|
الرواتب كاداة لتصفية حالة التحرر الوطني وتكريس الانقسام
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5485 - 2017 / 4 / 8 - 20:16
المحور:
القضية الفلسطينية
كان من الأهداف الرئيسة لعملية التسوية السياسية كما خطط لها الساسة في واشنطن وتل أبيب وبعلم العديد من القادة العرب إخراج الحالة الفلسطينية من حالة ومرحلة التحرر الوطني إلى حالة السلطة ، وما يترتب على ذلك من تحويل الفدائيين والمناضلين إلى موظفين براتب تتحكم به الجهات المانحة وإسرائيل في سياق أكبر عملية رشوة جماعية في التاريخ ، أيضا توفير ظروف للصراع على السلطة بدلا من توَحُّد الشعب في مواجهة الاحتلال . بالرغم من المحاولات المستميتة من أبو عمار لتغيير المعادلة واستمرار مقاومات مستميتة ولكن ضعيفة له داخل حركة فتح ومنظمة التحرير حتى اليوم إلا أن المخطط حقق نجاحا ملموسا مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ، وبعد هذا النجاح مع فصائل العمل الوطني أوكِل لدول عربية وإسلامية قريبة وصديقة للغرب وللإخوان المسلمين مهمة تطبيق التجربة على حركة حماس ، وذلك من خلال تشجيعها على الانقلاب على السلطة في 14 يونيو 2007 وصناعة سلطة وحكومة خاصة بها مقابل تعهد بتقديم المال والرواتب لمجاهدي ومقاتلي حماس الذين تحول أغلبهم لموظفين ينتظرون رواتبهم حتى وإن كانت من (سلطة أوسلو) أو من دولة قطر. كل ما جرى بعد سيطرة حماس على قطاع غزة صب في خدمة تكريس الانقسام والإجهاض على حالة التحرر الوطني من خلال اغراق الشعب الفلسطيني بصراعات مصطنعة على السلطة والرواتب . خطوة من إسرائيل وأخرى من حماس وثالثة من السلطة وحكومتها ورابعة من الجهات المانحة وخامسة من قطر وتركيا الخ ،بتنسيق أحيانا وبدون تنسيق حينا آخر ، كلها أدت للنتيجة الحتمية وهي فشل كل حوارات المصالحة وتكريس الانقسام والتصفية المتدرجة للمشروع الوطني التحرري ولمشروع المقاومة . سياسة قطع الرواتب وتحديدا عن موظفي قطاع غزة تحت مسميات مختلفة ، تارة التعامل مع حركة حماس وأخرى التجنح مع دحلان ، وأخيرا خصم حوالي ثلث الراتب الذي يتقاضاه موظفو القطاع تحت ذريعة العجز المالي ، فهذا القرار ليس مجرد قرار إداري عادي أو يدخل ضمن سياسة تقشفية بل إنه قرار سياسي استراتيجي خطير سيؤدي بوعي من متخذيه أو بدون وعي إلى تصفية الحالة الوطنية وتصفية بقايا المدافعين عن المشروع الوطني في قطاع غزة وتكريس الانقسام ودفع قطاع غزة إلى الجحيم أو إلى حماس أو دحلان أو داعش ، لا فرق بالنسبة لمن يقف وراء هذا القرار والقرارات السابقة ذات الصلة . نعم ،يمكن توجيه الاتهامات وتحميل المسؤولية عن تردي الأوضاع في قطاع غزة لإسرائيل وهي بالفعل العدو الرئيس والأول للشعب الفلسطيني ، ويمكن توجيه الاتهامات لحركة حماس ولدول عربية وأجنبية لهم مشاريعهم التي لا تتوافق مع حسابات المشروع الوطني ، ولكن أن تقوم الحكومة – والحكومة عنوان للسلطة الوطنية وللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وللجنة المركزية لحركة فتح – بتصرفات تؤدي لتكريس الانقسام وتصفية الحالة الوطنية في قطاع غزة ، وأن تتصرف الحكومة تجاه قطاع غزة كتصرف أية جهة أجنبية مانحة ، فهذه جريمة لا تغتفر . فكيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يراهن على منظمة التحرير وعلى حركة فتح وعلى السلطة فيما عنوانهم وأداتهم التنفيذية والمؤسسية الوحيدة الفاعلة – الحكومة –تعاقب قطاع غزة وتقلص من صلتها بأهل قطاع غزة ؟ . نُدرك تعقد والتباس مسالة الرواتب وخصوصا لموظفي قطاع غزة الذين ليسوا على رأس عملهم ، فهؤلاء لا يمكن أن يستمروا إلى ما لا نهاية في تقاضي رواتب دون عمل ، ولكن الموظفين كانوا منفذين لقرار الحكومة وقرار حركة فتح آنذاك ، وهؤلاء كانت لهم مراهنات وأهداف من وراء القرار وبعضها ليست مراهنات وأهداف وطنية للأسف ، أيضا لا يمكن استمرار وقف توظيف أبناء قطاع غزة في السلطة الفلسطينية تحت ذريعة أنهم لن يكونوا قادرين على ممارسة مهامهم الوظيفية في قطاع غزة ، وللأسف انشغل الجميع برواتب موظفي السلطة القدامى ورواتب موظفي حركة حماس ويتم تجاهل وقف التوظيف لأبناء قطاع غزة في مؤسسات السلطة وحتى في السلك الدبلوماسي في الخارج إلا لأبناء المسئولين وجماعة غزة في رام الله. نعم ، يجب حل المشكلة وإن كان حلها في إطار المصالحة الوطنية وصل لطريق مسدود فهذا لا يعني حلها على حساب المشروع الوطني حتى كمشروع سلطة ودولة في قطاع غزة والضفة وبما يكرس حالة الانقسام ، وخصوصا أن قطاع غزة خزان الوطنية الفلسطينية ومربط الرهان على استنهاض المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني ضد الاحتلال أو في مواجهة أي مشاريع متعارضة وغير متصالحة مع الحالة الوطنية . لقد تم ربط الشعب الفلسطيني بالراتب والخدمات التي توفرها السلطة ، للأسباب المُشار إليها اعلاه ، دون تجاهل مراهنة القيادة آنذاك على غير ذلك من خلال تغيير الدور الوظيفي للسلطة وفك ارتهانها بالإرادة الإسرائيلية ، وسيكون من العار بعد ثلاثة وعشرين عاما من ارتباط حياة غالبية الشعب الفلسطيني بالراتب والوظيفة بقرار من القيادة وتجاوبا مع مراهنات قيادة منظمة التحرير ، لا يجوز اليوم مساومة المواطنين على الراتب وابتزازهم سياسيا بالراتب وجعل الراتب سيفا مسلطا على الرقاب ، بحيث يصبح كل من ينتقد السلطة والقيادة مُهَددا بقطع الراتب ، وأن يتحول الولاء من ولاء للوطن وللمشروع الوطني وعنوانه السياسي إلى ولاء للراتب وسيد الراتب . ربط البعض القرار الأخير بالخصم من رواتب موظفي القطاع بمطالبات أوروبية وضغوط أمريكية ، بل ذهب البعض إلى ربط هذه الخطوة بالزيارة القادمة للرئيس لواشنطن من منطلق أن هذه الخطوة مبادرة حسن نية من السلطة الفلسطينية للرئيس ترامب مفادها أننا معك في محاربة الإرهاب ومحاربة الإخوان المسلمين ، وبعض بطانة الرئيس يقنعون الرئيس بأن هذه الخطوة ستزيد من حصار حركة حماس والتضييق عليها مما سيؤدي لسقوطها وبالتالي سقوط القلعة الوحيدة للإخوان المسلمين في العالم . للأسف هذا التفكير القاصر خطير وساذج ، لأنه في الوقت الذي يرفض فيه الشعب الفلسطيني أن توظف القضية الفلسطينية لخدمة مشروع إخواني أو أي مشروع إقليمي أو عربي ، فإنه سيرفض بشدة أكبر أن يتم توظيف القضية الفلسطينية ومعاناة قطاع غزة لخدمة مشروع أمريكي صهيوني ، فإن كان المشروع الإخواني يشكل خطرا على الوطنية الفلسطينية فإن المشروع الامريكي الصهيوني يشكل خطرا مؤكدا على المشروع الوطني ويهدف إلى الإجهاض على القضية الفلسطينية ببعدها الوطني والقومي والإسلامي ، كما لا يجوز