سلمان رشيد محمد الهلالي
الحوار المتمدن-العدد: 5512 - 2017 / 5 / 5 - 00:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الصحافة الايديولوجية في العراق (قراءة في صحيفة صوت الطليعة البصرية)
المقدمة
يمكن تعريف الصحافة الايديولوجية بانها تلك الصحافة التي تكون مقتصرة في خطابها واراءها واطروحاتها على ايديولوجية سياسية معينة ، تعمل على ترسيخ افكارها والترويج لخطابها من خلال التكرار والايحاء والتركيز على النشاطات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تقوم بها . وقد شهد العراق انتشارا لافتا في اصدار الصحافة الايديولوجية , ذات التوجهات الثورية والراديكالية - القومية منها والشيوعية - لاسيما بعد ثورة 1958 التي شهدت البلاد خلالها صراعا عقائديا محتدما بين كلا التيارين على السلطة والنفوذ والهيمنة . فكانت الصحافة هي الميدان الارحب الذي بشر به اتباع هاتين الايديولوجيتين افكارهما واراءهما من اجل كسب الاتباع اولا , ونقد الاخر المخالف بالفكر والممارسة ثانيا . وتميزت الصحافة الايديولوجية الشيوعية بالانتشار والتمدد بعد ثورة تموز 1958 الذي شهد تصاعدا في الخطاب الثوري والعصابي بسبب التلاحم الكبير والتماهي الظاهر بين حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم والحركة الشيوعية اليسارية في البلاد ، فيما شهدت الصحافة الايديولوجية القومية تصاعدا ظاهرا بعد انقلاب 8 شباط 1963 وتسلم اتباعها واحزابها السلطة من خلال المسارين (البعثي والناصري) .
اولا : تعريف الايديولوجيا :
ابتكر مصطلح الايديولوجيا مجموعة من الفلاسفة الفرنسيين في اواخر القرن الثامن عشر وبواكير القرن التاسع عشر عندما اراد مفكرو التنوير ان يطبقوا المنهج العلمي الجديد على فهم العقل بتقرير اجوبة نفسية عن اسئلة فلسفية ، وكانت الايديولوجية اي (علم العقل) او (علم الفكر) هي دراسة اصل الافكار وتطورها . وقد اشتقت في اللغات الاوربية الحديثة من كلمة يونانية مركبة قديمة تتالف من كلمتين هما (ايديا) التي تعني الفكر و (لوغوس) التي تعني العلم او العقل . وقد استعملها اول مرة الفيلسوف الفرنسي (دي ترايسي) (1754 - 1836) في كتابه (عناصر الايديولوجيا) وقد احتضن قادة الثورة الفرنسية الفلسفة التجريبية التي كانت تعكسها او تطرحها الايديولوجيا الحديثة باعتبارها سلاحا ضروريا للتصدي للعقائد السياسية والدينية الاستبدادية التي استخدمها النظام القديم في تبرير سلطته وفرضها على الناس .
وقد استعملت مفردة الايديولوجية باشكال متعددة ومعان مختلفة اهمها :
1. تدل لفظة الايديولوجيا على التأمل النظري والتفكير المجرد او التصور الشبيه بالحلم . وهذا يعني ان طلاقا وانفصاما كاملا قد يحصل بين الايديولوجيا والواقع . فهي لا تنعكس عنه ولا تشتق منه ولا تتعامل معه ولا تدل عليه .
2. تدل لفظة الايديولوجيا على انها نسق من الاراء والافكار السياسية والقانونية والدينية والفلسفية . وهي جز من البنية التحتية التي تعكس العلاقات الاقتصادية السائدة . وبحسب الماركسيين فقد تكون الايديولوجيا علمية وقد تكون غير علمية . اذ هم يعدون الفلسفة الماركسية ايديولوجيا علمية تعبر عن مصالح الطبقة العاملة والاغلبية الساحقة من الجماهير الكادحة (كذا). وهذا يعني ان هدف الايديولوجية هو تسلم السلطة من اجل التعبير عن اراءها وتحقيق اهدافها ضمن الحلول الجاهزة التي عرفتها او نادت بها خلال مرحلة المعارضة . بمعنى ان الايديولوجيا تكون منهج او طريق من الافكار المحددة والمثالية التي تعمل او تنادي لتغيير الواقع من خلال السعي المتواصل والحثيث للاستيلاء على السلطة سواء كان بالوسائل الديمقراطية او بالانقلاب العسكري والثوري .
3. عرف معجم القرن العشرين الذي صدر عام 1931 الايديولوجيا بانها منظومة من الافكار التي تتبلور على شكل عقيدة سياسية او اجتماعية تقوم على سياسة حكومة او احزاب معينة . بمعنى ان هناك ايديولوجيات قومية ودينية وفاشية وبرجوازية واشتراكية وشيوعية وفوضوية وتحررية ... الخ
وقد شهدت المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية ظاهرة بروز الايديولوجيات الرفاقية الوافدة من الغرب التي تطرح حلولا جاهزا للاشكالات المستعصية في البنى الاجتماعية التي يرزح تحت ظلها العالم العربي . وقد تبنى تلك الايديولوجيات قطاعا العصابية قطاعا واسعا من المتعلمين والمثقفين في المجتمع العربي الذين اطلق عليهم تسمية الانتلجنسيا الثورية حتى انقسمت النخب السياسية والفكرية والتعليمية الى قسمين (قومي) و (شيوعي) . وقد تسلم اغلب اتباع هذين المنهجين السلطة في العالم العربي عبر سلسلة من الانقلابات العسكرية التي اطاحت بالانظمة الملكية شبة الليبرلية المتحالفة مع الغرب والتي كانت تصفها بالرجعية والعميلة .
