أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - المظلومية والمجتمع الرعوي















المزيد.....

المظلومية والمجتمع الرعوي


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5494 - 2017 / 4 / 17 - 21:31
المحور: الادب والفن
    


"يجب أن تعتني بسيفك اعتناءك بحياتك. أنت, يمكن الاستعاضة عنك, أما هو, فلا"
هذا ما قاله حزقيال أحد أبطال رواية قبلة يهوذا للكاتب الفرنسي أوبير برولونجو أثناء تدريب الأطفال الصغار على حمل السلاح كالخنجر والسيف.
فالسلاح هو رمز هذه الحضارة كمرجع للتماسك والترابط التاريخي بين المجتمع وذاته وعلاقة القوة بالقوة, بالإنسان. وخير من يعشق السلاح هو الفكر الشمولي العصبوي الذي يتوحد ويتماسك ضمن هذه القوقعة ليتوحد أحدهما في الأخر, السلاح مع صاحبه أو معتنقه.
في هذه الرواية يتم استدراج الأطفال إلى المعسكرات تحت الأرض وفي الكهوف وفي شروط إنسانية غاية في القسوة عبر تدريبهم على القتل والنشل والسرقة لخدمة القضية اليهودية. هكذا تتم صناعة القاتل وتشويهه باسم الدفاع عن المظلومية التاريخية بعد أن يعبأ بايديولوجية خلوصية, وهمية تعمل على تعزيز تراتبية القوة والنفوذ والسلطة في الجانب الأخر من المعادلة.
فالذي يبحث عن الحرية عبر السلاح يقع في أسره, تحت رحمته, يستعبده ويقيده. ويتحول حامله إلى ضحية, مجرد شواء في حفلة كبيرة عنوانها: الحضارة.
هذه الحضارة, ماكرة قائمة على التسلط والهرس وتمزيق كينونة الإنسان من الداخل عبر تغليفه بايديولوجيات كاذبة تسحق الإنسان وتسرق حريته وحياته الطبيعية وتحوله إلى مجرد آلة, تابع مهزوم في يد من يقبض على مفاصل الحياة, كالمال والقوة والنفوذ, عبر تغليف عقله وتكوينه النفسي بقضايا تبدو من الخارج إنها عظيمة, بيد أنها في الواقع هو لإعادة تكوين تراتبية النخبة المالية والنفوذ والسلطة الموازية لتراتبية القوة للمحتل أو تحقيق مكاسب كبيرة عبر التضيحة بحيوات ناس لا يعرفون معنى مفهوم الحرية إلا بما يحقق لهم المزيد من التعويم في المكانة والقوة.
يهوذا, هو بطل هذه الرواية, دخل المعترك السياسي في العام الثالث أو السابع لمجيء المسيح, حوله باراباس المدرك لهدفه, إلى مجرد" أنا " مهزومة, موظف, حامل سلاح خدمة لهوس داخلي يتعلق بتكوينه النفسي والعقلي. تحول يهوذا المشوه نفسياً وإنسانياً, إلى ثأر وهو طفل صغير في العاشرة أو الثانية عشرة من العمر دون أن يعلمه معنى التحرر أو الحرية أو يساعده في الارتقاء في المعرفة او البحث عن الحقيقة, قال له:
أرض اليهود محتلة من قبل الرومان ويجب تحريرها. التحرير, الكلمة السحرية الخالية من المضمون الواقعي, بالاعتماد على بعض المقولات الفضفاضة جاءت في كتبهم:
ـ إن الخلاص سيكون بمجيء المخلص, وعلينا أن نقاتل إلى حين مجيئه.
بهذه التراجيدة الوهمية القائمة على نبش الذاكرة المريضة للعقل الدوني, في البحث عن خلاصهم. في مجتمع رعوي متأخر لا يقوى على هضم الثقافة الأخرى. صدم بالحضارة التي جاءت من خارجهم عبر المحتل, وغيرت من حياتهم, بيد أن النخبة المالية والكهنة اليهود فهموا مصالحهم, لهذا تعاونوا مع الرومان, بله تحالفوا سياسيا وماليا. فالنخبة تدرك ماذا تفعل لإنهم يمتلكون وعيهم الخاص لدورهم ومعرفة مصالحهم, ومدوا الجسور مع النخبة في الضفة الأخرى, وحولوا المجتمع إلى مجرد طعم لاستمرار هيمنتهم ومكانتهم والإبقاء على نفوذهم في تداخل متكامل بنيويًا, كوحدة المصالح والعلاقات والتقاطعات التي توحدهم.
