهي أفلام قاتمة يعشش عليها الرعبِ النفسي والانغماس في الجنس الصارخ والجرأة الغير معهودة. لتبدأ بعدها مرحلة جديدة انطلق فيها من هوليود بفيلمه (الطفلة روزماري-1968)ِ، اقتباس ناجح جداً عِنْ حكايةِ مرعبة لاحد أعضاء الجيش الجمهوري الايرلندي. فلمه التالي (ماكبيث-1971)، كَانَ أقتباس واقعي عِنْ مأساةِ شكسبير العَنيفة. ثم قدم الفيلم الفائز بالأوسكار (الحي الصيني-1974)، ليعتقلَ في كاليفورنيا بتهمةِ التحرش الجنسي الغير قانونيِ وامضى 42 يوما في السجن ليهرب بعدها من الولايات المتّحدةَ إلى فرنسا، فعملَ هناك فيلمَه (تيس-1979). في عام 1981، عادَ إلى بولندا لاخراج فيلم (القرصان-1986)، ثم اخرج فيما بعد في أمريكا فيلم (المسعور-1988)، وبعدها انقطع عن الإخراج ليعود لتقديم فيلمه (الموت والعذراء-1994)، وأيضا لينقطع ثانية عن الإخراج ليعود عام 1999 ليقدم فيلم (البوابة التاسعة)، ثم أخيرا فيلمه (عازف البيانو-2002).
يتسم أسلوب بولانسكي برفضه القاطع لوجود الشيطان ولا يؤمن بأمثاله فغالبا ما يتصدى ببراعته الإخراجية لإثارة هذا الموضوع بما أتيح له من أساليب تعبيرية يعتقد بدورها في خلق المتعة للمُشاهد . والى حد ما ينجح الفيلم في خلق الحد المطلوب من التشويق والرعب و الإثارة، من هنا يشكل بولانسكي مع أقرانه من البولنديين (أندريه فايدا، كريسزتوف كيسلوفسكي) اتجاها سينمائيا خاصا من لحظة اختيار الموضوعات حتى آخر اللمسات الإخراجية في أشرطتهم .
وخلال محاولته استخراج شراكة فاعلة بين حكاية الفيلم و متلقيها، يؤمن بولانسكي بالطابع الخلاق للرغبة الذاتية و بالعناية المحفزة لخيال الإنسان، بصفتها طاقة إبداعية كامنة ونزوعا عميقا لإجتراح الجمال، يظهر رغبته في التعبير عن جوهر الأشياء وتصويرها مهما بدت غامضة أو مستحيلة.
وفيلم (عازف البيانو) الحائز على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 2002، عد أحد أهم أفلام بولانسكي بل أهم ما قُدم عن الاجتياح النازي للعالم بعد فيلم (قائمة شيندلر-1993) إخراج ستيفن سبيلبيرغ، وحظي باهتمام جيد في كافة المحافل السينمائية العالمية, كما استحوذ على اهتمام نقدي واسع.
ويروى فيلم (عازف البيانو) المقتبس عن كتاب يحمل ذات العنوان ألفه،غداة الحرب العالمية الثانية، زبيلمان فلاديسلاف الذي توفى قبل سنتين، مصير شاب يهودي في مهب العاصفة في أيلول- سبتمبر 1939. وبينما كان يعزف سمفونية "نوكتورن" للموسيقي تشوبان في الإذاعة دمرت قنبلة جهاز البث الإذاعي.
ويرفض فلاديسلاف الذي يجد نفسه سجينا في حي وارسو اليهودي تحيط به الجثث وهو مهدد بالإعدام، الانضمام إلى صفوف الشرطة اليهودية التي تعاملت مع النازيين في إرسال اليهود في القطار إلى تريبلينكا، وينجو الشاب بمعجزة، وهو الوحيد من عائلته، من قطارات الموت بعد أن تمكن من الاختباء واضطرته الظروف القهرية التي فرضها الاحتلال الألماني على اليهود إلى النزوح إلى أحد الأحياء التي أنشئت خصيصا ليسكنها اليهود كنوع من التفرقة العنصرية، وهناك تبدأ إحدى أقوى المآسي الدرامية. فيشهد في عجز تمرد الحي اليهودي وسحقه من طرف النازيين، وتنقذه الموسيقى إذ يسمعه ضابط ألماني ويعجب به، ويساعده على الاختباء من الجيش.
