بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 5498 - 2017 / 4 / 21 - 09:11
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (66)
التغذية العكسية
بشير الوندي
--------------
مدخل
--------------
كثيرا ما يتردد اصطلاح التغذية العكسية في المباحث الامنية والاستخبارية ولكن بلا توضيح او فهم حقيقي للمعنى , فمن الطبيعي في القضايا الجنائية الفردية ان تنتهي القضية بعد التحقيق والعرض على المحكمة واصدار الحكم ومن ثم يعتبر الملف منتهياً ويركن على الرفوف .
اما في القضايا التي تعالجها الاجهزة الاستخبارية فإن المعلومات الناتجة في التحقيق و جلسات المحاكمة يجب ان تكمل دورتها من خلال اطلاع الاجهزة الاستخبارية عليها كي تعمل عليها .
فالعمل على المعلومات المتحصلة من المتهمين والمدانين له فوائد كبيرة ومهمة , فالاعترافات تكشف عن اهداف اخرى سيعمل عليها الجهاز الاستخباري المعني , والاعترافات ستساعد على مليء فراغات كانت غامضة عن التنظيم السري وتساعد على تفكيك اسراره , والمعلومات ستكشف عن اساليب التنظيم المستهدف مما يساعد على ابتكار طرق مبتكرة لمحاربته , والاعتراف اخيراً سيرسم تصورات عن نفسية العدو وطرق اختراقه وزعزعته.
وبما ان التحقيق مع المتهم المطلوب بقضايا استخبارية , واعتقاله قد تم في معظم الاحوال عن طريق معلومات بعثتها الاستخبارات الى الاجهزة المكافحة , فتسمى المعلومات الناتجة عن الاعتقال والتحقيق مع المتهم والتي سترد من الاجهزة المكافحة الى الاستخبارات , بانها تغذية عكسية لانها تكمل دورة المعلومات الاستخبارية.
------------------------------------
المعلومات الاستخبارية
-------------------------------------
ان مهمة اي جهاز استخباري هي جمع وتحليل وانتاج المعلومات , ومن هنا يحدد فشل او نجاح اي جهاز استخباري بمقدار ماانتج من معلومات استكشف من خلالها ماسيحصل من احداث قبل وقوعها وبمقدار ماكشف من اسرار وبمقدار نجاحاته في زعزعة العدو.
ان انتاج الجهاز الاستخباري للمعلومة هو عملية علمية معقدة ومتسلسلة في كثير من خطواتها , وتتم تلك العملية من خلال خطط يضعها الجهاز الاستخباري يدفع فيها اذرعه الى اهداف محددة يحتاج للكشف عنها , لان جمع المعلومات لايتم بشكل عشوائي وان كان ذلك لايعني ان الجهاز سيهمل اية معلومة تأتيه من اذرعه وقواعده بذريعة انه لم يسأل عنها , لان كل مايرد للجهاز يخضغ للتحليل .
اذن خط سير المعلومة الاستخبارية يكون باوامر وتعليمات من رأس الجهاز الى اذرعه تتضمن اسئلة يحتاج للاجابة عليها , وبعد ذلك تقوم الاذرع بجمع المعلومات السرية والعلنية وترفعها الى رأس الجهاز حيث يقبع عليها مختصون يغربلون المعلومات ويستنتجون منها , وفي ذات الوقت تنتج عن تلك المعلومات اسئلة اخرى ترسل من اعلى الجهاز للاذرع لايجاد الاجابة عليها .
وتنتج عن تلك الدورة الداخلية للمعلومات والتي تمت كلها داخل الجهاز , تنتج عنها اهداف وتوقعات وتحليلات , فيقوم الجهاز الاستخباري بارسال تحليلاته وتوقعاته الى سلطة القرار السياسي ليساعدها في اتخاذ قراراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية .
اما الاهداف التي تنتج عن المعلومات , وهي مدار مبحثنا , فيتم ارسالها الى الجهاز المكافح (اشخاص مشبوهين ...اوكار وغيرها )ليقوم بالهجوم والاعتقال والتحقيق ومن ثم الاجراءات القانونية والقضائية.
