أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - يا دُفعة... قصة قصيرة.















المزيد.....

يا دُفعة... قصة قصيرة.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 6 - 06:45
المحور: الادب والفن
    


"يا دُفعة"

لا يعرف السرّ وراء التصاق تلك الجملة برأسه، ولا لماذا تستدعي وجه "حسين فهمي" الوسيم، قضى ليالٍ كثيرة يفكر في ابتسامتها حين رأته لحظة كان يعبر الحارة بملابسه الميري لأول مرة في أجازته الأولى التي استحقها بعد تسعين يومًا في معسكر تدريب الأمن المركزي في صقر قريش. على باب الحارة زغردت الجارة الطيبة حين رأته يهلّ بوجه محروق وأشدّ سمرة مما كان، حتى أنه أمام قطعة المرآة المتواضعة في الحمام، راح يحاول أن يحدد وجه الشبه بينه وبين "أحمد زكي" في فيلم "العمر لحظة". فشل في إيجاد الصلة بينهما، إذ استدعى عقله صورة "حسين فهمي" لا "أحمد زكي"، ولم ينشغل كثيرًا بأن الرجل لم يكن ضمن أبطال الفيلم. مرت مدة الـ"48 ساعة" كأجازة ترحيل سريعًا، وكان عليه أن يُسرع ليصل إلى محطة قطار "دمنهور"، في رحلة العودة إلى معسكر التدريب ضمانًا لعدم التأخير، ومدفوعًا بتحذير قائد السرية في معسكر التدريب:
- "اللي هيتأخر عن ميعاد رجوعه، هألبسه طرحة قدام المعسكر كله".
في الليلة الماضية وعلى قهوة "الزناتي" راح يستمع بانتباه إلى التوصيات التي ينقلها له الأقدمون من أبناء البلدة حول ضرورة أن يسافر إلى القاهرة مرتديًّا "الملابس المدنية"، حتى يتفادى سخافات عساكر شرطة الانضباط في محطة "دمنهور" ومحطة رمسيس. في اليوم التالي ضرب بكل النصائح عرض الحائط، وقرر في مخاطرة جريئة أن يُسافر بملابسه الميري، متسلحًا بجملته التي تعلمها في معسكر التدريب:
- "الانضباط والالتزام هو ضمان سلامتك يا دُفعة".
ما أن دخل المحطة حتى هجم عليه فردان من شرطة الانضباط، واقتادوه إلى مكتبهم خلف المحطة، وظلّ لساعات متحفظًا عليه، قبل أن يُسمح له بالمغادرة، بعدما تعلم الدرس جيدًا والذي استخف به بالأمس.
- "بتوع دمنهور مبيفوتوش النملة... خلي بالك منهم وأنت في المحطة".
كان عليه أن ينتظر لأكثر من ساعتين قبل أن يُلقى بنفسه في واحد من القطارات التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وتحمل من خلائق الله الذين صوبوا وجههم شطر القاهرة لتبتلعهم بصخبها وقسوتها وتعلمهم درس الحياة العظيم، وكيف يمكن لمدينة أن تبتلع الفقراء من الريف وأحلامهم، ثم تنادي كل يوم، هل من مزيد. قرر الدخول إلى مرحاض القطار، وأن يخلع "البدلة الميري" ويرتدي جلبابه الذي يُغطي به ما لذَ وطاب من الطعام في حقيبته. طوى ملابسه العسكرية بعناية، ووضعها في الحقيبة، ثمّ عاد إلى مكانه، وأسلم نفسه إلى سلطان النوم الجميل.
قبل أن يصحو على صوت البياعين في محطة "طنطا"، كانت ابتسامتها التي رآها في مدخل الحارة تملأ نومه بأحلام الحبّ والسعادة، ورآها إلى جواره في ليلة بدا كأنها ليلة زفافهما معًا. نادى على أحد الباعة:
- "هات اتنين عسلية".
يُحب العسلية كونها تحمل اسمها، ويراهن أن محبتها لا تقلّ حلاوة عن العسلية، بل تزيد حلاوتها كلما يتذكر ابتسامتها وجملتها التي تستدعي "حسين فهمي" إلى عقله.
- "والنبي البدلة الميري هتاكل منك حتة، زي بتوع أفلام حرب أكتوبر".
هكذا ارتبط "حسين فهمي" والبدلة الميري في عقله، أو لعل ذلك أقرب التحليلات إلى سرّ التصاق تلك الجملة بعقله.
