|
بداية انهيار الاتحاد الاستعماري الاوروبي
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 5490 - 2017 / 4 / 13 - 12:36
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أوروبا... من أنتِ؟ لقد اعطتنا الحياة مفهومان لتعبيري: اميركا واوروبا. المفهوم الجغرافي والمفهوم السياسي. فحينما نقول: اميركا، بالمعنى الجغرافي البسيط، نقصد القارة الاميركية بقسميها الجنوبي (اللاتيني) والشمالي الذي يشمل الولايات المتحدة الاميركية وكندا. ولكننا حينما نتكلم سياسيا، ونقول: اميركا، او الامبريالية الاميركية، او الأمركة، او العولمة الاميركية، فإننا لا نقصد كل القارة الاميركية، بل بالتحديد الولايات المتحدة الاميركية. وحينما يرفع شعار: تسقط اميركا. فالمقصود هو الاستعمار الاميركي، او استعمار الولايات المتحدة الاميركية. والشيء ذاته تقريبا ينسحب على اوروبا. فهي، بالمعنى الجغرافي البسيط احدى القارات الرئيسية في الكرة الارضية، وبهذا المعنى الجغرافي فهي تشمل اوروبا الشرقية ودول البلقان (التي كانت في مرحلة تاريخية سابقة تتمحور حول بيزنطية وتدخل في العالم الهيليني الكبير الذي امتد من شمالي افريقيا حتى اوروبا الشرقية. كما تشمل اوروبا الشرقية بالمعنى الجغرافي، وخصوصا روسيا، التي يحتل جزؤها الاوروبي 40% من اجمالي مساحة القارة الاوروبية. وهناك قول مأثور هو: ان اوروبا مع روسيا هي كل شيء؛ ولكن اوروبا بدون روسيا هي لا شيء. وما ينطبق على اميركا ينطبق بشكل مشابه على اوروبا. فحينما نقول اوروبا، سياسيا، فهذا يعني اوتوماتيكيا: اوروبا بدون روسيا ، بل اوروبا الضد روسيا. ومنذ ايام روما القديمة حتى الازمنة الحديثة اتسمت اوروبا (بدون روسيا) بالنزعة والطابع الاستعماريين. واصبحت كلمتا اوروبا والاستعمار الاوروبي تعنيان: اوروبا الغربية. والتصقت الصفة الاستعمارية بأوروبا الغربية، كما التصقت بالولايات المتحدة الاميركية. والان حين نقول "اوروبا" سياسيا، فنعني دول اوروبا الغربية، الاستعمارية، والدول الاوروبية التابعة لها ولو لم تكن هي بحد ذاتها استعمارية كسويسرا او لوكسمبورغ او موناكو، او الدول السكندينافية، التي هي دول غير استعمارية، انما تعيش على "نِعم" و"خيرات" و"حسنات" الاستعمار، الذي مارسته ولا تزال تمارسه الدول الاوروبية الغربية الكبيرة والمتوسطة. ونأخذ مثالا سويسرا، التي هي مضرب مثل كدولة مسالمة ومحايدة وتحافظ على القوانين وحقوق الانسان والاتنيات والاديان الخ. فإن الدعامة الاولى للاقتصاد الوطني لهذه الدولة اللطيفة والظريفة هو الصناعة البنكية، حيث تودع فيها الاموال من شتى انحاء العالم، فتستفيد هي من الفائدة "الضئيلة". وحتى الان كل شيء طبيعي وفي مكانه الصحيح ولا غبار عليه. ولكن حقيقة الامور ليست بهذه البراءة. فغالبية الاموال التي تودع في البنوك السويسرية هي اموال مشبوهة وقذرة وجرائمية: اموال الدكتاتوريين المتوحشين امثال صدام حسين وعيدي امين وجوزف موبوتو، واموال جميع اصناف عملاء الاستعمار العالميين والخونة والنازيين واليهود والمافيات وعصابات الجريمة المنظمة وكبار اللصوص والمرتشين الخ الخ. وسويسرا هي اكبر ماكينة لغسيل الاموال القذرة في العالم. ونظرا لان غالبية مودعي الحسابات السرية في سويسرا لا يذكرون اي وكيل عنهم او وريث لهم، لانهم لا يريدون ان يكشفوا حتلا لاقرب اقربائهم