أن يُطالَب الشعب الفلسطيني بوقف مقاومته المسلحة للاحتلال وفي نفس الوقت يطلب البعض أو ينتظر من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة التمرد على حركة حماس وإسقاطها بالقوة ، حتى وإن لجأت حماس للسلاح في انقلابها على السلطة فلا يجوز للوطنيين اللجوء إلى السلاح في الخلافات الداخلية وفي الصراع على سلطة رواتب تحت الاحتلال ، بينما إسرائيل تحتل كل فلسطين وتدنس المقدسات والمستوطنون يعيثون فسادا ! ، وإسرائيل تريد بالفعل نقل الصراع إلى قطاع غزة ليتصارع الفلسطينيون حول مَن يحكم قطاع غزة لتتفرد إسرائيل بالضفة والقدس . من جهة أخرى فإن قرار قطع الرواتب أو تخفيضها سيزيد من معاناة حملة وحماة المشروع الوطني والمؤمنين به والذين عانوا ما عانوه في المنافي وهؤلاء يشكلون أغلبية سكان قطاع غزة ، ولن يؤثر على تنظيم حركة حماس ، ففي قطاع غزة يوجد (عمر ابن الخطاب) الحمساوي الذي يتصنت علي بيوت الحمساويين فقط ويتحسس آلامهم ويتجاوب مع مطالبهم مقدما معونات عينية ومالية تتسلل عبر الليل لكل حمساوي خارج إطار الرواتب والقنوات الرسمية ، أما أبناء المشروع الوطني فلا عمر بن الخطاب عندهم ولا أحد يتحسس مواجعهم ويلبي مطالبهم ولا مصدر لهم غير الراتب ، وقطعه أو تقليصه يجعلهم فريسة سهلة لأن يتلمسوا المُنقذ الحمساوي أو الدحلاني أو القطري أو الإسرائيلي أو الداعشي . إن خطورة ما يجري تستدعي موقفا حاسما من حركة فتح عنوان المشروع الوطني لأن ما جرى يؤسس لانفصال فتح غزة عن فتح الضفة وسيزيد من رصيد (المتجنحين) ورصيد حركة حماس . ومن جهة أخرى إن مشكلة قطاع غزة لا تكمن في الاحتلال والمشاريع غير الوطنية فقط بل تكمن أيضا في (جماعة غزة) في رام الله وفي المقاطعة من وزراء ومستشاري الرئيس وأعضاء لجنة مركزية لحركة فتح ، فهذه الجماعة إما شهود زور على ما يجري ولا يتم استشارتهم في القرارات المصيرية التي تخص قطاع غزة وتلك مصيبة ، أو مشاركين ومخططين وتؤخذ مشورته قبل أية خطوة تخص قطاع غزة وهذه مصيبة أكبر . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرارات قمة عمان تخفي اكثر مما تُفصح
-
مثقفون بدون ثقافة : مثقفو الشتائم والإحباط
-
لقاء ما بعد الصدمة بين ترامب وابو مازن
-
الهروب نحو الحل الإقليمي لن يحل المشكلة
-
في خفايا العلاقات المصرية الفلسطينية
-
الدولة الفلسطينية ليست منة أو منحة من أحد
-
تهافت مقولة عبقرية اليهود والغرب وتخلف العرب
-
تصفية حالة التحرر الوطني قبل إنهاء الاحتلال
-
كفى مكابرة ، فقد أنكشف المستور
-
ترامب وسياسة حافة الهاوية
-
تحديات الهوية والثقافة الوطنية ودور الشباب في الحفاظ عليهما
-
السلام : هذا المصطلح المراوغ
-
مؤتمر باريس : أهميته في انعقاده وليس في مخرجاته
-
اجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت كان دون اتوقعات
-
اجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت كان دون التوقعات
-
انتصرت الرواية الفلسطينية فمتى سيتغير الواقع ؟
-
حركة فتح بين استحقاق التحرر الوطني والرهان على حل الدولتين
-
الاستيطان أكثر خطورة من الاحتلال
-
المؤتمر الأخير لفتح الثورة والأول لفتح السلطة والدولة
-
استبصارات من وحي رحيل فيدل كاسترو
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|