|
من قرطبة إلى جزيرة الدمى المسكونة! -العلاج النفسي الأدبي 17-
لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان
(Lama Muhammad)
الحوار المتمدن-العدد: 5481 - 2017 / 4 / 4 - 22:24
المحور:
الادب والفن
كانت أحلامنا أكبر من " الوطن".. لكن اليوم: انضم الوطن إلى قافلة الأحلام اللاجئة.. أصبح حلماً أول!
يا صديقي: نحن من سلالة (حاربتْ ) من أجل " قرطبة".. و حقدت على (الاستعمار) الفرنسي.. ثم أدّعّتْ لنفسها شرف المظلوم أبداً… ببساطة: من خليج النفط إلى محيط الغاز: نحن في حاجة إلى قارئ محايدٍ للتاريخ.. و إلى" حاكمةٍ" أمٍّ تحترفُ التنجيم...
من رواية "علي السوري"..بقلم: " لمى محمد" **************
تعددت الأساطير حول غرق تلك الطفلة الصغيرة.. قال البعض أنهم عثروا على جثتها و لم يعثروا على دميتها، في حين قال بعض آخر أنهم لم يعثروا على جثتها.. في تلك الليلة و عندما كان “ دون جوليان” يسير في تلك الجزيرة “المكسيكية“ شاهد طفلة جميلة صغيرة تطفو بفستان أبيض على سطح الماء! اقترب منها لينقذها، فإذا بها تحولت دمية!: - كانت طفلة " رأيتها بعيني" ! أنقذ الدمية و علقها في الجزيزة.. لكن الفتاة بقيت هناك! .. أجل في خياله! قال الناس أنه مُسّ بعدها و أصابه ضرب من الذهان، لكنه أدمن جمع الدمى و تعليقها في الجزيرة.. حتى أصبحت جزيرة للدمى .. مسكونة و مخيفة… علق “ جوليان” الدمى القديمة التي رماها أصحابها بعدما ملوا منها.. أو كسروها.. علقها كشاهد على الطفل فينا، الطفل الذي يحصّل كثيراً من الأشياء الجميلة في حياته.. فيكسرها أو يملها.. أو بأحسن الأحوال يعتادها، فيتوقف عن رؤية مزاياها و يصبح فقدانها الحل الوحيد لاسترجاع العلاقة معها… يفعل الطفل فينا ذلك مع : الحب.. الصداقة.. العمل.. الهواية.. و أي علاقة تخطر في البال.. قلة منا يرون الروح في العلاقة.. فيفعلون ما فعل “ جوليان” و ينصبون للذاكرة ناقوس أصل. عندما ترى من يختلف معك حول الكماليات فيما تتفقان حول جواهر الأمور.. لا تحول علاقتك به إلى دمية و لا تسمح للطفل فيك بتكسيرها.
“ الغبي” إن كان يحتمل التعريف، هو شخص لا تحتمل عقد نقصه النصيحة.. و النصيحة إن احتملت التعريف هي المحبة.. و المحبة لا تحتاج تعريفاً.
للغباء أنواع : غباء دراسي، عملي، مهني، اجتماعي.. الغبي في مجال ما لن يكون نابغة في مجال آخر مع أنه - و بكل تأكيد ينجح - .. أبسط مثال هو طالب الطب ذو الروح التنافسية المتحدية و الخلة النرجسية التي لا تقبل نجاح الآخرين.. طالب الطب هذا ينجح في الطب و قد ترى المرضى يقفون بالطابور أمام عيادته، لكنه لن يبدع شيئاً جديداً و لن يصبح خارج السرب و في تفرد الإبداع يوماً… حتى تبدع تحتاج طيبة قلب و نقاء سريرة.. تحتاج أن تقبل النصيحة و النصيحة أغلى هدية يمكن أن تحصل عليها!
النصيحة أمام الآخرين تفقد نقاء قلبها و تتحول إلى نقد، و النقد هو تحويل السخط على الذات إلى ذم للآخر.. لا تعلق دمى الآخرين قبل دميتك! ***************
“ المنحوس” إن كان يحتمل التعريف، هو شخص لا تحتمل أناه أي أنا أخرى.. و الأنا إن احتملت التعريف هي “ الأحلام” …
أما الأحلام، فلا تحتاج تعريفاً.. و إنما: “ قل لي ما هي.. أقل لك من أنت”!
