أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جميل حسين عبدالله - موارد العنف -4-















المزيد.....

موارد العنف -4-


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 5509 - 2017 / 5 / 2 - 23:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


موارد العنف
قراءة في عقلية الكراهية ‏
‏-4- ‏
يتبع
وهكذا فإن شراسة هذه ‏العلاقة، وقسوتها، لاسيما في وضع ‏لم تستطع الأفكار الدينية والفلسفية ‏أن تهذبه، وتشذبه، سيلزمنا ‏بأوضاع يغلب عليها طابع العنف ‏بكل أشكاله، وألوانه، ويفرض أنماطا ‏من الأخلاق المتسمة بالمصلحة ‏الذاتية، والمنفعة الشخصية، لأن ‏الشعور بذلك الألم المبدد لاستقرار ‏الأحوال على قيمة واحدة، كما يأتي ‏في البسائط التي لا تحتاج إلى جهد ‏ذهني وافر الاشتغال، والإعمال، ‏فإنه قد يجيء في المركبات التي ‏تستوجب كدا متواصلا، وجهدا ‏متزايدا، لكي نتعرف على دقيق ‏العلل، وعريق النسب، إذ لزوم ‏ذلك لكل موارد الحياة التي نعتاد ‏ورود منابعها الشقية، ومسالكها ‏الصعبة، هو ما يتعب الأعصاب، ‏ويقلق الكيان، ويجعل المستقبل ‏مجهولا، والمصير غامضا، لأن نزوع ‏الإنسان إلى التوقي بحصن الأنانية ‏التي تخصص الشخصية بمعنى مجرد، ‏ومفرد، والتوري بطهر المكسب في ‏خضم عفنه، ونتنه، لن يخلق فيه إلا ‏حلم الامتلاك لما يجعله قوي ‏الملكية، ودوي السيطرة، ولن ‏يخلف فيه إلا عشق الاستئثار بما ‏يبرز عنفوان الظاهر بهي الطلعة، ‏ويبدي نشاطه بمظاهر خلابة، إذ ‏ما يحصل بذلك على المستوى ‏النفسي من استمتاع، ولذة، هو ‏الذي يضمن له البقاء المادي بين ‏الموارد المتشعبة الغايات، والمحتدمة ‏اللذات، ويكسبه مناعة تحمي كلية ‏الذات من الذوبان بين محيط ‏الأنانية المستعلية، والذاتية المتجبرة. ‏ومن هنا، فإن ما ينتج عن ذلك ‏من تفكك في الأواصر، وتغير في ‏الروابط، سيجرف كثيرا من عمر ‏الإنسان المكلف بالعمران والحضارة ‏إلى حمأة الخلاف، وبؤرة الصراع. ‏وإذ ذاك لن يستقر البحث على ‏شيء له معنى في الوجود، ولن ‏يتحدد القصد على مرام له قيمة في ‏الحياة، لأننا سنتحيز في خضم ‏المعاناة إلى تحديد المفاهيم بذواتنا ‏التي تكشف عن نوعية عقائدنا، ‏وثقافاتنا، وتظهر كيفية بناءنا لعلاقاتنا ‏النفسية، والاجتماعية. ‏
ومن الحق أن يقال: إن هذه ‏العلاقة القائمة بين الثروة الفاحشة، ‏والفقر المدقع، لن تصير في سريانها ‏مناطا للائتلاف حول مهيع واحد، ‏أو مشترك محدد، إلا إذا يبست ‏أصولها مما يسقي بذرة الحقد في ‏النفوس، والتشاحن في العقول، ‏والتنافر في القلوب، لأننا ومهما ‏استطعنا أن نحاصر بشدة ما كمن ‏فيها من عوامل الافتراق، وصنوف ‏الاختلاف، فإنها قابلة بما خزن فيها ‏من استعداد فطري، وهو ما في ‏جبلتها من