مصدر اموالهم، وهم يموتون او يقتلون بنسب اعلى من المعتاد لاسباب معروفة او غير معروفة، فبعد موت المودع بوقت محدد، ولعدم وجود مطالب بتلك الودائع، فإنها تعود بشكل شرعي وقانوني تماما الى البنوك والحكومة السويسرية. ولهذا يمكن القول ان كل لقمة خبز يأكلها اي مواطن سويسري بريء هي مجبولة بدماء مئات ملايين المواطنيت العاديين، العرب والمسلمين والافارقة والاسيويين والاميركيين اللاتينيين والشرق اوروبيين الخ، الذين هم ضحايا الاستعمار والرأسمالية والدكتاتورية. واذا كان هذا المواطن السويسري البريء يدري مصدر لقمته فتلك مصيبة، واذا كان لا يدري فالمصيبة اعظم. هذه هي اذن اوروبا، سياسيا. فحينما نقول اوروبا، في غير معرض البحث الجغرافي، فإننا نعني اوروبا الغربية، الراقية والمتطورة والحضارية، انما ايضا: الاستعمارية، الامبريالية، الاجرامية، الصليبية، مصاصة دماء شعوب الشرق، والعدوة التاريخية لروسيا. وحينما نقول "الاتحاد الاوروبي" (ما غيرو!) فإننا نعني تلك المنظمة التي اسستها فيما بينها هذه الدول الاوروبية الغربية اللصوصية الاستعمارية. روسيا تنقذ اوروبا مرتين وتلقى الجحود تبلغ مساحة اوروبا 10.180.000كلم2 ـ . في حين تبلغ مساحة روسيا 17,075,4000كلم2 ـ اي انها تبلغ حوالى 170% من كل مساحة اوروبا. والجزء الاوروبي من الدولة الروسية يشغل 40% من كامل المساحة الاوروبية، اي ان هذا الجزء (الروسي الاوروبي جغرافيا) هو اكبر مساحة من اي بلد اوروبي اخر. وفي الحرب العالمية الثانية فإن روسيا، وبتضحيات بشرية ومادية لا توصف، هي التي حررت كل اوروبا (واميركا والعالم بأسره) من نير النازية والفاشية. ومع ذلك، ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، حتى عادت اوروبا (اي الغربية) الى ممارسة سياستها الاستعمارية السابقة، حيال شعوب الشرق، وبالطبع سياسة الجحود ونكران الجميل والعداء لروسيا. وهنا لا بد من الاضاءة بشدة على نقطة في غاية الاهمية، تغيب عن بال جميع المحللين الغربيين (والشرقيين!)، اليمينيين واليساريين، وهي انه بسبب الخوف من روسيا واحتمالات الثورة الاشتراكية في اي بلد اوروبي، فإن اوروبا التصقت بأميركا التصاق الكلب بصاحبه. ومن جهتها فإن اميركا انتهجت حيال اوروبا سياسة التتبيع المطلق، في كل الحقول. وكانت كل الظروف مؤاتية كي تتحول اوروبا (الغربية) الى اميركا لاتينية ثانية، اي الى "جمهوريات موز" اميركية، يتم فيها القضاء على الصناعة والزراعة والسياحة والاقتصاد المتطور وانظمة التعليم، وتقام فيها علنا مزارع الكوكا والخشخاش والماريخوانا والحشيش و"مدن" كاملة للقمار والدعارة "الراقية" و"الشعبية" واللواط والسحاق. تماما كما هو حال بلدان اميركا اللاتينية. والذي انقذ اوروبا (الغربية) من هذا المصير الاسود هو وجود روسيا والاتحاد السوفياتي السابق. ذلك ان اميركا كانت تخشى من ان الاضعاف التام لاوروبا يمكن ان تستفيد منه روسيا بهذا الشكل او ذاك، وان تظهر في اوروبا عدة "كوبايات"، بواسطة الاحزاب الشيوعية الاوروبية او بدونها كما جرى في كوبا، او بالتعاون معها كما جرى في فينزويلا. اي: ان مصاصة دماء شعوب العالم: اميركا، كانت تترك فسحة من الربح للرأسمالية الاوروبية ولا تعتصرها تماما كما في اميركا اللاتينيةة، حتى لا تتكرر الثورات، كالثورة الكوبية، في اوروبا. وذلك كله خوفا من روسيا. تأسيس "السوق الاوروبية المشتركة" ومع ان روسيا هي التي انقذت اوروبا منن النازية وممن الانانية الامبريالية لاميركا، ومن ضمن ستراتيجية معاداة روسيا والتبعية لاميركا، انتسبت دول اوروبا الى حلف الناتو العسكري، كما عمدت سنة 1957 لتشكيل ما سمي في حينه "السوق الاوروبية المشتركة"، لتنسيق العلاقات التجارية والمالية والاقتصادية فيما بين الدول الاوروبية، على قاعدة متابعة النهج الاستعماري في التعامل مع الدول الشرقية (المستعمرة سابقا)، ومعاداة الاتحاد السوفياتي وروسيا، والتبعية لاميركا. وينبغي هنا الاعتراف بأن "السوق الاوروبية المشتركة" حققت نجاحات على صعيد حرية تنقل الرأسمال والسلع والافراد، وتحولت اوروبا من جديد الى كتلة كبرى على صعيد حركة الرأسمال العالمي. ولكن ذلك حصل ليس لصالح التقدم الحضاري للعالم، بل لمصلحة تقدم الرأسمالية. ففي الظروف التي اوجدتها "السوق الاوروبية المشتركة"، كحرية الانتقال بدون فيزا لكل بلد من بلدان السوق، ورفع الحواجز الجمركية ونظام الحماية، وتخفيض الضرائب المباشرة على الرأسمال الكبير وتخفيض الرقابة على شروط العمل والانتاج وغير ذلك من التدابير المشجعة لنمو الرأسمال، أدت الى زيادة "أمركة" الانتاج بشكل محموم، اي تعميم وتسريع وتيرة عمل "كل شيء من اجل الربح السريع والكبير". وقد ازدادت المنافسة بشدة تحت عباءة "الوحدة الاوروبية"، اي ازداد القوي قوة والضعيف ضعفا. وبدأ استخدام اساليب الزراعة وتربية الدواجن بطرق مضادة للطبيعة، بحيث صار الناس يأكلون سموما "رخيصة الثمن". وبدأت تظهر الامراض الغريبة كـ"جنون البقر" و"انفلونزا الطيور" (والمخفي اعظم). وبدلا من ان تقوم المصانع بدفن النفايات السامة التي تصدر عنها، بطريقة علمية مكلفة، اخذت تلزّم تلك النفايات الى المافيات لدفنها في افريقيا والشرق الاوسط. وكان ابن "المعارض السوري الدمقراطي" عبدالحليم خدام وحزب "القوات اللبنانية" بعض ملتزمي دفن النفايات السامة في سوريا ولبنان. ولا شك ان المافيات ليست اقل "امركة" من اصحاب المصانع، فأخذت تختصر الطريق وترمي النفايات في البحار والمحيطات. وقد اثبتت الاختبارات ان البحر الابيض المتوسط اصبح اكثر البحور تلوثا في العالم. وقد نشرت وسائل الاعلام العالمية ان الحيتان ذاتها بدأت تخرج من اعماق البحار وتتجه نحو الشواطئ للانتحار الجماعي بسبب الاشياء الغريبة والمواد السامة التي اصبحت تبتلعها. ونقدم هنا نصيحة لربات البيوت:حينما يشترين السمك فإنهن عادة يشترين السمكة ذات الحجم الاكبر من النوع المعين. وعليهن ان يفعلن العكس، وان يشترين السمكات الاصغر، لانه بمقدار ما تكون السمكة اصغر سنا تكون قد اكلت من السموم الملقاة في البحر اقل من "شقيقتها" الاكبر سنا. وبعد تأسيس "السوق الاوروبية المشتركة"، وبعد ان شربت الطبقة الرأسمالية الاوروبية حليب السباع والضباع نجحت في تحطيم الحركة النقابية الاوروبية العريقة مستفيدة من عاملين: الاول ـ انحراف الحركة الشيوعية العالمية وانهيارها. والثاني: استقدام اليد العاملة الرخيصة من افريقيا واسيا واوروبا الشرقية، بالطرق المشروعة وغير المشروعة، وانتشار ما يسمى "العمل الاسود" كالوباء في اوروبا. وبهذه الطريقة تم النجاح في زحزحة المكاسب النسبية التي كانت تحوزها الطبقة العاملة الوطنية، ورميها في براثن البطالة دون افق للمستقبل، وتخفيض