حدث في تلك البلاد البعيدة التي أسماها الناس عن سابق نية و حلم “ غربة”، أنني تعرفت إلى عائلة عربية مكررة: شخصان التقيا عن طريق إجماع الأهل، فجمعتهما (الغربة).. و محاور الطعام.. الشراب و الجنس… قصدنا الزوج في العائلة، ليخبرنا عن ملل زوجته من الحياة الغريبة.. و دعانا إلى بيته… عندها بدأت الحكاية: الزوج هادئ، دبلوماسي إلى أقصى الدرجات، يعمل جلّ وقته.. أما الزوجة فهي نموذج تعرفونه كلكم: مكررة و سطحية، تعتبر المال الرقم الرابح للزواج و للعمل.. تقضي أيامها متجولة بين الأسواق.. لاتعمل.. لا تقرأ.. تُسّبح بحمد ما تيسر من الشخصيات السياسية.. الفنية و الدينية! كنت أعرف أن العلاقة غير متكافئة- لا عن غرور لا سمح الله- بل لأني أعلم أن من تقض مضجعه فجائع الحرب، و يغفو على أحلام تشبه الأساطير.. صعب أن يتأقلم مع من يرى الحياة: مال.. قيادة.. فن و تسالي! قلت في نفسي: “ كل شخص في هذه الحياة هو أفضل مني بشيء واحد على الأقل، فحريّ بي أن أتعلمه”!
في الحقيقة فشلت في ما سبق، و كان ما تعلمته : درساً لا ينسى! رفعت راية استسلامي ليس فقط لأنني لا أملك الوقت، بل لأن الوقت لا يملكني أيضاً… عندما تتعرف على شخص مخالف لك.. المشكلة في دعم العلاقة بينكما ليست في كم التنازلات التي تقدمها حتى تتعلم و تعلم، حتى تتأثر و تؤثر بل المشكلة الأساس في ضيق وقتك.. عدم كفاية ما تملك من ذهب الوقت الثمين لتنفق على حياتك و أنت تدقق في الصورة الكبيرة لترى التفاصيل المفيدة! إن ملكت الوقت أنت قادر على تحويل أية علاقة في صالحك- إن أردت طبعاً- أما إن لم تملكه: فحدد أولوياتك يا عزيزي.. و إلا لن تحصّل إلا درساً!
يسألني كثير من القراء عن سبب قلة ردودي، يضع لي البعض الأعذار، فيما يحول بعض آخر سخطه على نفسه إلى رسائل ذم! يسألني البعض لما لا أحذفها؟
مازال الوقت هو كنزي.. أقدس الحياة لدرجة أفكر فيها قبل أي مشروع : “ إن كان هذا آخر يوم في حياتي، هل سأفعل هذا؟ “. أحترم جميع الناس، و أحاول دوماً أن أجد لهم الأعذار.. أفرق جيداً بين الأخوة.. الصداقة.. الزمالة.. العلاقات الافتراضية.. بين من يرتدي الأقنعة و بين من يجبرك على رمي أقنعتك! أقرأ لغة الجسد و أسمع نبرة الصوت.. فيما لا يهمني- بذات المقدار- محتوى الكلام.. لذلك إن أرسلتَ لي رسالة ذم أحتاج نبرتك و لغة جسدك لأفهمها، و غالباً ما أنجح في رؤية طيبتك فيها فلمَ أحذفها؟
لهذا السبب احتفظت بصداقات عمرها من عمري .. بينما قضى الأغبياء على صداقات لم تمشِ بعد و في مهدها…
أعتذر دوماً عن ضيق وقتي: أعمل حالياً في مجال الطب و البحث العلمي النفسي عشرة ساعات في اليوم.. أكتب لساعتين، أجلس مع عائلتي لساعتين، أتابع أخبار الوطن و الأهل لساعة.. لدي تسع ساعات بين رياضة/قراءة/ نوم.. و النوم سلطانه مقدس، كيف لا و في الحلم أرى الأحباب كلهم.. و العالم و قد تعافى!
