|
افول الماركسية - الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (3)
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5493 - 2017 / 4 / 16 - 11:47
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
خمسون عاما على ثورة أكتوبر (ص 18 ـ 21) :
في نهاية الستينات انضافت إلى هذه الموضوعات الايديولوجية الجديدة موضوعة أخرى لا تقل أهمية و خطورة . و كانت الذكرى الثانية من المناسبات التي أشرنا إليها هي الإطار و المناسبة التي برزت فيها هذه الموضوعة (ذكرى و مناسبة مرور خمسين عاما على السلطة السوفياتية في الاتحاد السوفياتي) . و في هذه المناسبة أيضا كان الموقف الذي اتخذته المونثلي ريفيو هو الموقف الأكثر تعبيرا . فالافتتاحية التي كتبها مديرا المجلة عددت الأسباب التي تجعل المجتمع السوفياتي يظهر بعد نصف قرن على الثورة و كأنه بعيد عن _و غير متوافق مع_ سمات المجتمع الاشتراكي . فهو في شكل أساسي مجتمع شديد التنضيد (تراتب سلم الطبقات و ترتيبه) . و هناك هوة عميقة تفصل بين الشريحة البيروقراطية من المسؤولين السياسيين و الاقتصاديين من جهة و جماهير الشعب العامل من الجهة الأخرى . و كانت مروحة التفاوت في المداخيل و شروط المعيشة بين طرفي المجتمع تبدو غاية في الضخامة . و في خضم أجواء غياب التسييس لدى الجماهير و إنعدامه عموما ، كانت تظهر إشارات و علامات لا تخطئ من تحبيذٍ و تشجيعٍ (( للقيم البورجوازية و لمعايير النجاح البورجوازية و لطرق و أساليب و أنماط سلوك البورجوازي )) .
و فيما كانت المجادلة العنيفة ضد (( الحوافز المادية )) في الاقتصاد ، ما تزال في ذاكرة الكاتبين ، (و هي مجادلة أثارها خلال السنوات السابقة كل من تشي غويفارا و الحزب الشيوعي الصيني على السواء) فإن سويزي و هيوبرمان ربطا بين وظيفة هذه الحوافز في إطار السياسات الاقتصادية السوفياتية ، و بين التوجهات (( الاستهلاكية )) التي كانت تتجه على ما يبدو باتجاه الغلبة و السيادة في المجتمع السوفياتي . كما أن الانتاج المتزايد الحجم للبرادات و الغسالات و السيارات و غيرها كان يشير إلى تمايز متفاقم البروز للاستهلاك الفردي الخاص و من ثم للفروقات الاجتماعية و عدم المساواة ، على حساب الاستهلاك الاجتماعي أو العام . و كان المنفذ الوحيد للخلاص من هذا المأزق يتمثل في إحداث (( ثورة ثقافية )) ، و إعادة تسييس المجتمع السوفياتي . إلا أنه لم يكن لدى الكاتبين أدنى أوهام حول حصول هذا الأمر .
و بالنسبة لهذين الكاتبين الماركسيين كان المجتمع السوفياتي يبدو ليس فقط بعيدا عن الاشتراكية و إنما على حافة التراجع في الاتجاه المعاكس ، و هما لم يكونا قد تكلما حتى ذلك الحين عن عملية حقيقية لإحياء أو (( إعادة الرأسمالية )) ، و إنما كانا يلتقطان إشاراتها الأولى . و في نفس الوقت فإنهما لم يكونا ليجرؤان على تبني و طرح موضوعة ميلوفان دجيلاس حول (( الطبقة الجديدة )) ، و إنما كانا يستعملان مصطلح الفئة أو الشريحة الحاكمة منبهين إلى أنه ، و إن لم يكونا يدعيان معرفة إلى أي حد أنتج النظام البيروقراطي السوفياتي نظاما جديدا من الطبقية ، يبقى من المؤكد أن (( طبقة جديدة تبدأ أولا في التكون كفئة ، كشريحة ، و هي لا تتدعم كطبقة إلا بعد بضعة أجيال )) .
