أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - رواية قبلة يهوذا














المزيد.....

رواية قبلة يهوذا


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5480 - 2017 / 4 / 3 - 18:00
المحور: الادب والفن
    


عُري التاريخ واستعادته الراهنة
"قال فلافيوس قائد الحامية الروماني مبتسمًا, أنت فعلاً صغيرة جدًا. لكن الآلهة شاءت ذلك. آلهتنا على الأقل. انتفض انطونيوس الذي خرج من وسط شعبي, وأخذ موقع نائب الحاكم.
ـ لا يحق لك أن تفعل هذا يا فلافيوس؟
ـ هه, إن معاوني الشجاع يستيقظ, ولماذا يا ترى؟
ـ قوانينا تمنعه. إنها تمنع إعدام فتاة عذراء. كان عمر الفتاة ثمانية أعوام.
ـ وهل لا تزالين عذراء؟ سأل فلافيوس الفتاة الصغيرة وهو يترجل عن حصانه. واقترب من الصغيرة وانتزع فستانها الذي تمزق على الفور, وقبل أن تتمكن من ستر عورتها بيديها, كان قد غرز إصبعيه بعنف بين فخذيها, ثم رفعهما أمام القرويين, ثم قال:
ـ اعتقد الأن أن المشكلة القانونية قد حلت. شهر فلافيوس سيفه وضرب عنق الفتاة. فانهارات ببطء وسقطت على نفسها كما لو أنها أرادت أن تحمي حتى النهاية حشمتها المهانة".
إن هذا النص القاسي, فيه كم هائل من الدلالات والرموز, والتعرية, عندما يتوحد الجلاد مع ذاته في فض بكارة التاريخ وتشريح جثة الضحية, والمجتمع, وتحويلهما إلى رموز مهزومة ومهانة وانكسار عبر التاريخ الطويل.
في يدي رواية, قبلة يهوذا للروائي "أوبير برولونجو", الذي شحن قلبي بالحزن والألم. قدم شخصياته بلغة أدبية بديعة, وسلط الضوء على أبطاله الضحايا بكل سهولة ويسر وأبرز لنا قسوة الطاغية, الجلاد مقربا المسافة الأنية مع الزمن قبل ألفي عام, بين طاغية الأمس وطاغية اليوم, كأن الزمن واحد, هو الزمن ذاته, مكثفًا بذاته. فالسلطة "هي هي" والضحية "هي هي" وزمن الضحية والجلاد ما زالا متوحدين , داخل صراع مفتوح وعبر ديمومة الألم الضاري, ورموزه المستباحة أيضاً.
إن العمل الإبداعي هو عملية خلق, كشف أو تعرية, سباحة في فضاء الحرية والضرورة, عبر الدخول في عمق الأزمة الإنسانية, برفقة الوجع عبر أمتلاك الأدوات الفنية واللغة, واستخدام الأساليب المتعددة لرفع العمل إلى الذروة عبر الإيحاء أو الالتفاف المباشر على الحقيقة وعبر طرق متعرجة للوصول إلى الجوهر, إلى كشف التاريخ القديم ورصده واسقاطه على الحاضر ليكون رافعة لتغيير هذه النمطية التي تسيطر على عقولنا منذ أن بدأ التاريخ.
فالرواية أو أي عمل أدبي هو راصد أمين للاوعي الجمعي الإنساني وناقل له عبر صور مختلفة ومتعددة , والسعي بكل الوسائل إلى تحويل هذه الأرض والوقائع والأحداث إلى سماء تصطخب بالطيور الحرة في فضاء يتسع ويمتد الى ما لا نهاية.
إن خلق شخصيات الرواية من لحم ودم ووضعها في فضاء ايحائي تتحرك ضمن سياق فني لها همومها الخاصة والعامة, يعاينوا الواقع, يدخلونه مرغمين. وكل شخصية لها رغباتها وأمالها وطموحها ضمن سياق الواقع ومجالاته وقدرته على تحقيق هذا الطموح ليشق طريقه في الحياة ومدنا بسبل العيش وطرائقه وأساليبه, وفتح قنوات عبر حفريات الزمان والمكان لنتجاوز الواقع من خلال الواقع ذاته. إن الايحاء والمراوغة واستخدام الصور والخيال ضرورات يستخدمها الأديب لانتزاع وقائع الرواية من الواقع الحقيقي. فكلما كان المبدع متمكنا من عمله ومن قدرته الإبداعية على رسم معالم عمله عبر بناء جمالي والدخول في ممرات الأدب من داخله وبلغة موسيقية يتبادلها الأديب مع شخصياته ونقلهم عبر الزمان والمكان وتحريكهم عبر الدلالات والرموز كلما قدم لنا عملا جميلا وبصياغة فنية جميلة وصور جميلة وأنيقة. طبعا قدم لنا العمل كقيمة جمالية, كعمل فني أدبي متقن الصنع, كلما أدى الهدف وقدم غرض العمل.
إن مشاهد الصلب في الرواية, رصد الألم الإنساني في قمة تآلقه, في لحظة انفصال الوعي المرتبط بالمكان, ولحظة الانتقال إلى الموت والحسرة على الحياة, على فقدان الأحبة والأصحاب والأهل الأعزاء, والزوجة والأولاد.
إن حيوات الناس, الضحايا يبقون ضحايا سواء كانوا يهودًا أو غيرهم, يبقون في الذاكرة جزء من التراجيدية عاشها ويعيشها البشر كضحايا الآلة, السلطة, التي تهرسهم وتفتتهم وتخرجهم مهمشين وعجزة.
صحيح أن الروائي قدم اسقاطات فنية على اليهود في ذلك الزمن, بيد أنها قربت لنا شكل الحياة في ذلك الوقت, الاحتلال الروماني للمنطقة, قسوته, نوع الطعام, الأدوات المستخدمة في الأكل والشرب, الثياب وأسماء المدن والقرى, بساطة حركة الناس, التشابه في المعاناة, الأعمال اليدوية التي يتداولونها, الضرائب الثقيلة التي كانت تأخذها الدولة الرومانية من الناس وبكل الوسائل المتاحة وعدم الرأفة بالفلاحين الفقراء خاصة في مواسم شح المطر أو إنعدامه,وفي بعض المواسم الزراعية. المجازر الجماعية التي يقدم عليها المحتل, مزاجية الطاغية وهلوساته في تنفيذ القتل, رأفته أو شفقته.
الأدب كان وما زال, شاهدًا, يسجل ويروي ويحرض ولا يكف عن الوقوف الى جانب المهمشين. وإن الإيحاءات التي يستخدمها والمراوغة التي يمارسها عبر استحضار التاريخ من أجل تعرية السلطة كمفهومة صلبة وجامدة, كما الصنم الذي يركع الجميع له ويتحكم بحيوات الناس ومصائرهم منذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا .



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة اليسار
- قراءة في رواية سيرة الانتهاك
- الاغتراب في رواية
- النظام الدولي بعد الحرب الكبرى
- حكاية حنا يعقوب
- الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح
- في مقر منظمة العفو الدولية
- خبايا العولمة
- جيلبريت سينويه وابن سينا
- عدت والعود ليس أحمدُ 4
- عدت والعود ليس أحمدُ 3
- عدت والعود ليس أحمدُ 2
- عدت والعود ليس أحمدُ
- السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب
- الثورة والتواصل الاجتماعي
- الخروج من المأزق الوطني
- رسالة إلى صديقي
- الملك السويدي إيريك الرابع عشر
- الأرض المحرمة النهاية
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - رواية قبلة يهوذا