ثانيا : الصحافة الايديولوجية في العراق :
بدأ اصدار الصحافة الايديولوجية في العراق مع توافد الايديولوجيات الجاهزة في الربع الاول من القرن العشرين . وقد برزت بصورة واضحة مع تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 . وكانت الايديولوجيا الماركسية من اوائل التيارات الفكرية – السياسية التي تولت اصدار الصحف والمنشورات , وذلك من اجل الترويج لافكارها واهدافها والمتبنيات التي تروم تحقيقها . فقد اصدر (حسين الرحال) الذي اسس اول حلقة اشتراكية (او ماركسية في المصادر الدارجة) في بغداد مجلة (الصحيفة) في كانون الثاني 1924 التي اخذت على عاتقها الترويج والتبشير بالافكار الماركسية . فيما تعد صحيفة (كفاح الشعب) السرية التي صدرت عام 1935 اول صحيفة ظهر فيها اسم الحزب الشيوعي صراحة بعد تاسيس (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) التي كانت واجهة علنية للحزب الشيوعي العراقي المحضور انذاك .
اما الايديولوجيا القومية فقد اصدرت اول مجلة لها عملت على الترويج لخطابها القومي باسم (الفتوة) لصاحبها سعدي كمال عام 1934 وحملت توجها ذات طابع سياسي متاثر بالمطارحات الفاشية والنازية انذاك . وفي العام التالي 1935 تطور النشاط القومي في العراق بعد تاسيس نادي (المثنى بن حارثه الشيباني) الذي ضم شخصيات اصبحت فيما بعد من قادة الاتجاه القومي في العراق امثال محمد مهدي كبة ويونس السبعاوي وسعيد الحاج ثابت وقاسم حمودي ومحمد حيدر سلمان ونعمان العاني والكاتب الفلسطيني اكرم زعيتر . وقد اصدر هذا النادي مجلة (المثنى بن حارثه الشيباني) عام 1936 ابان حكومة ياسين الهاشمي الاخيرة . بعد ذلك صدرت صحيفة حملت اسم (المستقبل) عام 1937 عملت ايضا على مهاجمة السياسة البريطانية في العراق .
بعد سياسة المراسيم التي اعلنتها وزارة نوري السعيد الثانية عشر عام 1954 عطلت الاحزاب والحركات والجمعيات السياسية عن العمل واغلقت جميع الصحف الليبرالية والايديولوجية والمستقلة , واستمر الحال حتى اعلان ثورة 14 تموز 1958 الذي شهد رواجا وانتشارا منقطع النظير في اصدار الصحف ذات التوجه الايديولوجي رغم بعض المضايقات التي حصلت من قبل الحكام العسكريين والمتصرفين في الالوية والمدن العراقية , الا ان هذا لايمنع من اصدار بعض الصحف الشيوعية سرا , سواء اكانت من التنظيم الرسمي الاساسي للحزب الشيوعي العراقي او التنظيمات المنشقة عنه كما في الصحف (الشرارة والاتحاد والعصبة وسورش والنجمة والقاعدة والاساس والحرية ) ويبدو ان المنشقين كانوا يطبقون نصيحة او مقولة الزعيم والمفكر الروسي لينين (اعطني صحيفة اعطيك حزبا) بمعنى ان تشكيل حزب قد يكون سهلا من خلال اصدار صحيفة تنطق باسمه وتروج لافكاره .
وكان من اهم هذه الصحف (اتحاد الشعب) التابعة للحزب الشيوعي العراقي التي صدرت عام 1959 بعد طلب قيادة الحزب من الزعيم عبد الكريم قاسم بالموافقة على ذلك . واصبح عبد القادر اسماعيل البستاني رئيسا للتحرير واشرف عليها مباشرة كل من عامر عبد الله وزكي خيري وبهاء الدين نوري . وقد استخدمها الحزب لعرض الاحداث السياسية والفكرية بحسب وجهة النظر الماركسية – اللينينية . وهي اكبر صحيفة ايديولوجية توزع في تاريخ العراق انذاك , حيث بلغ مقدار طبعها يوميا اكثر من (30) الف عدد . كما شهدت هذه البواكير الاولى لظهور الصحف والمجلات التي تتبع الايديولوجيا الاسلامية – السياسية واهمها مجلة الاضواء التي صدرت في النجف من قبل جماعة العلماء , وهى تختلف عن الصحف والمجلات الدينية التقليدية التي كانت تصدر باستمرار قبل هذا التاريخ في بغداد وغيرها من الوية ومدن العراق .
بعد انقلاب 8 شباط 1963 الذي قام به البعثيون واسقاط حكومة عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي العراقي المؤيد له ، انتشرت في البلاد حمى اصدار الصحف القومية البعثية منها والمستقلة , بالتضامن مع هوية الحكومة الانقلابية التي هيمن عليها القوميون . ومن ابرز تلك الصحف ذات الايديولوجيا القومية التي حصل اصحابها على موافقة وزارة الارشاد في اصدارها :
1. لواء العروبة
2. الوحدة
3. الكفاح
4. الرسالة
5. الجيل
6. الوحدة الكبرى
7. الخليج العربي
8. وعي العمال
9. صوت الجماهير
وبعد احتدام الصراعات الشخصية والسياسية التي حدثت بين اجنحة حزب البعث الحاكم في تشرين الثاني 1963 استغل الرئيس عبد السلام عارف الموقف لصالحه في التخلص من البعثيين نهائيا والاستفراد بالسلطة , فقام باعلان الاحكام العرفية وتعطيل جميع الصحف والمجلات في العراق حتى بقيت البلاد مدة ثمانية ايام بدون صحيفة سياسية او يومية او حتى مستقلة ، وهو امر لم يحصل في تاريخ الصحافة في العالم من قبل .
