أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - ما تخلفه الحروب الدامية على المرأة















المزيد.....

ما تخلفه الحروب الدامية على المرأة


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5511 - 2017 / 5 / 4 - 21:50
المحور: الادب والفن
    


أول من يموت في الحرب هو الضمير، والقيم الأخلاقية التي يرتكز عليها أي مجتمع، ويستعاض عنه ببدائل تفرضها مجريات الأحداث. كما تختل التراتبية الاجتماعية التي تقبض عليها فئات محددة بحكم علاقتها بالسلطة القائمة وقوانينها التي تكرسها كأمر واقع.
في الحرب، ينهار الاقتصاد القائم، وتنهار معه هذه القوى الاجتماعية المتماسكة بوشائج القوة التي تعززها السلطة أو الدولة القائمة، وينحدر المهمشون إلى القاع ونحو الجوع والفاقة. في هذه الحالة، تفرض مجريات الأمر الواقع، الحاجة لإعادة إنتاج تراتبية جديدة تنمو من رحم الواقع الجديد، المنهار. هذه التراتبية، تحمل هم نفسها في المعيار الأول.
إن الحرب تفرض واقعاً اجتماعياً مهزوزاً، يفسح المجال للفئات المهزوزة، والقلقة اجتماعياً، في البحث عن دور لها مهما كانت الصفقة في مجتمع اقتصاده منهار، وشبابه قضوا في المعارك الدائرة، وانهارت البنى الاجتماعية القديمة والتقليدية، مما يدفع بالتراتبية إلى التلاشي والموت بفعل تآكل دورها، وتغيب إلى الأبد مؤسسات الدولة القديمة، والحاجة لإعادة علاقات اجتماعية سياسية اقتصادية جديدة، وقوى اجتماعية جديدة انتهازية، متعاونة مع المنتصر في الحرب لقيادة المرحلة السياسية الجديدة.
في هذا المقام سنتناول الحالة الإنسانية العاطفية للنساء، للشابات المقبلات على الزواج، أي في سن البلوغ وفورة الشباب والانجاب.
الحرب كالسجن، كالغربة، أول تحول يحدث للإنسان عندما يتعرض لواحدة من هذه الأقانيم القاسية، أنّ عالمه الداخلي القديم يتمزق، ويتمزق معه أجمل أحلامه وأماله، وأفكاره. وبعد ذلك يدخل ممرات غربتها المعتمة، ويتجول في هذه الغربة دون أن يعرف له موضعاً يلجأ إليه من البرد الذي يكمن في أوصاله. والأسوأ، أنه لا يستطيع التصالح مع ذاته أو العودة إلى سابق عهده مهما حاول.
في هذه الحالة، يكتشف المرء كم أن الحياة عارية تماماً، على حقيقتها وقسوتها، وفساد بنائها.
قد تكون الرواية هي الأقدر على رصد الجانب الإنساني في المجتمع، وخاصة، رواية ذهب مع الريح للروائية الأمريكية مارغريت ميتشل التي سلطت الضوء على الحرب الأهلية الأمريكية.
في هذه المقام سنتناول الحالة العاطفية والاجتماعية للنساء والفتيات اللواتي كنا في مقتبل العمر، للعائلات الكبيرة من المزارعين الذين كانوا يملكون الكثير من الأراضي الزراعية والقصور والعبيد، ثم بين ليلة وضحاها يفقدون كل شيء، المال والمكانة الاجتماعية بفعل التضخم، وانعدام السلع في الأسواق، وحرق الجيش الشمالي المنتصر للبيوت والمزارع ومنتجات الأرض كالقطن والذرة. والأهم أن هذه الحرب قضت على الشبان، على الأحبة الذين قاسموا الفتيات حفلات الرقص والشواء، ولحظات اللقاء الجميلة والحميمية بينهم تحت الشمس اليانعة وضوء القمر، ولحظات العشق اللذيذة، والنظرة الوردية للحياة والمستقبل. والحماس الذي غلّف عقل الشبان للحرب، وتعزيز مكانة الجنوب الذي يملك منتجات الأرض، وارتداء الفتيات أجمل الثياب، ورغبتهن في الحصول على الإعجاب من الحبيب أو الصديق. وعندما تبدأ الحرب يذهب الجميع إليها، إلى حتفه أو تشوه الحرب نفسياً وروحياً ومادياً، فيعود بعضهم وهم القلّة، خاليّ الوفاض، مكسوري الجناح والخاطر ومدمرين على كل الصعد المادية والنفسية.