ضعف، وعجز، لأن ‏تكون طريقا لرغبة عارمة في عديد ‏من شهواتنا التي نتجاهل طلباتها ‏الملحاحة، وإن كنا نبحث عن نجاح ‏اكتمال جواهر ماهياتها الجامعة، ‏ووفرة امتلاكنا لأعيان هوياتها ‏الناعمة، لأنها تبين ما في حوزتنا من ‏مركبات اللذة، ومشاريع المتعة. ولذا، ‏لا يمكن أن يتحول هذا التفاوت ‏بين طبقتي المجتمع إلى محل للاتحاد ‏على المصلحة المشتركة، والالتفاف ‏حول العقيدة التي تضمر نوع ‏مكونات جهازنا المعرفي، ‏والفلسفي، وتستجن لون أنظارنا ‏إلى الحقائق الكلية في الوجود، ‏والحياة، والإنسان، لأن هذا ‏التفاوت التي نتحرج من الاعتراف ‏بوجود مضامينه في علاقاتنا ‏البشرية، ولو صبغناه بما نتمثله في ‏عالم الفضائل، والمثل، لا يمكن له أن ‏يسكت الصوت المعارض في حالة ‏الاشتباك حول حدود المنفعة، ‏ومصاديقها، إذ عدم استقراره على ‏مبدأ عام، متآلف حول ماهيته، ‏ومتعارف على معناه، لن يحدث ‏ذلك التطور الذي نتخيل منظره ‏المضيء في تضاريس الروابط ‏الإنسانية، ونتصور تناظر حده في ‏محدداتنا التي نبني عليها قيم أخلاقنا ‏العامة، والخاصة. ‏
ولذا، فإن إحساس المحرومين ‏تحت ضغط الخوف بالجبن، والهلع، ‏لن يستدعي بين طيات قاموسه إلا ‏ألفاظ النفي، والإنكار، لأنها هي ‏التي تظهر وجه الحياة كئيبا، ‏وحزينا، وتبرز كيفية تعاملنا مع ما ‏يعترينا من بأساء، وضراء، إذ هي ‏الخلاص من كمد التقزز الذي نحس ‏به حين ندرك ترادف الفقر والألم ‏في واقعنا، وتقابل معنيهما لمقتضى ‏الغنى، والطغيان، لأنهما نتاج علاقة ‏غير شرعية بين الإنسان ومبادئه ‏التي تكلفه برعاية حق الآخر في ‏نيل مهاد الوجود بأمان، وسلام. ‏ومن هنا، فإن هذه المعادلة التي ‏تقرن الغنى بالطغيان، والفقر بالألم، ‏توضح لنا كثيرا من أسباب ‏أمراضنا، وأعراضنا، لاسيما إذا أيقنا ‏بوجود ذلك في كل الصراعات التي ‏شهدها الكون، وقتلت من أجلها ‏البشرية، لأنهما ممتزجان في التجارب ‏التي خاض الإنسان حمأتها بين ‏مدارات التاريخ البشري. فلا غرابة ‏إذا ظهر هذا في المتقابلين، ‏المتعاديين، لأن حركية المجتمع التي ‏تصنع الاستمرار لحقائق الأشياء ‏المحددة بماهيتها في الكم، والكيف، لا ‏يمكن لها أن تجتاز الصعاب إلا ‏بتدافعهما على نقطة البداية، ‏وتضاربهما في محطة الوصول، إذ بهما ‏يعرف اللسان الصادق من الكلام ‏الكاذب، لأنهما يعبران عن وجهي ‏العالم في الخير، والشر، ويبنيان ‏ذوق الإنسان في القبح، والجمال. ‏