بعدها حصلت الموافقة على اصدار الصحف المستقلة ذات التوجه الأيديولوجي القومي الناصري والموالي للسلطة العارفية واهما (العرب) (الثورة العربية) (صوت العرب ) (الجمهورية) (الانباء الجديدة) وغيرها . واستمر الحال على ماهو عليه حتى الانقلاب البعثي الثاني في تموز 1968 وبداية تأسيس او تكوين الدولة الشمولية في العراق , حيث حصل تقييد لامثيل له في حرية الصحافة , ولم يسمح بإصدار اي صحيفة تخالف التوجه السياسي والايديولوجي لحزب البعث الحاكم , مع تصاعد لافت في اصدار الصحف والمنشورات المؤيدة للسلطة الحاكمة او تلك التي تعمل على تبرير اعمالها او تروج لخطابها السياسي والايديولوجي . ومن اهم تلك الصحف التي صدرت بعد انقلاب تموز 1968 (الثورة) (الجمهورية) (مجلة الغد) (مجلة وعي العمال) (مجلة الطليعة)(مجلة افاق عربية) (مجلة الناصرية) وغيرها . كما سمح باصدار بعض الصحف والمجلات الشيوعية من اجل التمهيد لتاسيس وتشكيل ما اطلق عليه الجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام 1973 منها (طريق الشعب) (الثقافة الجديدة) (الفكر الجديد) وغيرها .
وبعد عام 1979 وتولي صدام حسين رئاسة الجمهورية في العراق وازاحة الرئيس احمد حسن البكر اغلقت الصحف والمجلات الشيوعية بعد حل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وانفراط عقدها ، ولم يبق في الساحة الاعلامية سوى جرائد ومجلات حزب البعث الحاكم , التي استمرت بالصدور اكثر من عشرين عاما حتى سقوط نظام حزب البعث عام 2003 . برزت بعدها الصحف والمجلات التي تتبع الايديولوجية الاسلامية السياسية التي تصدرها التنظيمات والاحزاب الاسلامية في العراق بشقيها الشيعي والسني , ولايمكن الاحاطة باسماء واعداد هذه الصحف والمجلات , ليس لان جميع تلك التنظيمات اصدرت الصحف الخاصة بها , وانما توزعها على جميع نواحي واقضية العراق , مستغلة اجواء الحرية والتعددية السياسية والثقافية في البلاد .
ثالثا : قراءة في صحيفة صوت الطليعة :
تعد صحيفة (صوت الطليعة) اول صحيفة ايديولوجية في مدينة االبصرة , وهى جريدة سياسية نصف اسبوعية لصاحبها نصيف جاسم الحجاج ومدير الادارة عبد الجبار الشيخ . منحت الامتياز في الثاني من نيسان 1959 وتوقفت عن الصدور في السادس من اب 1961 . وتوجد اعداد 1959 في دار الكتب والوثائق في بعداد (المكتبة الوطنية) واعداد 1960 في مكتبة المتحف العراقي . وكانت تطبع في البدء في مطبعة الخير للعبايجي ثم اقتنت مطبعة خاصة بها اطلق عليها مطبعة صوت الطليعة , وقد عبرت عن افكار واراء الحزب الشيوعي العراقي الذي شهد تصاعدا في نفوذه وقوته بعد ثورة تموز 1958 من خلال دعمه الكامل والمطلق لحكومة الثورة بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم , وتغطية نشاطات الحزب في الالوية (المحافظات) الثلاث (البصرة والناصرية والعمارة) . وقد ادرجت الصحيفة فوق عنوانها الرئيسي شعار الحزب الشيوعي العراقي المعروف (وطن حر ... وشعب سعيد) وهو الشعار الذي استعاره من الحزب الشيوعي السوري . وكان محور اعداد جريدة (صوت الطليعة) هو القضايا الاساسية الثلاث (علما ان استعراضنا سيكون بحسب لغة ولهجة الصحيفة السياسية والعقائدية ولايعني ذلك اننا مؤيدون او داعمون لتلك التوجهات والمنطلقات الثورية والعصابية التي تنادي بها) :
1. القضايا الفكرية التي تخص الايديولوجيا الماركسية .
2. القضايا والتقارير والاخبار السياسية الدولية .
3. القضايا والتقارير والاخبار السياسية المحلية .
حمل العدد الاول الذي صدر في 13 حزيران 1959 موضوعا يعبر عن الجانب الايديولوجي باوضح مظاهره وهو عن (مراحل التعليم في الاتحاد السوفيتي) والموضوع يدخل في دائرة الترويج والدعاية لصالح حكومة الاتحاد السوفيتي , التي يعدها الشيوعيون في العالم اجمع – ومن ضمنهم العراقيون – الاب الروحي والمرجع الفكري والسياسي لجميع الحركات والاحزاب والجمعيات والشخصيات الشيوعية في العالم (عدا الاحزاب الشيوعية في اوربا الغربية) التي يجب الدفاع عنها والترويج لسياساتها وانجازاتها في جميع المجالات التعليمية والعسكرية والاقتصادية وغيرها.
