يسرى عبد الغنى عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 5480 - 2017 / 4 / 3 - 22:28
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كان دور قاسم أمين فى تاريخ حركة الاستنارة مختلفًا ، والمشهور عنه هو أنه : نادى بتحرير المرأة المصرية ، ويبدو أننا قد نسينا عامدين أو متعمدين دور جدنا العظيم / رفاعه رافع الطهطاوي ، والذي من مؤلفاته المهمة (المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين) ، الذي يهمنا أن الناس قد اختلفوا في قاسم أمين ، فمنهم من مجده ورفعه إلى عنان السماء ، ومنهم من لعنه وخسف به أسفل سافلين .
بعض الدارسين قالوا : إن محمد عبده هو صاحب الفكرة التي أوحى لصديقه المستشار / قاسم أمين ، بكتابتها ونشرها في كتابيه : (تحرير المرأة ) و (المرأة الجيدة) ، فكان لهما دوي هائل في المجتمع المصري والعربي والإسلامي .
عندما أذهب إلى مقابر أسرتي في حي الإمام / الشافعي جنوب القاهرة ، أمر على مدفن المستشار / قاسم أمين ، والذي يبعد عن مقابرنا بأقل من خمسين مترًا ، أسأل نفسي : لماذا لا يتذكر الناس حقيقة مهمة في حياة قاسم أمين الفكرية ، قبل موضوع الدعوة لتحرير المرأة ، وأعني بذلك مهاجمته الشديدة للاحتلال البريطاني ، ودفاعه المجيد عن مبادئ الثورة العرابية المحبطة ، ودفاعه الرائع عن مصر والمصريين ضد من أراد الإساءة إليها ؟ !!.
هذه الأفكار بلا شك كانت من نتائج المناقشات الدائمة والواسعة مع محمد عبده وسعد زغلول ، فقد أصدر قاسم أمين المستشار بمحكمة استئناف القاهرة ، كتابًا قيمًا باللغة الفرنسية عنوانه (المصريون ) ، هذا الكتاب كان ردًا على (دوق هاركور) ، القاضي بالمحكمة المختلطة بالقاهرة ، وقد زعم هذا القاضي المتعصب أن الاحتلال الإنجليزي يعمل على تقدم المصريين وترقيتهم ، فتصدى له قاسم أمين وفند آراءه كلها تفنيدًا علميًا متميزًا ، وأوضح أن مصر قبل الاحتلال البريطاني كانت أحسن وأفضل حالاً ، رغم كل ما حدث في أواخر عهد الخديوي إسماعيل من كوارث ونكبات وديون .
وقد بين قاسم أمين في تحليل علمي مدعم بالبيانات والأرقام والإحصائيات كل ما حدث في مصر بسبب الاحتلال الإنجليزي الغاشم من تخلف وفقر وجهل ومرض ، ودلت الأرقام على أن التعليم كان يتراجع كل يوم إلى الوراء من ناحية عدد المدارس ، وعدد التلاميذ والتلميذات ، وأصبحت الشهادة الابتدائية كافية للتعيين في الوظائف الحكومية ، وبذلك تحول التعليم على يد الاحتلال إلى إعداد طبقة من الموظفين أنصاف المتعلمين أو أقل من ذلك بكثير .
إن كتاب (المصريون) لقاسم أمين من الكتب المهمة التي ظهرت في مصر خلال العصر الحديث ، رغم أنه لم يترجم من الفرنسية إلى العربية حتى يومنا هذا بكل أسف ، ولو تمت ترجمته عندما صدر في سنة 1894 ، لأحدث ضجة أخطر من كتاب (المرأة الجديدة ) و كتاب (تحرير المرأة) ، لأن القضية التي أثارها (المصريون) ليست مفردة أو من جانب واحد ، إنها مجموعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المكتوبة بشكل علمي حديث ، كان لزامًا أن نترجمه وننشره للناس جميعًا ليعرفوا ماضيهم وحاضرهم وواقعهم ومستقبلهم ، وهنا أناشد وزارة الثقافة المصرية (أدام الله فضلها) أن تعيد إصدار هذا الكتاب مترجمًا إلى اللغة العربية مرفقًا به دراسة تضيء جوانبه المهمة ، ونقدمه إلى شبابنا الباحث عن المعرفة لعله يعرف تاريخه ، وبذلك نعمق فيه معنى الولاء والانتماء والمواطنة .
ولكن الناس انشغلت برأي قاسم أمين في تحرير المرأة ، وأقاموا القيامة قبل موعدها ، وهاجوا وماجوا واشتعلوا ولم يهدأوا حتى الآن ، مع أن المسألة التي أثارها المستشار في كتابه (المصريون) كانت مسألة سياسية عامة ، مسألة مصيرية مهمة ، أما كلامه عن المرأة فكان مسألة اجتماعية ، وها هي المرأة قد أخذت جميع حقوقها غير منقوصة نتيجة التعليم والوعي ، وعليه فمن الضروري أن ننتبه إلى أن قاسم أمين كان يتحدى سلطات الاحتلال البريطاني صاحبة الأمر والنهي ، كان يناضل بقلمه ويكافح من أجل شعبه وأمته بالفكر الجاد والكلمة الشجاعة ، وكان من الممكن جدًا أن يسجن أو يعتقل أو يفقد وظيفته ، ولكن المناضل الشريف الذي لا يعرف العمالة والخيانة والتآمر على بلاده لا يهمه أي شيء من أجل وطنه وأمته ، أبعد ذلك يأتي بعض السفهاء فيقولون : إن قاسم أمين كان عميلاً إنجليزيًا ؟ !! .
نعم ، كان التاريخ المصري في حاجة ماسة إلى حركة الرومانسية الوطنية التي قادها الزعيم الشاب / مصطفى كامل بين ثورتي : ثورة الفلاحين التي قادها زعيم الفلاحين (على حد عنوان مسرحية أستاذنا / عبد الرحمن الشرقاوي ، عرابي زعيم الفلاحين) سنة 1881 ، وثورة الشعب سنة 1919 ، التي قادها سعد زغلول ، وقد أطلق بعض المؤرخين الإنجليز على حركة / مصطفى كامل الرومانسية ، ثورة الأفنديات أو ثورة أبناء الذوات .
ولكن أبناء الثورة العرابية كانوا يعيشون في أتون الواقع وعذاباته ، يعيشون وسط تفاعلات وتطلعات الشعب المصري ، وكان على قمة هؤلاء الأبناء العظماء : محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين ، وكان محمد عبده الأستاذ الإمام هو الأب الروحي لحركة النهضة الجديدة التي تمثلت في تحرير المرأة والدعوة إلى تعليم كافة فئات الشعب ، وكان لمحمد عبده المفكر المصلح المجدد ، دورًا بارزًا في الحركتين .
#يسرى_عبد_الغنى_عبد_الله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