مستوى معيشة الجماهير الشعبية الاوروبية على حساب شقاء وبؤس اليد العاملة الرخيصة المستوردة. تأسيس الاتحاد الاوروبي ولكن بصرف النظر عن اية اعتبارات اخرى، فإن "السوق الاوروبية المشتركة" قد اعطت اوروبا شخصية دولية مميزة على النطاق العالمي. وهذا ما دفع دول "السوق الاوروبية المشتركة" الى التحول الى اتحاد دولي سياسي ـ اقتصادي ـ امني ـ حقوقي ـ ثقافي، بموجب ما سمي "اتفاقية" او "معاهدة ماسترخت" التي وقعت عام 1992. ومن ابرز ما حققته اتفاقية ماسترخت لتأسيس "الاتحاد الاوروبي": ـ ايجاد المواطنية الاوروية، التي لا تتعارض مع المواطنية الوطنية، ولكنها مستقلة عنها، ويمكن الحصول على المواطنية الاوروبية دون الحصول على المواطنية الوطنية، وبموجب "المواطنية الاوروبية" يمكن للحائز عليها ان يعيش ويعمل في اي دولة من دول "الاتحاد". ـ تأسيس البنك المركزي الاوروبي، الذي يدير ويشرف على مالية جميع دول الاتحاد. ـ اصدار عملة موحدة سميت "اليورو"، كعملة دولية جديدة، تحل محل العملة الوطنية لاي دولة عضو في "الاتحاد" وذلك بالاتفاق بين تلك الدولة والهيئات السياسة العليا في الاتحاد والبنك المركزي الاوروبي، وذلك ضمن شروط محددة يتم الاتفاق عليها وينبغي على تلك الدولة تطبيقها. ـ انشاء مؤسسات "اوروبية" ثقافية وتربوية وعلمية وحقوقية وبوليسية "اوروبية" تبحث وتأخذ القرارات في القضايا ذات الصلة، ويتوجب على كل دولة عضو توافق على قرارات الهيئات "الاوروبية" ان تكيف مؤسساتها وقوانينها ذات الصلة مع قرارات الهيئات "الاوروبية". ـ إنشاء برلمان اوروبي موحد، تتمثل فيه جميع البلدان الاعضاء في الاتحاد. وتجري الانتخابات للبرلمان الاوروبي بمعزل عن الانتخابات الوطنية للبرلمان في كل بلد. ولا يجوز ان يجمع الشخص الواحد بين النيابتين. ويتوجب على برلمانات وحكومات جميع الدول الاعضاء ان تكيف قراراتها وقوانينها مع القرارات والقوانين التي يصدرها البرلمان الاوروبي. ـ انشاء "لجنة" او "مفوضية اوروبية" موحدة هي اشبه شيء بـ"حكومة اوروبية"، تبت في كل شؤون الاتحاد العامة والشؤون الرئيسية لكل دولة عضو، السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، واي شيء ترى المفوضية بحثه واتخاذ القرارات فيه على "المستوى الاوروبي". وعلى الدولة العضو ان تتكيف مع قرارات "المفوضية الاوروبية" وتنفذها: ايجابا او سلبا. واكتفي باعطاء مثال واحد على ذلك وهو انه، بعد مفاوضات ودراسات طويلة وتفصيلية وشاملة، وفي اعقاب الازمة الغازوية الروسية ـ الاوكرانية جاء الرئيس بوتين شخصيا الى بلغاريا ووقع مع غيورغي برفانوف (رئيس الجمهورية البلغارية حينذاك) ثلاثة اتفاقات اقتصادية ستراتيجية هي: ـ1ـ بناء خط انبوب غاز قاري (سمي "السيل الجنوبي") لنقل الغاز الروسي عبر البحر الاسود الى بلغاريا، ومنها للتوزيع في كافة بلدان اوروبا الشرقية والوسطى والجنوبية (ايطاليا، بخط يعبر البحر الابيض المتوسط من اليونان) على ان تدفع روسيا كل التكاليف وتسترد اموالها من تعرفة الترانزيت التي ستتلقاها بلغاريا بعد بدء التوزيع مقابل مرور انبوب الغاز في اراضيها. ـ2ـ خط انبوب للنفط عبر البحر الاسود الى مدينة بورغاس البلغارية ومنها الى مدينة الكسندروبوليس اليونانية على البحر الابيض المتوسط. وتدفع روسيا ايضا كل التكاليف وتصبح بلغاريا موزعا رئيسيا للنفط الروسي وتدفع