ومن ثم، فإن في ضرورة ‏وجودهما بين قوالب الحقائق نسمة ‏إلهية، يفصح عنها خطاب الحق ‏الذي نطق به صوت الأزل، لأنه ‏يحدد مناط كل واحد منهما في ‏صيرورة الحركة الوجودية، فيمنح ذا ‏استقلالا عما عداه من الأنساق التي ‏تواضع الإنسان على تقديس معناها ‏المتآلف مع نرجسية ذاتها ‏المستعلية، ولو كانت خداعا يؤلفه ‏الطغيان بمداد الإصلاح، لكي يعرب ‏عن طريقته في حماية دائرة الاعتقاد ‏من الندية، والضدية، وكيفية رعايته ‏لحدودها بالتأويل الذي يحارب من ‏أجل جريانه في الأنظار، ‏والعلاقات. ومن هنا، فإن هذا ‏الاستقلال الذي يفرد بنظر متحرر ‏من قوالب العقل المتصارع حول ‏حدود السماء، ورسومها في ‏التصديق، والتفويض، يجعل ‏الصوفي يرى لطف الله ساريا في ‏النظام الخالد مع الأشياء الموجودة ‏بالقوة، أو بالفعل، فلا يحيد عن ‏مقتضى ذلك في رسم طريق فهمه ‏للأشياء التي يوحدها التوحيد ‏المطلق. ولذا، نال الصوفية من ‏نظرهم هذا ألم عريض، وشقاء ‏وافر، إذ كان هذا الإدراك للحقيقة ‏المتحدة في الألوهية موضع اتهام ‏أهل الرسوم لهم بجهل معنى حقيقة ‏الربوبية، لأنهم برأيهم هذا قد نظروا ‏في حقائق الأشياء التي تتناسل بين ‏محيط الوجود الكلي، فوجدوا علتها ‏لازمة لمعلولها، وسببها حادثا في ‏مسببها، فلم يعبئوا بما يتعاقب على ‏المحل من وارد الخواطر، ‏والهواجس، والشكوك، والريب، إذ ‏منتهى الدور والتسلسل في التوالي، ‏والتتابع، هو الفراغ الذي يضيع معه ‏الجهد بلا نهاية. لكن انتهاء ما فيها ‏من حركة مستمرة إلى واجب ‏الوجود، هو الذي يضفي على ‏المعنى مسمى التوحيد. إذ هذه ‏المرتبة محل لنهاية العقل الذي أقام ‏البراهين بقياسه، وبداية لعلاقة قائمة ‏على تجريد المخلوق من الخالقية، ‏وتفريد الخالق بمنتهى كمال الإبداع ‏للجواهر العيانية في الكون، ‏والطبيعة، وجمال الإحكام في ‏الروابط التي تصل الأجزاء ‏بالكليات في كلٍّ أزلي، يجمع المباني ‏المتكاثرة في معين معنى الوحدة ‏المتحدة، والمتوحدة. ومن هنا حازوا ‏شرف النظر الجميل إلى الأشياء ‏الحاملة لنسمة الروح القدسية، لأنه ‏المعنى الأسمى في كل العقول التي ‏حبرت الألفاظ الدالة على الحقيقة، ‏ولم تجد لها حدا في التعريف إلا ‏تفويض التدبير له بالمرونة، والحكمة. ‏
وإذا كان الحق قد وهب هذا ‏استقلالا في نظره إلى الحقيقة، فإنه ‏يهب ذلك امتلاكا يقوده إلى ‏استغلال كل ما يرسخ في الإنسان ‏مبدأ الاستحواذ الملتبس بالذات ‏الرافضة للفناء، وهو سبب تعدد ‏الأنظار في عمقه، وعلة خنوعه ‏للمعنى المستولي على عقله، إذ ‏بقبض يده على ما لم يكسب روحَ ‏وجوده في لوحة الأزل، سيكون ‏مشتتا في عقيدته، ومبددا في ‏ديانته، لأنهما لن يعربا في نتيجتهما ‏إلا على مكنون ذات انتقت من ‏متناقض الشهوات دينها، ومن ‏متعارض الرغبات خلقها، لأن حب ‏الامتلاك في التنظيمات التي تعتمد ‏على عقد اجتماعي يحمي صورة ‏الأفراد، والجماعات، هو الذي يدفع ‏النفوس العليلة إلى وهم السيطرة ‏على مساحات محررة لهندسة ‏نزواتها بين تضاريس العالم، لأنها هي ‏المجلى التي تبرز عليه حقيقة ‏الامتلاك بإذعان، وإمعان، إذ هي ‏المفصحة عن لون الإدراك ‏المستحوذ على الذات المتعبة بقلقها، ‏وضجرها، والمحدد لمجال الاختيار في ‏الأشياء الممرعة بنوازع الخير، ‏ونزوات الشر. ‏
