أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - تفاهة صفراء














المزيد.....

تفاهة صفراء


سوسن السباعي الجابي

الحوار المتمدن-العدد: 1442 - 2006 / 1 / 26 - 09:57
المحور: الادب والفن
    


تفاهة صفراء
قصة قصيرة
أشعر بالتفاهة... اتصلت بصديقي. حين فتح الخط قلت له: أنا حزينة. قال: أنا في الباص, وأغلق الخط.
بعد دقائق ارتفعت موسيقى الجوال في جيبي. كان هو.
- أنا الآن على رصيف هادىء... سأحكي لكِ نكتة عن هيفاء وهبي... إنها تناسب هذا الوقت...
ضحكتُ... كانت النكتة أليمة. واتفقنا أن كل ما حولنا يجرّنا نحو التفاهة. ثم قال فجأةً:
- لماذا أنتِ حزينة ؟
- بسبب " باولو كويلو "... إنني أقرؤه منذ أيام. وهو يصيبني بالأمل والفلسفة.
- هل قرأتِ له " الخيميائي ؟
- قرأتها.
- إنها مأخوذة من ألف ليلة وليلة. حيث أن الفتى البغدادي يحلم بكنز مدفون عند أهرامات مصر ويتبع حلمه حتى يصل صحراء مصر. ويلتقي بمصري يخبره أنه هو الآخر حلم بكنزه عند أسوار بغداد. تماما كما تحدث "باولو كويلو" في الخيميائي عن الإسباني الذي يسعى وراء حلمه الخاص.
- ليس ما يأسرني في كويلو التفاصيل الدقيقة والحدث الروائي، إن ما يسحرني تلك الحالات الصوفية واستمتاعه بمفردات الكون وجرأته على تعقّب الحلم والغيبيات. لقد حرّض فيّ عالم الأرواح وتعقّيَ الأساطير الشخصية في هذا الزمن العمومي، لهذا أنا حزينة ويغمرني النشيج.
- لا بل لأنكِ توقفت عن الكتابة. قلت لك دائماً اكتبي، اغرزي أظافر حزنك في الأوراق، فتشي عن الينبوع الذي يختبىء وراء السطور الفارغة، ليتدفّق الحلم أخضرَ كما كان في السابق...
- أشعر بالتفاهة
- التفاهة كانت ومازالت موجودةً... سأكرّرُ لكِ: اكتبي
- كلما قرأتُ أكثر تضاءلتُ أكثر. إن المؤلف الكبير يجعلني أرى حجمي الصغير فأستحي أن أكتب، أستحي من الورق الأبيض أكثر، وأشعر أن الورقة مرآة قاسيةُ التوضيحِ تكشف قدرة الكاتب وإمكانياته الحقيقية، وتكشفه شخصيا، وتكشف حتى ما لا يكتبه فوقها. وأنا الآن ضعيفةٌ ومرآة الورق صقيلة ولامعةٌ وأخاف من رؤية ضعفي. وأخاف من الورق وأستحي...
- اكتبي... اكتبي عن ضعفكِ وعن خشيتك من اتساع مرآة الورق
- أشعر بالتفاهة، باللاجدوى. قلت لك إني حزينة. وهذه المحطات الفضائية أمامي تقربني من الموت أكثر، توسع دائرة الصمت العالمي في الكرة الأرضية الملونة. الكرة المنفوخة بالأكاذيب. قل لي بربك ماذا أكتب؟ ماذا أكتبُ؟
- ماذا؟؟؟ أنا لا أسمعكِ هناك سوء تغطية...
وانقطع الكلام وغاب صديقي في الصمت الذي دبّرته خدمة سوء التغطية...
قرأت إعلانا مضيئا أمامي: الأخضر يغطي البلاد. أحسست بالكرة الأرضية الملونة تزداد انتفاخاً، وشعرت بالخفة تحت أقدامي.
دخلت على الغرفة. أغلقت باب الشرفة وجلست وراء طاولتي لأكتبَ، محاولة أن أستفيد من نصيحة صديقي، فصديقي لا يكذب لأنه مثلي محاصرٌ بالتفاهة واللاجدوى.
فتحت الدفتر... الدفتر مرايا برّاقةٌ والقلم متأهّبٌ واخز.
كتبتُ: القدس... انسكب الحبرُ فوق المرآة بصورة مفاجئة ودون فعل فاعل بمجرد ملامسة الورق الصقيل، وانطمست معالم الحروف، تضايقتُ لكني صممتُ على الكتابة من جديد. وفتحت ورقة جديدةً لامعة. كتبتُ ثانيةً... بغداد... وانكسر الحرفُ من لمعان الضوء بفعل قنبلة ذكية دمّرت فقلب المدينة أمامي على الفضائية التي تدأب بنشاط على نقل الخبر العاجل...
صممت أكثر. كتبت: دمشق عمان القاهرة مسقط تونس طرابلس.الغرب يتهافت على الدور البيضاء والمدن المنورة. قاومت تشظّي المرايا وانكسار الضوء ولمعان الأنباء وسوء التغطية. كتبت كتبت حتى أحسست بالنعاس فنمت فوق المرايا. وقد ظننتُ أن الكرة بدأت تثقل تحتي وأني هزمت التفاهة وحاصرت اللاجدوى...
وحين رفعت رأسي لأقرأ ما كتبتُ كانت يدي تنزفُ وكانت الأحرف شظايا متكسرة تنغرز بين السطور والأظافر ورأيت دما يغطي الملامح حولي والكلام والأقلام ويتيح الطريق للاجدوى... لكن باولو كويلو نهض من روايته وراح يضمد قلمي برهبة صوفيّ عارف وحزين... ثم رشّ ذاكرتي بعطر أندلسيّ عريق وبدأ يعلمني كيف أحول الزئبق إلى ذهب، وكيف أحول الورق إلى مرايا لا تنكسر...
4/4/2004



#سوسن_السباعي_الجابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد قصيرة في منتصف الأنين
- العرجاء
- ليلى والنقود والذئب
- قصائد قصيرة منتصف الأنين
- المخاوف
- الهوية قصة قصيرة
- قصائد قصيرة
- قصة قصيرة
- ملامح شرقية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - تفاهة صفراء