|
لماذا يقصف أردوغان كردستان
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 5502 - 2017 / 4 / 25 - 22:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رسائل أردوغان لترمب لم تقف منذ توليه إدارة البيت الأبيض، وفي كل مرة تحمل أوجه متنوعة، ولا تخلى واحدة منها دون إثارة القضية الكردستانية، وجميعها تحت سقف الإرهاب، وهذه الأخيرة، التي تمت بعملية عسكرية وليست دبلوماسية، شملت جزأين من كردستان، لتصل صداها بقوة إلى الأمريكيين والروس، والتي وبالتأكيد كانت بموافقة الطرفين، وهي في الواقع ترسيخ لسابقتها الدبلوماسية والتي حملت ثلاثة صيغ، واحدة لترمب، الذي سيتم اللقاء به في 15 من الشهر القادم، والثانية ل ب ي د، والثالثة لروسيا وما حولها. 1- تريد تركيا من أمريكا في اللقاء القادم أن تكون قضية جنوب غربي كردستان من أحد القضايا الرئيسة في المحادثات، وتحت شروطها: أولا أن تتخلى أمريكا عن مساعدتها لقوات الحماية الشعبية، وسوريا الديمقراطية، إن لم يكن الأن فليكن بعد تحرير الرقة. والثانية أن تسلمها ملف المنطقة الكردية، إن كانت تحت صفة منطقة آمنة، أو شمال سوريا الذاتية. والثالثة ألا ترقى سوية علاقتها الحالية إلى الحيز السياسي، وتوقف احتماليات التوجه نحو الاعتراف بها كمنطقة فيدرالية ضمن سوريا لا مركزية. والرابعة، أن تدرج بعدها، وبشكل رسمي حزب ال ب ي د ضمن المنظمات التابعة ل ب ك ك وبالتالي تصرف كحزب إرهابي. ومقابلها لا يستبعد أن تتنازل تركيا عن الكثير: وأولها، عن دعمها لأطراف من داعش. وثانيا، تعود إلى أحضان الاستراتيجية الأمريكية بدون شروط مسبقة، وتقلص من استراتيجيتها السياسية دون الاقتصادية مع روسيا. ولا يستبعد أن تقوم تركيا بتنازلات أكثر وفي مجالات أخرى، اقتصادية وإعلامية، وتفتح المجال للتحركات العسكرية الأمريكية خارج قواعدها، وقد أصبحت مثل هذه الاحتمالات واردة على خلفية التغيرات العديدة والسريعة في سياسة أردوغان، الخارجية والداخلية، والجميع على معرفة بالتنازلات التي قدمتها لروسيا، بدءً من تخليها عن المعارضة السورية المعتدلة العسكرية والسياسية، إلى السكوت البشع أمام تدمير مدينة حلب الرهيب وقتل الروس للشعب الآمن فيها، من أجل السماح لها بدخول سوريا واحتلال المنطقة الكردية، والكل يتذكر كيفية تحريرها لجرابلس من يد داعش، وبدون جريح واحد، أو عطب آلية عسكرية، ومن ثم التلكؤ أمام مدينة الباب للضغط على الأوربيين والروس، ودون أن يظهر تصريح سياسي أو دبلوماسي أو تقرير رسمي عن القوى الكبرى، حول كيفية تحرير المدينتين بهذه القلة من الخسائر العسكرية، والتي كان يجب عرضها لتأخذ أمريكا وروسيا الخبرة منها في حربهما ضد المنظمات الإرهابية، من داعش إلى النصرة وغيرها، فيما إذا كانت فعلا تركيا وروسيا وأمريكا جادين في حروبهم ضد الإرهاب!؟ 2- الصيغة الأخرى في رسائل أردوغان ومن ضمنها القصف الأخير على كردستان، موجهة إلى ال ب ي د قبل ال ب ك ك: أولا، وهي أنها وبهذه الانفرادية في العمل، لن تتمكن من حشد الدعم الدولي لصالحها، وبأنها ليست سوى أداة بيد القوى الكبرى، وكذلك الإقليمية التي تصمت أمام اعتداءاته المتكررة. وثانيا، وهي أن تعامل أمريكا وروسيا مع ال ب ي د واقع مفروض مؤقت، ومحدود، وهي ليست مواثيق دولية بين دولة وشعب أو دولة وإدارة سياسية، وبالتالي هذه العلاقة لن تتوسع إلى سوية الحد من الاعتداءات التركية التي تعرضها على الدول الكبرى تحت حجة الدفاع عن مصالحها الوطنية، المتعرضة