أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - قصة قصيرة : سور العاطلين














المزيد.....

قصة قصيرة : سور العاطلين


عبدالله البقالي

الحوار المتمدن-العدد: 1441 - 2006 / 1 / 25 - 02:22
المحور: الادب والفن
    


يوم رحل الفرنسيون عن القرية ، وجد نفسه وحيدا كاسمه الفرنسي الغريب . وكل يوم مر بعد ذلك لم يزده الا اقتناعا في ان ما يحدث ليس سوى انهيارا ونكوصا .
جلسته الانفرادية بين أطلال الراحلين في "لاس راص " وحدها كانت تهدئ من روعه وتمنحه دفئا يعمل أثناءه على النبش في ذاكرته . لكن مروره امام سور العاطلين كان له مفعولا مختلفا كليا . هذا السور الذي شيده الفرنسيون عند أسفل منحدر . وعملوا على ملئ الفراغ الذي يفصله عن حافة الربوة ، فسمح ذلك بمد الشارع الذي يربط شرق القرية بغربها . وقد تبقى منه جزء بارز من الارض رآه تدريجيا يتحول الى مجالس تضم روادا من مختلف الأعمار .
في الجهة الشرقية المحادية للمسجد يجلس الشيوخ . و ابتداء من منتصفه الى اقصى الجهة الغربية يجلس الشباب فالصغار في مواجهة مقهى" لاجودان" . هذه المقهى التي اكتسبت شهرة مهمة بالرغم من حداثتها. فعلى شرفتها المطلة على الشارع خطبت شخصية مهمة حين زارت القرية . وفيها كان يحلو لأفراد الورش الدولي أن يجلسوا ، فيرقصون و يغنون . وقد يشتري بعضهم قطعا من الحلوى ويقذف بها للأطفال الذين يتكالبون عليها .
لكن اهم من هذا كله ان المقهى ارتبطت بكل جديد عرفته القرية . فمن داخل فضائها صدحت موسيقى اول اسطوانة عبر الفونوغراف . وفيها شوهدت أول صورة على شاشة التلفاز . ولعل لاجودان كان يحس بالفخر و الزهو وهو ينظر الى أولئك الذين ادهشتهم مقتنيات مقهاه العجيبة فلا يتردد في مخاطبتهم قائلا : " لو كان بامكاني ان أحمل باريس الى هنا لفعلت "
وحده "غيو" كان الغضب يغلي في صدره وهو يمر محاديا السور . يسأل مرافقا له : ألا تلاحظ شيئا في هذا السور ؟
يرد المرافق : لقد تضاعف عدد الرواد منذ أن اقتنى لاجودان الفونوغراف .
يعقب غيو : لا .. ليس ذلك هو المهم . تامل جيدا هذا التسلسل . الطفل عندما يولد في هذه القرية يجد له مكانا في الجهة الغربية من السور . وعندما يشب ، ينتقل الى منتصفه . وعندما يشيخ يجلس مجاورا المسجد . وعندما سيموت سيكتشف متأخرا أنه أتى الى هذا العالم كي يقوم برحلة عبر مراتب هذا السور اللعين .
ضحكة متدرجة تتعالى ، انه "خاي لحسن" يسأل غيو مستفزا : أخفت ان ينسينا الفونوغراف مواويل أيام شبابك ؟ لا تقلق . سنظل نحتفظ بذاكرة قوية .
صوت انفجار عنيف يدوي في أعلى الفضاء .يعقبه احتجاج عفوي حاد من قبل سيدتين كانتا تمران بالقرب من السور . تقول احداهما للأخرى: "أولايلاه" كانت الطيارة الحمراء اكثر رأفة بنا .
ترد عليها الأخرى : لماذا تنزعجين ؟ ألا تعرفين أن هذه البلاد هي ميدان للتدريب . كل الوافدين الى هنا ابتداء من الطبيب و انتهاء بالمعلم و الممرض لا يفعلون ذلك الا من اجل استكمال خبرتهم فينا . فلماذا لا تفعل ذلك الطائرات العسكرية ؟
يعقب غيو بلا مقدمات على حوارهما : ألم تعرفا لماذا تفعل الطائرات ذلك ؟
ترد احداهما : ومن ان لنا أن نعرف ؟
يجيب غيو : لأن الناس هنا لا يفعلون شيئا غير الجلوس على هذا السور.
في آخر مرة مر فيها غيو امام السور كان يوم أحيل على التقاعد . مر بلباس مدني . تجاوز السور صامتا . وعندما وصل الى نقطة بعيدة ، قفل راجعا . وقف قبالة الحلقة الشرقية وقال محاولا أن يوصل صوته الى أبعد نقطة ممكنة : سيظل هذا السور يتمدد حتى يكتسح أرواحكم التي لن تغدو غير لبنة داخل أحشائه .
بعدها اختفى عن الأنظار . و استسلم لعزلة طويلة رهيبة . أشياء كثيرة تغيرت أثناءها . اذ لم يعد التجديد يدخل القرية عبر مقهى لاجودان التي صارت الآن بالية . كما ان سور العاطلين انضافت له معلمة جديدة عبارة عن تمثال مبهم لا معنى له ، سماع البعض اله القحط
ماذا لو يفك غيو عزلته عن نفسه الآن و يقوم بجولة جديد عبر ربوع القرية . لا شك أنه سيقف على تغييرات كثيرة أهمها أن سور العاطلين لم يعد غير مركز لفروع ممتدة فوق كل شبر من تراب القرية . ومن يدري ، فلربما هو نفسه الآن جالس على فرع لذلك السور داخل غرفته المعزولة .

"أولايلاه" لفظة من الدارجة المغربية الشمالية . مقابلها في الفصحى " تبا "



#عبدالله_البقالي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينيما
- الإمتحان الشفاهي
- فقر وغنى
- قصة قصيرة: حفلات و أزمات
- الجحيم الأن
- من هزم غيوم .الحياة أم الأحياء؟
- حزيران مرة أخرى


المزيد.....




- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...
- بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية ...
- -أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة
- فنانون روس يتصدرون قائمة الأكثر رواجا في أوكرانيا (فيديو)
- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - قصة قصيرة : سور العاطلين