|
القضية الفلسطينية.. والانتفاضة الثالثة
طيب تيزيني
الحوار المتمدن-العدد: 5502 - 2017 / 4 / 25 - 11:43
المحور:
القضية الفلسطينية
تعود القضية الفلسطينية إلى مقدمة الأحداث في العالم، إلى جانب الحدث السوري. وقد برزت القضية الفلسطينية الآن مجدداً، وسجلت أحداثاً مأساوية للشعب الفلسطيني، خصوصاً مع عهد بلفور ومعاهدة سايكس- بيكو، وغيرها، وفي سياق ذلك جاءت الانتفاضة الأولى والأخرى الثانية، وتبرز الآن مؤشرات الانتفاضة الثالثة. ويلاحظ أن معالجة المسألة هذه من قبل إسرائيل تحمل الكثير من التجييش والاستفزاز. وهذا تأكيد على الأيديولوجيا الصهيونية الاستعمارية، التي تتنكر لمطالب الشعوب في الحرية والاستقلال.
ولندقق هنا في بعض نقاط تلك الأيديولوجيا ضمن هذا السياق، بحيث نضع يدنا على ما يربط بين فكر الصهيونية وبين أسوأ أشكال الإجرام الفكري الراهن، ونعني هنا ما تمثله «القاعدة»، و«داعش».
ويظهر ذلك مثلاً فيما لوح به رئيس الوزراء الإسرائيلي من احتلال قطاع غزة. وقد أعلن 1500 أسير فلسطيني بدأوا إضراباً عن الطعام، بغاية تحسين أوضاعهم. فقد زادت معاناتهم ومنعت زياراتهم في سجونهم، كما فرضت عليهم حالات من العزل الانفرادي، وخصوصاً على المضربين منهم عن الطعام، إضافة إلى الاحتجاج على إهمال الحالات المرضية، وعزل المضربين بعضهم عن بعض. وقبل ذلك اعتقال الفلسطينيين بدون توجيه أية تهم إليهم، مع فرض عقوبات عليهم... إلخ، وكانت قد نشبت اشتباكات بين قوى الاحتلال والفلسطينيين أمام سجن «عوفر».
إن ذلك الموقف المعادي للإنسانية بأدنى حدودها، كان توماس فريدمان وأمثاله قد أسسوا له من موقع الدفاع عن الحضارة البشرية مقابل «الشعوب الهمجية البربرية»، معتبراً أن الفلسطينيين إن هم إلا عيِّنة من هذه الشعوب. حيث كتب في جريدة «نيويورك تايمز» في عام 2002 قائلاً: «إن الفلسطينيين اعتمدوا القنابل البشرية كخيار استراتيجي وليس بدافع اليأس! وهذا يهدد جميع الحضارات، لأنه إذا ما تركنا هذه الظاهرة تأتي بنتائج في إسرائيل، فسيعتمدها الآخرون. وقد تقود إلى رجل يثبّت على نفسه سلاحاً نووياً ويهدد دولاً بأسرها»!
إن توماس فريدمان إذ كتب ذلك، فإنه لم يسائل نفسه فيما إذا أتيح للفلسطينيين أن يحصلوا على حقوقهم بطرق سلمية، ويحققوا أهدافهم في التحرر، أليس ذلك هو أفضل الحلول؟ لقد كانت إسرائيل دائماً حريصة على محاصرة الفلسطينيين، كي تشل إمكاناتهم الكفاحية «البربرية»، وهم، من ثم، لم يلجأوا إلى «القنابل البشرية، كخيار استراتيجي» بحسب زعمه، إلا بعد أن يئسوا من الحصول على حقوقهم الشرعية بوسائل مقبولة. ومن هنا جاء ما جاء من صراعات دامية مفتوحة.