ومن هنا، فإن تسويغ حب ‏الامتلاك للقوة المترعة بحب ‏السيطرة بمضمون دين، أو بمقتضى ‏فلسفة، لا يظهر إلا في المجتمعات ‏التي انبنى ميثاقها الجماعي على معاني ‏المطلق الخالد، لأن وجود الفقر في ‏جهة، والترف في جهة أخرى، وهو ‏يلمع في بريقه، ويسطع في لمعانه، لا ‏يخلق في صيرورة العلاقات القائمة ‏على مبادئ كلية، وعامة، تتواطأ ‏غايات حماتها بالسيف أو باللسان ‏على مشترك قابل للتجزئة، ‏والاستفادة، إلا أبوابا ملتبسة ‏للاسترزاق باسم المجردات الإلهية، ‏والمفردات الدينية، لأن تسويغ ذلك ‏بالأدلة، وتأثيله بالبراهين، وتثويره ‏بالحجج، سيؤدي حتما إلى تقديس ‏معنى الظلم، وإضفاء صفة الجبر ‏عليه، وتطيعمه بمادة بقائه، وتحوله ‏من طور أدنى إلى أعلى مرحلة في ‏حضوره، وإن كان ذلك مما تخفى ‏علته عن العقول التي تلتئم حول ‏البسيط من الروابط، لئلا تخوض ‏في المركبات المتعبة للجهود، والهمم، ‏إذ لا يتحول الغنى في مجردِ غلوِّ ‏عُقد نقصِه إلا إلى استبداد يمتطي ‏صهوة الجور، والفجور، لأنه لا ‏يصير له جِرم مستول على غيره، ‏إلا إذا طوى تحت إبطيه كل ما ‏يموج حوله بشراسة القوة، ‏والسيطرة. وذلك مما يؤجج ‏الصراع، ويحمي جمرته، ويجعل ‏إهراق الدم في سبيل السماء قربانا ‏مقدسا، يتفنن سدنة الهيكل في ‏تزيينه، وتطييبه، إذ لا يمكن لأي ‏طغيان أن يقوم إلا على أساس ‏نظري، يجوز فيه عند تعارض ‏المصالح أن تتناقض النتائج بين ‏الفكر، والرأي، والقرار، إذ هو ‏الحصن الذي يؤوب إليه كل فعل ‏مخالف لناموس الحياة في الطبيعة، ‏ومجاف لما تقتضيه العلاقات ‏المشتركة من قيم إنسانية. وفي ذلك ‏استمداد لعملية الاستمرار من شيء ‏ملتف حوله، يقضي بوجود المنفعة ‏في حدود دائرة معينة، تكون هي ‏المركز لما عداها من الدوائر الملتفة ‏حولها، وسواء في ذلك، أولئك ‏الذين دافعوا عن الصراع بمقتضى ما ‏تدعو إليه لغة السماء من آداب، ‏وسلوك، أو أولئك الذين تنصلوا ‏من حوار الإله، والإنسان، وتخلصوا ‏من عتاب الضمير، والتاريخ، وخالوا ‏الكون بدون نظام، وعَنَّ لهم أن ما ‏أدركوه من معارف شتى، هو العلم ‏الكافي لكسب العظمة، والكبرياء.‏
وهكذا، فإن تدفق مسالك ‏الكسب بالعنف المحتدم سعيره بين ‏طبقات المجتمع المتصلبة، والمتصلدة، ‏لن يؤسس إلا لقاعدة عالم تسوده ‏قيم نفعية عنيفة، لا تتوخى مرسوم ‏الوحدة إلا بين موارد الاستعباد ‏النازف بذاتية متوترة بأخلاق ‏دونية، وعدوانية، لا تراعي إلا ما ‏يحقق جمال كماليات الممتلك لمكامن ‏المتعة البهية، واللذة الغنية، ويفرض ‏قباحة القطيع الذي يساق بإذلال ‏إلى مناكب الرزق