وبما ان الجهاز الاستخباري هو ليست الجهة التي ستقوم بالاعتقال والتحرز على المبرزات الجرمية والتحقيق (وان كانت هنالك اجهزة استخبارية في العالم تقوم بالدورين الاستخباري والمكافح ) ,لذا سيحتاج الجهاز الاستخباري , دونما حساسية , ان يعرف بمجريات التحقيق وتطوراته واعترافات المتهم (المتهمون) .
-------------------------------------
التغذية العكسية واهميتها
-------------------------------------
التغذية العكسية هي احد اذرع جمع المعلومات الرسمية وهي من الاذرع الستة التي ذكرناها في مبحث سابق ((راجع الحلقة 17 ( اذرع الجمع)), وهي :
1. الذراع السري .
2. الذراع العلني .
3. الذراع الفني .
4. الذراع التواصلي .
5. الذراع التبادلي .
6. الذراع العكسي او التغذية العكسية.
وبما ان الجهاز الاستخباري هو من حدد الهدف الذي تم اعتقاله , فهو يحتاج الى كل كلمة في الاعترافات , لاسباب عدة منها :
أ- ان الجهاز يحتاج ان يتثبت من معلوماته وهل كانت دقيقة فهو قد يكون قد سجل المتهمين عنده باعتبارهم ارهابيين محتملين ولكن التحقيقات كشفت انهم معنيون بتهريب الاثار التي يستولي عليها الارهابيون فقط .
ب- ان الجهاز يحتاج الى اكمال قطع الاحجية حول التنظيم المعادي المستهدف ولاشك ان الاعترافات ستكشف له معلومات قيمة جديدة .
ج- ان المعلومات الجديدة سينتج عنها اهداف محتملة تحتاج الى دورة اخرى من الاوامر بجمع المعلومات مما ينشط دورة المعلومات الاستخبارية.
د- قد يساعد الجهاز الاستخباري في تنبيه جهات التحقيق الى ان المتهم يكذب او يدلس مما يساعد الاجهزة التحقيقية في القيام بدورها .
ه- الاطلاع على سير التحقيقات كثيراً مايدفع الجهاز الاستخباري الى الطلب من الجهات التحقيقية ان تطرح على المتهم اسئلة محددة قد غفلت عنها لعدم معرفتها بخارطة التنظيم الارهابي .
و- يحتاج الجهاز الاستخباري الى الاطلاع على سير التحقيق لمعرفة امكانية تجنيد المتهم كعميل مزدوج .
ز- قد يستطيع الجهاز الاستخباري ان يكتشف معلومات قيمة من الاحراز التي بحوزة المتهم (لابتوب , فلاش ).
ح- طبعا لاتكتفي الاستخبارات الذكية بما يعترف به المجرم وبما انه اصبح تحت قبضة العدالة فهي تستفيد منه وتستمر بالتواصل معه بعرض بعض الصور او العناوين او الاسماء او تدقيق بعض الاخبار ويصبح مخبرا يؤكد المعلومات ويصحح الاسماء والاهداف على مقدار اطلاعه وهو في سجنه.
وتعتبر اعترافات المجرمين الجنائيين تغذية عكسية للاستخبارات الجنائية , كما تعتبر اعترافات واقوال الاسرى تغذية عكسية للاستخبارات العسكرية, وتعد اعترافات الارهابيين تغذية عكسية للاستخبارات المختصة بالارهاب وهكذا دواليك بحسب المرجعية.
وفي كل الاحوال , فان كل معلومات التحقيق ومجرياته تعد في منتهى الاهمية للجهاز الاستخباري ولابد ان يتحصل عليها بكل شفافية , وان مجمل تلك المعلومات التي سيتغذى عليها الجهاز الاستخباري من التحقيق , اي من خارج جسم الجهاز هي التي ستكمل دورة المعلومات لديه وهي مانطلق عليها بالتغذية العكسية او التغذية الراجعة .
