|
فلسفة الموت في رواية -أشباح المدينة المقتولة- ل -بشير مفتي-
سامية غشير
الحوار المتمدن-العدد: 5488 - 2017 / 4 / 11 - 02:39
المحور:
الادب والفن
فلسفة الموت في رواية "أشباح المدينة المقتولة" ل "بشير مفتي" د/ سامية غشّير (الجزائر)
تعدّ الرّواية من أكثر الأجناس الأدبيّة ارتباطًا بالواقع وتصويره بأدق تفاصيله وجزئياته وتشخيص الحياة الإنسانيّة بتجليّاتها المختلفة وأبعادها النفسيّة والوجوديّة والاجتماعيّة والتاريخيّة. فالمتأمّل للرّوايّة الجزائريّة سنوات التسعينيّات يلحظ تحوّلات نوعيّة هامّة في مستوى الكتابة والتيمات والتقنيات السّرديّة، ويرجع ذلك لحساسيّة المرحلة العصيبة والتجاوزات الخطيرة التي ميّزتها حيث نزع الروائيون إلى القطيعة والتمرّد على الواقع الممزّق، والتمرّد أيضا على النموذج السّردي السّائد من خلال تجريب أشكال سرديّة وتيمات جديدة فرضتها طبيعة المرحلة بحيث حملت أعمالهم الرّوائيّة رؤى وجوديّة وفنيّة جديدة، وظهرت ما يسّمى ب "رواية جيل الشّباب" التي حاولت ملامسة الواقع السيّاسي والاجتماعي والثّقافي المعيش بصورة دقيقة بحيث عايشت مرحلة التسعينيّات، ووقفت عند أهم القضايا التي ميّزتها وسلّطت الضوء على الحياة اليومية للشعب الجزائري، كما حاولت تعريّة الجانب السيّاسي لكشف تجاوزات السّلطة، كما كانت صوت المثقف المهمّش الذي عانى أشكال العنف المختلفة. يعدّ الرّوائي الجزائري " بشير مفتي" واحدا من أهم الأصوات الرّوائيّة الشّابة التي رسمت لنفسها مكانا في السّرديّة العربيّة عامّة والجزائريّة خاصّة، فهو يصنّف ضمن كتّاب الرّواية الجديدة التي لا تستقّر على شكل واحد؛ و إنّما تبحث عن أشكال جديدة من أشكال السّرد و ضروب اللّغة، فهو ينطلق في كتاباته من بيئة اجتماعيّة جزائريّة خالصة ويرصد الرّاهن الجزائريّ وثقافته وهوّيته، كما يصوّر الواقع و تحوّلاته عبر رؤية وجوديّة عميقة للإنسان والمجتمع، وقدرة على الإبداع والتّجريب مستخدمًا تقنيات سرديّة متفرّدة؛ بل تكاد أعماله الرّوائيّة تكون مرآة لأزمنة الراهن الجزائري عبر مراحله الزّمنية المختلفة معتمدًا على مرجعيّة ثقافيّة متميّزة تنفتح على تقنيات جمالية من خلال الاشتغال على متعة السّرد، اللّغة الشّعرية، واستحضار العوالم التاريخيّة والتراثيّة والشّعبيّة والأسطوريّة والفلسفيّة وغيرها. في رواية " أشباح المدينة المقتولة " نلحظ تمازج الإبداع بالواقع من خلال تصوير اللحظات الفجائعيّة المؤلمة من تاريخ العنف في الجزائر عبر خطاب أدبي جميل ينفتح على هوامش تاريخيّة كثيرة ويطرح تلك الأسئلة الشائكة عن العنف، كما تصيغ هذه الرّواية تيمة الموت فلسفيا، كما تطرح أيضًا الأسئلة القلقة، و تبرز نضج الرّوائي الفنّي و قدرته على تشخيص الواقع الجزائريّ عبر رؤية وجوديّة. فالرّواية لا تركزّ على نتائج العنف ومجازره بقدر ما تركزّ على إلقاء الضّوء الجانب النفسي لأربعة شخصيات تعيش واقع معدم، فجاءت الرّواية فضاء للبوح المأساوي والتّعبير عن القلق الوجودي. افتتح "مفتي" روايته بالحديث عن أصوات أشباح المدينة المقتولة التي تخرج كلّ ليلة في محاولةٍ يائسةٍ لمحاربة النسيان والجحيم والصّمت، وملامسة نور الحياة والأحلام، إنّهم يمرون على الكاتب كلّ ليلة لقصّ قصصهم التي لا تنته أبدا، تلك الأصوات المفجوعة والخانقة الصّوت والمرتفعة " ًإنّها أصوات الأشباح التي ترفض أن ترحل قبل أن يسمعها الآخرون."(الرّواية، ص14) تحكي الرّواية سيرة أربعة شخصيات وهي "الكاتب" و" الزّاوش" و"الهادي بن منصور" و"علي الحرّاشي" المقيمين بحي "مارشي اثناش" وعلاقاتهم الغراميّة، ماضيهم وأحلامهم. إنّ فضاء الرّواية العدمي يحيل إلى المناخ المظلم الذّي ساد الجزائر سنوات التّسعينيات وجعلها أكبر دار لدعارة القتل والعنف، إنّه يحيل إلى مأساة المثقفين الجزائريين الذّين فقدوا هويتهم في ضل عبثيّة الرّاهن، حيث سرق منهم هذا الأخير أحلامهم البريئة، وتطلّعاتهم الاستشرافية، وأضحوا أشباحًا يسكنون تلك المدينة - الجزائر- التي نخر جسدها العنف وتفشّى فيها الموت " يطارد الرّوائي بشير مفتي في روايته الجديدة أشباحه المقتولين أولئك الذّين حكمت عليهم المدينة/الحياة أن يعيشوا بأحلام كثيرة في واقع يعادي شاعريّة الأحلام وبراءة الحياة، والرّغبة في العيش بسلام."( واجهة الكتاب). تصيغ هذه الرّواية تيمة الموت فلسفيًا من خلال إبراز بعض خصائص الفلسفة الوجوديّة مثل العدم وفكرة السّلب وإشكاليّة الوجود "لا أتذّكر تلك اللّحظة الآن، لا أدري ماذا حدث بالضّبط، كنت في حالة أخرى عندما حدث الانفجار الذّي حفر الأرض من تحت أقدامنا، وأحرق أجسامنا، وجعلها قريبة من الفحم لا شيء فيها ولكن أحسستني مع ذلك واعيًّا بما يحدث أمامي، وأنا أتشبثّ بشيء لا يشبه الضّوء الذّي ظهر لي وكأنّه قادم من نفس السّماء ورحت أتقدّم منه وأنا أبكي وأبتسم، وأنا أتذكّر لحظة غيابي وانتقالي المفاجئ إلى عالم آخر."(الرّواية، ص268) تركّز الرّواية في بنائها على فكرة العدم التي تعدّ بؤرة السّرد ومحور الرّواية، ويتضّح ذلك من عنوانها المثير والصّارخ، والذّي يرمز إلى حياة العدميّة والعبث التي صبغت الحياة وشخوص الرّواية منذ بدايتها إلى نهايتها، فأبطال الرّواية يعانون من القلق الوجودي، دائمو التأمل في الوجود، وتنتهي حياتهم بالنّهاية التّراجيديّة المأساويّة.
#سامية_غشير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم البئر... الانتصار للثّورة الجزائريّة
المزيد.....
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|