الدين من رسوم الترانزيت لاحقا. ـ3ـ بناء محطة نووية لتوليد الكهرباء الرخيصة. وقدرت كلفة المشروع بـ 3 مليارات دولار تدفعها روسيا كلها بموجب قرض ذي فائدة رمزية ويتم التسديد خلال 25 سنة قابلة للتمديد. فيصبح لدى بلغاريا انتاج كهرباء رخيصة جدا وكافية لتأمين جميع حاجاتها، ومن ثم بيع وتصدير الكهرباء الفائضة لدول الجوار وجني ارباح ضخمة. ولكن اميركا لم تكن موافقة على تحصين اوروبا بالطاقة ولا على التقارب الروسي ـ الاوروبي، فأعلنت معارضتها لهذه المشاريع. فلم تصادق االبيادق اميركية في "المفوضية الاوروبية" على هذه المشاريع. وانتظر الروس عبثا اكثر من ثماني سنوات كي يصادق البرلمان البلغاري على المشاريع فلم يصادق عليها بحجة ان "بروكسل لم تقبل بعد". واخيرا قال لهم بوتين "انتظروا الغاز والنفط والكهرباء الرخيصة من بروكسل" وطار سنة 2014 الى انقرة. وبالرغم من الاختلاف الشديد في موقف موسكو وانقرة من الازمة السورية سافر الرئيس بوتين الى انقرة واجتمع مع الرئيس رجب طيب اردوغان وعرض عليه مشروع انبوب الغاز على ان يكون الترمينال في اليونان التي تتولى هي التوزيع فيما تأخذ تركيا كامل حقوقها من الترانزيت، وكذلك مشروع المحطة الكهرونووية، فوافق رجب طيب اردوغان فورا. ولكن بوتين قال له: نحن جيران، ونحن نريد تعزيز الصداقة بيننا. ولكنكم انتم تهددون امننا القومي لصالح اميركا. وحينما ابدى اردوغان تعجبه قال له بوتين: ان رادارات منظومة صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ الموضوعة على اراضيكم تخترق حدودنا الى مسافة 700 ـ 800 كلم. وهذا يعرقل حقنا المشروع في الدفاع عن النفس تجاه اميركا، واذا حدث ان انطلق اي صاروخ باتريوت من اراضيكم ضد صواريخنا، فإن اميركا بعيدة ولنا حساب معها، ولكن تركيا قريبة جدا وسنمحوها من الوجود. فطلب اردوغان من بوتين ان يكمل شرب قهوته التركية، واعتذر للخروج قليلا، وحينما عاد ابلغ بوتين بأنه غدا تكون كل صواريخ باتريوت والرادارات وغيرها قد سحبت بعيدا عن الحدود مع روسيا، وترسل الى الجنوب على الحدود مع سوريا. ولكنه طلب من بوتين ادخال تغيير على اسم خط انابيب الغاز ان يصبح اسمه "السيل التركي" بدلا من اسم "السيل الجنوبي" فوافق بوتين على ذلك. وحينما اسقطت تركيا احدى الطائرات الروسية على الحدود السورية، وتأخرت تركيا عن الاعتذار عن الحادث، اعلنت روسيا وقف العمل بمشروع "السيل التركي". ولكن بعد ان تقدمت تركيا بالاعتذار متأخرة ادعت ان الطيار التركي الذي اسقط الطائرة الروسية غدرا هو من جماعة فتح الله غولن المقيم في اميركا والرأس المدبر لمحاولة الانقلاب في تركيا التي جرت فيما بعد. وحينذاك اعلن الكسي ميلر رئيس شركة غازبروم الروسية عودة العمل بمشروع "السيل التركي". ومعلوم ان تركيا هي عضو في حلف الناتو ولكنها ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي. وهكذا خسرت بلغاريا هذه المشاريع الكبرى للطاقة، وهي تتردى في اوضاع اقتصادية مزرية وتسير من سيئ الى اسوأ، بسبب تبعية حكومتها واحزابها الرئيسية للاتحاد الاوروبي. الاتحاد الاوروبي منظمة عدوانية تفرق ولا توحد ان الانطباع الاولي الذي تعطيه تسمية "الاتحاد الاوروبي"" هو انه منظمة توحيدية تعمل على تجاوز الاختلافات والخلافات التاريخية فيما بين الدول الاوروبية ذاتها، وداخل كل دولة، وفيما بينها