-------------------------------------
عوائق التغذية العكسية
-------------------------------------
بالطبع فان العالم ليس وردياً في مجال التغذية العكسية , لأن العوائق البيروقراطية تعيق التعاون بين اجهزة المكافحة والتحقيق من جهة وبين الاجهزة الاستخبارية من جهة اخرى رغم ان قصب السبق والفضل الاكبر في الاعتقال هو من خلال المعلومات التي تسلمها الاجهزة الاستخبارية لاجهزة المكافحة .
وغالبا ما يكون جهاز التحقيق منفصلا عن جهاز الاستخبارات في الدولة التي تمتلك اجهزة محترفة ورغم ذلك هناك آلية واضحة للمعلومات الراجعة من نتاج التحقيق الى الاستخبارات .
وفي بعض الاحيان تعمل الاجهزة الاستخبارية الى ان تكون جسم واحد برأسين , فيكون الجهاز الاستخباري شاملاً للاستخبار والمكافحة وهو امر يسهل التغذية العكسية للمعلومات الناتجة من التحقيق .
وفي اغلب الدول العربية يكون التحقيق جزءاً من الاستخبارات , اي انها تقوم بدور الاستخبارات والمكافحة في ان واحد , ورغم ذلك هناك ضعف في استثمار النتاج التحقيقي بشكل جيد ولاتوجد آلية لاعادة المنتوج من ملفات التحقيق الى جمع المعلومات.
وللاسف فان التغذية العكسية هي حلقة مفقودة وغير معمول بها في اغلب الحالات في العراق , ويبدو ان الاهتمام ينصب فقط على اخذ الاعتراف وارسال الملف الى القاضي ومن ثم صدور الاحكام وركن الملفات ليأكلها العث في الادراج .
والحقيقة ان كل ملف تحقيق هو عبارة عن معلومات جنائية او عسكرية او ارهابية لا تفيد غير العمل الاستخباري وهي ما يحدد مستوى الجريمة للشخص امام القاضي , اما بعد صدور الحكم فتلك المعلومات تموت بالتقادم وهو ماعانينا منه بشكل جسيم في العراق .
فطيلة اكثر من عقد من الزمان كانت الاعتقالات تتم بشكل عشوائي وتتم عبر جهات غير معنية باستمرار الاعتقال , وكانت تلك الجهات تحقق على مزاجها دون ان تعرف طبيعة تلك الاعترافات ولااهميتها ولاتشاركها مع احد مما اضاع كنوز من المعلومات من خلال اهمال التغذية العكسية , والتي نكاد نجزم ان الكثير ممن يدعون التصدي في قيادة ملفات الارهاب لايعرفون هذا الاصطلاح او انه لا يعني لهم شيئاً .
وبالعموم يجب تحقيق الانسجام بين الجهازين الاستخباري والمكافح وتعريف آلية عمل واضحة على اعادة المعلومات وجعلها جهدا استخباريا حقيقيا تستفيد منه مؤسسه جمع المعلومات.
------------
خلاصة
------------
العمل الحكومي هو عمل تكاملي بالضرورة , وفي مقدمة الاعمال التي تحتاج الى تكامل وانسجام هو العمل الامني والاستخباري بشقّي الاستخبار والمكافحة .
ولايمكن تصور تحقيق واعترافات لارهابيين او جناة ومجرمين بعيداً عن المعني الاول بجمع المعلومات وهي الاجهزة الاستخبارية التي تجتهد في تحديد الاهداف فكيف يمكن تصور ابعادها عن ثمرة اعمالها بالاعترافات الناتجة عن التحقيقات؟ .
ومن هنا كانت اهمية التغذية العكسية التي تضمن انسيابية المعلومات وتدعيمها وكشف كل جديد عنها وتضمن ديمومة العمل الاستخباري , وهو امر يحتاج الى آليات تحدد المسؤولية ولاتبقي اية معلومات مركونة على الرفوف , والله الموفق .
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