إلى الخطر من المنظمات الإرهابية، وهذا ما بينته اعتداءاتها الأخيرة على شنكال وقراتشوك وقرى في أطراف عاموده وكركي لكي، وعليه على الأغلب تم الصمت الدبلوماسي الأمريكي والروسي وحتى السلطة السورية ذاتها. وبالتالي هذه العلاقات العسكرية لن تتوسع ولن تصعد لتبلغ إلى سوية الاعتراف السياسي بالفيدرالية الكردية في روج آفا أو حتى تحت تسمية شمال سوريا، ولو بعد الانتهاء من تحرير الرقة أو التقرب من حصر داعش في الجنوب السوري. وبناءً على هذه النقاط وغيرها، لا محيض أمام ال ب ي د سوى تغيير تكتيكها ونهجها مع القوى الكردية والكردستانية الأخرى، وترك سياسية اللون الواحد، وأخذ العبرة من أعداء الكرد، الذين يغيرون سياساتهم بل واستراتيجياتهم وأيدولوجياتهم من أجل مصالحهم القومية والوطنية، كإيران التي تصعد من سقف علاقاتها الاقتصادية مع تركيا السنية عدوتها التاريخية إلى أكثر من 30 مليار دولار، وتجلس معها في جميع المؤتمرات، من آستانا إلى جنيف وموسكو ولربما ستذهب معها حتى إلى الجهنم! من أجل المصلحة الفارسية. فالحنكة هي في الاستفادة من العدو ذاته، وخبرته، فتركيا أمامنا غيرت وتغير من أطوارها وسياستها واستراتيجيتها مرتين في كل شهر أو سنة! ولماذا لا تستطيع ال ب ي د أو العمال الكردستاني تطوير الاطار الجامد اليابس من التفكير، والتحرر من النهج الواحد، وتقوم بالتعامل والتحاور مع القوى الكردستانية، وتبدأ بتليين لهجة إعلامها، وتوقف التلاسن، وتحد من مهاجمة الكردي الآخر، وتقوم بإطلاق سراح السجناء الكرد المثقفين والسياسيين، وبدون شروط، بل وحتى الاعتذار عن الأخطاء السابقة، وإلا فالقادم كما يبدو أكثر قتامة من المتوقع، وأن استراتيجية تركيا ستكون هي الرابحة، وللحد من العنجهية التركية يجب الانتقال من السيادة الحزبية على روج آفا إلى السيادة الكردستانية، فالحركة الكردية في روج آفا لا تنحصر في المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب الكردي، فهناك قوى أهم منهما في الحيز الوطني والقومي وفي علاقاتها الخارجية، ولا بد من الانتقال إلى تطوير القوة العسكرية الحالية ذات صفة الإدارة الذاتية والمعروفة لدى القوى الكبرى، بأنها قوة حزبية، إلى كردستانية، والاعتراف بالعلم الكردستاني مع حق الاحتفاظ بالأعلام الحزبية، والتحاور مع الدول الكبرى على سوية النهج الكردستاني والتخلي عن شرح مفاهيم الأمة الديمقراطية والإيكولوجية كما حصلت في مقابلات مع الإدارة الأمريكية الغارقة في الإمبريالية والمعادية لمفهوم الأممية، وهذا ما قامت به البعض من وفود حزب ال ب ي د في محادثاتهم مع الأوروبيين والأمريكيين، وليعلموا أن الاستماع إليهم وببسمة دبلوماسية لا تعني الموافقة على أفكارهم، ونهجهم، بل العكس. 3- أما الصيغة المعنية بها روسيا، هي بأن تنتبه إلى أن تركيا بإمكانها العودة إلى استراتيجيتها السابقة مع أمريكا وحيث الحرب الباردة، وأن مساعدتها في أفشال المسرحية الانقلابية، لن تشفع لها بأكثر من الإبقاء على المصالح الاقتصادية، ولا حتى عداوتهما المشتركة لأوروبا. وديمومة التعاون غير كافية، وحصر قواتها على أطراف مدينة الباب، دون السماح لها بالتمادي في غربي كردستان أو شمال سوريا إلى ما تتطلبه مصالحها القومية بالسيطرة في روج آفا، والتي قننتها روسيا، حسب مستجدات اللحظة، لن توقفها من تغيير استراتيجيتها والعودة إلى سياسية من سيدفع الأكثر. على مدى نصف قرن اختصرت وحاصرت السلطات التركية الكرد وكردستان