المتعفنة، ‏والمتعنتة، ويقاد بشطن الاستكبار ‏إلى محرقة حريته، وكرامته. ومن ‏هنا، إن لم يراجع الأغنياء ‏المستقوون بالعظمة حدود علاقتهم ‏التي تربطهم بسكان هذا الكوكب ‏المترنح بالتعاسة، والشقاوة، وأنظمة ‏روابطهم التي تصلهم بالفقراء ‏المجسدين لبؤس العالم، وحرمانه، ‏ونواميس أواصرهم التي تجمعهم ببناة ‏تاريخ مجد الإنسان، وحضارة عزه، ‏فإن استمرار تفقير المجتمعات بما يوفر ‏رفاه المتملك لسبلها الغضة بالعيش، ‏والكسب، وتدجينها بما يعطل ‏حاسة التفكير في إرادتها، وخيارها، ‏وتيئيسها من انبعاث الخير بين ‏أطلال دورها الواجفة بالآلام ‏المضنية، والمتعبة، والاستثمار في ‏مآسيها المخزية، ومآتمها المحزنة، لن ‏يسبب بتراكمه إلا في قيام حرب ‏كونية، يشتعل أوارها من أبسط ‏المعادلات التي تقوم بها أعيان ‏المصالح الشخصية، إلى أعقد معنى ‏يدبر قيم المشترك بين سكان ‏الطبيعة، لأن استمرار شرة هذه ‏القوة المستندة إلى كبر حجم ‏الممتلكات المبتلعة لما عداها من ‏المكاسب المتنوعة، سينحو بها نحو ‏استذلال الشعوب النامية، ‏والمتنامية، وإخضاعها لسلم مقيد ‏بضوابط قواها الاقتصادية، ‏والسياسية، لأنها لن تخدم ‏بصيرورتها إلا مصالح الملاك لموارد ‏الثروة، ومكامن القوة، ولن تحمي ‏بغاياتها إلا بذخ الجوهر المستقوي ‏بخصوصيته العرقية، واللغوية، إذ ‏إغراق الشعوب المتخلفة في ‏فضلات الدول الغنية، وإرهاقها ‏بالديون الخارجية، لن ينهي الصراع ‏بين الأقوياء، والضعفاء، ولن يثمر ‏السلم العالمي التي تهتف به حناجر ‏عقلاء المصلحين، وحكماء ‏المسددين، وتهلل به ألسن المبددين ‏لخدع الحماية، وحيل الرعاية، لأن ‏إثارة نعرات الحروب بين مواردها، ‏وإيقاد حمية الخلاف في مذاهبها، ‏لن يحمي إلا صيرورة القوي الذي ‏يدبر أثرته بما يزرعه من عداء بين ‏مهاد الإنسان، وصدام بين الأديان، ‏والحضارات، إذ وجوده مرتهن بما ‏يخلق من فجوات بين مراتب ‏الفقراء، ومواقعهم في التنظيمات ‏الاجتماعية، ومنازلهم في الترتيبات ‏الاعتبارية، لكي يستولي العنف ‏في نهاية كلياته على مصير العلاقات ‏المشتركة بين الشعوب المستوطنة ‏لمهد الأرض، وبساط الطبيعة. ‏
وعلى هذا، سيتطور النزاع ‏الذي يحمل في مكنونه أفقا مسودا، ‏لا يرجم فيه الفقير بغيبه شيئا يهديه ‏إلى نفحة الطبيعة، ويرشده إلى ‏نسمتها الحانية على العقول، ‏والقلوب، لأن شعور الإنسان بنهاية ‏أحلامه، وإحساسه بموته البطيء ‏بين أذواقه، وإيقانه بتنائي واجب ‏الحرية، وتباعد مدار الكرامة، ‏وتحارب مساحات أمدائه، وتضارب ‏حدود أنظاره، لن يجعل ما هو ‏عظيم إلا حقيرا، لأن انتقاله من ‏كائن مفكر إلى جماد متحرك، هو ‏الذي سيفقده في حياته مساغ ‏ذوقها، ونعومة أنظارها، وطراوة ‏أفكارها. وإذ ذاك، لن يأتي منه إلا ‏ما