إن مفهوم الخلاص, ولد في مجتمع رعوي متأخر دخل المدنية على يد الأخر, لم يهضمه أو يتفاعل معه. لهذا بقي في وحدته يتعامل مع هذه المدنية من خارجها بقلق وخوف وتوتر وتمرد.
يسأل أحد الأطفال اسمه نتنائيل للطفل يهوذا الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من العمر, عندما عادوا من الهجوم على محمية رومانية, بينهم يهود متعاونين معهم, بقصد السرقة والقتل, وبعد أن قتل يهوذا أول إنسان في حياته:
ـ قتل إنسان عمل شاق, أليس كذلك؟
وعندما هموا بحرق البيت بمن فيه, يسأل نتنائيل بصيغة الاستنكار:
ـ يوجد طفل فوق! يرد عليه براباس:
ـ كان يجب قتله! هذا المال سيساعدنا على العيش فترة من الزمن. هيا أخرجوا سريعاً, سأضرم النار في البيت وألحق بكما.
ولم يكتف باراباس بتشويه يهوذا والاستحواذ عليه ككيان, وكائن وإنسان وتحويله إلى أداة, بله استولى على ميراث ابيه, الذي صلب أمام عينيه لمقاومته المحتل, بالارتباط جنسيا بوالدته لإرضاء غريزته الجنسية, والانتقام, كميراث لا شعوري, من ضحية أخرى, عملت من أجل تعويم نخبة يهودية أخرى كانت ستتعاون مع المحتل.
استطاع الروائي الفرنسي أوبير برولونجو أن يجول بثقة عميقة في قلب التاريخ وحيوات الناس في أرض فلسطين, أن يدخل التكوين النفسي للإنسان اليهودي, في ثقافته الدينية, في تشوهاته وتشوهات حيوات المقاومين, وفي عقلية النخب اليهودية. ساح في تفاصيل الأرض, في ذاكرة الناس. سار في جبال مؤاب, وعلى ضفاف طبريا, وقرأ لنا عن الهوام والهذيان الذي يعيشه البسطاء في بحثهم عن الخلاص عبر التبشير, الوهم. إنها حالة متجذرة عاشوها ويعيشونها إلى الأن, لكونهم غير مدركين لحقيقة الواقع وقسوة شروط عمل السلطة ونخبها في إدارة الصراع للسيطرة على المهمشين والبسطاء.
لم يكن يعرفون كيف يقبضون على وجودهم وحاضرهم ومستقبلهم. اليهود ككتل بشرية في حالة ضياع ضمن مطرقة المحتل الداخلي والمحتل الخارجي, وفي بيئة شحيحة في العطاء, أصحابها مجرد فئة فقيرة بالعلم والمعرفة, رعوية لا يعرفون كيف يسخرون الواقع لمصلحتهم, لعدم أمتلاكهم المفاتيح والعلم والأدوات الحضارية المعاصرة لزمانهم.
ومن خلال هذه الرواية, عرفنا أغلب المدن والبلدات والأنهاروالجبال والتلال.
إن بطله يهوذا, المشوه إنسانيا, لم يحب بشكل طبيعي من فتاة بعمره. عاش وسخر حياته باحثا عن مفهوم لا يدركه. وعندما شب وانطلقت غرائزه لم ير أمامه إلا المواخير والبيوت الليلية, دفع المال من السرقة أو عبر دعم الميسورين الذين يتعاونون مع المحتل, لتلبية حاجاته. ولكونه إنسانا معدما, معوما نضالياً, لا تتعرف عليه العائلات اليهودية, ولا يزوجونه ابنتهم, لإن ابيه قتُل, وامه ماتت, وفرط عقد نسلهم بالكامل وتذرت في الهواء كما هو حال أغلب الضحايا.
نعرف أورشليم بدقة, أحياءها, مواخيرها, الطبقة العليا ورجال الكهنة, ورجال المال والسلطة.
رواية أو حكاية, جديرة بالقراءة والتحليل والدراسة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عوالم تركية لقيطة استانبول
- العولمة وإدارة الفوضى..!
- ألف شمس مشرقة
- آلموت فلاديمير بارتول
- الديمقراطية السياسية
- رواية قبلة يهوذا
- محنة اليسار
- قراءة في رواية سيرة الانتهاك
- الاغتراب في رواية
- النظام الدولي بعد الحرب الكبرى
- حكاية حنا يعقوب
- الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح
- في مقر منظمة العفو الدولية
- خبايا العولمة
- جيلبريت سينويه وابن سينا
- عدت والعود ليس أحمدُ 4
- عدت والعود ليس أحمدُ 3
- عدت والعود ليس أحمدُ 2
- عدت والعود ليس أحمدُ
- السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - المظلومية والمجتمع الرعوي