جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 1438 - 2006 / 1 / 22 - 11:47
المحور:
الادب والفن
حتى الأمس، كنت لا أزال أبحث عن السر في جفاف عواطفي، وتبلد أحاسيسي، ورغبتي المتزايدة في العزلة هرباً من التشيؤ الذي طبع كل تفاصيلنا الإنسانية.! ولم أتوقف طويلاً عند الفشل الذريع الذي لاقيته في بقاء هذا السر غامضاً طيلة العقود الهاربة فالغموض كان ولا يزال سمة الحياة في هذه البلاد.!
حتى الأمس، كنت أقدِّر أن زماننا قد ولى بأبخس الأثمان، وحياتنا قد اصطبغت بأسوأ الانجازات، ومستقبلنا قد أصبح خلفنا.!؟ لكن رسالة واحدة أوقفتني على الجدار، وأدارت الأسئلة من جديد في رأسي: هل حقاً ذهب كل شيء هباء.!؟ رسالة فيها من الروح أكثر مما فيها من الكلمات.. رسالة مجبولة بالأحاسيس وليس بالفواصل والنقاط..رسالة ليست كالرسائل.. وكلمات ليست كالكلمات حروفها مغموسة بالوجع .! لقد عرفت وسمعت الكثير عن حالاتٍ من هذا النوع من المظالم التي لحقت بالكثيرين حتى أنها ولكثرتها صارت شبه اعتيادية فلا تثير في النفس غير الامتعاض العابر.. حالاتٍ عرفتها عن قرب.. وحالاتٍ عرفتها عن بعد.. وكانت الحياة تستمر من غير استئذاننا بكل مظالمها، وظلماتها، وغرائب طباع بعض البشر الذين لطخوا تلك البهجة المفترضة.!
رسالة استولت على مشاعري فتأكدت أن بقية من مشاعر لا تزال لدي مركونة في زاوية مهملة..! وظللت طوال الوقت أتساءل: لماذا هيمنت كلماتها على تفكيري وليس فيها أكثر مما في غيرها حتى أنها عطَّلتني عن اليقظة المعتادة.؟ والأكثر غرابة في الأمر أنني لا أعرف صاحبها وجهاً لوجه.. وفارق العمر بيننا كبير بما يكفي لكي لا نتذكر أننا التقينا ذات يوم ولو مصادفة في زواريب بسنادا الموحلة..فكيف بأولاده، وبأحفاده، وقد ولدوا في المنافي.!؟ ترى هل نراهم ذات يوم، وهل سيعرفوننا كما عرفنا الوالد والجد.؟
إذن، لما تزل فينا بقيةً من عواطف وأحاسيس لم تمت بعد فشكراً لك يا عمنا، وأخانا، وابن ضيعتنا - سليمان علاء الدين -* فأنت المتهالك تحت وطأة الشيخوخة، ووابل الأمراض، ووحشة المنفى، توقظنا على حين غرة من غفلتنا المزمنة..شكراً لك يا أبا طارق إذ أحييت فينا بقيةً من أمل، وأحسستنا أننا لسنا متخشبون إلى حد اللارجعة، وأنه لا يزال أمامنا بعض الوقت لنعمل فأحفادنا جديرون بأن يرثوا هويتنا السورية.
* الدكتور سليمان علاء الدين: منفي سياسي منذ / 36 / سنة بالتمام والكمال وهو من قرية بسنادا في اللاذقية.
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