|
ليلى والنقود والذئب
سوسن السباعي الجابي
الحوار المتمدن-العدد: 1439 - 2006 / 1 / 23 - 09:14
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة حالما انتهت ليلى من نزول الدرج توقفت برهةً، أخذت نفَسا عميقا، زفرت، ثم رمت قطعة نقود على رصيف الشارع، واتجهت نحو الباص المخصّص لطلاب الجامعة، اتخذت مقعدا ونظرت عبر النافذة... الضجة بدأت تسري في أوصال المدينة، وندى الصباح آخذ في التلاشي...(من سيلتقط الجزء الأول من مصروفي هذا الصباح؟. إن كان امرأةً فستعتقد أن نهارها سيكون مليئاً بالخير. وإن كان رجلاً فسيخيل إليه أنه محظوظ دائماً – أو هذه المرة على الأقل – أما إن كان طفلاً – ليته يكون طفلاً – آه من ذاك الصبي الأشقر الذي وجد مصروفي مرة وكنت أضعته في الطريق وبدأت بالتفتيش عنه فوجده قبلي وطار إلى بائع الحلوى ثم خرج وهو يتلذذ بمضغ ما يشتهي... أحسست يومها بالفرح ثم قررت أن يكون مصروفي اليومي الذي أبعثره كزميلاتي على المرطبات سيكون دائماً بشرى الحظ لإنسان ما... وبدأت عادتي برمي النقود على الأرصفة. عند كل صباح تصلني سعادة الخص الذي سيجد نقودي بعدما أرميها على الرصيف فأقفز فرحا لأني أعرف تماماً كمية الفرح التي تجلبها النقود للشخص الذي يجدها مرمية هكذا دون صاحب مهما كان المبلغ تافهاً... ربما يكفي لشراء سندويشة فقط أو ربما حبّ للصداع)... فركت رأسها ضغطت على عينيها إذ داهمتها دوخة نعاس فهي لم تنم الليلة الماضية. توقف الباص عند باب الكلية. نزلت. مشت بضع خطوات. أخذت نفَساً زفرت ثم رمت الجزء الثاني من مصروفها اليومي...(قد يجده أحد الطلبة فيكون بأمسّ الحاجة لشراء قلم أو ربما يشتري بسكوت يقدمه لصديقته ليكون مفتاح حديث بينهما منذ الصباح. أو ربما يجلب له الحظّ فيكتب جيدا في الامتحان النهائي هذا اليوم)...... حثّت خطاها عند المدرج. لكنها توقفت حين سمعت صوتا يناديها... آه. هو نعيم. هذا الشاب ماذا يريد مني؟ لماذا لا يكف عن ملاحقتي؟ حسنٌ أني لن أراه بعد اليوم... وصل لاهثاً - ليلى ما بكِ تمشين ركضاً؟ لقد سقطتْ منكِ قطعة النقود هذه. ولمعت في عينيه نظرةُ خبثٍ وإعجابٍ. ابتسمت ليلى...(منذ أربع سنوات وأنا أرمي الجزء الثاني من مصروفي عند مدخل الكلية فما الذي جعل نعيم يراني هذا اليوم بالذات؟ يوم تنتهي سنين الدراسة الجامعية فيه؟) - أنت مخطىء... النقود ليست مني مطّ شفته السفلى، شدّ على كتابه ومضى نحو امتحانه. *** المساء ليس للدراسة أو للمطالعة فقط. إذ على ليلى الاعتناء بوالدها المريض أيضاً. تربّعت فوق جلد الخروف الأبيض في غرفة الجلوس وراحت تقرأ لأبيها الرسالة التي وصلت من أخيها المغترب. بينما راحت دموع الشيخ تملأ شاربه الأبيض مما جعلها تختصر قراءتها للرسالة... ثم تحكي له عن آخر امتحاناتها ليرفع يديه داعيا لها (يا رب وفق ليلى واحرس ابني في الغربة يا رب). طوت ليلى الرسالة وناولت أبها أقراص دواء من شتى الأصناف... يجب أن تشفى يا أبي وتعود إلى دكانك... أخي سرقته الغربة تزوج وسيستقر هناك وسينسانا... حتى حوّالاته التي كنا نعاش عليها بدأت تقلّ حتى تكاد لا تصل... انتبهت فجأة إلى أن والدها يتطلع فيها بعمق فأحست وكأنه يسمع ما تقول لنفسها... لماذا إذاً يهزّ رأسه بحركات ذات معنى غامض؟ سوت له مخدته وأطفأت النور وغرقت فغي الظلمة... *** مرّ الصيفُ مسرعاً. أمضته في البحث عن وظيفة تناسب شهادتها الجامعية، غير أن محاولاتها فشلت أو أُجّلت... وحين رنّ جرس المنزل ذات يوم فوجئت للحظة ثم دعته للدخول... كان نعيم... الذي دخل متباطئا كمن شلّته مفاجأةٌ غير سارّة... تلاشت ابتسامته العريضة التي كانت على وجهه عند فتح الباب. جال ببصره جميع أرجاء البيت التي يقع بصره عليها... لا شك أنه بيت متواضعٌ كما سيراه. بلع ريقه. أراد أن يتكلم فلديه كلام كثير. ولكن لسانه انعقد وأحاطه الذهولُ من كل جانب وغشاوة ما أزيحت عن عينيه... فهمت ليلى القصة... وبشريط سريع مرّ أمام عينيها تأكدت من هواجسها القديمة أن نعيم طيلة السنوات الماضية كان متخيلا أنه عثر على فتاة أحلامه. ليلى الفتاة الغنية إلى درجة أنها تبعثر نقودها كل يوم على الأرض ترفا ورفاهية وكأنها لا تعرف أين تذهب بنقودها... حدّق فيها بعمق وتمنى بصدق لو أنه أخطأ في العنوان وأنه ليس أمام ليلى التي رفّ حول جماله الكثير من الزملاء ولكنتها استمرت بثقة ونجاح وحدها وحازت أعلى درجات التفوق... نسي في لحظة واحدة أنه جاء ليفاجئها ويخبرها بوظيفتها الجديدة عند والده... وأنه سيعرض عليها فكرة الارتباط. نسي الكلام الجميل الذي حفظه وأراد أن يسكبه في أذنيها. ضن به عليها في الأيام الماضية حتى لا يشغلها عن الدراسة. أما الآن فهو مشحون بغضب مفاجىء ويكاد لخيبته يقع من الدرج وهو يطلبُ المغادرة بشكل مثير للريبة... تبعته ليلى بشيء من الذهول وهمّت بمناداته وغيّرت رأيها. وتذكرت آخر مرة شاهدته فيها عند قاعة الامتحان وتأكدت أنه كان يراقبها بإصرارٍ وشعرت بمدى الخيبة التي ملأتها... أهذا جزاء خيرها أن تتحول هي بنقودها إلى حظّ لمن يجد النقود؟ وقاومت دمعة قاسية، ثم مدت يدها إلى محفظتها بأنامل راعشة تبحث عن قطعة نقود، التقطت القطعة بعصبية بالغة... أخذت نفساً عميقاً وزفرت... وبكل قواها ضربتها فأصابت رأس نعيم الذي كان يهم بركوب سيارته، وتمنت لو تدميه... التفت نعيم خلفه بحقد وحين تأكد أن أحدا لا يراه انحنى إلى الأرض التقط قطعة النقود ودسّها في جيبه ثم زمجرت السيارة مبتعدة... مبتعدة... 2/12/1991
#سوسن_السباعي_الجابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصائد قصيرة منتصف الأنين
-
المخاوف
-
الهوية قصة قصيرة
-
قصائد قصيرة
-
قصة قصيرة
-
ملامح شرقية
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|