حمل العدد الثاني من الصحيفة افتتاحية بعنوان (الاصلاح الزراعي ركن اساسي في ثورة 14 تموز) استعرضت فيها اهمية قانون الاصلاح الزراعي الذي صدر في مطلع ثورة تموز 1958 والذي حدد ملكية الاراضي الزراعية وطريقة توزيعها على الفلاحين والدور الايجابي الذي يشكله في تحقيق العدالة الاجتماعية وازالة سلطة الاقطاع في العراق . وقد اشار الدستور العراقي المؤقت الذي اعلن عام 1958 في المادة الرابعة عشر على ان (الملكية الزراعية تحدد وتنظم بقانون) وقد لخص وزير الزراعة هديب الحاج حمود اهداف قانون الاصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958 على ضرورة القضاء على الاقطاع كاسلوب للانتاج وازالة النفوذ السياسي والاجتناعي الذي يتمتع به, واهمية رفع مستوى الانتاج الزراعي في البلد والذي يؤدي لا محالة الى رفع مستوى طبقة الفلاحين .
وقريب لموضوع الافتتاحية نشرت الصحيفة خبرا محليا عن (جريمة يرتكبها الاقطاع في الناصرية) اشارت فيه الى ان عصابة مجرمة كونها وسلحها الاقطاعيون في سوق الشيوخ تقوم بالتحرش بالفلاحين والجمعيات التعاونية من خلال اثارة الفوضى والاضطراب في المدينة ومنع تطبيق قانون الاصلاح الزراعي .
وفي محور القضايا المحلية ايضا , ادرجت الصحيفة خبرا لقاء وفد الشبيبة في البصرة مع رئيس محكمة الشعب العقيد محمد فاضل المهداوي . ومنظمة الشبيبة الديمقراطية برزت بقوة بعد ثورة 1958 وهيمن عليها الشيوعيون بصورة ظاهرة , وافتتح الزعيم عبد الكريم قاسم مؤتمرها الاول تحت شعار (للعمل ، للاتحاد ، لصيانة الجمهورية) وانتخب نوري عبد الرزاق رئيسا للمكتب التنفيذي للاتحاد الذي كان يتالف من (27) عضوا ابرزهم الشاعر عبد الوهاب البياتي والممثل يوسف العاني والسياسي نصير الجادرجي , وافتتحت لها مكاتب وفروع في اغلب مدن والوية العراق .
استعرضت الصحيفة في محور القضايا الايديولوجية الماركسية تقرير الرفيق خرتشوف رئيس مجلس الوزراء في اتحاد الجمهوريات السوفيتية في المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي تحت عنوان (الوضع في بلدان الشرقين الادنى والاوسط) مع صورة للزعيم السيوفيتي خرتشوف . وقد اكد التقرير على مواصلة الحزب الشيوعي السوفيتي في دعم حركات التحرر ومقاومة الاستعمار في بلدان العالم الثالث وخاصة في اسيا وافريقيا . وياتي هذا الدعم في سياق الحرب الباردة بين المعسكر الليبرالي الراسمالي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية والكتلة الشيوعية التي يتزعمها الاتحاد السوفيتي ، والجهد الذي بذله الطرفان في الهيمنة والنفوذ على اكبر عدد من الدول والحكومات في العالم الثالث وضمها الى صفوفها في هذا الصراع الذي استمر اكثر من (45) عاما (1945-1991) وانتهى بانتصار المعسكر الليبرالي وانهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي .
وفي محور القضايا الفكرية ايضا ادرجت الصحيفة موضوعا حول (لينين وايمانه بالجماهير) مع صورة خاصة له ايضا . ذكرت فيه الاقتباسات والعبارات التي سبق ان ذكرها المفكر الماركسي الروسي المعروف فلاديمير ايليتش اليانوف المعروف ب (لينين) في امتداح دور الجماهير (وهى المفردة المحسنة للعامة) , ودورها في تعزيز الحركة الماركسية وترسيخها في العالم اجمع , ودعوته الصريحة للثورة والتمرد على القوى الراسمالية والاقطاعية .
وضمن سياق نقدها وهجومها على الدول المتحالفة مع الغرب ، شنت صحيفة صوت الطليعة هجوما على الحكومة الكويتية , بدعوى مواجهة المعارضة السلمية وحركات التحرر فيها بعنوان (الخليج العربي والارهاب في الكويت) اتهمت فيه تلك الحكومة صراحة بالعمالة والخضوع الى الدول الغربية .
وحمل العدد الثالث افتتاحية بعنوان (لن تمر المؤامرة من هنا) شنت فيها هجوما على الدول الغربية التي وقفت بالضد من حكومة الثورة في العراق , لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا . واتهمت بعض الدول العربية كالاردن والسعودية والكويت والجمهورية العربية المتحدة بالعمالة للغرب والتآمر على الجمهورية العراقية الفتية . واستعرضت الحملة المنظمة التي يقوم بها الاعلام العربي بدعوى الخوف على عروبة العراق والتشويش ضد انجازات الجمهورية والقوى الرئيسية الفاعلة فيه ، وبينت ان الشيوعيين سوف يبقون امناء لعهودهم في دعم الزعيم عبد الكريم قاسم وحماية مكتسبات الثورة في الاستقلال والحرية .