وبين روسيا وفيما بينها وبين الدول الافريقية والاسيوية المستعمرة وشبه المستعمرة سابقا. ولكن الذي جرى ويجري هو العكس من ذلك تماما. فلقد ظهر الاتحاد على المسرح الدولي بوصفه منظمة عدوانية: اولا، كأداة للصراع بينه وبين الغير. وثانيا، كمسرح للصراع فيما بين دوله بالذات وداخل كل دولة على حدة. وثالثا، كغطاء "توحيدي شكليا"، للنزعات الاستئثارية والتسلطية والاستعمارية داخل اطاره. فكان وجود الاتحاد مناسبة لكل دولة عضو فيه ليس الى التعاون مع الشركاء الاخرين، بل للسعي الى الحصول على مكاسب على حساب الشركاء الاخرين، وعلى حساب الدول والشعوب الاخرى. وينطبق ذلك بالاخص على الدول الكبيرة في الاتحاد، كانجلترا، والمانيا، وفرنسا، وايطاليا. وهكذا فإن "المواطن"، "دافع الضرائب" و"الناخب" الاوروبي، بدأ يتحسس بالملموس ان حاله تسير من سيئ الى اسوأ بوجود الاتحاد. وظهر ذلك بشكل فاضح خلال الازمة (المستمرة) في اليونان. فعلى شفير اعلان الدولة اليونانية الافلاس التام، واندلاع المجاعة وامتشاق الناس السلاح والدخول في المجهول على الطريقة اليمنية، ـ نقول على شفير هذا المصير قام الاتحاد بتقديم مئات مليارات الدولارات كقروض للدولة اليونانية، مقابل شروط تقشفية لم يعد الشعب اليوناني يطيقها، ومقابل فوائد جديدة مفروضة على الشعب اليوناني، علما ان "المواطن" الالماني او الانكليزي الخ الذي دفعت هذه المليارات من "ميزانيته" فهي لن تعود عليه بأي فائدة، وكذلك فإن "المواطن" اليوناني لا يستطيع ان يدفع وهو لا يقبل بهذه الديون التي لا تفعل سوى ان تزيد بؤسه بؤسا. تنامي الميول القومية والانفصالية في الاتحاد ودوله ومن الطبيعي ان الازمان قد تغيرت. والطبقات الرأسمالية السائدة التي فرضت في الماضي الاستعمار على شعوب الشرق. وكانت بريطانيا تعتبر ان الهند هي جوهرة التاج البريطاني وكانت فرنسا تعتبر الجزائر فرنسية وكانت اسبانيا ولا تزال تعتبر سبتة ومليلة اسبانيتين، هذه الازمان لن تعود. والطبقات الرأسمالية الاوروبية لن تستطيع فرض استمرار هذا الاتحاد الاستعماري على شعوبها بقوة لم تعد تمتلكها. ومنذ سنوات بدأ تخلخل الاتحاد سياسيا وطرح فكرة الانسحاب تقريبا في جميع بلدان الاتحاد، جنبا الى جنب ضم الاعضاء الجدد من اوروبا الشرقية اي من البلدان التي كانت سابقا اعضاء في المنظومة السوفياتية، والتي مثل انضمامها مأساة لشعوبها ولشعوب اوروبا الغربية على السواء. اذ من جهة كان انضمامها الى الاتحاد الاوروبي فرصة ثمينة للاحتكارات في بلدان اوروبا الغربية كي تنهب بشكل وحشي المنجزات التي سبق لشعوب اوروبا الشرقية ان حققتها في المرحلة "الاشتراكية". ومن جهة ثانية كانت فرصة ثمينة ايضا لنهب المليارات من شعوب اوروبا الغربية ذاتها، بحجة مساعدة الاعضاء الجدد على التكيف مع الحياة "الاوروبية". ومؤخرا تلقى الاتحاد ضربة قاسية جدا بانسحاب بريطانيا من الاتحاد على اثر الاستفتاء العام فيها حيث صوت 52% من الناخبين لصالح فكرة الانسحاب من الاتحاد، وقد سلمت الحكومة البريطانية رسميا رسالة طلب الانسحاب الى رئاسة "المفوضية الاوروبية" وستبدأ الان مفاوضات الانسحاب الصعبة. ومن المثير للتعجب والسخرية، ومما يدل على ان الاتحاد هو شركة لصوصية اكثر منها شركة تعاونية بناءة، انه في مفاوضات الانسحاب الفعلي فإن بريطانيا ستطالب الاتحاد بعشرات مليارات