غير أن هذه الأحتياطات في الكلام و الصياغات الخجولة ، لم تكن لتطول كثيرا . ذلك أن مجرى الأحداث سيعطي فيما بعد دفعا جديدا للتحليل .
إن غزو تشيكوسلوفاكيا لم يؤثر في الحقيقة ، في البداية ، في الدفع في هذا الاتجاه . أما الأوساط المسؤولة عن (( الثورة الثقافية )) في الصين ، فإنها كانت عاجزة ، بسبب من مواقفها السياسية ، عن تفهم محاولة دوبتشيك و لذا قامت بتوثيق (( الحادثة )) و باحتقار ، على أنها مجرد مشادة تافهة بين (( تحريفيين )) . و لم يكن رد فعل حركات التمرد الطلابي الجامعي ، التي كانت في أوج صعودها في تلك الفترة في أوروبا الغربية ، مختلفا عن هذا الموقف . فالماوية و الفوضوية المتطرفة ، و هي التي كانت مصدر الوحي الرئيسي لهذه الحركات وفق انموذج الثورة الثقافية ، لم تكن لتجعل الطلاب في الغرب (و على عكس ما كان يجري في نفس الفترة تقريبا في جامعات بولونيا (( الديمقراطية و الشعبية )) )حساسين تجاه موضوعات الديمقراطية السياسية و تعدد الأحزاب و التعددية السياسية الخ ...
و لكن ، و حتى ضمن هذه الحدود ، بدت التطورات السياسية و الايديولوجية ملائمة للتسريع في عملية إصدار حكم حول طبيعة الاتحاد السوفياتي و المجتمع السوفياتي . و كان هذا الموضوع (و من المفيد التذكير بذلك) و منذ عدة عقود من السنين ، محرما من محرمات الحركة العمالية . أما المواقف الأكثر جرأة حول تلك القضية فقد ظلت محصورة في نخب أقلية و ضيقة و هامشية تماما ، و هي لم تكن لتتعدى على العموم الموضوعات التي طورها تروتسكي في كتابه (( الثورة المغدورة )) : (( المجتمع السوفياتي دولة عمالية منحطة ـ متدهورة )) . أما الارتدادات البيروقراطية الخطيرة فهي قد أصابت البنى الفوقية السياسية من دون أن تسيء إلى أو تغيّر من طبيعة (( البنية الاقتصادية )) ، أي أنها لم تغيّر من طابعها الاشتراكي أساسا . أما المضي بالتحليل إلى بعد من حدود هذه الموضوعات المعتبرة بحد ذاتها متطرفة و خطيرة ، فقد كان يعني في حينها القطيعة الحادة مع الماركسية و الخروج على ما كان يسمى في ذلك الوقت (( الحركة العمالية العالمية )) .
لقد تغيّر هذا الوضع جذريا في نهاية الستينات و بداية السبعينات .
فصورة الاتحاد السوفياتي التي لم تخدشها فعليا لا مقررات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي و لا التقرير السري لخروتشوف ، قد بدأت في تلك الفترة ليس فقط في الخفوت و إنما أيضا في التحول شكلا و لونا في عيون الأجيال الجديدة و خصوصا الشبيبة اليسارية . و كان ذلك يرتبط إلى حد ما بالتصعيد التدريجي و المأساوي للمواجهة الايديولوجية بين الاتحاد السوفياتي و الصين (و هي أدت إلى مواجهات عسكرية في منطقة الحدود بينهما _منطقة أوسوري_) . و من هذا الطرف كما من ذاك كان يتم تصعيد الرماية تدريجيا ضد الطرف الآخر . و قد انتقل الحزب الشيوعي الصيني (بعد أن أعاد تقييم عدة أمور منها غزو و احتلال تشيكوسلوفاكيا عسكريا) من تهمة التحريفية (الموجهة حتى ذلك الوقت إلى القادة السوفيت) إلى إجراء تقويم عام و شامل للنظام السوفياتي و إلى اعتباره (( إمبريالية اشتراكية )) .