وضمن محور القضايا المحلية , ادرجت الصحيفة خبر قيام احتجاجات فلاحية وجماهيرية ضد اعمال الشيوخ الاقطاع في الناصرية , لاسيما ادعائها قيام الشيخ محمد النصر الله باثارة الفوضى والاضطراب ضد الجمعيات الفلاحية وحملات توزيع الاراضي الزراعية على الفلاحين ضمن قانون الاصلاح الزراعي الذي اعلنته حكومة الثورة .
وضمن هذا المحور ايضا ادرجت الصحيفة خبر استعراض وفد الشبيبة الديمقراطي في لواء البصرة بعد المؤتمر التاسيسي الاول لاتحاد الشبيبة الديمقراطي في العراق , والخطاب الذي القاه في المؤتمر اسعد الشبيبي نجل الشيخ والاديب المعروف محمد رضا الشبيبي .
في منتصف عام 1959 تشكلت جبهة الاتحاد الوطني الثانية في العراق , وضمت الحزب الشيوعي العراق والحزب الوطني الديمقراطي والجناح اليساري للحزب الديمقراطي الكردستاني . وقد نشرت صحيفة صوت الطليعة نص مذكرة الجبهة التي رفعت الى الزعيم عبد الكريم قاسم تعلن فيها دعمها لقرارات وانجازات حكومة ثورة تموز وضرورة توحيد الصفوف بين القوى السياسية الفاعلة انذاك في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية . وقد ادرك عبد الكريم قاسم ان الجبهة مجرد (مشروع شيوعي) لان اغلب الاحزاب الاخرى - لاسيما القومية منها - لم تنضم اليه ، لذا لم يعترف به رسميا .
وبمناسبة اقتراب يوم الثلاثين من حزيران ذكرى انطلاق ثورة العشرين في العراق ، ذكرت الصحيفة خبر الاحتفال الذي سيقام بهذه المناسبة . وادرجت افتتاحية بعنوان (ثورة العشرين مشعل انار طريق النضال) اكدت فيها دور هذه الثورة في تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وحصول العراق على استقلاله من خلال ابدال الحكم العسكري البريطاني المباشر بالحكم المدني الدستوري .
وفي محور القضايا المحلية ادرجت الصحيفة خبر المطالبات التي قام بها فلاحو الرفاعي وعددهم (1900) فلاح الى الزعيم عبد الكريم قاسم بتفعيل قانون الاصلاح الزراعي , وضرورة التوزيع العادل للاراضي الزراعية بين الفلاحين والمالكين السابقين , ويبدو ان المقصود بالاراضي التي يراد توزيعها اراضي ورثة الشيخ موحان الخير الله شيخ الشويلات التي قدرت مساحتها بمليون دونم .
في افتتاحية العدد السادس من صحيفة صوت الطليعة التي حملت عنوان (شعبنا يستقبل بترحاب عظيم عقد جبهة الاتحاد الوطني) اكدت فيها على ان الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الموحد في كردستان قد عقدوا لقاءا لتحديد اسس اعلان الجبهة والمقررات الخاصة التي ستتخذها في دعم حكومة ثورة تموز , وسبل توحيد العمل السياسي بين الاحزاب الثلاث كما ادرجت خبر ترحيب الشخصيات والمنظمات باعلان تأسيس جبهة الاتحاد الوطني .
وفي سياق محور القضايا الدولية ذكرت الصحيفة خبرا بعنوان (الجماهير السوفيتية تهتف بحياة العراق الذي اطاح بأكبر قلعه من قلاع الاستعمار(كذا)) .
وضمن محور القضايا المحلية ذكرت الصحيفة (ان عناصر الاقطاع والرجعية تواصل تخريبها في الناصرية) , وهو يدخل ضمن سياق التحريض والاستهداف لبعض المالكين في لواء الناصرية , الذين رفضوا قانون الاصلاح الزراعي واخذوا يضعون العراقيل بوجهه.
وبمناسبة مرور عام على اندلاع ثورة تموز 1958 واسقاط النظام الملكي في العراق ، احتفت صوت الطليعة بهذه المناسبة وحملت الافتتاحية العنوان الاتي (14 تموز تذكر) ادرجت فيه الظروف السياسية والاجتماعية التي ادت الى قيام الثورة والاسباب التي ادت التفاف الجماهير حولها ودعمها ، ودور الحزب الشيوعي العراقي في ترسيخ ذلك الدعم والتاييد .
ومن جانبه عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي اجتماعين بهذه المناسبة في يومي 8 و 9 تموز , واصدر بيانا حول هذه المناسبة والتحديات التي تواجه الثورة , والنظام السياسي الجديد والدور الذي يجب ان يقوم به الحزب في دعم الثورة .
وفي محور القضايا المحلية ، انتقدت الصحيفة حملت الاعتقالات التي تقوم بها السلطات الامنية والعسكرية لبعض الشخصيات الشيوعية في الالوية الجنوبية , وخاصة في لواء الناصرية . وادرجت خبر اعتقال السلطات لمسؤول اللجنة المحلية في قضاء الشطرة شهاب حمد التميمي (نقيب الصحفيين العراقيين بعد 2003 ) ضمن دعاوى كيدية يقوم بها بعض الافراد من اتباع العهد الملكي المباد (كذا) .
اصدرت صحيفة صوت الطليعة في عددها التاسع يوم 14 تموز افتتاحية بعنوان (تحية الى الزعيم عبد الكريم قاسم) بمناسبة مرور عام على انتصار ثورة تموز واعلان الجمهورية العراقية . واطنبت فيها مديحا منقطع النظير الى شخصية الزعيم قاسم ودوره في نجاح الثورة والمكاسب والانجازات التي حققتها خلال العام . كما ادرجت التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها البلد وضرورة الاتحاد بين المكونات السياسية والحزبية .