باختصار من يعود إلى بيته، يعود شبه حطام أو أكثر. لا يرى أهله أو أحباءه، أما إن قتلوا أو شردوا أو حرقوا، والنسوة اغتصبن أو قتلن، أو قتل الأب أو جن فيما إذا بقي على قيد الحياة، أو ماتوا بفعل الأوبئة والأمراض والعدوة. وكل إنسان يحاول أن يداوي جراحه لوحده أو يحاول أن يحمي نفسه، ولا يمكن أن يرى المرء قلباً حنوناً يضمه إلى صدره في بيئة جريحة كثرت القبور والأنصاب.
أغلب النساء يصبحن عوانس، لا حبيب ولا زوج ولا رجل سليم البنية. البعض منهم، أما مقطوع اليد أو الرجل أو محطم نفسياً أو مفقوع العين أو مصاب في مكان ما من جسمه.
إن حالة الوجع الذي تعانيه المرأة في ظل الحرائق والموت والاغتصاب الجسدي والنفسي فظيع جداً.
في هذا المقام يعود الماضي يزين حياتهن، يبقين مسكونات في الماضي، في العاطفة المؤجلة بالحلم المنحسر، والمتخيل كبديل عن واقع حقيقي من لحم ودم في عالم منكسر ومشاعر سوريالية لعالم مهزوم، ونكوص وحسرة وخوف من القادم من الأيام.
بعض النسوة يتمنين موت الحبيب على فقدانه، لأنه على الأقل كان يوجد بعض الجلال في أمر حبيب ميت. والمرأة الشابة التي لم تنجب تلوم المتزوجات وينظرن إلى غيرهن بحسد لأنها تزوجت وأنجبت طفلاً.
عندما تعتاش النساء على الماضي، على حب رحل إلى البعيد، ساقته الأقدار، إلى النهاية المأساوية، إلى هذه الذكريات المرة. والفاجعة العاطفية أن تحتل الأماكن بكل ما فيها من جمال ورونق إلى ثقل، إلى ذكريات تنهش الروح والجسد. ويتحول الواقع القاسي إلى شبق حلم. وتصبح البيوت والأشجار والشوارع والأماكن إلى رموز ودلالات على ذلك الحبيب الذي ذهب ولم يعد، أما قاتل أو مقتول. ذهب وذهب معه الحلم والأمل، وذلك التناغم بين عالمي الرجل والمرأة، واختلاله بموت الرجل وبقاء المرأة وحيدة مع الفراغ والصمت.
الأنكى، عندما تنتهي الحرب ويحل الصمت المقيت الملبس بالحسرة والحزن، ويعود المرء إلى رشدة يحصي خسائره الواقعية، ويهيمن السؤال في ظل الخراب:
ـ لماذا حدث الذي حدث؟
وأكثر إنسان يتأثر بهذا السؤال هم النسوة. ويعود السؤال:
ـ هل كان صواباً ما قمنا به ولأجله؟ الرجال ماتوا أو شوهوا، الحرائق حلّت محل العمران. لماذا تذهب الجهود والأموال في البناء مرة ثم تأتي الحرب على كل شيء مرة أخرى؟ في متوالية مستمرة ودائمة دون إيجاد معادلة مغايرة تنقل عالم الإنسان من حالة الدمار إلى البناء البنّاء.
لم يبق للنساء إلا الفساتين البالية، المرقعة، أثواب قطنية باهتة اللون من النوع الرخيص.
ففي انهيار المجتمع القديم تموت قيمه معه، معادلاته وأفكاره. وتغيب النضارة، وزهوة الشباب والتحليق والجمال. ويتحسرن على الثياب الجديدة الجميلة المزركشة الألوان والورد والعطر في حقائبهن.
أول شيء تفعله الحرب أنها تضفي اللون الشاحب على الحياة. تخفض النساء سقف مطالبهن، يقبلن أي رجل يتقدم للزواج بهن، وتذهب إلى النهاية تلك التراتبية التي كن فيها، ويذهب معه الزيف الذي كن يتكئن عليه، ويموت قانونهم، وتقسى القلوب وتموت الضمائر وتتحجر. وبدلاً من الركوب على الخيول الأصلية يمتطين البغال العرجاء أو المريضة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنظيم في رواية قبلة يهوذا
- الصين في رواية
- الثورة والنهج الأمريكي الجديد
- قراءة ثانية في رواية ألف شمس مشرقة
- الثورة حدث فاصل في التاريخ
- رقص رقص رقص
- المظلومية والمجتمع الرعوي
- عوالم تركية لقيطة استانبول
- العولمة وإدارة الفوضى..!
- ألف شمس مشرقة
- آلموت فلاديمير بارتول
- الديمقراطية السياسية
- رواية قبلة يهوذا
- محنة اليسار
- قراءة في رواية سيرة الانتهاك
- الاغتراب في رواية
- النظام الدولي بعد الحرب الكبرى
- حكاية حنا يعقوب
- الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح
- في مقر منظمة العفو الدولية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - ما تخلفه الحروب الدامية على المرأة