يواكب الفيلم مسيرة فلاديسلاف منذ احتلال بولندا ولغاية سقوط النازية، والتي تأتي عبر مجموعة من المشاهد المرتبطة ببعضها البعض بإحكام، إذ يحبسنا بولانسكي مع بطل قصته زيبلمان في مساحات ضيقة وشقق كئيبة تتجول فيها الكاميرا بخصوصية تجعلك ترى الأشياء كما يراها زيبلمان فتفقد التركيز وتصاب بحيرة كبيرة أمام ما يجري وتشعر للحظات كثيرة بأن الدمار بات وشيكا، وبأن الأمل لم يعد له وجود ومما يساعد على تكريس هذا الشعور أداء النجم ادريان برودي الحركي وانفعالاته الجسدية والتي اختصرت على المُشاهد الكثير من الحوارات وجعلته متعلقا بالكامل بمتابعة همسات وسكنات هذا الشاب النحيل ذو الوجه الحزين والممتلئ بمعاني الشموخ والنبل وحب الموسيقى.
الفلم بشكله العام لا يتحدث عن الحرب بشكل توثيقي، إذ يظهر ولاول مرة بين سلسلة الأفلام التي عالجت الموضوع شخصية اليهودي سلبية بمعنى إنها تتعامل مع الألمان المحتلين لبولندا بشكل واضح قد يجعل البعض يشكك في نوايا صناع الفيلم، ولكن هذا التناول الإنساني العميق لمأساة عازف البيانو وكيف يرى الحرب ويتعامل معها من بعيد لبعيد مع أنه يعيش في قلبها ولأيام وشهور عديدة، يتم استعراضها تباعا وبكل صبر وأناة من قبل المخرج الذي أعطى كل مشهد حقه من الواقعية المدهشة والصادمة، مما يجعلنا نتعاطف مرغمين مع هذا العازف الذي تحول بفضل الحرب إلى ماكينة تفريخ للحياة ترفض الموت وتعطي المشاهد زخما روحيا متجددا ولحظات من الأمل يتم سرقتها خلسة وسط هذا الكم الكبير من المآسي.
يتميز سيناريو الفيلم بالدقة والإحكام، من حيث استخدامه المفردات التعبيرية الكلامية والصورية البليغة، فالمخرج يعبر عن رؤيته بلغة سينمائية خاصة، ويقدم لنا نموذجا فريدا في كيفية استخدام كل عنصر من عناصر اللغة السينمائية في محله، بحيث يكون الفيلم شكلا ومضمونا كلا واحدا متكاملا ودقيقا ومحكما.
فأحجام اللقطات يغلب عليها الحجم المتوسط، وهو اكثر الأحجام عقلانية، إذ يضع بين الشاشة والمشاهد مسافة تسمح له بالتأمل فيما يشاهده، ارتبط هذا دائما مع زوايا الكاميرا المستوية والمواجهة للموضوع المعروض، وكذلك غلب على الكاميرا التحرك بمختلف الاتجاهات، وبشكل خاص حركة استعراضية من اجل كشف الموضوع.
يتميز في مجمل الفيلم عدة مشاهد اهتم المخرج في تشكيلها الجمالي من حيث الموسيقى أو الإضاءة أو أحجام اللقطات، فجاءت مؤثرة اكثر من غيرها، خصوصا مشاهد دمار الحي اليهودي.
(عازف البيانو) عمل فني متكامل يستحق التقدير لانه يحمل نضجا سينمائيا بإيقاعه وتصويره ومونتاجه وموسيقاه وأداء ممثليه الرائع، فهو يعبر عن حكمة ورؤية فنان يفكر بأسلوب سينمائي خاص.



#ليث_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغة السرد في الفيلم المعاصر
- العِلاّقة بين الرواية العربيةِ الجديدة والفيلمِ العربي
- السينما الإيرانية تكسر حاجز الصمت وتثير أسئلة قلقةمن (سعيد) ...
- مشروع شامل للتكفل بقطاع السينما
- وقوف على أطلال السينما العراقية


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث عبد الكريم الربيعي - عازف البيانو....موسيقى من قلب المأساة