و لا أنسى أن أتذكر أن ضيق وقتي علمني أن أميز جيداً بين من يريد صداقتي للتسلية و بين من يريد صداقتي سنداً و مسنداً… ضيق وقتي علمني أن أكتب مقالاً يجيب سؤالك بدلاً من نقاش بيزنطي.. فاعذرني و اغفر لي. ******************
“الحياة “ إن تحتمل التعريف، هي محاولاتك الحثيثة لتحقيق أهداف نبيلة تساعد الناس.. لا تقتصر الحياة على النجاح.. بل للفشل فيها مكان كبير… الفشل و النجاح هما شهيق و زفير الحياة، و من غيرهما نختنق! رأيت مؤخراً “ فيديو تحرش جماعي “ بفتاة عربية.. شعرت بالحزن الشديد.. ليس فقط لما آل إليه كثير من الشباب العربي، بل لأن التعليقات عليه خلت من عنصر الدهشة.. أجل فقدنا الإيمان بتلك البلدان ! في ذات السياق: دافعت إحداهن عن الملك السعودي أمامي بضراوة فيما كانت تسب ملكاً آخر.. هذا ما يحدث في “ الغربة” عندما تعلم تماماً أنك لجأت إلى حضن يلمك بعد أن بعثرك حضن (وطنك) .. بينما ما زلت تلقلق بغرور الشوفيني المتعصب: لا أفضل من وطني.. و لا من ملكي!
“ الحياة” في تلك البلدان تقتصر على شهيق( الناجحين)، و الناجح هناك في معظم الحالات ذيل من ذيول السلطة في شكل ما.. لذلك تختنق الحياة كثيراً، و لهذا لا مكان للأشخاص المبدعين الذين يتنفسون بإنسانية!
بالعودة إلى جزيرة الدمى المسكونة حقيقة في “ المكسيك” و كناية في قلوب الجميع إلا من رحم ربي:
أي رعب يخيفنا من دمى مقطعة الأوصال، فيما نرى “ سوريا”، و “ العراق” .. و قد تحولتا إلى معرض للأطفال مبتوري الأطراف.. تنسونهم و تنغمسون في التفاهات! أي رعب من الدمى و “ اليمن “ أدمته يد تدّعيّ الإسلام..
أي رعب من الدمى و في “ مصر” ليس للنساء كرامات! و التحرش أصبح عادة كبرت جنباً إلى جنب مع النقاب! أي رعب و مجاعة “السودان” تشهد على عهر موائد الحكام…
أي رعب و “ الأردن” تقرع طبول التأسلم بدل سماحات الإسلام! أي رعب و “ليبيا” تقارع الأذرع الخفية لمن كبروا تحت درع الشيوخ و الظلّام!
أطفالنا لا يجدون “ دون جوليان” ليعلقهم على أي ذاكرة.. فتستمر المأساة.. تستمر الهجرة و تستمر الحرب!
و بدايةً:
بين شهيقك و زفيرك: فسحة للذكرى ليست حيزاً ميتاً.. بل روح دميتك الطفلة.. حافظ عليها و.. تنفس!
يتبع…
#لمى_محمد (هاشتاغ)
Lama_Muhammad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدوتة نفسيّة-العلاج النفسي الأدبي 16-
-
آمين - العلاج النفسي الأدبي 15-
-
أنثويّات: العلاج النفسي الأدبي 14-
-
راشدون و عاهرون: في العداوة بين الطب النفسي و التعصب الديني-
...
-
تنورة أشرف من لحية: في العداوة بين الطب النفسي و اللحى - الع
...
-
الصورة تكذب-العلاج النفسي الأدبي 11-
-
الطلاق في زمن الحرب- العلاج النفسي الأدبي 10-
-
الرقص بين حضارتين-العلاج النفسي الأدبي 9-
-
أصلب من الصليب! العلاج النفسي الأدبي -8-
-
العصف الذهني - العلاج النفسي الأدبي 7-
-
أنانيا.. نرجسية إسلامية- العلاج النفسي الأدبي 6-
-
هيستيريا تركيّة - سلسلة العلاج النفسي الأدبي 5-
-
تحرّش شرعي ! - العلاج النفسي الأدبي 4-
-
إدمان أديان - العلاج النفسي الأدبي 3-
-
فيروزيّات أو تطبيع -الإسلام- ! علي السوري -13-
-
قلق سوري - العلاج النفسي الأدبي 2-
-
الايفانجِليزم الإسلامي
-
هوس باريسي - العلاج النفسي الأدبي-1-
-
لمى محمد - طبيبة و كاتبة مستقلة - في حوار مفتوح القراء والقا
...
-
الصليب الإسلامي...
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|