|
مشروعية الإغتيال السياسي
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5508 - 2017 / 5 / 1 - 08:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في موضوعة - الإغتيال السياسي - التي يمارسها بعض أحزاب الإسلام السياسي ، و يتكأ القائلين بها على قصة إغتيال - كعب بن الأشرف - تلك القصة المثيرة للجدل والإشمئزاز والكذب والمراوغة ، والتي توحي الرواية ويكأن النبي محمد هو من أمر وخطط ودبر هذه القصة ، وأذن لجماعة من الناس ان تغتال من هو مخالف له في الفكر والتوجه ، ووجه الغرابة عندي إن هذا سلوكاً ديماغوجياً أحمقاً ومخالفاً لنصوص القرآن الواضحة ، والأصل الذي أحتمي به : - أن النبي يجب أن يكون أكثر الناس تمسكاً بهذه النصوص وممارستها - ، ففي سورة البقرة نقرأ القول التالي : - ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) - ، فالنص إنما يتحدث عن متلازمة في الفعل ورد الفعل ، والكلام فيه عن الإعتداء أو التعدي وهي صفة مضافة ، وليست صفة متعدية فهي متعلقة بطبيعة الإعتداء ، وليس هناك تفويضاً إلهياً يسمح بمتابعة المتعدي والغدر به وقتله غيلة ، هذا الأمر منهي عنه لأنه يجعل من الفعل ليس من سنخ العمل ، لهذا حدد النص للنبي ولمن معه من الجماعة المؤمنة أن لا تندفع في جزاء الفعل وتزيد بما ليس مطلوباً ، ثم إننا حين نقول ذلك نقوله من وحي معرفتنا بالنبي الذي لا يمكنه القيام بأية فعل يكون مخالفاً لنصوص كتاب الله ، وإذا كان هذا ظننا برسول الله إذن فكيف نقرأ ذلك الخبر الذي ورد في البخاري برواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري ؟ ، والذي يقول صراحةً إن النبي أمر وأقر مبدأ الإغتيال عبر الإذن والسماح لمحمد بن مسلمة بذلك كما في القول التالي : - - [ فقال : يا رسول الله أتحب أن أقتله ؟ وهو يعني كعب بن الأشرف ، قال : نعم فائذن لي ] ، إلى أخر الخبر .." هذا الخبر وبصيغته وبسرديته يظهر لنا كيفية التآمر وطريقته ؟ ويظهر لنا كيف أن النبي محمد أجاز ذلك ؟!!!! ، صحيح أن هذا الخبر رواه البخاري في : كتاب المغازي ، باب قتل كعب بن الأشرف ، ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب قتل كعب بن الأشرف ، ورواه أبن أسحاق في سيرته ، وهو مروي لدى أكثر كتاب التاريخ والسير ، ولكن لهذا الخبر من الخطورة بمكان بحيث تجد فيه صورة التعدي والخيانة والتآمر واضحة وجلية ، وهذا يخالف ما نعلمه عن النبي ولهذا ولأول وهلة لا يمكن قبول هذا الخبر لا من جهة الدلالة والمضمون ولا من جهة رواة الخبر وأسانيده ، وبكلمة أدق : نجد إن هذا الخبر مغرض وله أهداف سيئة ، ذلك لأنه يشوه في مُخيلتنا وفي قلوبنا صورة النبي الجميلة ، إذ لا يمكننا أن نتصور أن يكون القرآن يدعوا لشيء ويقوم النبي بفعل مغايراً له ، فحين ينهى الله عن الخيانة وعن التآمر ويصف ذلك الفعل بغير المحبوب عند الله ، فيقيناً إن النبي لا يفعل ما يخالف ذلك الأمر ، قال : - ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) - الأنفال 58 ، ومفهوم - أنبذ إليهم - ينسجم مع معنى ناجزهم بالحرب هذا على رأي الطبري ، أعني لا تتم المناجزة بالغدر ولا بالتآمر ، ويعني ذلك إن القرآن إنما تبنى فكرة إحترام الآخر الآخر المختلف ، ولا يجوز بحال إتباع الهوى والمزاج في الكيد والثار منه بطريقة توحي بالغدر والخيانة ، والنص في صيغته المتقدمة لا يتحدث عن زمان ما أو مكان ما ، إنما يتحدث عن مطلق العلاقة بالغير في كل زمان وكل مكان ، جاعلاً وداعياً إلى حل المشكلات بالطرق الواضحة الغير ملتوية ، والمُخالف أو المروج للإشاعات أو المُتحامل ، لا يجب حجب صوته وحجب مخالفته بالإغتيال بحجة القضاء على الفتنة كما يزعمون ولا بتبرير قوله - إن الفتنة أشد من القتل – في تبرير دعائي و بدائي ، ذلك إن هناك ثمة قواعد يجب أن تحكم العمل ضد المخالف والمختلف ، إن لم يكن يحمل السلاح ولا يظلم الناس ولا يتعدى على القانون والنظام ، ومادامه في خلافه يستخدم الكلمة والرأي ، وفي هذه الحالة هناك يأتي الحوار والجدل بالحسنى بحسب مضمون النص الذي يتحدث عن جادلهم بالتي هي أحسن ، هذا عن المخالف بل عن العدو ، ولم يقل لك أن تغتاله أو أن تشوه صورته وتبث حوله الأكاذيب والدعايات التافهه ، لم يقل الله ذلك ولم يفعله النبي ولا الرسول ، إذن من أين وفدت هذه السيئة إلى تراث المسلمين المليء والممتلء ؟ بحسب القرائن والدلالات وبحسب ما نؤمن به ، فإن سيرة النبي وسنة الرسول فيها الكثير من التزييف والغش والخداع والكذب ، وقد تسلل هذا بفعل فاعل أراد تشويه تلك الصورة الجميلة التي يبثها الكتاب المجيد ، عن الإنسان وكيف يجب أن يتعامل مع الغير ؟ وكيف يجب أن يحل مشاكله معه ؟ ، لكن في ظل هذا التشويه ، هناك ثمة تاريخ صحيح يقترب من النصوص القرآنية ، وذلك وجدناه في الرواية التي تقول : - [ إن شريك بن الأعور دعا مسلم بن عقيل لقتل عبيد الله بن زياد حال عيادته له وزيارته له ] - فكان رد مسلم بن عقيل بالنفي قائلاً - ( نهى النبي عن القتل غيلة ً ) - ما يهمني هو مضمون الرد الذي يوحي إنه منسجم تماماً مع نصوص الكتاب ، ولو نظرنا إليه بحيادية قياساً لخبر البخاري ، فإننا سنجد إن مسلم بن عقيل أكمل رتبةً من النبي ، وهذا ما لا نقبله ولا نقول به ، ولكن هذا هو الظاهر من سياق الكلام ، نعم إن هذه الرواية تناقض ماورد في البخاري وغيره من كتب التراث ، وفي هذه المسالة و مع تطبيق القواعد في مثل تلك الحالات فيجب ترجيح قول مسلم بن عقيل على خبر البخاري ، لأنه قولا منسجما مع كتاب الله ، وإن كنت من جانب أشك إن هناك رجلاً يُدعى - شريك بن الأعور - ، وشكي هذا ينطلق من إعتبارية تقول في الإضطراب بما يوصف به الرجل ، فتارة يقولون عنه إنه كان من أصحاب الإمام عليا ، وأخرى يقولون عنه إنه كان من أصحاب عبيد الله بن زياد ، وحبان لا يجتمعان في قلب واحد ، أعني إن هذا لا ينسجم مع ذاك لا من جهة العمر ولا من جهة الفكر ولا من جهة القناعات ، وعلى كل حال فما يفيدنا هنا هو رد مسلم بن عقيل المنطقي ، وتهافت قول البخاري ، والضابط في هذا التهافت هو نصوص القرآن التي يجب أن تعرض عليها الأخبار للتأكد من صحتها وصلاحيتها ، وهناك ثمة شيء أود التنوية إليه هو عدم مشروعية الإغتيال السياسي تحت أية ذريعة وعنوان ، ومن باب أولى نفي ذلك الفعل أو نسبته إلى النبي أو إلى الرسول ، لمخالفته للطبيعة والعقل والكتاب ...
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لسنة 2017
-
حثالات تُثير الفتن
-
قانون الحشد الشعبي
-
بدعة صيام عاشوراء
-
تصحيح الإعتقاد في معنى ثورة الإمام الحسين
-
لماذا لا ينجح العراقيون ببناء دولتهم ؟
-
تجذير مشروعية عمل الحشد الشعبي
-
غضب فاشل في تركيا
-
ما بعد العيد
-
بيان صادر عن الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي بمناسبة الإن
...
-
تحرير الفلوجة
-
قبح الله إسلامكم
-
رسالة مفتوحة للأخ رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي
-
أوهام المصطلحات
-
بين إسلام مكة وإسلام المدينة
-
سلاماً شهداء الناصرية
-
تدمر حرة
-
هي آمال
-
عن التغيير والإصلاح
-
سوريا الفدرالية
المزيد.....
-
الملكة رانيا والشيخة موزة وإمام الأزهر يشاركون بقمة حول الطف
...
-
البندورة الحمرة.. أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سا
...
-
هنري علاق.. يهودي فرنسي دافع عن الجزائر وعُذّب من أجلها
-
قطر: تم الاتفاق على إطلاق سراح أربيل يهود قبل الجمعة
-
الفاتيكان يحذر من -ظل الشر-
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صل
...
-
الفاتيكان يدعو لمراقبة الذكاء الاصطناعي ويحذر من -ظلاله الشر
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ودعوات لتكثيف الرباط بالمسجد
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لنتحلّ باليقظة من نواجه ومع من نتعامل
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العالم يشهد اليوم المراحل الثلاثة للا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|