أما العودة المحتملة إلى أسلوب «الانتفاضة» السلمية، فهي يمكن أن تمثل أحد الخيارات في رأيهم للدفاع عن الحقوق المهضومة، بل المقاومة السلمية. وهذا هو واقع الحال في مرحلة عربية ودولية في غاية التعقيد والصعوبة، ولكن بهذه الطريقة التقى الخط السوري بالخط الفلسطيني، فالمأساة هنا وهناك هي هي، وإن تغيرت الأدوار والممارسات، بل إن أحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين هو «ويلسون» يقدم رأيه في غاية الوضوح والصراحة، فقد كتب مدافعاً عن حقوقه وحقوق الآخرين في «العالم الحر الغربي»: «انطلاقاً من حقيقة أن التجارة ليست لها حدود قومية، وانطلاقاً من أن العالم الصناعي يريد امتلاك العالم من أجل الأسواق، فإن على راية بلاده أن تتبعه حيثما ذهب... وعلى الأبواب الأخرى المغلقة للأمم أن تنخلع، وعلى وزراء الولايات المتحدة أن يحموا امتيازات أصحاب رؤوس الأموال، حتى لو أدى ذلك إلى انتهاك سيادة الأمم المتمردة الأخرى. يجب خلق المستعمرات أو الحصول عليها، بحيث لا نهمل أو نتغاضى حتى عن أصغر زاوية في هذا العالم». «أنظر: روجيه غارودي - الولايات المتحدة طليعة الانحطاط، ص 4».
وإذا كان لنا أن نشير إلى ما يحدد طبيعة ذلك «العالم»، فلا سبيل إلى تجاوز ما أعلنه مفكرون غربيون بأنه، إذا ما عرّفنا العولمة، فإننا سنواجه تلك الفكرة الممثلة بالصفر في عالمنا الراهن، أي كونه بمثابة «السوق المطلقة»، ومن شأنه هنا أن يعلن عن العولمة متجسدة في ذلك السوق: فلا أوطاناً، ولا قيماً إنسانية أخلاقية، ولا كرامة إنسانية، وهكذا، تكون المسألة قد وجدت تعبيرها المعاصر، بوضع اليد على مفاهيم الكرامة والحرية والوطن والإنسانية بمثابة قيم سوقية بامتياز. وحيث يكون الأمر على هذا النحو، فإن فلسطين، وكذلك سوريا والوطن العربي ليست إلا إشارات إلى مواضع في السوق المعاصر، وبناء على هذه القاعدة تتحدد الروابط بين سوريا وفلسطين وبينهما وبين السوق بمثابة قاعدة تشمل تهجير السوريين والفلسطينيين عن بلديهم!
كنا نقول: إن قضية العرب المركزية هي فلسطين وتحريرها من مغتصبيها، وإن سوريا واحدة موحدة أرضاً وشعباً، وأصبح علينا أن نعتبر البلدين إياهما زاويتين من زوايا السوق العولمية الكونية، ولكن، هل تمشي الأمور على هذا النحو؟ يجيب أهل البلدين: التاريخ يعلمنا أنه لا يصح إلا الصحيح!
#طيب_تيزيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة السورية والحكمة الوطنية
-
العصر أو القبر مرة أخرى
-
مفترق طرق أمام السوريين
-
العلمانية في السياق الفكري العربي
-
الديموقراطية والتنوير والحداثة
-
«الكفر» في حلب!
-
العولمة وتفكيكات العصر
-
العولمة في حلب!
-
جدل الهوية والتاريخ
-
النكبة من فلسطين إلى سوريا
-
عودة الطوائف
-
مسلخ حلب.. أين النظام الدولي؟
-
الوحشية القصوى والجريمة الدامية!
-
سوريا ومأساة الاستعمار الجديد
-
كُفوا عن عار الخطاب الطائفي
-
الطوائف والأعراق.. والآخرون!
-
المؤامرة الكبرى على سوريا
-
الجرح السوري والنظام العالمي
-
النظام العولمي وسيادة القوة
-
الجيوش غير الوطنية والانقلابات العسكرية
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|