وفي محور القضايا المحلية ادرجت الصحيفة مقابلة مع وكيل رئيس بلدية الناصرية السيد صلاح احمد . استعرضت فيه انجازات مديرية بلدية لواء الناصرية والمعوقات التي تقف بوجه عمل البلدية على الصعيد الخدمي والاجتماعي .
وبمناسبة ذكرى عاشوراء ، حملت صحيفة صوت الطليعة مقالا حمل عنوان (يوم الحسين الشهيد) ركزت فيه على المعاني السامية التي ضحى من اجلها الامام الحسين , لاسيما موقفه ضد الاستبداد والظلم والمطالبة بالمساواة والحرية لابناء المجتمع.
يبقى مفهوم الديمقراطية يكتنفه الغموض عند الحزب الشيوعي العراقي , اذ انه يصف حكومة ثورة تموز عام 1958 بانها ديمقراطية , رغم انها لم تاتي عن طريق الانتخاب , ولم تقم باي ممارسة ديمقراطية في العراق . وبهذا المنحى نشرت صحيفة صوت الطليعة في العدد العاشر افتتاحية حملت عنوان (ستظل جمهوريتنا ديمقراطية تخدم الشعب) ركزت فيه على الوضع الداخلي في العراق والتحديات التي تعترض النظام السياسي الجديد , لاسيما التحديات الاقليمية والدولية , واعطت انطباعا بان الحكومه الشعبيه هى الحكومه الديمقراطيه - وليس المنتخبه - كما هو السائد في الانظمة الغربية والراسمالية .
واما اعداء الحزب الشيوعي العراقي فهم اعداء الثورة بالضرورة ، وهذا ما ذكرته الصحيفة في العدد الحادي عشر في الافتتاحية التي حملت عنوان (من هم اعداء الثورة) اذ ادرجت فيها اسماء المخالفين للحزب الشيوعي والمنافسين له في الساحة الداخلية او الخارجية , وعدتهم بالتالي اعداء الثورة في العراق , ابتداءا من الدول الغربية والجمهورية العربية المتحدة التي يراسها جمال عبد الناصر والقوى والاحزاب الداخلية المخالفة بالمنهج والسياسة كالقوميين والاسلاميين والليبراليين .
وضمن محور القضايا المحلية ادرجت الصحيفة اخبار (الحملة الارهابية في لواء الناصرية) مؤكدة ان الاجهزة الامنية في اللواء تقوم بحملة اعتقالات منظمة لكوادر الحزب الشيوعي العراقي بتهم كيدية واهية , لاسيما في اقضية سوق الشيوخ والشطرة والرفاعي . وان تلك الاعتقالات هي كيفية وانتقائية ولا تستند الى سبب قانوني او حجة واقعية وموضوعية . وكان التوافق بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي العراقي قد انتهى بعد الاعمال المتطرفة والتجاوزات التي قام بها الشيوعيون في الموصل وكركوك ، مما استرعى قيام عبد الكريم قاسم والحكام العسكريين في المتصرفيات باعتقالهم وزجهم في السجون وطردهم من الوظائف , واستمر الحال على ماهو عليه حتى انقلاب 8 شباط 1963 .
وضمن سياق الاهتمام بقضايا حركات التحرر ومواجهة الاستعمار انذاك ، نشرت الصحيفة في العدد الثالث عشر موضوعا عن الاحتلال الفرنسي للجزائر والثورة التي يقوم بها الشعب الجزائري بعنوان (لا مستقبل للمستعمرين الفرنسيين في الجزائر) اكدت فيها دعم المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي والحكومة العراقية للثورة الجزائرية من خلال تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية .
تميز العدد اللاحق بلقاء خاص مع وزير الارشاد فيصل السامر حول دور الصحافة في دعم الجمهورية . والدكتور السامر هو من الشخصيات الماركسية التي عينها عبد الكريم قاسم في الحكومة بعد مناداة الحزب الشيوعي بالمشاركة في الحكم خلال التظاهرات الكبيرة التي حدثت في بغداد عام 1959 .
كما نشرت الصحيفة كلمة الشيخ حليم كاشف الغطاء حول تقييم ثورة تموز وتاكيده بانها ثورة الشعب باسره . والشيخ حليم كاشف الغطاء من رجال الدين النادرين في النجف الذين استمروا في تاييدهم للثورة واعمالها وانجازاتها , لاسيما بعد التحفظ الذي حصل من قبل الكثيرين منهم بسبب هيمنة الشيوعيين وتحكمهم بالمشهد السياسي والفكري في العراق .
انعكس التوتر الذي حصل بين عبد الكريم قاسم والشيوعيين على المنظمات السياسية والشعبية والمهنية بصورة مباشرة ، حيت تم اغلاقها تدريجيا وضمن مراحل متعددة , وكان من ضمنها (اتحاد الشبيبة الديمقراطي) . وقد انتقدت صحيفة صوت الطليعة اغلاق مقار اتحاد الشبيبة في البلاد واكدت ان هذا القرار قد احدث فراغا هائلا بين الشباب .
وضمن اهتمامها ايضا بالقضايا الايديولوجية والترويج للفكر الماركسي نشرت الصحيفة مقالا مهما للزعيم الماركسي الصيني ماوتسي تونغ بعنوان (اين هم الجماهير).
