عاصفة "الصفيح والرخام"
فيديو 48: اخراج شيري فيلك، سيناريو يونتان بن افرات، شيري فيلك ونير نادر
قامت القناة الثامنة في التلفزيون الاسرائيلي يوم الاثنين 6 كانون ثان 2003 ببث الفيلم الوثائقي "صفيح ورخام" من انتاج فيديو 48. يتناول الفيلم موضوع قرية رمية غير المعترف بها التي تفتقر لابسط الاحتياجات مثل مدها بالمياه والكهرباء، وتمثل امام قرار من المحكمة باخلاء سكانها لبناء حي جديد تابع لمدينة كرميئل التي بنيت على اراضيها وتتمتع بكل مقومات الرفاهية.
اثار عرض الفيلم "عاصفة في وزارة المواصلات" حسب ما ورد في خبر للصحافي عيران هداس (يديعوت احرونوت، 12 كانون ثان) الذي افاد: "توجه الوزير روبي ريفلين مؤخرا الى مجلس الكوابل بطلب فحص سبب عدم اعطاء مجال لرئيس بلدية كرميئل للرد على فيلم "ليس في حديقتي الخاصة" (الاسم العبري ل"صفيح ورخام"). كما ادعى ريفلين ان مجموعة فيديو 48 منتمية لليسار المتطرف. ونقل الخبر رد فعل جهات مختلفة في مجلس الكوابل، التي اعتبرت تصريح ريفلين "تدخلا سياسيا سافرا وخطيرا".
وراء هذا التدخل يقف عادي إلدار، رئيس بلدية كرميئل، كما افاد الصحافي نير فريدر، (تسافون1، 9 كانون ثان): "بعد بث الفيلم (في القناة الثامنة) توجه إلدار الى وزير الاعلام رؤوفن ريفلين برسالة يدعي فيها ان الفيلم احادي الجانب، وزاد: "اطلب منكم فحص ما اذا كانت القناة الثامنة هي قناة سياسية؟ فاذا لم تكن كذلك، من الصعب علينا ان نفهم اصرارها على اعطاء منبر سياسي لمدة ساعة كاملة لجسم سياسي متطرف".... في رسالته يذكر (الدار) اساف اديب، ويقول انه (أي اديب) "حرص على التحدث في الفيلم باللغة العربية".
نير نادر، منتج الفيلم ومركّز مجموعة فيديو 48، يقول: "في لحظة اعلان الصحف عن بث الفيلم، قامت بلدية كرميئل بالاتصال بالقناة الثامنة مطالبة بمنع عرضه، بادعاء ان الفيلم غير دقيق. وقبل عرض الفيلم بساعتين اتصلت بي المستشارة القضائية للقناة، للتأكد من ان كافة المواقف ممثلة في الفيلم".
لكن كل هذه العاصفة لم تمنع بث الفيلم ولا منعت نشر ردود الفعل حوله. ويفسر نادر اهمية الفيلم بالقول: "انتهى العمل على الفيلم قبل اسبوعين من نشوب الانتفاضة عام 2000. وقد رأينا في الفيلم مادة جيدة لفهم الاسباب التي ادت الى انفجار الغضب. عرض الفيلم في السينماتك وفي مهرجانات لأفلام وثائقية في انحاء العالم (سويسرا، كندا، الولايات المتحدة وغيرهم)، الا ان القنوات الاسرائيلية على ما يبدو لم تكن معنية بالامر، فلم يعرض "صفيح ورخام" على الشاشات المحلية الا في 6 كانون اول هذا العام".
"انظروا اليهم لتروا عنصريتنا"
ردود الفعل القوية على الفيلم في الصحف المحلية، بين مؤيد ومعارض، لم تكن مفاجئة. فالفيلم يحرج المشاهد الاسرائيلي لما يظهره من عنجهية الجمهور الاسرائيلي، وتعاليه على الاقلية العربية. وكما وصفت يوعنا غونين (موقع "نعنع" في الانترنت) الامر: "انكمشت في مقعدي طوال مدة عرض الفيلم. انظروا اليهم ستروننا، كما قيل في دعاية مسلسل آخر يتحدث عن عظمة الجيش الاسرائيلي. وانا اقول انظروا اليهم (للاسرائيليين في الفيلم) لتروا عنصريتنا".