هو مستعبد في الكينونة، ‏ومستهجن في الصيرورة. فلا غرابة ‏إذا كان الإرهاب فعلا مشتركا؛ لأنه ‏بالنظر إلى سببه، نجده متأثرا ‏بأوضاعه التي تولد من واقعها، ‏وبالنظر إلى نتيجته، نجده ملتبسا ‏بمفاهيم الإرهابي التي يحدد بها ‏وظيفته في الوجود، والكون. وهو ‏ذلك الفعل المجرَّم فيه شرعا، ‏وقانونا، لأنه يدل على مسؤوليته ‏في صوغ أفكاره، وبناء قدرته على ‏تحمل عواقب نتائج أضرار أفعاله ‏الفادحة. ومن هنا، تكون كل ‏الظواهر التي تحمل عنفا مزدوجة ‏في نتائجها المتعارضة، إذ هي نتيجة ‏متمحضة لنتيجة أقوى، تسببت في ‏وجود ما دونها من المراتب، وظهور ‏مكامنها القابلة للتوالد، والتناسل، ‏لأن فصل هذه المكونات عن ‏بعضها، لن يمنحنا إلا مقاربة واحدة ‏في محاربة وحش الإرهاب، وغوله. ‏
ومن هنا، فإن سيادة العقل ‏الطاغي بالأسلحة الشرسة التي ‏تفرض هيمنتها على الشعوب الفقيرة، ‏هو تضييق للمجالات التي يمكن لها ‏أن تصنع مسلمات السلم، ومركبات ‏السلام، وتخلق فضاء يقبل ‏مكونات التعدد، ومحددات التنوع، ‏ولو في أبسط حدودها، وأتفه ‏حظوظها، إذ لا يجوز أن تؤثر هذه ‏الروابط المؤسسة في صياغتها ‏الأولى على قيم التسامح، والتآلف، ‏إلا في ظل تشارك فعلي يضمن ‏لحقيقة كل الدوائر دورها، ومكانتها، ‏وتفاعل إيجابي يحدد مواقع العمل ‏التي يعود النفع فيها على سكان هذا ‏الكوكب الحزين. ولذا، فإن ما ‏تواطأت عليه الدول من عقود، ‏وبنود، وما أبرمته من معاهدات، ‏واتفاقات، هو الذي يحدد بمفاهيمه ‏كنه هذه الروابط التي تجمع كلية ‏البشر على هدف مشترك، يمكن له ‏أن يتحقق مناطه في كل دائرة، ‏ومحيط. وهو ما يرسخ في كلياته ‏لمبادئ الأمن، وقواعد الأمان، ‏ويوطد في سلوكاته لعناوين ‏الإحساس الإنساني بالحب، ‏وعشق الجمال، وفعل الخير. ‏



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطر الصباح (شهادة في حق والدي رحمه الله)-2-
- عطر الصباح (شهادة في حق أبي رحمه الله) -2-
- موارد العنف -3-
- موارد العنف -2-
- عطر الصباح (شهادة في حق والدي رحمه الله) -1-
- موارد العنف -1-
- عقيدة التسويغ -11-
- عقيدة التسويغ -10-
- عقيدة التسويغ -9-
- عقيدة التسويغ -8-
- عقيدة التسويغ -7-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -5-
- عقيدة التسويغ -6-
- عقيدة التسويغ -5-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -4-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -3-
- عقيدة التسويغ ‏-4-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -2-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -1-
- عقيدة التسويغ -3-


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جميل حسين عبدالله - موارد العنف -4-