و يظهر أن هذا الهجوم كان فعالا لأنه جرى على جبهة مزدوجة . فمن جهة أولى كان الاتحاد السوفياتي (( منحطا ـ مرتدا ـ متدهورا )) بسبب الانعطاف الذي أجراه القادة الجدد بعد موت ستالين و بعد المؤتمر العشرين للحزب ، و هو من جهة ثانية منحط أيضا لأنه بحث عن (( تعايش سلمي )) و تصالح مع الامبريالية . و هذا ما كان يسمح للدعاية الصينية (عبر التلويح بتهمة (( الخيانة )) المؤثرة دوما) باستقطاب و استيعاب جيوب عدم الرضا و التمرد التي نشأت داخل الأحزاب الشيوعية الأوروبية كنتيجة لادانات خروتشوف لحكم ستالين (عام 1956) و لاستعادتها في المؤتمر الثاني و العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي . (و حول هذا الخط تشكلت و تمحورت مجموعات من الحركة الطلابية ذات انتماء صيني نقي) .
و من جهة أخرى فإن موضوعات أخرى من فكر ماو أكثر ظرافة و جاذبية ، انضافت إلى إعادة البلورة و الصياغة الايديولوجية التي خضعت لها الثورة الثقافية في الغرب ، مما سمح باطلاق عملية نقد عميقة للوسائل المستخدمة في الاتحاد السوفياتي لتحقيق (( التراكم الاشتراكي )) . (غير أن ذلك النقد قد تم دون انتباه أو فهم للتناقض الكامن مع الوجهة الأولى أي وجهة (( إعادة الاعتبار )) لستالين) .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الماركسية - الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (2)
-
افول الماركسية الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (1)
-
علم التاريخ و (( مضار التاريخ ! ))
-
شيء عن العلمانية
-
شيء عن الإصلاح
-
جامعة البحرين و جنرال إلكتريك .. أما بعد
-
ورقتي المقدمة في ندوة (( الشباب .. و تحديات المستقبل )) بالم
...
-
شيء عن إلغاء مجانية التعليم الجامعي
-
شيء عن جامعة البحرين - المستقبل ، و الدور المشبوه القادم
-
شيء عن جامعة البحرين - الثالوث المحرم
-
شيء عن جامعة البحرين - إحتكار الإعلام ، و قمع الأصوات الأخرى
-
شيء عن جامعة البحرين - السلطة المطلقة ، و تشتيت القوى التلمذ
...
-
شيء عن جامعة البحرين - التسلط الديني
-
شيء عن جامعة البحرين - وأد المثليين
-
شيء عن جامعة البحرين نظرية المؤامرة ؛ بين التكثيف و التأويل
-
شيء عن جامعة البحرين ظاهرة حب هتلر و حب صدام حسين
-
شيء عن جامعة البحرين - كراهية اليهود ، و العداء لإسرائيل
-
شيء عن جامعة البحرين - مقدمة
-
شيء عن التجنيس في البحرين - صياغة المشكلة
-
شيء عن التجنيس في البحرين - أدوار المثقفين و رجال الدين ، و
...
المزيد.....
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
-
نقطة نظام النائبة البرلمانية الرفيقة نادية تهامي، باسم فريق
...
-
الرفيقة إكرام الحناوي، عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس الن
...
-
رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، يوجه
...
-
من اليمين واليسار...انتقادات لبايرو بعد تصريحاته عن -إغراق-
...
-
مسؤولة كردية رفيعة تطالب تركيا بإجراءات تخص عبد الله أوجلان
...
-
ملف الهجرة: رئيس الحكومة الفرنسية -يغازل- اليمين المتطرف؟
-
غارات تركية على مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني قرب قصر ش
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|