وحول تطورات الاوضاع الداخلية والصراعات السياسية بين الاطراف الحزبية والاجتماعية اصدر الزعيم القائد العام للقوات المسلحة عبد الكريم قاسم بيان للشعب العراقي دعا فيه الى الوحدة ورص الصفوف والاتحاد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها العراق , لاسيما في هذه المرحلة التي شهدت تصاعدا في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والغربي وانعكاس ذلك على المنطقة العربية باسرها .
وضمن محور القضايا المحلية ذكرت الصحيفة خبر الاعتقالات التي تطال الشيوعيين في لواء العمارة من قبل الاجهزة الامنية والعسكرية . وطالبت في مذكرة رفعتها الى سيادة الحاكم العسكري العام احمد صالح العبدي باطلاق سراحهم والتحقيق بهذه الاعتقالات الكيدية والعشوائية .
وفي سياق الترويج للايديولوجيا الماركسية ايضا نشرت الصحيفة مقالة فكرية في نقد الليبرالية بعنوان (المذهب السياسي والاجتماعي والاقتصادي للانظمة الغربية الديمقراطية في اوربا وامريكا) والمقال يدخل ضمن دائرة الصراع العقائدي والايديولوجي بين اوربا الشرقية من جانب واوربا الغربية وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية من جانب اخر .
تميز المشهد السياسي في العراق بعد ثورة تموز 1958 بظهور وتاسيس النقابات المهنية والفلاحية وتنظيم عملها الخاص للفئات التي تمثلها . وكان من اهم النقابات التي برزت بعد الثورة هي نقابة الصحفيين في العراق , حيث القى الزعيم عبد الكريم قاسم خطابا هاما في المؤتمر التاسيسي الاول ، استعرض فيه اهمية الصحافة في تنوير المجتمع وزيادة الوعي عند ابناء الشعب ، ودورها في تعزيز الوحدة السياسية والتلاحم بين ابناء المجتمع الواحد .
وضمن منهج الترويج الايديولوجي والثقافي للنظرية الماركسية ، نشرت الصحيفة مقالا عن صحيفة البرافدا السوفيتية بقلم رئيس مجلس الوزراء (خورتوشوف) حول مفهوم واهمية التعايش بعنوان (اما الحرب ... واما التعايش السلمي) حذر فيه الغرب من استمرار حالة اللاسلم واللاحرب في العلاقات بين الدول الغربية والدول الشرقية ، مطالبا بحسم هذا الخيار والا فان العالم سيدخل في مرحلة حرجة من العلاقات الدولية .
كما شنت الصحيفة هجوما على الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر , واتهمته بالتآمر على الجمهورية العراقية من خلال الحملات الاعلامية التي كانت تطلقها اذاعة (صوت العرب) من القاهرة , ودعم الاحزاب والحركات القومية والعشائرية في مدينة الموصل بالسلاح والاموال والاعلام , واحتضانها الحركات القومية المعارضة التي اتخذت من القاهرة مقرا لها مثل حركة القوميين العرب وحزب البعث والحركة الاشتراكية وغيرها .
في ايلول 1959 تعرض موكب الزعيم عبد الكريم قاسم الى اطلاق نار من قبل بعض الافراد من تنظيم حزب البعث . وقد انحاز الشيوعيون الى قيادة الزعيم قاسم وادانوا هذا الحادث بقوة , من خلال تنظيم المسيرات الضخمة وارسال برقيات الاحتجاج الاستنكار وغيرها . وقد انعكس ذلك بصورة ظاهرة على الصحف الشيوعية التي تصدر في بغداد والالوية ، ومنها صوت الطليعة التي ذكرت اخبار عدة بهذا المجال منها (البصرة تستعر غضبا لحادث الاعتداء الاثم على الزعيم عبد الكريم قاسم) و (الناصرية تستنكر بغضب الجريمة النكراء) و (صوت الطليعة تستنكر الاعتداء على عبد الكريم قاسم) و (الشطرة تعبر عن غضبها) وكان محور تلك النشاطات هو المظاهرات الطلابية والعمالية والفلاحية التي يقوم بها الشيوعيون والموالون لهم .
وحول محور العلاقات المتميزة بين الاتحاد السوفيتي والجمهورية العراقية , ادرجت الصحيفة نص رسالة الزعيم عبد الكريم قاسم الى رئيس الوزراء السوفيتي خورتوشوف ، تناولت شتى المجالات السياسية وسبل التعاون بين البلدين وخاصة في المسارات الاقتصادية والعلمية والعسكرية . وقد عقدت اتفاقية اقتصادية بين العراق والاتحاد السوفيتي نصت على بنود عديدة اهمها تقديم مساعدات مالية للعراق قوامها قرض مبلغ يعادل (55) مليون دينار عراقي ومساعدات فنية في مجال تقديم الخبرات والارشادات وغيرها .
ونشرت الصحيفه ايضا لقاء مع الدكتور فيصل السامر وزير الارشاد الذ اكد ان المكاسب التي حققتها الجمهوريه العراقيه لم تكن تتحقق لولا مساعدة الاتحاد السوفيتي الاقتصاديه والعلميه , وان العراق سوف لن ينسى تلك المساعدات .
وفي العدد اللاحق دعت صحيفة صوت الطليعه الى تطهير الجهاز الحكومي والاداري في العراق من العناصر التي تقف بالضد من قرارات وتوجهات الجمهوريه , وجاءت هذه الدعوه بعد المطاردات والملاحقات التي تعرض لها الشيوعيون في شتاء 1959من قبل الاجهزه الامنيه والعسكريه .