لم يكن هذا الخجل مما بثه الفيلم مقتصرا على غونين فقط، حيث تقول روت كوففر في مقالها الذي نشر في صحيفة هآرتس تحت العنوان اللاذع "كم هو ممتع انه هناك بدو": "اذا كان هناك امر لا يمكن نسيانه في فيلم شيري فيلك فهو مشهد ليهودية وعربية تقومان بتحضير اوراق الدوالي معا... اليهودية متسلطة وفظة بينما العربية لطيفة، مبتسمة بخجل… هذا المشهد حقيقي الى ابعد مدى… وهو يجعلك تحمرّ من شدة الخجل". (6 كانون ثان 2003)
وقد كتبت (مجلة "بناي بلوس" 8-2 كانون ثان) بان الفيلم يتحدث عن مشكلة "يحاول النظام اخفاءها كما تحاول غالبية الجمهور الاسرائيلي تجاهلها، مشكلة تشير بطريقة غير مباشرة الى احد اسباب تمرد عرب اسرائيل على الدولة". هذا ما تؤكده غونين بقولها: "غضب اهالي رمية غضب يحيط بنا، ان مشاكل اكتوبر 2000 لها جذور عميقة، ومشاهدة هذا الفيلم قد توضح لنا القليل منها".
يؤكد رعنان شاكيد (يديعوت احرونوت، 7 كانون ثان) بان الفيلم اعطى الفرصة لعادي الدار للادلاء برأيه بقوله: "لا يستطيع احد ان يدعي ان الفيلم لم يأت برواية كل من الطرفين، الا ان الرواية الاسرائيلية رغم ذلك تظهر شاحبة وغير مقنعة".
في الحقيقة كان إلدار من اعطى للفيلم اسمه العبري "ليس في حديقتي الخاصة"، عندما رد على سؤال: اين من المفروض ان يقوم سكان رمية برعاية قطيعهم اذا اخذت منهم ارضهم؟ كلامه هو الذي اظهره كممثل ل"الاسرائيلي المنغلق، الذي لا يعترف بالوضع الصعب الذي يعيشه سكان قرية رمية، كما لا يعترف بمسؤوليته عن خلق هذه الضائقة". (يعارا شحوري، موقع "والا" بالانترنت)
لم يتم الاعداد على هذا الفيلم بسهولة. فيديو 48 يرفض ان يحصل على أي معونة من أية مؤسسة اسرائيلية تدعم السينما، وكما يقول نادر: "نرفض الحصول على معونة مادية من جهات تدعم سياسة الدولة العنصرية". سياسة القنوات في الكوابل تقضي بانه اذا ارادت أية جهة بث فيلمها على احدى هذه القنوات، عليها التوجه للقناة المطلوبة قبل بدء العمل على الفيلم، ان تطلب منها الدخول كشريك في الفيلم وعلى المحطة المذكورة في المقابل ان تدعم الفيلم ماديا. الدعم المادي قد يتراوح ما بين 30 الى 100 الف دولار. في نهاية الامر وافقت القناة الثامنة على بث الفيلم مقابل 450 دولارا ليس اكثر. كما اتفق ان يتم عرض الفيلم ثماني مرات خلال السنوات الثلاث القادمة.
فيديو 48، كما تعرفّه غونين في مقالها المذكور آنفا: "انها مجموعة مختارة من المبدعين، تحاول تغيير الواقع الاسرائيلي من خلال سينما ثورية. عملهم سياسي هادف… تعمل المجموعة بتمويل تبرعات، وترفض تلقي تمويل من مؤسسات السينما في دولة اسرائيل. التبعية الاقتصادية تمنع روح النقد، والنقد هو المحرك الاساسي لهذه المجموعة".
الصبار
كانون ثان 2003 ، العدد 160 |