في محطة رمسيس حاول أن يضيع وسط موجة الخلائق الذين لفظتهم القطارات إلى المحطة، وفي لمح البصر سأل أحدهم عن محطة المترو، والتزم إشارته في الحال. في المترو سأل عن محطة المعادي، إذ توجب عليه النزول. نظر في ساعة يده وعرف أنه تخلف عن الموعد المتفق عليه مع الزملاء للقاء أمام باب محطة مترو المعادي، لكن ما زال يملك ساعتين من تلك الـ"48 ساعة". المسافة من محطة المترو إلى المعسكر لن تأخذ منه أكثر من ثلاثين دقيقة. لن تُضيعه شوارع المعادي المتشابهة في عينيه، وينبغي أن يفتش عن مقهى في الطريق فحاجته ماسة إلى "كوباية شاي" كي يعتدل مزاجه. لا يعرف لماذا سأل صبي القهوة عن الطريق إلى المعسكر، لعله أراد التأكد من خريطته الذهنية التي حفظها برأسه.
شوارع المعادي صارت أكثر سكونًا بعد أن انتهى الآذان لصلاة العشاء، وعليه الآن أن يُبدل ملابسه إذ صار قاب قوسين من المعسكر. تخير واحدة من الأشجار التي تظلل أحد الأرصفة والسيارات، وفي جوار سور واحدة من الفيلات راح يُبدل ملابسه.
- "أنت يا حيوان هناك".
لم يُعر الصوت أي انتباه، حتى حين تكرر لم يشغله. عليه أن يُسرع، استقام عوده، راح يضبط هندام "البدلة الميري"، واستعان بمرآة السيارة المركونة إلى جواره، بينما الصوت يكرر بانفعال أوضح:
- "أنت يا حيوان هناك".
تابع ما كان فيه، ثم جلس فوق "كبوت" السيارة وراح يتمم على حذائه الميري ولمعانه، دون أن ينتبه أن صاحب الصوت وقف إلى جواره، وراح يصرخ:
- "ابعد يا بني آدم عن العربية!!".
انتبه إلى الصوت، كان رجلاً وسيمًا جدًا تنز حمرة النعيم من وجهه، ودخان سيجارته يتصاعد في غضب في المسافة بينهما.
- "انزل من فوق العربية يا حيوان أنت!!".
لم يُصدق نفسه، كان بملامحه التي تتجسد على الدوام في ذهنه، كان بشحمه ولحمه.
- "أستاذ حسين فهمي!".
- "أيوه يا حيوان... ابعد عن العربية!!".
صدمته الجملة، وتحطمت الصورة الجميلة للرجل في الحال، فبادله الصراخ:
- "بتقول لي أنا حيوان يا أستاذ حسين!! يعني أنت قاعد في القصر ده براحتك، وإحنا بنسهر في العسكرية علشان نحميكم، وفي الآخر تقول لي حيوان!!".
ثم راح يخلع حذاءه بعصبية، ويقذف به في سور الفيلا، وتابع يخلع "البدلة الميري"، ويلقي بها في الأرض، وصوته المخنوق يعاتب الرجل:
- "طيب وآدي البيادة، وآدي البدلة، ومش عايز أبقى لا شبهك ولا شبه أحمد زكي، ولا عايز أحارب أعداء الوطن حتى!!".
يقولون في البلدة، أنه في تلك الليلة، حاول الفنان "حسين فهمي" تدارك الأمر حين ظنّه مخبولاً، وأخذ يعتذر له، ويبالغ البعض في روايته فيقول بأن الفنان الوسيم استضافه في "جنينة الفيلا" وشرب معه القهوة لأول مرة في حياته، وهو ما يعلل سرّ تفرده على القهوة فيما بعد في طلب "القهوة المظبوطة"، وزادوا أن الفنان منحه ورقة من فئة "مائة جنيه مصححة"، وأهداه صورة شخصيه ما زال يحتفظ بها في محفظته وتحمل توقيعه الشخصي، بعبارته:
- "إلى سيد أحمد، الدفُعة الهُمام... احترامي، حسين فهمي".



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كذبة إبريل
- مرايا -قصة قصيرة-
- تهنئة عيد ميلاد... إلى Man Mikha (عبد الرحمن مختار)
- صورة أبي
- كراهية
- أنا المنسي
- رباعيات نبي مرفود
- في قعر الفنجان
- جذر تكعيبي
- كيف بوابين... نص أدبي.
- كلب ضال
- قصة لم تنتهِ
- أنا مستقيل.. في وداع -أبو خروف-
- طبق العشاء الأخير.
- الزعيم والكينج، وفاصل من سقوط جديد
- سمّ خياط قلبي
- قلبٌ في زيت القلي
- خدش الحياء المتوهم
- في مرة خلقني الله يوم الأربعاء
- أجمل من إله.


المزيد.....




- -روائع الأوركسترا السعودية- تشدو بألحانها في قلب لندن
- التمثيل السياسي للشباب في كردستان.. طموح يصطدم بعقبات مختلفة ...
- رشاد أبو شاور.. رحيل رائد بارز في سرديات الالتزام وأدب المقا ...
- فيلم -وحشتيني-.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - يا دُفعة... قصة قصيرة.