الجنيهات التي تدعي انها انفقتها على الاتحاد، في حين ان المفاوض الاوروبي سيطالب بريطانيا بعشرات مليارات اليورويات التي يدعي ان الاتحاد انفقها على بريطانيا. ولا نستطيع التكهن منذ الان من من الطرفين سيخرج انه اللص الاكبر من الاخر. وتفيد وسائل الاعلام ان نجاح انصار الانسحاب في الاستفتاء البريطاني فتح الباب لطرح موضوع اجراء استفتاء في سكوتلندا للانسحاب من بريطانيا. ويرجح بعض المراقبين ان تلحق بها ايرلندا الشمالية ومقاطعة ويلز، بحيث لا يبقى من بريطانيا سوى مقاطعة انكلترا. وفي فرنسا ارتفعت شعبية المرشحة الرئاسية، القومية اليمينية، مارين لوبين، المعارضة للاتحاد والتي تقول ان الاتحاد مهدد بالزوال قريبا. وقد قامت لوبين مؤخرا بزيارة الى موسكو. واستقبلت بالحفاوة الخاصة برؤساء الدول وقابلها بوتين شخصيا. وفي لقاءاتها مع انصارها تقول لوبين "ان الاتحاد يموت، ولهذا فإن الناس لم تعد تريده". ونذكر هنا ان المرشح لشغل منصب سفير الولايات المتحدة الجديد في الاتحاد الاوروبي تيد ميلوك صرح مؤخرا: ان الاتحاد الاوروبي ينهار، و"بريكسيت" (خروج بريطانيا) هو الخطوة الاولى. وحسب رأي ميلوك سيتبع "غريكسيت" (خروج اليونان) او "فريكسيت" (خروج فرنسا). واوردت نشرة "برافدا – رو" الالكترونية الروسية نص رسالة ارسلها جان كلود يونكر رئيس "المفوضية الاوروبية" الى الرئيس دونالد ترامب حذر فيها من ان انهيار الاتحاد الاوروبي سيؤدي الى اندلاع الحرب فورا في البلقان. وتتهم المخابرات الالمانية روسيا بأنها تعمل منذ سنوات لتقويض العلاقات بين اميركا والاتحاد الاوروبي. وذكرت مجلة شبيغل الالمانية ان المخابرات الاميركية سلمت الحكومة الفيديرالية الالمانية تقريرا عن ان روسيا تعمل منذ سنوات للتأثير على بلدان الاتحاد الاوروبي بهدف مفاقمة النزاعات الاجتماعية في الغرب، الموجودة الان، وبهدف تقويض العلاقة بين اميركا والاتحاد الاوروبي". ويعلق على ذلك احد خبراء نشرة "برافدا – رو" انه اذا كان ذلك صحيحا فهذا يدل على مدى تهافت الاتحاد الاوروبي وعدم جدارته بالحياة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الستراتيجيون الاميركيون ينصحون ترامب بالعودة الى الحرب البار
...
-
الحصار الكامل على الدونباس لعرقلة التقارب الروسي الاميركي ض
...
-
الدونباس ضحية التقارب الروسي الاميركي ضد داعش
-
الاقتصاد الروسي المتنامي في عهد الرئيس بوتين
-
روسيا تعمل للانتصار بدون اللجوء الى السلاح النووي
-
اميركا بدأت الحرب ضد سوريا وروسيا تنهيها
-
اميركا عدوة جميع شعوب العالم وروسيا فزّاعة اميركا
-
فشل مشروع الدولة الداعشية العثمانية الاميركية
-
شبح الفوضى وحرب المافيات يتحفز في دهاليز اميركا
-
الحرب الباردة مستمرة واكثر استعارا
-
السعودية تغامر بمصيرها في اليمن
-
الفشل التام لنظام القطب العالمي الاوحد لاميركا
-
العلاقات الاميركية - الروسية ستنقلب عاليها سافلها
-
روسيا تواجه بحزم -الحرب الباردة- الجديدة ضدها
-
روسيا مستعدة لكل الاحتمالات في الحرب على الارهاب
-
روسيا تعمل لاحتواء تركيا بسياسة العصا والجزرة
-
طبعة روسية جديدة لسباق التسلح الكلاسيكي
-
مناقشة حول ثورة اكتوبر والستالينية
-
توجه جديد في الجيوستراتيجيا الروسية
-
المتوسط يتحول الى -بحيرة روسية-
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|