في هذه المرحله ايضا حاول الحزب الشيوعي العراقي استغلال حادثة او محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم من قبل البعثيين من اجل التقرب اليه واقناعه بوقف الملاحقات والمطاردات ضدهم اولا , وتركيز الهجوم والملاحقة على القوميين والبعثيين الذين يناصبون الشيوعيين والحكومة العداء ثانيا , لاسيما وان الدعم الذي كانوا يتلقونه من مصر كبيرا جدا . وقد سارت صحيفة صوت الطليعة على هذا المنحى ، اذ اكدت في احدى الافتتاحيات بان (المؤامرة بعثية اللون) اتهمت فيه هذه القوى بالتآمر على الجمهورية الفتية ومحاولة اغتيال الزعيم قاسم وضرب الحركة الشيوعية في العراق .
وفي محور القضايا المحلية وجهت الصحيفة نقدا الى عشائر ال سعدون وال مناع في الناصرية لقيامهما بردم جدول حجام الذي افتتح في العهد الملكي . وطالبت بفتح الجدول الذي يوفر المياه لاكثر من الف فرد مع الاراضي الواسعة التي يزرعونها .
كما ادرجت الصحيفة التقرير السنوي لاتحاد طلبة لواء البصرة ، وهو احدى واجهات الحزب الشيوعي العراقي , الذي اكد فيه على دعم حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم والحركة الاشتراكية في العالم.
وضمن سياق الاهتمام بالقضايا المحلية ايضا ، ادرجت الصحيفة مذكرة رفعها المعلمون في قضاء الرفاعي حول قضية الاعتقالات العشوائية التي تقوم بها الاجهزة الامنية والعسكرية ضد المعلمين الشيوعيين دون سبب واضح . وطالبوا باطلاق سراحهم والكف عن استمرار هذه الاعتقالات التي لا مبرر لها سوى بعض الدعاوى الكيدية التي يقوم بها اتباع النظام الملكي البائد.
الخاتمة
من خلال استعراض الصحافة الايديولوجية نخرج بما يلي :
1. ان الصحافة الايديولوجية في العراق هي مصاحبة لتوافد الايديولوجيات بعد تاسيس الدولة العراقية عام 1921 .
2. انها انعكاس حقيقي للايديولوجية ومتبنياتها من قبيل احتكار الحقيقة والراي الاحادي واقصاء الاخر المختلف في السياسة والفكر .
3. تعد وثيقة تاريخية مهمة في بيان واستعراض الحقب السياسية التي مر بها العراق والتحولات الفكرية التي واكبها .
4. ان الايديولوجيا بعد الحرب العالمية الثانية هي انعكاس للحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والراسمالي . وقد انحاز اغلب العراقيين المتعلمين الى المعسكر الاول الذي يرفع الشعارات الماركسية على حساب المعسكر الثاني الذي يرقع الشعارات الليبرالية .
5. الصحافة الايديولوجية القومية في العراق كان لها الحظ الاوفر من التوزيع والانتشار بسبب الدعم الحكومي لها وتسنم اتباعها واحزابها السلطة خلال اربعين عاما (1963 - 2003) .
6. الصحافة الايديولوجية الشيوعية كانت اقرب الى المعارضة خلال تسلم القوميين السلطة , تميزت ايضا بالسرية والكتمان والمحدودية في التوزيع والانتشار .
7. احتوت صحيفة صوت الطليعة على المفاهيم التي تنادي بها عادة الصحافة الايديولوجية الماركسية من قبيل مدح الاتحاد السوفيتي وزعماءه ورموزه , ونقد الدول الغربية والحكومات العربية التي تحالفت معه .
8. اعتمدت الصحيفة منهج الترويج للقضايا المحلية في سبيل كسب الاتباع , وطرح الافكار والتوجهات باسلوب شعبي مبسط حتى تحقق اكبر قدر ممكن من التوزيع والانتشار .
المصادر
1. حسن العلوي , عبد الكريم قاسم رؤية بعد العشرين ، دار الكتاب العربي ، بغداد ، (د . ت) .
2. زاهدة ابراهيم ، كشاف الجرائد والمجلات العراقية ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1977 .
3. سلمان رشيد محمد الهلالي ، عزيز السيد جاسم ودوره الفكري والسياسي في العراق 1941 – 1991 ، دار حروف , بغداد , 2015 .
4. طوني بيتيث واخرون ، مفاتيح اصطلاحية جديدة ، ترجمة سعيد الغانمي ، المنظمة العربية للترجمة ، بيروت ، 2010 .
5. عزيز الحاج ، مع الاعوام صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق 1958 -1969 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1987 .
6. عبد الفتاح علي البوتاني ، العراق دراسة في التطورات السياسية الداخلية 1958 – 1963 ، دار الزمان ، دمشق ، 2008 .
7. عبد الخالق حسين ، ثورة وزعيم ، دار ميزوبوتامبيا ، بغداد ، 2011 .
8. محمد علي كاظم , العراق في عهد عبد الكريم قاسم ,مطبعة الاديب ,بغداد ,1989
9. مليح صالح شكر , تاريخ الصحافة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري ,الدار العربية للموسوعات ,بيروت ,2010 .
10. مجيد خدوري ، العراق الجمهوري ، منشورات الشريف الرضي ، قم ، 1998 .
11. الموسوعة الفلسفية ، ترجمة سمير كرم ، دار الطليعة ، بيروت ، 1984 .
#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