في مباحثاتها وعلاقاتها الدبلوماسية العالمية ومع القوى الكبرى بحزب العمال الكردستاني، الحزب الذي أدخل في قائمة المنظمات الإرهابية يوم كانت تركيا الحليف المهم لأمريكا وأوروبا أثناء الحرب الباردة، والتي كانت جميع المطالب التركية تلبى دون كثير نقاش أو اعتراض، ومن المعروف التغيير في العقود والمواثيق الدولية تحتاج إلى عقود من الزمن أو صدمة عسكرية أو دبلوماسية على مستوى الحيز الاستراتيجي، وهي ما تكاد أن تصله العلاقة ما بين بعض الدول الأوربية وتركيا، فيما إذا لم يتراجع أردوغان عن سياسته، وهي متوقعه على خلفية تنقلاته المكوكية الخارجية، ما بين روسيا وأمريكا، والتغييرات الشاذة في علاقاته مع المقربين له في حزبه. القصف التركي الذي تم البارحة على شنكال في جنوب كردستان، وقراتشوك وكركي لكي وقرى في أطراف مدينة عاموده وسابقا في ريف عفرين، حيث روج آفا، جنوب غربي كردستان، المناطق التي لا تزال ويلات هجمات داعش موجودة في كل مكان، وخاصة في شنكال، تحت حجة قصف العمال الكردستاني، وال ب ي د، وبهذا المنطق والنهج العدائي، ليس سوى قصف على كلية كردستان والشعب الكردي، وتعكس سياسة خبيثة، لتوسيع شرخ العداوة بين الشعبين التركي والكردي، بل وجر الكرد إلى حيث الصراعات المذهبية في المنطقة والتي لايزالون حتى اللحظة خارجها. فأردوغان وبهذا الأسلوب يستطيع خلق حجج لقصف كل مكان في كردستان، بأن يقول: إنه هناك خلايا للعمال الكردستاني في كل مدينة كردستانية، ويحق له قصفها! تركيا لا تزال تسير على النهج العدائي للكرد كشعب، وكردستان كجغرافية كوطن قادم، ترعبها ذكرها، مثلما ترعب معظم القوى الإقليمية، وشراسة العداوة وبربرية السلطات الإقليمية تؤكد هذه الحقيقة، ولهذا فعلى القوى الكردستانية وخاصة المتهمين على خلفية القصف، بالتعامل مع هذا الحدث بل والأحداث الوطنية الأخرى بمرونة، ومنها الخروج من شنكال وتركها لإيزيدييها، وقبول الكردي الآخر، لمواجهة الأخطار، بقوة الشعب الكردي الذي يملك من الإمكانيات الكافية للحد منهم، إذا استغلت بدراية وحنكة، وبمساعدة الشعوب الأخرى في المنطقة المحبة للعيش بسلام، للوقوف في وجه السلطات الاستبدادية، وعبثتيها وجرائمها.
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء الثاني ع
...
-
ماذا سيستفيد الكرد من استبداد أردوغان
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام -الجزء الثالث عشر
-
نحلم بكردستان ديمقراطية
-
الكرد البديل الأفضل عن بشار الأسد
-
الميديون الساسانيون الكرد
-
كن رجلاً أيها العروبي
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام -الجزء الثاني عشر
-
الجدلية بين الأسد والتكفيريين
-
جنيف البعث والرقة التكفيريين
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام- الجزء الحادي عشر
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام-الجزء العاشر
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام- الجزء التاسع
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - الجزء الثامن
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - الجزء السابع
-
ماذا بعد جنيف-4
-
ماذا يجري في جنيف-4
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - الجزء السادس
-
لماذا حررت تركيا مدينة الباب السورية
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام-الجزء الخامس
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|